لقد اظهر نظام الملالي عداءا اعلاميا للولايات المتحدة منذ عام 1979 ودخل معها في صراعات معروفة النتائج سلفا، بان على اثرها ان الولايات المتحدة قد تقدم على ضرب ايران في اية لحظة، وكان ابرز هذه الاحداث احتجاز طاقم السفارة الامريكية لاكثر من سنه، وكذلك اسقاط الطائرة الايرانية في مياه الخليج. وجاء الملف النووي الايراني ليظهر ان الصراع بين الطرفين قد ينقلت نحو الحرب قاب قوسين او ادنى، ومع مرور الايام تبين ان الولايات المتحدة تتحرك تارة ضد ايران ترضية للكيان الصهيوني، ثم تعود وتقبل بالتفاوض مع ايران سرا وعلنا. وفي الخفاء كانت اللقاءات متواصلة، والتنسيق على احسن وجه، والتفاهم بينهم ايجابي حول تقاسم الادوار في المنطقة. فنظام الملالي سهل مهمة الولايات الامريكية في احتلال كل من افغانستان والعراق، وقد سهلت مهمة اعوانها من الاحزاب العراقية الموالية لنظام ولاية الفقيه في دخول الاراضي العراقية اثناء الغزو الامريكي للعراق عام 2003، وسكتت على سياسة بول بريمر التقسيمية وفق المنهج الطائفي الذي قاد البلد الى الاقتتال الطائفي، وذهب ضحيته الوف القتلى والمعوقين وملايين المهجرين. وكل ذلك ليسهل على ايران بسط سيطرتها على العراق، او على الاقل بسط سيطرتها على المحافظات الجنوبية ذات المذهب الواحد مع ايران. ومن خلال هذه السيطرة تتمدد باتجاه دول الخليج العربي، وبالذات الكويت والبحرين والسعودية. ان هذا الدور التبادلي بين الطرفين بات واضحا للعيان بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق اواخر العام 2011. اذ سيطرت ايران على العراق سياسيا واقتصاديا، الامر الذي جعل قاسم سلطاني يصرح بان العراق وجنوب لبنان تابعين لايران، وبامكانه تشكيل اية حكومة فيهما تنفذ ما تريده طهران.
الادارة الامريكية معنية جدا بموضوع الملف النووي الايراني بفعل الضغط الصهيوني وقلقها من تنامي القدرات النووية الايرانية، ولاسيما بعد تخصيب اليورانيوم محليا، الامر الذي يوحي بان بمقدورها تصنيع سلاح نووي يهدد المنطقة كلها. وعلى هذا الاساس فالادارة الامريكية تسعى الى منح نظام طهران الفرصة تلو الاخرى بهدف التوصل الى حل يرضي كل الاطراف، ومن هذه الحلول منح ايران فرصة لاخذ دور اقليمي مميز في المنطقة الى جانب تركيا والكيان الصهيوني، ولا تمانع ان يكون الدور الاقليمي على حساب الحقوق العربية، وعلى حساب الهوية العربية، وكما غضت الولايات الامريكية الطرف عن سقوط عملائها في تونس ومصر واليمن، فانها ستسمح لايران ان تسقط انظمة عربية واحتلال بلدانها، وفي مقدمة هذه الدول البحرين التي باتت محور الاهتمام الايراني خلال العام المنصرم والجاري، حتى ان نظام الملالي لم يعد يتورع او يساير ولو دبلوماسيا في تصريحاته علاقات الجوار مع البحرين، ويستنكر هذا النظام فكرة الوحدة االبحرينية السعودية في اطار مجلس التعاون لدول الخليج العربي. بل اكثر من ذلك يدعو النظام الى مظاهرات في كل المدن الايرانية ضد فكرة الوحدة بين البحرين والسعودية، في حين يطالب بوحدة البحرين مع ايران، انه منطق مزدوج في النظرة الى الوحدة.
ومن اجل ارضاء النظام في طهران مازالت الجهات الامريكية المعنية تماطل في شطب منظمة مجاهدي خلق المعارضة من لائحة الارهاب، الادهى من كل ذلك ان المدعي العام الاميركي يشكك في كل التقارير العسكرية الامريكية السابقة التي اكدت قيامها بسحب كل اسلحة منظمة مجاهدي خلق التي كانت بحوزة سكان مخيم اشرف. ويطالب بضرورة التأكد من خلو مخيم اشرف من السلاح، وهذا التشكيك المتعمد يلتقي في نواياه ومع الادعاءات الايرانية والعراقية لايجاد ذريعة لارتكاب مجزرة جديدة بحق الاشرفيين كالتي وقعت عامي 2009 و2011 وراح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى.
