لم يكن افتتاح المركز الثقافي العراقي في لندن بالحدث ألعابر وذلك لأسباب عدة منها اهمية لندن كعاصمة حاضنة لثقافات العالم وكعاصمة ثقافية اولى مع باريس و نيويورك، ولان اغلب اهم المثقفين والمبدعين العراقيين يقيمون في هذه المدينة بسبب هجرتهم التي بدئت منذ منتصف العشرينيات الى يومنا هذا حتى وصل عدد المثقفين و الاكاديميين الكبار العراقيين فيها الى اكثر من اربع ألاف وجاليتها العراقية الى اكثر من 300 إلف ناهيك عن مدن بريطانيا الاخرى. و لكن العنصر الاهم هو افتتاح مركز ثقافي عراقي صرف مغاير لما كان علية المركز الثقافي العراقي ايام الدكتاتورية التي استغلت ذلك الصرح الثقافي ابشع استغلال بحق الثقافة العراقية وأفضل استغلال من وجهة نظر الدكتاتورية ألفاشية، مما ولد صور مغايرة عن الواقع والحقيقة التي كانت تعيشها الثقافة العراقية زمن الدكتاتورية، صورة مشوهة زُرعت بأذهان البريطانيين و الجالية العربية في لندن سوف لن يكن من اليسير على ادارة المركز الجديد تغيرها بسهوله.

كلمة ممثل وزيرة الثقافة مدير عام دائرة العلاقات العامة السيد عقيل المندلاوي، حملت خطابا ثقافيا يؤكد على النأي بالمركز عن السلطة السياسية و ارتباط المراكز الثقافية ادارياً فقط بوزارة الثقافة، وأكد المندلاوي على ان المركز مفتوح للجميع بغض النظر عن انتماءاتهم اما المنتج الابداعي والثقافي فهو المقياس الاول و الاخير.

الشاعر و الدكتور صلاح نيازي كان له ان يلقي كلمة المثقف فابتدئها بالقول ان لا يمثل المثقف إلا المثقف نفسهُ وأشار فيها لدور المثقف العراقي في الحياة البريطانية وولوجه في الحياة الثقافية معتمدا على ابداعه في ضل عدم توفر الداعم الحكومي له منذ اكثر من 40 سنة، و اكد على اهمية فصل الثقافة عن السلطة السياسية.

كما اشار الشاعر نيازي الى احدى التصريحات السابقة لوزير الثقافة د. سعدون الدليمي حين قال ان وزارة الثقافة اهم من وزارة الدفاع، و هو الوزير الذي تحمل مسؤولية الوزارتين، لذا وصف نيازي هذا التصريح بالمنحى الخطير الايجابي و اننا على اعتاب تحول ثقافي عراقي جديد وسياسة بنائية حكومية اذا أعتبرت وزارة الدفاع اسماً على مسمى اي دفاعية وليس لصناعة الحروب الداخلية والخارجية وتعتبر مهمة وزارة الثقافة هي بناء الانسان الذي حطمته تلك الحروب.

أستبشر الكثير من الحضور الذين حضروا بناء ً على الدعوات الخاصة للمثقفين والمبدعين العراقيين في بريطانيا استبشروا بالكثير من الامور الايجابية استنتاجا لما حدث في الافتتاح و للإشارات الواضحة منه و الرسائل التي اراد ان ينوه عنها، في مقدمتها:
1-الحضور الكبير لمثقفي العراق في لندن، مما يعني ان هنالك نظرة ايجابية و بادرة حسن نية من قبلهم للتعاون من اجل ترميم الثقافة العراقية وتقديمها للمجتمع البريطاني بأفضل صورها الحقيقة.
2-افتتاحية السيد المندلاوي ممثل وزير الثقافة و الحديث عن دور المركز ثقافي وليس السياسي مما بدد في الوقت الحاضر على الاقل مخاوف المثقف من هيمنة السياسي.
3- ومن الاشارات الاخرى برنامج الافتتاح الثقافي، حيث كان اشارة مهمة على انفتاح المركز المستقبلي على كل انواع الفنون التي هي صلب اهتمامه وقد الغى الشكوك و التساؤلات التي كانت تطرح، هل ستتعامل الدولة رسميا مع كل الفنون ام انها ستخضع لبعض الضغوط باتجاه هذا النوع من الفنون او ذاك؟

اما برنامج افتتاح المركز الثقافي في لندن، فقد كان اضافى الى ما تقدم فقد قراء الشاعر البريطاني ستيفن وات قراءات شعرية لبعض من اعمله وهو واحد من اهم شعراء بريطانيا اليوم لتشير ادارة المركز على الانفتاح على الثقافة البريطانية من جدول اعمالها ليقدم المركز الصورة الثقافية الحقيقية و العميقة عن العراق من خلال ابداع مثقفيه و نفس الوقت يقدم ما تيسر من الثقافة البريطاني و من مبدعيها الى الجالية العراقية في لندن اي ان واحد من مهام المركز هو خلق جسر بين المثقف العراقي و البريطاني.

