مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الأخير الذي عقد في باريس أفرز مواقفا تاريخية للعديد من القيادات الدولية التي قررت تحمل مسؤولياتها الأخلاقية و الإنسانية و الإعتبارية و التداعي الحازم و الفاعل لوقف نزيف الدم السوري الذي وصل لدرجة غير مقبولة في عالم يدعي أنه تخلص أو في سبيله للتخلص من الأنظمة الفاشية و إفرازاتها فإذا بالنظام السوري المجرم ينتصب بكل وقاحة ليتحدى العالم و منظومته الأخلاقية ، و ليتحدى الإنسانية بأسرها وهو يمارس عنليات القتل الشامل بل الإبادة البشرية ضد الشعب الذي يحكمه بالحديد و النار منذ نصف قرن من الزمان!

لقد كان الموقف العربي بأغلبيته و خصوصا موقف دول مجلس التعاون الخليجي متميزا و فاعلا و مثيرا للإحترام في تبني قضية الشعب السوري و نقلها لآفاق دولية و في السعي للتخلص من نظام القتل البعثي الوراثي الإستنساخي السوري المجرم و الذي خرج عن كل القواعد الأخلاقية و الإنسانية ، كما كان لموقف رئيس وزراء دولة قطر ووزير خارجيتها دور أكثر من مركزي في شد وجذب الإهتمام الدولي بقضية الثورة الشعبية السورية منذ الأيام الأولى لإنطلاقتها قبل عام و نيف من الشهور و تحديدا في آذار/ مارس 2011 وحين كان يتباهى النظام و بغطرسة قاتلة بأن كل شيء تحت السيطرة ، و بأن ما حصل ليس سوى إضطرابات محدودة ستنتهي بسرعة كما أوجزتها الخطابات الأولى للطاغية القاتل بشار أسد قبل أن تتوسع كرة النار و تشمل كل سوريا الحرة بمختلف مناطقها و مشاربها ، لقد كان الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وهو يتعرض لشتائم السفير السوري البذيئة في إجتماعات الجامعة العربية في القاهرة واضحا و مباشرا و يتسم بسمات رجل الدولة المسؤول حيث صبر على الأذى و تحمل المكاره وهو يقرر رسم سياسة اللاعودة في تعويم النظام السوري بل حمل قضية الشعب السوري على كتفيه و على كاهل الدبلوماسية القطرية التي قادت إضافة لشقيقتها السعودية العمل الخليجي و من ثم العربي و حتى الدولي و بحركية عالية و أسلوب راقي من الأداء يؤكز أساسا على صلب الموضوع دون الإلتفات للصغائر و المماحكات أو الخضوع لإبتزاز الآلة الأعلامية التافهة و السقيمة و الساقطة للنظام السوري.

لقد تحملت دولة قطر و تحمل قادتها و على رأسهم سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة ورئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الأطنان الهائلة من جبال الأكاذيب و الإساءات و كان ردهم هو في ساحة المواجهة و في الوقوف مع الشعب السوري و في العمل المباشر لقيادة حملة دولية تزيح الظلم و القتل عن كاهل السوريين الذين يخوضون اليوم أعقد و شرف و أطهر معركة لتطهير الشرق القديم من بقايا الفاشيين و القتلة الذين ستكون مصائرهم البشعة نموذجا لكل الطغاة و أمثولة تاريخية في الإصرار الشعبي على تحقيق هدف الحرية المقدس.

وفي ملف الثورة السورية التاريخي لا يمكن إهمال الدور التاريخي للشيخ حمد بن جاسم و الذي رسم بكلمته المؤثرة في مؤتمر باريس الأخير معالم الطريق السياسي و الدبلوماسي لتفعيل الملف السوري بإتجاه كنس النظام المتداعي و الذي بدأ بالتحلل كأي جيفة فاشية لمزبلة التاريخ ، دور السياسة و الدبلوماسية القطرية الملفت للنظر سيظل علامة من علامات تكريس العمل الدبلوماسي و بأقصى مدياته لصالح قضايا الشعوب الحرة ، لقد جعل الشيخ حمد بن جاسم و بتوجيهات واضحة من أمير دولة قطر للدبلوماسية أخلاق الفرسان و نخوة الأحرار ، فقد كان بإمكان دولة قطر النأي بنفسها عن الملف السوري فلا مصلحة مباشرة لديها في دعم الثورة السورية سوى النداء الأخلاقي و الضميري ، و لو طبقت الدبلوماسية القطرية و حتى الخليجية مبدأ المصالح و المنافع و الربح الإنتهازي و المادي لأبتعدت عن دعم الثورة و تبني قضية الشعب السوري النححرية و التي كلفتها المليارات من أموال الإستثمارات و حتى من العلاقات التي بنتها مع أطراف مرتبطة بالنظامين السوري و الإيراني كإيران وحزب الله ، ولكنها فضلت تحمل الخسائر و مواجهة مخاطر الإرهاب و التهديدات الإرهابية المباشرة لأمن أنظمتها السياسية ، و تحمل المسؤولية الأخلاقية بدلا من التفرج على مصارع السوريين و المذابح الرهيبة التي يمارسها نظام القتلة المجرم.

لن ينسى تاريخ التحرر الوطني و الشعبي أبدا مواقف قيادة دولة قطر وعلى رأسها قائد دبلوماسيتها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني و التي أثبتت بأن للدبلوماسية أخلاق الفرسان و عزيمة الرجال ، و تحية لكل الأحرار الذين يرسمون بدمائهم و تضحياتهم طريق المستقبل الحر.
[email protected]