عن مسألة السلاح المفبركة نعود الى تصريح الجنرال ( اوديرنو ) في مؤتمر عبر الاقمار الصناعية يوم 18/6/2003 حيث قال quot; لقد تم نزع اسلحة سكان اشرف الخفيفة والثقيلةquot;، وقد ذكر الارقام الحقيقية لانواع الاسلحة التي كانت بحوزة الاشرفيين قبل عام 2003. كما قامت القوات العراقية في شهر نيسان من عام 2009 بتفتيش المخيم بواسطة الكلاب البوليسية ولم تجد اية قطعة سلاح.
السؤال هو لماذا اثارت الولايات المتحدة هذا التشكيك الان؟ لماذا لم تثره طيلة السنوات الماضية، اي خلال تسع سنوات مضت على الاحتلال الامريكي للعراق؟.هذه الرسائل الامريكية تمنح ايران وحكومة المالكي فرصة لان ترتكب مجزرة جديد ضد الاشرفيين بدم بارد، وهذا التعاون مع النظام في ايران هو عربون وجزرة جديدة بهدف الوصول الى تفاهمات جديدة بشأن الملف النووي الايراني. ولو كانت الادارة الامريكية صادقة في تصنيف النظام الايراني في قائمة الارهاب او محور الشر او الدول المارقة، لتعاونت مع كل قوى المعارضة الايرانية ضد هذا النظام. وبالمقابل يرسل النظام الايراني رسائل الى الغرب بعامة والكيان الصهيوني بانه ليس ضد ( اسرائيل ) وهذا ما صرح به علي لارجاني رئيس مجلس الشورى بالقول quot; ايران لا تعادي اسرائيل.. وان المفاعلات الايرانية لاتشكل تهديدا للامن الاسرائيلي quot;.
السمكة الطعم الجديدة هم الاشرفيون، عرقلة لعملية نقلهم من مخيم اشرف الى مخيم ليبرتي بعد نقل خمسة افواج حتى الان. ومن اجل ارضاء نظام الملالي ايضا اوحت الادارة الامريكية الى ممثل الامم المتحدة ( كوبلر ) الذي يزور طهران بدعوة من الصليب الاحمر الايراني، وهي دعوة من وزارة ( اطلاعات ) بهدف اقناع الامم المتحدة بضرورة اشراك النظام الايراني في الاشراف على الاشرفيين في مخيم ليبرتي، واتاحة الفرصة امام المخابرات الايرانية ترتيب السيناريوهات المحكمة لذبح الاشرفيين خطوة خطوة.
من اجل حبك المسرحية، فقد انشأت الاطلاعات منظمة وهمية باسم ( رابطة النجاة ) كل عناصرها من رجال المخابرات الايرانيين المدربين على عمليات التجسس والحرب النفسية للعمل على تيئيس الاشرفيين من الحياة في مخيم ليبرتي، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها، حيث لا ماء صالح للشرب، اوساخ متراكمة في جنبات المخيم، رفض التعاون من اجل تنظيف المخيم من الازبال، معاناة مع الافاعي والعقارب، معاناة من تدخل رجال الامن الذين يتجولون في المخيم خلافا لما تم الاتفاق عليه بين الحكومة العراقية والامم المتحدة بضرورة تواجد قوة امنية خارج اسوار المخيم فقط.في ظل هذه الظروف سيعمل رجال المخابرات باساليب مهنية على اثارة البعض من الاشرفيين تحت وطئة الحاح اهاليهم في ايران وحنينهم للقاء معهم بعد فراق سنوات عديدة بهدف اعادتهم الى ايران.
التعاون بين الادارة الامريكية ونظام الملالي هذه الايام هو على حساب الاشرفيين، ولا يهم الادارة الامريكية ان يتم ذبحهم مقابل تحقيق حل لازمة الملف النووي الايراني. وقد سبق لهذه الادارة المجرمة ان سمحت بقتل مئات الالوف من العراقيين وتشريد الملايين من ديارهم وبلدهم دون ان يرف لها جفن. كما انها سمحت لنظام الملالي ان يحتل العراق سياسيا واقتصاديا وثقافيا للامعان في تفتيته وتقسيمه عرقيا وطائفيا. اما حماية الاشرفيين فتقع على دعاة حقوق الانسان في هذا العالم الذي يعج بالنفاق والدجل والعنصرية والاستبداد.
كاتب أردني
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات