قَتْلُ كلبٍ في غابةٍ قضيةٌ لا تُغتفر * وقتل شعب آمنٍ مسألةٌ فيها نظر
صمت غريب ومريب انتاب العالم ضد إعلان الكهنة البوذيين حربهم المقدسة الثانية ضد المسلمين! فهم لا يسامحون في قتل كلب أو إيذاء قطة بينما لا يتحرك للعالم جفن وهو يري عشرات المسلمين يحرقون، وتلتهم النيران مئات من منازلهم، ويشرد منهم الآلاف ويفزع إلي الكهوف والجحور ألوف أخري!

أين أصحاب العيون الزرقاء شقر الشعر بيض اللحم؟ لماذا ينصرون كل المظلومين في العالم شريطة ألا يكون مسلما؟ لماذا حينما يصب العذاب صباً على المسلمين ويضطهدون تحت سمع وبصر العالم كله فإن الآذان تصاب بالصمم، والعيون تصاب بالعمى، والألسنة والأقلام تصاب بالبكم، أما حين يتعرض شعب أو جالية بل ربما فرد من ذوي الدماء الزرقاء أو تهان كرامته فإنهم حينئذ يعلنون الطوارئ وتستنفر الأقلام وتتحرك كل وسائل الإعلام فتقيم الدنيا ولا تقعدها حتى يقتص ممن تعرض له!

ابتداء لا بد أن تثق أيها القارئ أنك أمام شعب مسلم يحارب ويضطهد، وأن مزاعم السفير البورمي في القاهرة محض كذب وافتراء، فالقضية دينية وليست كما زعم السفير أنها عصبية واقتتال داخلي مبعثه اقدام ثلاثة مسلمين علي اغتصاب بوذية وقتلها.. كل هذا كذب وسنطلعكم علي الحقيقة من البداية ولن نعدكم بالوصول إلي النهاية لأنها في جوف الغيب الذي لا يعلمه إلا علام الغيوب.

دخل الإسلام هذه الدولة بعد ما جاء بعض الدعاة المسلمين من الخليج وجنوب الجزيرة العربية ومن الهند وغيرها، وأعجب أهل بورما بأخلاقيات الدعاة فدانوا بدينهم، وعملوا في الزراعة ثم هيمنوا على التجارة وتوطنوا في كثير من البقاع، وأكبر تجمع لهم في (أركان)، وجاء اسم (الروهانجيا) الذي ينتسب له المسلمون من اسم قديم لأركان وقد استقروا فيها قبل (الماغ) البوذيين ويمكن إثبات ذلك عن طريق العديد من الوقائع التاريخية التي تدعم هذه الحقيقة، ومما يدل على قدم المسلمين في هذه الدولة الآثار التاريخية مثل مسجد (بدر مقام) في (أكياب) عاصمة (أركان) وكذلك (مسجد سندي خان) والذي بني منذ 560 عاماً ومسجد (الديوان موسى) الذي بني عام 1258م ومسجد (ولي خان) الذي بني في القرن 15م.

وكانت أحوال المسلمين آنذاك جيدة، وكان لهم مكانتهم، بل أقاموا في أركان دولة إسلامية ما بين عامي 1430-1784م وكان لهم عملات نقدية تتضمن شعارات إسلامية مثل كلمة التوحيد، إلى أن احتلت أركان من قبل الملك البوذي (بورديابا) عام 1784م وتعرض المسلمون بعدها لمذابح وطمست المعالم الإسلامية، وأحل الطابع البوذي مكانها، وتعرض المسلمون لمذابح متواصلة حتى جاء الاستعمار الإنجليزي.

وقف المسلمون بقوة في وجه الاستعمار الإنجليزي الأمر الذي جعل بريطانيا تخطط للتخلص منهم عن طريق الفرقة الدينية بين الديانات المختلفة لإيقاع العداوة بينهم كعادتها في سياساتها المعروفة (فرق تسد) فأشعلت الحروب بين المسلمين والبوذيين، وتمثلت تلك المؤامرات في طرد المسلمين من وظائفهم وإحلال البوذيين مكانهم، ومصادرة أملاكهم وتوزيعها على البوذيين، والزج بالمسلمين وخاصة قادتهم في السجون أو نفيهم خارج أوطانه، وتحريض البوذيين ضد المسلمين ومدهم بالسلاح، فأعلنوا حربهم المقدسة الأولي ضد المسلمين، فأوقعوا بالمسلمين مذبحتهم عام 1942 حيث فتكوا بحوالي مائة ألف مسلم في أركان.

وبعد أن نالت بورما استقلالها في 4 يناير عام 1948 فتفاءل المسلمون خيراً بعد أن نص الدستور البورمي ضمن حرية المعتقد وحق القوميات العرقية ممارسة أديانها بحرية؛ لكن (مستر يونو) أول رئيس وزراء تجاهل جهاد المسلمين وقتالهم المستعمر والذي كان تحت ولاء (منظمة برمن مسلم كنجرس) بقوله أن لا مسوغ لأن يكون للمسلمين عضوية في المجالس النيابية، وعليهم أن يعملوا داخل حزب بورما (AFPFL) مع التخلي عن منظمتهم آنفة الذكر.

