من طالع صحف (الأربعاء 23/5/2012) وقرأ الهجمات الشرسة التى تنهال على رئيس الوزراء السيد نورى المالكي من كل جانب ومكان وحتى من بعض أفراد كتلته ndash;كما يدعون- لا يبقى لديه شك فى أن سحب الثقة عنه سيتم خلال أيام قلائل قادمة، ما لم يعود البعض الى رشدهم قبل فوات الأوان.

لو فرضنا أن ذلك تم (لاسمح الله) وقدم المالكي استقالته فماذا سيحصل فى العراق؟ حسب الدستور سيكلف المالكي بالبقاء فى منصبه لحين الاتفاق على البديل. وستتشقق الكتل السياسية كلها وتدخل فى نزاع عنيف على من سيخلفه، ولن تشذ عن ذلك سوى الاحزاب الكردستانية التى ستكون هى الطرف المنتصر الوحيد فى هذا النزاع التافه السخيف الذى أساسه الأحقاد الشخصية والغيرة والحسد والطائفية المقيتة والصراع الحزبي على الحكم، أما الشعب التاعس فستزداد تعاسته بسبب الصراعات الجديدة، فينكمش رأس المال الوطني وتنشل الأعمال وتسود البطالة، وليس من المستبعد قط فى أن تنشب معارك دموية تأتى على الأخضر واليابس وتأكل الحرث والنسل. وستغتنم القاعدة الفرصة للقيام بتفجيرات مروعة فى كل مكان فى العراق (عدا كردستان)، وستفجر أنابيب البترول ويتوقف تصديره من العراق (عدا كردستان)، ولن تسلم المساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات من التدمير بصورة أشد وأعنف بكثير مما خبرناه فى السنين الماضية.

سيسارع البعض، كما اعتادوا أن يفعلوا، الى اتهامى بعمالتى للمالكي، وبأننى أبالغ فيما أقول، ولكن إذا ما وقع ما أخشى وما يخشاه كل عراقي غيور على بلده، فلن يجدوا الوقت للندم على تهجمهم علي وعلى كل من كتب فى صالح وخير الوطن.

مصير العراق سيكون معلقا على ما ستفعله أمريكا واسرائيل وتركيا وايران والسعودية، ولكن من يدفع الثمن هو الشعب العراقي وحده. وفى أفضل الحالات للعراق هو عودة القوات الأمريكية اليه، لحماية مصالحها النفطية فيه بالدرجة الأولى، فان ذلك سيكون فى صالح العراق والعراقيين أيضا. فقد مل العراقيون من نزاع من تسلطوا على رقابهم، وأصبح همهم الوحيد هو العيش بسلام، مما يوفر لهم الأعمال ليشبعوا بطونهم الخاوية، ويبعثوا بأولادهم الى المدارس، وبمرضاهم الى المستشفيات، ويعيشون كما تعيش بقية شعوب الأرض.

إن الوضع فى العراق اليوم يشبه ما كان عليه فى الأيام الأخيرة من حكم الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم، عندما كانت الأحزاب تتسابق لخيانته ونجحوا فى جريمة قتله، ولم يكن باستطاعة شعبه الأعزل من عمل شيء بالرغم من المقاومة اليائسة من قبل المخلصين من أمثال إخواننا الكورد الفيلية فى بغداد الذين قدموا أكبر عدد من الضحايا لمقاومة الانقلاب الاجرامي الذى قام به حزب البعث الشيطاني، ولم يمر وقت طويل حتى بدأ البعض من أعداء الزعيم انفلسهم يعضون أصابعهم ندما ويذرفوا الدموع حسرة وحزنا على أشرف إنسان حكم العراق.

أنا لست مغرما بالمالكي كما قلته وكررته مرات عديدة سابقا، ولكنى أجده خير من اي من منافسيه على الحكم، ولو أتاحوا له الفرصة لكان العراق الآن فى خير عهوده، ولكن سوء حظ العراق والعراقيين أن أبتلوا بمثل هؤلاء الطامعين الأنانيين الذين لا تهمهم مصلحة بلدهم مطلقا وإن تظاهروا بالعكس، ولن توخزهم ضمائرهم لما قد يصيب الشعب العراقي من الويلات والمآسى بسبب مطامعهم التى لا حدود لها، وهم فى مأمن من الأخطار بما لديهم من جنسيات مزدوجة، وعوائلهم تسكن خارج العراق تنعم بملايين الدولارات التى هربوها، وسينضمون اليها متى ما شعروا بأن غضبة الشعب آتية للاقتصاص منهم، ولكن لن يفلتوا من انتقامه مهما وفروا لأنفسهم من حصون مانعة وبروج مشيدة.