لم يكن احد من المصريين قادرا علي فهم مجريات ذلك اللغط الكبير، الذي صاحب قرار الرئيس مرسي بإلغاء قرار حل مجلس الشعب المصري وعودته لممارسة أعمالة، حتي إجراء الانتخابات القادمة بعد 3 اشهر، قد يبدو الأمر مفهوما في فلسفة الاعتراض علي قانونية ودستورية القرار وفق الخبراء القانونين، لكن طريقة الرفض ومنهج الاعتراض لم يكن عاديا ولا اعتياديا، إنما جاء صاخبا متصلبا متحديا لقرار الرئيس، بل تعدي تلك الحدود ووصل الي حد التجريح الشخصي،والإهانة، أو الإنذار كما فعل رئيس نادي القضاة المصري أحمد الزند.

جرى كل ذلك في حالة من الإنقسام الشديد بين القانونيين والحقوقيين،ما بين مؤيد بحجج وأسانيد، ومعارض بنفس الحجج والبراهين، حتي تاه الناس واستبدت بهم الحيرة وهم يتساءلون كيف يحتمل القانون أو القرار الرئاسي كل هذه التفسيرات المتضادة والمتضاربة ؟وكيف لا يجمع جهابذة القانون علي رأى واحد؟وهل هذا عبث؟ أم عدم دراية؟ أو هو الخبث المقصود في جعل القوانين ملغمة مليئة بالثغور والثقوب حتي يمكن الطعن فيها والتحايل عليها وفقا للأهواء والأطماع؟

الغريب إن هذا الانقسام القانوني لا يتوقف علي حالة بعينها، إنما هو ممتد ومتشعب وواصل ونافذ الي كل قرار وكل رأي في ذلك البلد، ويبدو ذلك واضحا علي الأقل في الوقت الحالي، انه باختصار وضع مصر الراهن، الانقسام بين النخبة هو سيد الموقف!،ووجود حالة من الخلاف التصادمي في المجتمع هو أمر واقع وثابت، وطرفي الانقسام طيلة الوقت هما فريقين احدهما يساند الفلول ولا يقبل تغير نظام مبارك، بل يعمل على عودته وتمثله أصحاب المصالح في كل قطاعات الدولة العميقة، أما الآخر فهو الفريق المتمسك بالتغير والذي سعي للانتقال بمصر الي أفاق جديدة رحبة تتسع لكل أبناء الوطن وهم الثوريين المجردين من الأطماع الشخصية والمصالح الضيقة.

لم يعد هناك سر يمكن إخفاؤه الآن فكل قطاعات الدولة المصرية تحتاج الي عمليات جراحية عاجلة،والي برامج لإعادة الهيكلة بشكل كامل ومستمر حتي تتوافق مع روح الثورة والتغير الذي حدث. لم يعد مقبولا استمرار كل الذين افسدوا الحياة السياسة مع مبارك في كل قطاعات الدولة حتي الآن،مبارك لم يكن أبدا وحده كلهم كانوا حوله وأعوانه، وعندما ذهب هو لم يذهبوا هم، فظل الحال معوجا لا يمكن إصلاحه، وظل الخلاف مستمرا لا يمكن قطعه، وظلت حالة الميوعة واللزوجة ما بين الثورة واللاثورة طاغية علي المشهد في مصر.

لم يعد مقبولا ولا ممكنا أن نستقي معلوماتنا من وسائل إعلام ضللت الشعب في عهد مبارك وظلت علي حالها حتي الآن كل وجوه المذيعين منعدمي الضمير ما زالت تحلق في الفضائيات المصرية العديدة والمتعددة علي أشكالها المختلفة وسياقها الواحد، باقية علي نفس العهد في التضليل والبحث عن المصلحة الخاصة، تفتقد كل أنواع الإبداع والتفوق، أما مقدمو البرامج المتحولين من عصر الي عصر ما زالت هيئتهم الفلولية طاغية عليهم،مخزن أفكارهم السوداء لم ينضب بعد، فقط كل ما تغير هو أسماء القنوات الفضائية التي يعملون فيها.

كيف يثق الشعب الذي يتطلع الي حياة كريمة يسود فيها العدل والمساواة في النخب السياسية التي فرضت نفسها على المشهد الثوري وما زالت؟، كيف يثق الشعب في مؤسسات الدولة المنقسمة علي نفسها؟،القضاء منقسم والمحامين كذلك والشرطة في أجازة مرضية والجيش مازال متردد في انتهاج طريق التغير والقبول بالحالة الثورية التي تعيشها البلاد والاستسلام لمنهج الثورة.

المصريون كلهم يخسرون أمام استمرار هذا الحال، فالشعب المليوني الذي فجر الثورة هو صاحب كل الحقوق في تحديد مصيره وتحديد رئيسه وتحديد طريقة عيشه وكتابة دستوره، أما النخبة فلم تكن يوما قائدة للثورة، إنما قفزت عليها.

النخبة تبحث عن الكراسي والمناصب سبيلها في ذلك هو المصلحة الشخصية لا مصلحة الشعب،لم يقلق أبدا مضجع واحد منهم في نومه الصباحي الطويل قبل أن يتوجه للسهر في الفضائيات، أن يفكر في الذهاب للسهر مع هؤلاء المظلومين الذين يحتشدون أمام القصر الجمهوري رافعين مظالمهم.

إن الصراع الحادث في مصر بين سلطات الدولة وداخل مؤسساتها هو صراع المصالح، والسلطة، وصراع العقليات الفاسدة التي تضخمت عندها الآنا والذاتية والتي دفعت بها الواسطة والمحسوبية الي مراكز ومناصب علي حساب الموهوبين المجتهدين،ليس في ذلك ادني شك، تستطيع التعرف عليهم وانت تراقبهم من خلال الأحداث التي يدفعون بأنفسهم إليها دفعا ليتحدثوا للشعب وأمام الشعب فينكشف خطابهم اللغوي وتظهر الركاكة والتواضع الشديد وطريقة حمايتهم لفلول النظام وأعوانه الفاسدين.

الذي لا يستطيع أي مراقب للأحداث أن يفهمه هو وضع الأحزاب المصرية التي تمارس دورها بعد الثورة بكل بجاحة وفجاجه،كيف لا يستقيل رئيس هذا الحزب أو ذاك وهو لا يتمتع بأي شعبية في الشارع، ولاحتي يستطيع حشد ألف شخص في مظاهرة أو مسيرة للمطالبة بحق؟ ما هي إنجازات حزب الوفد أو التجمع علي سبيل المثال غير عقد المؤتمرات الصحفية والنضال في الفضائيات؟ لماذا لا يستقيل رئيسا الحزبين مثلا ؟ هل هي المصلحة والمنفعة التي لا تشبعان صاحبهما من مال وجاه وسلطان، كلهم يجب إزاحتهم ويجب خلق بيئة حرة جديدة تساعد في دفع مسيرة مصر الثورية حتي تظهر المواهب وتأخذ حظها ونصيبها في قيادة الأمة.

[email protected]