قبل أيام قليلة من بدء أول عملية انتخاب ديمقراطي لمقعد الرئاسة في مصر، منذ مهد الدولة المصرية، بدأ المزاد الانتخابي المصري في التطور السريع والمتلاحق يوما بعد يوم،حتي وصل الي نقطة الاحتدام بين جبهات المرشحين التي يمكن تقسيمها الي ثلاث جبهات،جبهة الفلول التي يتزعمها عمرو موسي وأحمد شفيق، وجبهة أبو الفتوح وحمدين صباحي المستقلة،ثم جبهة محمد مرسي مرشح الإخوان التي يدعمها التيار الإسلامي.

لا شك أن الصراع بين تلك الجبهات الثلاث قد كشف الكثير عن خلفيات ومضمون وخطط المشاريع التي يحملها المرشحون للنهوض بمصر من محنتها والعجز الذي وصلت إليه في ظل النظام السابق، فعلي الرغم من أن مصر تمر بحالة استثنائية كانت تستدعي منهم الاهتمام بها بصورة تجعلهم ينبذون الخلاف والتصارع بل التصالح وا لتوحد واختيار مرشح واحد من بينهم للم الصف والعمل علي توحيد الجهد حتي يعمل الجميع في إطار خط واحد لإعادة مصر الي مكانتها التي تستحقها بين الأمم، إلا أن الانقسام بينهم والتشدد من كل طرف أضاع خطط النهوض بمصر حتي الآن علي الأقل،لآن عنوان مرحلة ما بعد الانتخابات سيكون صراع وتطاحن من أجل السلطة وليس من اجل مصلحة البلاد.

عمر موسي وشفيق أصبح مشروعهم لمصر المستقبل هو إحياء المشروع الفلولي، وبات ذلك مؤكداً ومعروفا من حواراتهم، وما أفاضت به ألسنتهم في الفترة الأخيرة أمام الجميع، ورغم أن المؤسسة العسكرية قالت أكثر من مرة انها تقف علي مسافة متساوية من كل المرشحين.. إلا أن شكوكاً متزايدة بدأت تتحدث عن تزوير قد يحدث لصالح مرشحي الفلول!!، من ناحية أخري إذا كانت المؤسسة العسكرية سترتاح لأحمد شفيق ابن المؤسسة أو عمرو موسي ابن النظام السابقفي حالة فوز اي منهما،فإنها ايضاً قد عززت دورها ً في حالة نجاح أبو الفتوح أو حمدين صباحي وذلك في ظل رئيس بلا صلاحيات يحددها دستور البلاد المؤجل حتي الآن، أما في حالة نجاح محمد مرسي فإن تجربة الكتاتني الذي سبقه في رئاسة مجلس الشعب الذي لم يحقق إنجاز واحد حتي الآن وخلافه مع حكومة الجنزوري الذي لم يستطيع بأي حال سحب الثقة منها رغم كل ماهدد وتوعد به،فإن من شأن ذلك أن يعطي دلالة واضحة لحقبة محمد مرسي إذا ما قدر له الوصول الي كرسي الرئاسة!

من ابرز ما اظهره السباق الانتخابي أيضا هو ذلك التردي الأخلاقي في حملات بعض المرشحين، فكان واضحا لدي البعض أن المهم هو البحث في خلفيات المرشحين لإظهار السلبيات قبل الإيجابيات، خاصة وان كل المرشحين للأسف لا يمكن الإشارة لهم بأنهم من أصحاب الأنجازات لصالح ذلك البلد،لهذا تبقي السلبيات هي محور المعركة، هكذا سارت علي ذلك الطريق مناظرة أبو الفتوح وعمر موسي فكلاهما لم يستطيع التشبث بإنجار واحد يبني عليه قواعد المناظرة ضد الآخر، فعمر موسي الذي قضي سنوات طويلة في مؤسسة النظام السابق أوفى مؤسسة جامعة الدول العربية لم يستطيع أن يبني مناظرته علي إنجار واحد واضح.. كما لم يستطيع أبو الفتوح أيضا الذي يخلو سجله كذلك من إنجاز ضخم غير عمله في المنظمات الخيرية الدولية أن يقنع الشعب بإنجاز قدمه، غير وقوفه أمام السادات معارضا وهو طالب.

أما احمد شفيق الذي ابتعد عن النهج الدبلوماسي في حملته،فقد أصبحت تصريحاته تأخذ الطابع العسكري المتشدد، ولم يعد أمامه إلا القذائف ليرشق بها كل من يهاجمه أو يتظاهر ضده، آخرهم كان عصام سلطان نائب مجلس الشعب المصري الذي كشف عن قضية فساد خطيرة طرفها الفريق شفيق حيث أتهمه في بلاغ للنائب العام بأنه باع 40 ألف متر من جمعية كان يترأس مجلس إدارتها الي انجال مبارك بسعر المتر 75 قرش اي بحوالي 15 سنت للمتر الواحد في منطقة البحيرات المرة وهي منطقة لها أهمية وخصوصية شديدة،إثر ذلك البلاغ بادر شفيق بكشف علاقة سلطان بمباحث امن الدولة المصرية الذي اتهمه بالعمالة لها وقال انه كان ينقل أخبار ميدان التحرير لهم وهو الذي أوقع بخيري الشاطر في قضية غسيل الأموال التي اتهم فيها الشاطر قبل سنوات، كما انه نقل ايضا معلومات عن الحركات السياسية وعلى رأسها حركتا كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وقال شفيق إنه يعلم أسماء المسؤولين الذين كان ينقل لهم سلطان الأخبار، لكنه سوف يكتفي بذكر الأحرف الأولى لهم، بل ذهب الي أبعد من ذلك عندما قال إن سلطان تلقى تكليفات من جهات مسؤولة بالدولة، بالتقرب من محمد البرادعي ليمنعه من التعاون مع جماعة الإخوان المسلمين.

لا يستطيع احد أن يشك انه في حالة صحة تلك المعلومات فإن من شأن ذلك أن يصيب المصريين بالإحباط بل بالقرف من كل الوجوه التي تعتلي الساحة السياسية الآن، قرف المصريون من النخبة السياسية كان قد بدأ بالفعل منذ اهتزاز ثقة الشعب في الإخوان المسلمين وفي برلمان الكتاتني وقبلهم في كل الأحزاب المصرية التي لايمكن الإشارة لدور حزب واحد بالتأثير في العملية الانتخابية الجارية الأن.

لم نعد نري وجوه رؤساء تلك الأحزاب مثل ايمن نور رئيس حزب الغد والسيد البدوي رئيس حزب الوفد الذي يدعم عمر موسي إلا وهم يقفون وراء الميكروفونات في مؤتمرات صحفية هزيلة يعقدونها من وقت لآخر لا لشئ غير إثبات الوجود والبحث ربما عن أي مقعد في حكومات المستقبل.

[email protected]