لازال صعود الحركات الدينية للأحزاب السياسية للحكم فى مصر وتونس وليبيا يثير جدالا واسعا فى قدرتهم على التنمية والإزدهار والحقوق والحريات والحداثة بعد تجربات سيئة مثل إستبداد ولاية الفقيه فى إيران وحكومة طالبان والأحزاب الطائفية فى العراق وغيرها.

فى حلقة السبت 2/ 5 /2012 وفي برنامج توفيق عكاشة على قناة الفراعين المصرية كانت صريحة فى فضائح الاحزاب الدينية بالادلة والفيديو، وذلك عندما عرض فيديو فظيع عن قطع راس مواطن تونسي وذلك بواسطة متشددى الإسلام السياسى، وهم يكبرون ويصلون على محمد ويتلون القران... ويرددون (السلام على رسول الله رافع راية الإسلام والمسلمين، وذالّ الشرك والمشركين. اللهم نستغيثك من ذنوبهم ونتوب إليك من شركهم، بنحر هذا المشرك المرتد اللهم عليك بالمرتدين وانصر جندك وانصر دينك وارفع راية لا إله إلا الله، اللهم عليك به وبالمرتدين والمشركين وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، اللهم عليك بالمرتدة وعليك بالمرتزقة ولله الحمد والمنة، وارفع رايتك بنحر هذا الكافر المرتد..) ثم نحروه وقطعوا رأسه وفصلوه عن جسده بمنظر بشع مقزز ومفزع جدا بلا إنسانية ولا رحمة... فيما سمّوه تطبيق الشريعة الإسلامية. والإسلام منه براء، حيث قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أدعوا إلى السلم كافة) وقال الله تعالى لرسوله (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) وقد عفى النبى عن مشركى قريش الذين حاصروه وطردوه وحاربوه وكسروا رباعيته ورموا الدماء على وجهه وسلطوا الخيل عليه وكان يرجع مضرجا بدمه قائلا (اللهم اغفر لقومى فإنهم لايعلمون)، لم يحقد ولم ينتقم بل عفى وسامح فعندما فتح مكة قائلا (إذهبوا فأنتم الطلقاء) وجعل الراية رحمة لا نقمة، بشعار واضح (اليوم يوم المرحمة اليوم ترعى الحرمة)، رافضا من كان يحمل شعار الإنتقام (اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة)، وأخذ الراية منه مستبدلا الملحمة بالمرحمة، والنقمة بالنعمة، والإنتقام بالعفو والرحمة، ولم يعاقب أحدا منهم قائلا (بعثت رحمة للناس جميعا) مستلهما من قوله تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) (وأن تعفو أقرب للتقوى) (ويدرؤون بالسيئة الحسنة) (ولا تستوى الحسنة ولا السيئة إدفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم)، وقد عفى النبى عن هند والوحشى الذى قتل عمه حمزة، وهبار الذى روع زينب بنت النبى فأسقطت جنينها، وطالبوه بالدعاء عليهم فقال (لم أُبْعَث لعّانا بل رحمة للعالمين، وإنما أقول كقول يوسف الصديق (لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) وهكذ الفرق الشاسع بين ثقافتين ومنهجين
ملكنا فكان العفو منا سجية فلما ملكتم سال بالدم أبطح
وحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذى فيه ينضح.
هذا العفو والسماح والرحمة هى جوهر الإسلام وروحه والقرآن الكريم ومبادئه، وأخلاق الرسول والقيم الإنسانية.

يعتقد البعض أن الأحزاب الدينية المعاصرة لم تؤيد الثورات الشبابية فى البداية لكنها ركبت موجة الثورات الشبابية لاحقا لتصل إلى السلطة وتحكم وفق مفهومها للحاكمية
إلتقيتُ ببعضهم فى حوارات بلندن فرأيته يخطب أمام الناس بخطاب عام جميل فى التسامح والرحمة ولكنه يقول عكس ذلك فى المجالس الخاصة ويؤمن بثقافة العنف والتطرف وتطبيق الشريعة وكيفية التعامل مع الآخر... لذلك يتخوف الكثيرون لتونس الجميلة أن تقمع بها الحريات ويسود التطرف وترهيب نساء الجامعات وتقطع رؤؤس من يخالفهم كما فى الفلم الذى عرضه عكاشة فى تونس وغيره كثير.

إن حكم الإسلاميين اليوم فى أحزابهم السياسية وتوهمهم الإسلام السياسى وتطبيقاتهم الخارجية مما يرجعنا إلى الردة الحضارية للأمة وتخلفها فى العادات والطقوس والخرافة والدجل فى القرون الوسطى للغرب وحكم الكنيسة فى محاكم التفتيش وصكوك الغفران وقمع الحريات وقتل المبدعين والمفكرين كغاليلو وتكفيرهم باسم الإله بينما الله منهم براء لأن الله للعالمين جميعا (إن الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (ما جعل عليكم فى الدين من حرج) وقول النبى (جئتكم بالرسالة السهلة السمحاء) وقد ورد العقل والفكر فى عشرات الآيات حتى التفكير فى النص الإلهى (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) والتدبر فى النفس والكون والآيات.

