ان النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948 من خلال مؤامرة دولية وضعف عربي سمح باقامة دولة مارقة اسمها اسرائيل زُرعت في قلب الوطن العربي من اجل إخضاع هذه المنطقة وبقاءها رهينة للغرب وسيفه الضارب هنا وهي هذه الدولة.

ان النكبة شكلت عامل ومحفز لابناء الشعب الفلسطيني الى التعلم وزادتهم الهجرة معرفة لهذا العالم، وحسب احصاءات الاونيسكو فإن اكثر نسبة متعلمين اي خريجي الجامعات من بين الشعوب العربية هم من ابناء الشعب الفلسطيني، هؤلاء المتعلمين كالأطباء والمهندسين والمدرسين عملوا وساهموا على نهضة دول عربية وخاصة في الدول الخليجية.
ان الوعي الذي تمتع به ابناء الشعب الفلسطيني خلق اناس يفكرون بمجابهة العدو الصهيوني بكافة الاشكال والاساليب ثقافيا وانشاء مقاومة مسلحة خلال الستينات. ان المقاومة الفلسطينية والتي انتمى اليها وساندها ابناء الوطن العربي الذين رأوا في هذه المقاومة مثالا لمحاربة سيطرة الغرب على مقدرات الوطن العربي والتخلص من التبعية للدول الغربية التي وان انسحبت عسكريا من المنطقة العربية الا انها ما زالت موجودة باشكال متعددة.

ان هذا الدور المتقدم للشعب الفلسطيني الهم الكثير من الشعوب للتمرد على الانظمة العربية المستبدة والمرتهنة للغرب واستمر دور المقاومة الفلسطينية من الخارج حتى عام 1982 وخروج منظمة التحرير بمقاتليها من لبنان، وهنا تراجعت جذوة المقاومة الفلسطينية التي لم تجد ارض تنطلق منها، وبعد ذلك تركزت اعمال المقاومة في الداخل الفلسطيني اي في الضفة الغربية وقطاع غزة وتفجير انتفاضتين ضد الاحتلال.

الشعب الفلسطيني الذي اصبح لديه سلطة بعد توقيع اتفاقية بين منظمة التحرير واسرائيل عام 1993، اصبح الفلسطينيون ملزمون باتفاقيات تحد من تحركهم كحركة مقاومة واصبحوا يفكرون بردود فعل اسرائيل وتأثيرها على السكان في حال اجراء اي عملية فدائية او اي تفجير او هجوم على الجيش الصهيوني.

في البداية نُظر للسلطة بأنها حجر الأساس لميلاد الدولة الفلسطينية ولكن بعد تنصل اسرائيل من اتفاقاتها مع الفلسطينيين الا الشق الامني لهذه الاتفاقية حافظت عليه اسرائيل لانه يصب في مصلحتها. بعد ذلك اصبحت السلطة عبئا وعامل مقيد لتحركات الشعب الفلسطيني الذي اصبح يُحكم من قيادة متسلطة تصادر حريات الاخرين بمجرد التعبير عن اراءهم او بمجرد انتماءهم لفصيل اخر لا يتفق معهم.

فالفلسطينيون لم يكتفوا بسلطة واحدة واصبح لديهم سلطتين واحدة في غزة واخرى في رام الله وهذا الوضع تسبب في تعزيز الانقسام فيما بينهم وتراجعت القضية الفلسطينية خطوات الى الوراء بدل التقدم الى الامام، وهذا التشرذم يؤدي بالنتيجة الى تراجع دعم العالم وتراجع القضية الفلسطينية وعدم الاهتمام بها حتى عربيا.

اصبحت السلطة كأي سلطة ونظام في الوطن العربي تحافظ على امتيازاتها والانكى من ذلك ترتبط هذه السلطة بتنسيق امني مخجل مع العدو الصهيوني نرى قمع شرطتها فقط عندما يخرج الناس للتظاهر السلمي للتعبير عن رفضهم لسياسة السلطة واداءها واستمرارها في المفاوضات العبثية التي تطيل من عمر الاحتلال وبناء المزيد من المستوطنات على الارض الفلسطينية ولا نرى هذه الشرطة عندما يدخل الجيش الصهيوني وقطعان مستوطنيه الى المدن الفلسطينية وكأن الشرطة شُكلت فقط من اجل قمع المواطنين الفلسطينيين واعتقال كل من يريد مقاومة هذا الاحتلال. والدليل على ذلك ما حصل مؤخرا في رام الله وخروج الشبان والشابات للاحتجاج على زيارة المجرم الصهيوني شاؤول موفاز الذين تعرضوا للضرب من قبل شرطة السلطة. وهنا سلطة حماس طبعا غير مستثناة من ممارسة سلطتها بتقييد الحريات وتمارس ما تراه مناسبا لشعب غزة وهي لا تختلف عن السلطة في رام الله بشئ.

بعد ان كان الشعب الفلسطيني السباق الى تفجير الثورات عمدت السلطة في اطارها العام الى تقزيم والحد من طموحات هذا الشعب بالتطلع الى الحرية والديمقراطية واصبح الشعب الفلسطيني يصطف في اخر الطابور بانتظار ربيعه القادم، وكل الدلائل تشير الى ان هذه السلطة لم تتعلم من الربيع العربي شيئا وكأنه لا يعنيها وهي تستخدم نفس اسلوب الانظمة الديكتاتورية المستبدة.


كاتب وصحفي فلسطيني