طبقا لنظرية المدخلات والمخرجات فإن نظام الحكم أى نظام حكم فى أى مجتمع هو المنتج النهائى لمواد خام محلية بإمتياز هى مواد مستخرجة من باطن أرضه، وماذا يخرج من باطن أرض مجتمع فاسد سوى تعليم فاسد وقضاء فاسد وثقافة فاسدة وإعلام فاسد واقتصاد فاسد ونظام أمنى فاسد وعندما تتفاعل هذه العناصر الفاسدة مع بعضها البعض يصبح المنتج النهائى بالضرورة نظام حكم فاسد، نظام تسانده زمرة من المطبلين والمنافقين والمستفيدين،بالإضافة لما يسمى بالمعارضة وهى فى بلادنا كيانات ديكورية عتيقة لم تفعل شيئا طيلة نصف قرن سوى إضفاء شرعية زائفة على النظام، وقد ساهم الجميع ضامنين متضامنين فى تحويل منظومة الفساد هذه إلى كيان مؤسسى،تبادلوا الأدوار ببراعة لإحكام القبضة على رقبة شعوب هذه المنطقة المنكوبة، حتى أن قسما من هذه المنظومة الفاسدة وهم منافقى النظام من لابسى مسوح الدين هؤلاء استخرجوا من النصوص ما يؤصل لهذا الفساد ويبرره، مفتين للشعوب المغرر بها بعدم جواز الخروج عليه، أى على الحاكم الذى هو رأس الفساد وأيضا هو رأس النظام الذين هم جزء أصيل منه، وعندما وقعت الواقعة وسقط النظام فى مصر ولم يكن لأى من فصائل أو فعاليات هذه المعارضة أى دور فى إسقاطه وإن كانوا قد ركبوا الموجة لاحقا ومن ثم إنبرت أبواقهم الزائفة تحاول بكل الطرق الغير مشروعة إيهام الشعب المغرر به بأن ما حدث هو قدر فوقى لادخل لبشر فيه، وهى مقولة أفك يراد بها أفك أطلقها أفاقون، وأخطر ما يحويه هذا الطرح المدلس فى عقول البسطاء هو أن هذا التغيير الزلزالى الذى حدث، وأن هذا الحاكم الجبار الذى فى القفص أو ذاك الذى هرب مذعورا أو من هو على وشك السقوط، كل هذه الأحداث قدرية لا دخل للإرادة البشرية فيها، وهى تروج لتلك الغيبيات لتظل القبضة محكمة حول رقبة هذا الشعب أو ذاك، وأن لا حول له ولا قوه، وعليه أى الشعب أن يرضى بأحواله لأنها ما ارتضته له السماء وعواقب التمرد على إرادة السماء وخيمة!. وما يجرى على الساحة الآن هو جزء من خطة خبيثة محكمة ومدبرة باتقان لاختزال موبقات ارتكبتها منظومة فساد هائلة فى نصف قرن،هى خطة لإيهام البسطاء بأن شخص أو مجموعة أشخاص هم السبب الرئيس فى كل هذا الفقر والحرمان والتعصب والعنصرية والمرض والتخلف وكل هذه المحن التى أصابت المصريين وكل شعوب هذه المنطقة المنكوبة فى نصف قرن.

وشركاء الخطة يحاولون التغرير بالناس وترويج كذبة عليهم مفادها أن عددا من الاشخاص يحاكمون ومن ثم تنتهى كل مشاكل المصريين إلى الأبد، والهدف الرئيس من هذه الكذبة هو إيقاف تسونامى التغيير عند حدود بعض من أسماء وأشخاص فقط ولا يتعداه إلى أبعد من ذلك، ويظل الفساد متجذر وكامن فقد تكون لوبى رهيب فى طول البلاد وعرضها يتكسب ويتضخم ويتغول من هذه المنظومة وأن أى اقتراب من مصالح هذا اللوبى هو خط أحمر قانى. وفى هذا السياق يجدر بأن نفرق بين المعارضة ومناوئى النظام فالأولى كمصطلح هى الجناح الثانى للديمقراطية وبغيرها لا يستقيم مسارها، أما الثانية فهم مجموعة من موتورى النظام أو الخارجين عليه اللذين اصطدمت مصالحهم معه ولم يتمكنوا من نهب ثروات وكراسى ومناصب سبقهم اليها تابعو النظام، هذه هى المعارضة التى كانت فى مصر وكل المنطقة المحيطة، أما المعارضة المراقبة للتشريع والتنفيذ الحارسة لمصالح مجموع الشعب الساهرة على تنفيذ القانون على الجميع، المعارضة التى تملك آليات لإيقاف أى تجاوز أو اختراق للقانون أو الدستور، تلك معارضة لا نملكها ولا أعتقد أننا سنملكها فى المستقبل المنظور، أما على الساحة الآن فهى إما فعاليات قبلية أو إثنية أو عرقية أو مذهبية أو دينية، أما من خرجوا وأسقطوا هذه الانظمة البالية فهى أجيال جديدة لا تنتمى أبدا إلى هذه الفعاليات، أجيال سأمت هذه الوجوه الكالحة وجوه النظام ووجوه مناوئيه وتابوهاتهم المتكلسة التى عفا عليها الزمن، أجيال ولدت وترعرعت فى بيئة مغايرة تماما بيئة الحرية والتكنولوجيا وحقوق الانسان، بيئة تقلصت فيها المسافات والأزمنه، أجيال ملت العرض المستمر لمسرحية هزلية تقاسم بطولة فصولها شخوص عفا عليها وعلى أفكارها الزمن منذ أكثر من نصف قرن.

