عندما تتجاوز ميزانية العراق المائة مليار دولار، ويتجاوز معدل الدخل السنوي للفرد العراقي ثلاثة الاف دولار، فان الحالة المعيشية والحياتية للمواطن لا بد ان يلحقه تحسن ملموس في جميع جوانب الحياة، ولكن ما نشهده على ارض الواقع لا ينم بأي حال من الأحوال بأثر ايجابي من الارتفاع الخيالي للواردات النفطية التي ترفد خزينة البلد بعشرات المليارات من الدولارات، وما نشهده على الارض خاصة في بغداد والمحافظات في الوسط والجنوب هو تواصل للفقر المزمن اللصيق بالعراقيين والعوز والمرض لدى الأغلبية الساحقة من ابناء الشعب.
وفي ظل ارتفاع صوت الاحتجاجات ضد نوري المالكي وحكومته، وخاصة من قبل القائمة العراقية والتحالف الكردستاني والتيار الصدري وطرح محاولات عديدة لسحب الثقة منه، وفي ظل الواقع الفاسد للسلطة الحاكمة المتسم بالاستغلال السلطوي وفرض السياسة الفاسدة للجمع بين السلطة والثروة من قبل المسؤولين السياسيين والاحزاب والوزراء وامراء الازمات والتجار والمقاولين الفاسدين لنهب موارد الشعب والمقتدرات الاقتصادية والموارد المالية للبلاد، وفي ظل تحول المالكي الى حاكم منفرد كما يتهم به من قبل كل من اياد علاوي ومسعود البرزاني، ومع الاقرار بسطوة أقلية حاكمة وطاغية جشعة تسيطر على الحكومة والمال العام وممتلكات الشعب، فان أغلبية ساحقة تعيش في أزمات حياتية قاسية نتيجة الفقر المدقع ونتيجة فساد السلطة والاحزاب الحاكمة، وهذه الأغلبية الفقيرة حان الوقت لها ان تطالب بتغيير السلطة الحاكمة التي وضعت الشعب بين سندان الفساد ومطرقة الأزمات، خاصة وان الصرخات والآهات بدأت تعلو اصواتها وتشق ابواب السماء مع الحدر الشديد والكهرباء العليل الغائب عن الوجود، وأكثر من يتحمل هذه العذابات هم المستضعفون العراقييون وخاصة منهم الفقراء والمحرومين والمحتاجين.
وأمام الدعوات الداعية الى تغيير المالكي وتحميله المسؤولية الكاملة عن كل ما يجري في العراق من انفراد بالسلطة وفساد وممارسات رأسمالية جشعة ومارقة للجماعة الحاكمة وبطانتهم الفاسدة من كل الحلقات المحيطة بهم، فان العمل على تغيير الحكومة الفاسدة وحل الأزمة السياسية المفتعلة بين الكتل البرلمانية الحاكمة، وازالة الحالة المربكة والمعقدة التي تحيط بالحكومة الائتلافية، فان كل هذه الغايات يعتبر اهدافا مشروعة لكل عراقي يبغي تحقيقه بالوسائل السلمية والمدنية بعيدا عن العنف وسفك الدماء، ومن باب التفكير بالمنطق والتعقل فان الواقع الراهن يلزم الحوار الجدي لفك الازمة السياسية ولحل بعض المشاكل بين الاطراف المعنية لحين الانتخابات البرلمانية القادمة لاختيار وجوه وطنية قادرة على تقديم وضمان الخدمات للمواطنين بعيدا عن المحاصصة والتوافق السياسي ومن خلال انتخاب ممثلين حقيقيين قادرين على الوفاء بتعهداتهم تجاه الشعب العراقي.
والمسار العاجز الذي يسير عليه المالكي لم يزد الواقع العراقي منذ سنوات الا فقرا واحتياجا وعوزا ومرضا، والحكومة التوافقية لم تعد تملك أي مصداقية للوعود التي أطلقتها في برنامج عملها منذ بداية تشكيلها، ولم توفر غير المسكنات لتخدير ابناء الشعب، وتصريح الشهرستاني نائب المالكي بتحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير الكهرباء في العام القادم او ورائه يشكل استخفافا كبيرا بمعاناة ومشاعر العراقيين، ولهذا فان اللجوء الى الحوار البناء هو الحل الامثل للخروج من الازمة، ولا شك ان الانشغال بالازمة السياسية قد انسى الكثير مما يعانيه العراقييون من عذابات متواصلة، والتي يمكن اجمالها بما يلي:
bull;حرمان جميع ابناء الشعب من دخل الفرد العام في الموازنة السنوية للعراق والتي تقدر بأكثر من 3000 دولار لكل فرد، والمواطن لا يدري اين تذهب دخل ثلاثون مليون عراقي على مدار السنة ويصل اجمالي هذا الدخل الى 90 مليار دولار، كما تشير اليها التقديرات الاقتصادية، وهؤلاء الملايين محرومون من كل انواع حقوق المواطنة والخدمات العامة.
