لا نريد ان نستبق الأحداث ولكننا نرى اليوم وعلى الأقل ما سمعناه وشهدناه في انتخابات الرئاسة المصرية، وخاصة بعد اعلان فوز مرشح الرئاسة احد قادة الإخوان المسلمين في جمهورية مصر العربية، الذي قرر تقديم استقالته من أي صفة تربطه بالإخوان المسلمين عضوا كان فيها أم زعيما، حيث صرح في أول تصريح له بعد الفوز بأنه أصبح الآن ملكا لكل الشعب المصري بكافة فئاته وطبقاته وأديانه وأحزابه ومكوناته وليس ممثلا لحزب أو دين أو مكون؟

شيء جميل ورائع جدا مثل هذا القول، وسيكون أكثر جمالا وروعة حينما تثبت الأيام القادمة تطبيقاته فعلا على الأرض، فنحن جميعا نسمع الكثير من الأقوال والتصريحات الجميلة لكن الأيام تثبت البون الشاسع بينها وبين تطبيقات صاحبها الأرضية، وبالذات تلك الوعود الانتخابية التي لا تخلو من حيز ضيق جدا لا يكاد المرء فيه ان يرى شيئا من الصدق!؟

وازاء تصريحات الرئيس المصري المنتخب ينتابنا شعور مغاير هنا في بلادنا لا يخلو من الحزن أو الإحباط ربما، ونحن نقارن ذلك مع ما يجري الآن حيث يحاول البعض من الفائزين في الانتخابات الأخيرة تقزيم البلاد وأهلها في شخص معين وداخل بودقة حزب أو كتلة ما، وكأنما موقع الرئاسة أو المسؤولية تشريف وغنيمة للتمتع بالمزايا والنفوذ وإنشاء المجالات الحيوية للانتشار في مساحات أوسع، أملا في استنساخ إمبراطوريات وديناصورات في زمن الربيع الذي اخترق ليس حاجز الخوف فحسب بل مزق حجاب القباحة والعفونة عن حقيقة تلك الأنظمة والثقافة البائسة في الاستحواذ على السلطة والتفرد بها تحت يافطة الضرورة التاريخية أو الربانية أو خوفا على البلاد من الدمار والهلاك اذا ما ازيحوا عن السلطة، كما كانت تهدد كل الأنظمة الدكتاتورية في حال سقوطها!؟

كم كنا نتمنى جميعا لو استقال أيضا رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء من كافة صفاتهم الحزبية ومسؤولياتهم فيها، وان يقنعنا رئيس وزراء العراق ( أيا كان بصفته المسؤول الأول دستوريا ) بعد فوزه بأنه فعلا لا يمثل حزبه أو مذهبه أو حتى دينه وقوميته وهو يتربع على المسؤولية الأكبر في بلاد فسيفسائية الأعراق والأقوام والأديان والمذاهب، لا ان يستحوذ على الموقعين في آن واحد ويريد ان يقنعنا بأنه حريص علينا جميعا؟

حقا كنا نتمنى أيضا أن نسمع ذات يوم باستقالة مسؤول مهما كان عنوانه، بسبب فشل دائرته أو فشله في معالجة مشاكل المواطنين وما يتعرض له الأهالي، فمنذ 2005م يفترض ان نظاما ديمقراطيا بديلا للدكتاتورية التي حكمت بلادنا نصف قرن بدأ بوضع اسسه وممارساته، لكن ما حدث ان انهارا من الدماء سالت بسبب ضعف الأجهزة المختصة ومسؤوليها دون ان تدفع أياً منهم، ابتداءً من رئيس الوزراء والوزير المختص ونزولا الى الضابط المكلف في مكان أي حادث بالاعتذار أو الاستقالة لفشله أو لتحمله جزء من المسؤولية كما يحدث في الدول ذات الأنظمة المحترمة، كما اننا لم نسمع أيضا أو يحصل شيء من هذا القبيل إزاء طوفان الفساد المالي والإداري المستشري في هيكل البلاد الحكومي في معظم قطاعاته، حيث تعلن لجنة النزاهة وغيرها من المكلفين بمتابعته عشرات أو ربما مئات الملفات، بينما تعمل جهات أخرى متنفذة حكوميا أو حزبيا على ( لفلفة ) تلك الملفات والقضايا وتهريب فرسانها مع ما حملوا من غنائم إلى دول لم توقع مع العراق منذ أيام النظام السابق اتفاقيات تبادل المجرمين أو المتهمين ليتمتعوا هناك مع شركائهم الأطهار في الداخل بما غنموه في غزوتهم المباركة!؟

وأخيرا ليس هناك أدنى مقارنة بين وزير بريطاني أو الماني أو غيرهما من العالم الكافر والمتخلف يستقيل اثر حادث أو تلكؤٍ ما أو ربما معاكسته لسكرتيرته، وبين الكثير من مسؤولينا بمختلف المستويات الغارقين حتى اذنيهم بالفساد والفشل وهم يعاكسون شعبا بأكمله وليس سكرتيرة شخصية، دون ان يرف لهم جفن أو تهتز لهم شعرة في!؟

[email protected]