كما كانت هنالك قراءة لمقطع من ملحمة كلكامش باللغة العربية للفنان الكبيرة فوزية الشندي، اختارتها بدقة وعناية و ايضا كانت هنالك قراءات لمقاطع اخرى من نفس ملحمة كلكامش ولكن هذه المرة باللغة الانجليزية بصوت الشاعرة البريطانية انا كوبر ليشير ذلك الى ان من مشاريع المركز التركيز على اهمية تقديم الحضارات العراقية القديمة باعتبارها الاولى في ألعالم. اضافة الى قصائد ترحيبية باللغتين الانجليزية والعربية بأصوات اطفال.

صغر قاعة المركز التي تعتبر مؤقتة حتى الانتهاء من ترميم القاعة الاكبر حيث قررت رئاسة الوزراء توفيرها للمثقف والفنان العراقي في بريطانيا، صغر القاعة الحالية احال دون افتتاح معرض للفنانين رسامين و تشكيلين، لذا فقد اكتفى البرنامج بعرض (سلايدات للوحات) اكثر من 30 فنان عراقي من كل الاجيال ابتداءً من جيل الرواد.

ختامها مسك كما يقول المثل، وكان مع الموسيقى حيث قدم عازف العود المنفرد احمد مختار اعمال موسيقية منفرداً على العود ثم رافقته على الاكورديون البريطانية كارول ايسهاك ببعض من مؤلفاته الموسيقية ثم انضم لهما عازف الجيتار والعود الايطالي فرنشيكو انزولي، ليعزفوا ثلاثي (تريو) اعمال تراثية عراقية بتوزيع هارموني اثارة اعجاب الحضور البريطاني والعراقي مما دعى الشاعر كريم عبد الى التعليق اعجابا وسط الحضور ليثني على هذا الجهد الموسيقي الذي يسعى لإحياء التراث الموسيقى و يظهر بصيغة متطورة يعتمدها الفنان في منطلقه الى العالمية. قبل ان يقدم مختار اعماله الموسيقية المعده و المؤلفة، قال سأقدم رؤيتي لبعضا من لتراث العراقي اكثر مما اقدم احمد مختار و مؤلفاته، لذا فكانت الاعمال الموسيقية على التوالي - مقام بنجكاه و تنويعات على اغنية من التراث- جنائن معلقة ndash; سولاف لغانم حداد من التراث - جي مالي والي من التراث- الغجر- تنويعات و توزيع على اغنية طالة من بيت ابوها.

ثم اعقب الموسيقى كلمة قصيرة جدا فحواها (جئت لخدمة المثقفين والثقافة) لتعلن انتهاء زمن الخطب العصماء و بدء مرحلة العمل، القاها مدير المركز الثقافي في لندن للدكتور عبد الرحمن ذياب، وهو الاعلامي الذي حصل على اكثر من شهادتين من الجامعات البريطانية وعمل في المجال التلفزيوني و اخر تلك المحطات القناة البريطانية الرابعة، اضافة الى عمله في بعض القنوات العربية والعراقية.

اخُتتم حفل الافتتاح لكن بقيت هنالك بعض الاسئلة المطروحة ومنها، الى اي مدة سيكون المركز الثقافي هذا بعيداً عن الاجواء السياسية العراقية الملبدة بالغيوم دوما؟ وإذا التزمت الوزارة بمنهاجها والدعوة لاستقلالية المراكز الثقافية، هل يا ترى ستلتزم الوزارة القادمة الجديد بذلك؟ هذه الاسئلة و اخرى تراود الكثير من المثقفين، لكن، دعونا ان نبدأ ببادرة حسن نية ونعطي الفرصة لهذا المركز ان يثبت وجوده، و ان نتجاوز امراض السياسة التي تسربت لإنصاف المثقفين، والاهم وفي ضل هذه التحديات، ذا كان هنالك من لا يستطيع ان يكون عوننا لأسباب سياسية او نفسية او يساهم في البناء الثقافي هل من الممكن ان لا يكون سببا في عرقلته مأرب لا تخفى على الجميع؟ لننتظر ونرى منذ سيفعل الجميع.