أثناء تداولات أطراف كبيرة في المعارضة السورية واجتماعهم الذي عقد في استانبول اواخر الشهر الماضي، وانضمام الكرد إليهم بقوة، تناقشت مع عدد من الزملاء المداولات القائمة للذهاب إلى القاهرة بأقل الأخطاء وخمنت أن الكرد ربما ينسحبون في مؤتمر القاهرة لأسباب عديدة، لعل أهمها أن الانسحاب الكردي في مؤتمر استنبول وما تلا ذلك، وعددته استعجالاً في حينه، وتأكد أن تحجر العقل الشوفيني عند البعض لن يسعفه الوقت حتى يرى الموضوع الكردي بعين أوضح، وينسجم مع مطاليبه.

فهؤلاء الذين جعلوا الفريق الكردي ينسحب في مؤتمر استنبول هم أنفسهم لم يتغيروا، وهنا زعم البعض أن المؤتمر ذاك كان quot; إخوانيquot; الهوى، ولأن المؤتمر عقد في تركيا، فمن الجلي أنها لن تجعل الكرد يهنؤون في أي إطار للمعارضة، وذلك بالضغط على quot; الإخوانيينquot; لتهميشهم، وتجاوز برامجهم غير البعيدة عن الواقع بكل الأحوال.

في القاهرة- وكما توقعنا- انسحب الكرد في آخر حلقات ماراثون المناقشات المستفيضة برعاية الجامعة العربية، وضغط إقليمي ودولي لخروج المعارضة السورية بنجاح ووحدة رؤى وتقارب أفكار رغم صعوبة ذلك، وخاصة أن المجتمع الدولي وحتى الآن يختبئ ويتوارى تحت حجة أنه طالما أن المعارضة السورية غير موحدة فلا ضير بأن quot; ننأىquot; بأنفسنا من هذه المشكلة العويصة والمستعصية على أفق الحل حتى الوقت الآن!!

الكرد خرجوا قبيل انتهاء أعمال المؤتمر بوقت قريب بطريقة لا تنم عن دبلوماسية وحنكة سياسية يفترض انهم اكتسبوها خلال عقود من quot; النضالquot; السياسي في هذه الساحة، وظهرت العصبية غير المقبولة على الوجوه والتلاسن والتصارخ، وبدا الجميع يريد أن توجه عدسات الكاميرا إليه ليبدو لحظتها بطلاً quot; قومياًquot; وكان بمقدور شخص واحد الاحتجاج أما أن يحتج الجميع بهذه الطريقة، فكان دليلاً عن قلة مراس الحاضرين مع وافر التقدير للجميع.

وكان الاحتجاج على مساواة القومية الكردية مع القومية التركمانيةquot; لأول مرةquot; في إشارة لتمييع القومية الكردية وتسطيح رؤاها وتطلعاتها القومية المشروعية ضمن الوطن السوري.

إذاً المعارضة الوطنية السورية لم تتخلص بعد من عقلية الإقصاءquot; العروبيةquot; عقلية الاعتزاز القومي الاستعلائي، ونبذ الآخر المختلف والنظر إليه بعين الريبة والشك والاستهدام، لكن، الوضع على الأرض لم يختلف بعد، والنظام مازال ممسكاً بزمام الأمور، فعلام التناحر البغيض على كعكة لم تعجن بعد، ولم توضع في الفرن بعد، حتى يتباطح على الظفر بها هذا الفريق أو ذاك.

المعارضة بكل أطيافها بحاجة لقراءة الواقع جيداً، وعدم بيع الأوهام لجمهورها، وكان على الاخ الأكبر أن يكون أكثر مرونة تجاه مطالب الكرد، وعدم التشنج تجاه تلك المطالب، وفي الوقت عينه، على الحضور الكردي في المؤتمرات وحتى في أماكن الغليان الداخلي أن تكون أكثر فاعلية، وأقل رغبة في الانسحاب لهذا السبب أو ذاك، فمؤتمر القاهرة لم يفشل جراء انسحاب الكرد وغيرهم منه، وكل نجومه كانوا حاضرين في مؤتمر أصدقاء دمشق الذي عقد في باريس جمعة 5 تموز الجاري.

الفريق العربي السوري بحاجة إلى التخلص من عقلية الإقصاء، والفريق الكردي السوري بحاجة إلى دبلوماسية وفهم السياسة بعيداً عن التشنُّج والزعل المجاني اللامبرر.
يبقى السؤال: هل كان العربي نبيل، يتقصَّد بشكل ما إفشال مؤتمر المعارضة السورية وزجَّ المؤتمرين في القاهرة، وهم يحملون كل خلافاتهم التي تسربت معلومات أن مؤتمر اسطنبول لم يقم بحلحلة جميع الإشكالات العالقة بين الفرقاء؟ وهل تعمد ذلك رداً على عدم انسجام المجلس الوطني السوري معه في المؤتمر الذي أراد عقده قبل مدة؟

[email protected]