تمرغت السلطة السورية في الاجرام تلذذاً، خلقت ميليشيات من العدم الخلقي والثقافة اللانسانية، شرائح تربت على الآثام مبدأً، يجرفون بالمجتمع السوري إلى الإنهيار في الضياع. تكونت منهم قوى البغي، موازية لفكر الطغيان السياسي، الى أن أصبحت الدكتاتورية الأسدية مذهباً قائما بذاته لهم، فصارعوا الأديان والمذاهب تحت شعارات اخترعوها من الذات التائهة مابين الفساد والبغي والطغيان. فتنوعت ساحات جرائمهم، من المساجد إلى رياض الأطفال، ومن الكنيسة إلى رموز التاريخ السوري، صلبوا السيد المسيح بهتك أعراض الأم في احضان المقدسات، والتمثيل بجثث الرضع في محراب الإمام، خلقوا أنواع الإستهتار بسوريا كوطن، غايتهم النهائية ردم الإنسان السوري في كفن الخنوع والذل.
السلطة التي عارضت التدخل الخارجي، لتحافظ على كيانها المليء بالشرور، فتحت الأبواب لضيافة مجرمي حزب الله وحراس الثورة الايرانيين، تستقبل على شواطئ سوريا كل يوم أرتال من الأسلحة الروسية والايرانية، تتلقف الآلاف من الجنود الروس لتحمي عرش الفساد، كخطوة استباقية قبل تطبيق البند السابع في المحافل الدولية. كل ما يهمها سلطة وطغيان حتى ولو كان على جثة المجتمع الممزق.
مزقت السلطة النسيج السوري، وتكالبت على الوضع المتردي، بشراهة الفساد، الذي تراكم في القوى الجمعية اللاواعية المدمرة، دفعت السلطة السورية الفاسدة بميليشيات الكراهية لتخلق مجازر بشرية شوهوا بها صفحات التاريخ إلى الأزل، شاركت مجموعات متنوعة من خارج جغرافية سوريا يسخرون الوظيفة اللاعقلانية في اللاوعي، هذه الوظيفة التي كانت مكبوتة في فترة الذل والخنوع، تمردوا عند اندلاع الثورة ليعيثوا فساداً كمرض خبيث، لا علاج له إلا بالاجتثاث.
كلما تقربت النهاية كان القادم أفظع، فالمجاهل النفسية في ميليشيات اللاوعي تثير فجاج الروح للحفاظ على إله البغي والطغيان ليسودوا في العبث ويتمرغوا في أذلال الوطن لأبراز الذات الشريرة بكل فسادها وساديتها. فهي سلطة تتناسى وتعتم على المجتمع مدارك التوازن بين الروح والمادة، خلفت مجتمعاً ممزقاً بمفاهيم عدمية، قادتها من البعثيين وطغاة تشربوا وعلى مدى عقود ثقافة ركائزها الحقد والكراهية تجاه الآخر، عبثوا بأركان الوطن، فبنوا جدران العزلة من البغض بين ساكنيها من الطوائف الدينية والإثنيات القومية، وذلك لغاية أحادية الهدف، هو البقاء كآلَهة بشرية وبسلطة أبدية مطلقة.
القصد من وراء هذا الاجرام خلق رد فعل ثوري عفوي معاكس للمسيرة السلمية، من رواد الشباب، ليدفعوا بهم إلى حروب أثنية طائفية بنيتها الحقد والكراهية والتي تزرعها السلطة وبمساعدة قوى خارجية هنا وهناك، لكن رواد الثورة السورية من الشباب، الذين نهلوا ثقافات متعددة، في هذا العقد الأخير المنعدم فيه الزمن والمسافة، والتي أنهالت فيها عليهم مفاهيم الحرية بكل معانيها، فوجدوها تتعارض وثقافة الطغاة ورجال الأديان السياسية، فألتزموا بالوعي الارادي، ليخترقوا مجالات الحقد والبغي لدى السلطة الشمولية، وبقيت الشرائح المتمردة في إطار نزعة البحث عن المفقود في واقعهم المعاش يومياً ضمن نسيج الوطن المتكامل، وهذه هي القوة الروحانية والخلقية التي ستؤدي بالثورة الى النتيجة الحتميةن وبها ستكون زوال النظام القائم بكل فساده، هذا النظام الملام عن الضياع الانساني في سوريا بكليته.
نحن شهود على طوفان ثورة فريدة في التاريخ تجول في سوريا الوطن، الشباب السوري أدركوا وبشكل اوسع واعمق من الذين سبقوهم في الشرق ثورات، فظاعة المآسي التي تحيط بهم، والقهر الذي يتمرغون فيه منذ عقود، والحقد اللاواعي والكراهية لكل ما هو انساني المخيم على أرض الوطن والذي يلوث أجوائه بكل الآثام، لم تثنيهم لحظة عن مجابهة المستبد، يخرجوا ثائرين يضحون بذاتهم، المرهقة صراعاً، والمعذبة عقوداً، بعد كل تنكيل ومن خلال نفس الطريق وعلى نفس الساحة التي أحتضنت عدد من الشهداء في اليوم السابق له، ثوار في ثورة يؤكدون بجبروتهم هذا على نقل الأمة التي عانت وتعاني الويلات بكاملها من القهر والظلم إلى لذة العيش حراً مصرين على ألغاء كل الآفات المترسخة في العمق الوطني دفعة، لهذا فهم يدفعون الثمن أغلى وأفظع، تشهد الوطن ثورة ستعد أعظم ثورة في سجلات التاريخ الانساني.
الجيل الثائر هذا، يجمع بين المعابد الدينية أي كانت مشاربها، تجمعهم ثقافة عصرية تتكامل ركائزها من تداخل روافد حضارية متنوعة، قومية ودينية، حيث لا حواجز تمنعهم من النهل منها، الثورة يقودها رواد من كل حي وزاوية، من الكنيسة والجامع من الفقر والغنى، الرواد عادة قلة لكنهم مهندسي العصر القادم، الخالي من الطغاة وسيطرة المسجد أو الكنيسة على مسيرة المجتمع وعلاقاته.
دخلت الثورة في بدايات المرحلة الأولى من تكوين الوطن سقوط االسلطة أصبحت حتمية، ظهور التيارات الإسلامية في الواجهة، لا تعبر على ماهية الثورة، تحطيم النظام ستجرف السلطة والإنتهازيون معاً ، والقادم من البناء متكامل بين الروحانية والعلمانية بكل وجوديتها.
تتجاهل السلطة السورية ماهية عظمة الثورة، تثير مفاهيم الارهاب وتلقيها على رواد الثورة من الشباب، فترد على المسيرات السلمية بقساوة المجرم الظلامي، تخلق جرائم وراء جرائم، بدأتها من جريمة أطفال درعا، إلى أن وصلت الى فظاعات الحولة والقبيرة... بل وستجعل من سوريا مجزرة متشابكة الاطراف، وهذا ما كان متوقعاً من نظام بنى مفاهيمه على ثقافة الفساد والحقد والكراهية وآلغاء الأخر، ولا يتوقع منه سوى دمار وإجرام أبشع، في الوقت الذي يتوضح فيه مصيره المتهاوي الى الضياع والزوال.
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
التعليقات