ومع ذلك عاش المسلمون هناك عيشة جيدة، حيث اشتهروا بالتجارة وبنوا ما يربو على 3000 مسجد ومدرسة، بل ساعدوا مساجد ومدارس المسلمين في القارة الهندية، وكان في آخر حكومة وطنية قبل الانقلاب الشيوعي 3 وزراء مسلمين منهم (السيد عبد الرزاق) الذي كان له أثره الذي لم يكن لأي وزير مسلم.

وفي عام 1962 م حدث الانقلاب الشيوعي بقيادة الجنرال (تي ون) والذي أعلن بورما (دولة اشتراكية) وذكر علناً بأن الإسلام هو العدو الأول، وترتب على ذلك حملة ظالمة على المسلمين وتأميم أملاكهم وعقاراتهم، وفرضوا الثقافة البوذية والزواج من البوذيات وعدم لبس الحجاب للبنات المسلمات والتسمي بأسماء بوذية، وأمام هذا الاضطهاد المرير ارتد بعض المسلمين ليتمتع بحقوق المواطنة الرسمية بعيداً عن الاضطهاد والتنكيل، واضطر الكثيرون للهجرة القسرية من ديارهم وأملاكهم إلى دول العالم الإسلامي وبخاصة بنجلادش بعد حملات عسكرية إجرامية على أراضيهم وأماكنهم.

في 4 يوليو 1981م سنت الحكومة البورمية مسودة قانون جديد للمواطنة ضيق على المسلمين وصدر عام 1982 وهو يقسم المواطنين إلي درجات، ووضع المسلمين في الدرجة الثالثة، حيث صنفوا علي أنهم أجانب دخلوا بورما لاجئين أثناء الاستعمار البريطاني، وتم سحب جنسيات المسلمين وصاروا بلا هوية وحرموا من كل الأعمال وصار بإمكان الحكومة ترحيلهم متى شاءت، ثم اقترحت الحكومة البورمية أربعة أنواع من الجنسية هي الرعوي والمواطن و المتجنس وعديم الجنسية، وبناء علي هذا التقسيم لا يحصل المسلم علي الجنسية ألا بعد أن يتقدم بطلب للحكومة بشروط تعجيزية. وبهذا القانون طاردوا المسلمين وأصبحوا كاليتامى على مائدة اللئام مما عرضهم للاضطهاد والقتل والتشريد.

فضلا عن ذلك، شكل النظام الحاكم ميليشيا مسلحة هي quot; الناساكاquot;، مهمتها نشر الرعب ومصادرة الأراضي والقيام بالأعمال الوحشية و الاغتيالات والاغتصاب والتعذيب، وقد أصبحت هذه الممارسات عملة رائجة. وتعرضت عدة قرى لغارات مدمرة لأنها وضعت موضع شبهة، كما حدث في منطقة quot;سيتيوquot; في 4 فبراير 2001.

وفي الأول من شهر يونيو 2012م تعرض عشرة من دعاة المسلمين الأراكانيين لمذبحة شنيعة قضوا نحبهم فيها بعد أن هوجموا من قبل جماعة بوذية، فتكت بهم جميعًا ومثّلت بجثثهم، ولم تقف الأمور عند هذه المجزرة فحسب بل تعدتها إلى حرق منازل ومزارع عدد كبير من المسلمين وقتل العشرات بالنيران. ومنذ 8 يونيو هجم البوذيون على المسلمين حينما كانوا يؤدون صلاة الجمعة في مدينة منغدو (المتاخمة لحدود بنجلاديش)، وعند مواجهة المسلمين لتلك الهجمات المفاجئة أطلقت الشرطة الرصاص على المصلين الأبرياء؛ مما أسفر عن مقتل أربعة مصلين.

وبعدها بدأ البوذيون المشاغبون المسلحون بالأسلحة النارية بشن حملات منظمة على المسلمين الأبرياء، وفي 10 يونيو 2012م تم فرض حظر التجول على المناطق التي تقطنها الأقلية المسلمة، وبعدها قامت الجماعات البوذية بتعاون من رجال الشرطة والجيش وقوات حرس الحدود بحملة تطهير عرقي وديني راح ضحيتها آلاف من المسلمين الأبرياء بين القتلى والمصابين بالجروح، كما أن البوذيين أحرقوا أكثر من ثلاثة آلاف منزل من منازل المسلمين.

وفي ظل هذه الجرائم المتتالية ضد المسلمين إضافة لحملات التنصير المنتسشرة في أركان وغيرها صادق مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع على خيار الرئيس باراك اوباما لأول سفير للولايات المتحدة في بورما منذ أكثر من عشرين عاما وهو ديريك ميتشل المتخصص المعروف بشؤون آسيا. وسيصيبك الذهول حين تعلم أن مبررهم في ذلك هو شروع الحكومة البورمية في إجراء إصلاحات ديمقراطية!

وقال زعيم الاقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ إن ميتشل أنجز quot;عملا مميزا في دوره الحالي كممثل خاص ومنسق حول بورماquot;.