bull;المحاربة القاسية والاهانة المتعمدة للمواطن الفقير في حقوقه ومواطنته وفي أغلب مجالات الحياة، وكأن الفرد العراقي البسيط في مطلبه وحلمه كائن غريب لا يحق له العيش في البلاد.
bull;الوعود البراقة التي وعدت بها الحكومة كسلطة تنفيذية والتي لم يتحقق منها شيئا على أرض الواقع خاصة للفقراء الذين يطلقون صرخات وآهات تصل كل البقاع العراقية.
bull;غياب المصداقية بالحكومة وخاصة من قبل المستضعفين والفقراء وتراجع التاييد لها مقارنة بفترة الانتخابات البرلمانية.
bull;تحول الخلافات السياسية الى ازمات متواصلة للارتزاق عليها من قبل رؤساء الكتل والاحزاب، ودفع الاطراف الى حمل سمات العداء أكثر من حمل سمات الوفاق، وتحول الصراع الى معركة على المناصب وتقسيم الامتيازات فقط للجمع بين الثروة والسلطة واستغلالها بكل امتيازاتها المالية والاقتصادية والتجارية والنفطية باساليب بعيدة عن الطرق المشروعة وفرض النفوذ للاستيلاء على الموارد والممتلكات العامة للبلاد.
bull;وجود جيش جرار بالملايين من الشباب العاطل وخاصة الخريجين منهم، والواقع الراهن يعاني من بطالة شديدة عالية الدرجة والمستوى، والمجتمع العراقي لا يقدر على حمل اعبائها بكل المقايس.
bull;ارساء نظرة استعلائية وعدائية من قبل السياسيين تجاه البلاد والشعب في السلوك والممارسات من خلال مهامهم الرسمية والحزبية، وكأن نظام الحكم قد أرسي على اساس نظام السيد والعبد، وهذا النوع من التعامل اللاانساني جعل منهم ان يتحصنوا بمجاميع من المارقين والفاسدين من اصحاب النوايا الشريرة ممن لا يريدون للعراق خيرا باي شكل من الاشكال.
bull;التنافر الشديد للمالكي وحكومته من اصحاب الكفاءات والخبرة التي لا تبغي غير الخير لهذا الشعب والبلد، واللجوء الى اختيار شحصيات غير مؤهلة بدوافع حزبية وسياسية، وأحداث ما بعد عام الفين وثلاثة أثبتت عدم مجيء حكومة مؤهلة بتاتا لحد الان لخدمة العراقيين لضمان الخدمات الاساسية والعدالة والتنمية الاقتصادية والتكافؤ الاجتماعي لجميع ابناء الشعب.
باختصار هذا هو الواقع الذي سبب تزايدا في الاعداد المليونية للفقراء، وتسبب في رسوخ صناعة دائمة للفقر وما يتراءى لنا مشاهدته مباشرة من التماس المباشر مع المواطنين واقع مؤلم بكل معاني الكلمة، والإقرار بسلبيات هذا المسار لا يعني أن نغض الطرف عن الجوانب الايجابية للواقع العراقي الجديد، ولكن الواقع الذي نعيشه المليء بمظاهر الخلل والأزمات الخانقة يفرض علينا أن نقول الحقيقة بمصداقية وجدية خاصة وان السلطة رافقتها دائما فئات فاحشة من اهل الحكم والبطانة الفاسدة المستغلة والمتعطشة للثروة والسلطة، ولا يخفى ان هذه الفئات ساهمت في ارساء فساد رهيب ونهب متواصل لأموال وممتلكات الدولة المريضة التي تتحكم بها أقلية فاسدة من أهل الحكم.
لهذا نجد ان افضل طريق للبحث عن الحل واخراج الفقراء من عوزهم ومشاكلهم وازماتهم هو الحوار البناء المنطلق من نية صادقة للنهوض بالعراق وبنائه لتقديم وضمان الخدمات الحياتية الاساسية وتوفير المقومات المعيشية الرئيسية لكسر حالة الفقر في البلاد لضمان الكرامة والحياة الكريمة لكل انسان حر في العراق.
كاتب صحفي ndash; بغداد
[email protected]
التعليقات