الإسلام يدعو للعلم وأول آية (إقرأ) لكن بعضهم يدعون للجهل، الإسلام يدعو للرحمة وهم يدعون للعنف، الأمم المتقدمة تقدمت فى الحريات وحقوق الإنسان والإعلان العالمى لحقوق الإنسان بينما لازالوا يعيشون ثقافة الإماء والعبيد واستغلال الإنسان واستعباده، بينما الأمم تتطور وتتراجع أمتنا إلى الوراء، حيث يحلم مفكرونا ومبدعونا باللجوء للغرب الذى امتلأ بهم، بل حتى من الإسلاميين وقياداته الذين لجؤوا إلى لندن وفرنسا وواشنطن حتى قالوا (فى الغرب إسلام بلا مسلمين وعندنا مسلمون بلا إسلام) ولازلنا نفتخر بالجهل والخرافة وتصنيفات عنصرية حتى بين الرجل والمرأة، وتقديس رجل دين -الذى فشل فى المدارس الإبتدائية- والرجوع إليه كمرجع فى كل شاردة وواردة حتى فى غرفة المنام والحمام ليفتى برضاع الكبير وتفخيذ الطفلة الرضيعة ونكاح الميتة وداعا بعد وفاتها ساعات، وما المرأة إلا متاع الفراش ويحق للرجل جمع الأربع ماعدا المتعة والمسيار والإماء رغم أن النساء شر كلهن ونواقص الخلق والدين والإيمان والحظوظ، وحسنها إذا أحسنت التبعل وخدمة زوجها ولايجوز خروجها ولو مات جميع أهلها وسافر زوجها فى روايات ضعيفة سندا ودلالة ومخالفة للقرآن وسيرة النبى الكريم.. بينما كانت زوجات النبى يشاركنه الحرب والسلم والتجارة والسياسة كذلك كانت خديجة أولى زوجاته التى أسندته بمالها وهى التاجرة المرموقة التى خطبها كبار القوم لكنها أرادت النبى.. وفتوى بعضهم بأقوام تسع لاتعاملهم ولا تزاوجهم ولا تختلط بهم..فى عنصرية واضحة لأن أكرمكم أتقاكم ولافرق بين أسود وأبيض وعربى وأعجمى إلا بالتقوى.. ونحن أمة نمتلك المليارات ولكن يوازيها الفقر الذى جاوز 40 بالمائة وتصرف الملايين لفئة فى البطن والجنس.. بينما تصرف الأمم المتحضرة على التعليم والدراسات والأبحاث أعلى الميزانيات ولكن ميزانيتنا العلمية هى النسبة الأقل لأنا نتوهم عندنا كل شئ ولا نحتاج إلى غيره فلن نسع إلى التقدم والتعلم، ومن النادر أن يقرأ الكتاب النافع حيث كتاب الطبخ هو الأكثر بيعا فى معرض الكتاب، وهكذا يكون الصغير عندنا كبيرا والكبير صغيرا ولا نعرف المهم والأهم والأولى.

وتعظم فى عين الصغير صغارها وتصغر فى عين العظيم العظائم
هكذا صار العراق متخلفا منكوبا من الأحزاب الدينية الطائفية المتخلفة جدا فى مقارنة مع الخمسينات والستينات والسبعينات ومراحل الإبداع والرقى كذلك مصر وتونس أين كانت وإلى أين تتجه... كما وصلت ما يسمى بالدول الإسلامية فى طالبان وإيران وباكستان والسودان من التخلف والجهل.

فإذا كانت الصغار مثل إطلاق اللحية وحف الشوارب محور الإيمان والكفر بينما كان الرسول يطلق شعر رأسه ولا يلتزم به الفقهاء المعاصرون بحجة أن العرف للنساء فى إطالة شعور رؤوسهن، فأين العرف فى غيره وأين التطور والحداثة والتكنلوجيا وتغير الزمان والمكان فى الأهم والمهم والأولويات لتقدم الأمة ونهضتها... ولذلك علينا توقع الردة الحضارية والثقافية للأمة فى التخلف والجهل من موجات حكم أحزاب الدينية فى المنطقة وقد بات المثقف والمفكر والمبدع خائفا معزولا وجلا من فتاوى التكفير والمحاكم الدينية... وعلينا أن نردد ما قاله المتنبى مستهجنا ومستنكرا.
غاية الدين ان تحفوا شواربكم يا امة ضحكت من جهلها الأمم؟