وظلت خطة هذه المنظومة أى النظام ومناوئيه هى الخطة الشريرة، خطة تجميد الزمن عند نقطة معينة من التاريخ، الخطة التى ظلت منصبه حول بقاء هذه الشعب جاهل غارق فى بحر غيبيات هادر وقد تولى النظام تنفيذ نصيبه من الخطة بدرجة امتياز وتولى مناوئوه تنفيذ باقى الخطة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، وتعاون الإثنان تعاونا وثيقا ليس فى مصر فقط بل فى كل المنطقة فى إبقاء هذه الشعوب المغلوبة على أمرها، إبقائها عند نقطة محددة من الماضى لا تستطيع تجاوزها، وإن حاولت شعوب المجازفة بتجاوز هذه النقطة لكان مصيرها هو ماحدث لثورة المصريين والتونسيين عندما حاول الشعبان تجاوز هذا النقطة والعبور إلى المستقبل عندئذ انقضت قوى الظلام بكل قواها لخنق هذه الانتفاضات ووأدها فى مهدها قبل أن تشيع عدواها وتنتقل إلى باقى هذه البقعة المنكوبة من الكوكب وهى البقعة التى تورث فيها الشعوب ومقدراتها بموجب اعلام وراثة شرعى لايمكن الخروج عليه. أما النسر العجوز الذى طار فى شبابه آلاف الساعات فوق السحاب وحلق مختالا وأمر ونهى وحكم وظن أن قوانين الطبيعة يمكن كسرها ببعض الأصباغ، وأنه من الممكن المكوث محلقا فى الفضاء إلى مالانهاية ونسى أن الزمن لا يرحم وأجبر على الهبوط، وفى هذه المرة كان المهبط مختلفا لاأضواء متلئلئة على الجانبين ولا صيحات تهنئة بسلامة الهبوط ولكن قفص من الفولاذ وقاض متحفز وتهم وإهانة وتشفى وانتقام.

ولو قدر لى أن أكون قيما على من يدخل هذا القفص الحديدى مع النسر العجوز لكنت قد أمرت بدخول كل الجوارح نعم كل الجوارح البوم والغربان والعقبان ومعهم إن أمكن الذئاب والثعالب أى كل حكام هذه المنطقة ومعهم معارضيهم أو على الأصح مناوئيهم فهم جميعا أعضاء فى محفل فساد متجذر تبادلوا الأدوار فى نهش جسد هذه الأمه وكشف عوراتها وأفقروها وأشاعوا فيها الفساد والفتن وساهموا فى رجوعها للخلف مئات السنين وبددوا رصيدها الثقافى والحضارى،كل هؤلاء يجب أن يدخلوا القفص ومعهم كل من تسبب أو حرض أو شارك فى سفك دماء أى إنسان بسبب دينه أو عرقه أو جنسه أو فكره،كل الجوارح والضوارى الذين أشاعوا موجات الكراهية والخوف فى ربوع هذا الوطن. ولازالت الجوارح والضوارى طليقة خارج القفص تتلهى بمشاعر المصريين بإشاعة جو من الإرهاب يغلف مستقبلهم بغلاف من الغموض والضبابية والفوضى،وهى استكمالا للخطة التى نوهنا عنها، خطة لوبى الفساد الرهيب خطة تجميد التاريخ عند نقطة من الماضى غير مسموح بتجاوزها، لأن تجاوزها يجعل الشعوب تستشرف المستقبل واستشراف المستقبل يعنى النهضة والتقدم والحداثة والديمقراطية والحرية، وهى عناصر خطرة تهدد خطة استبدال أنظمة مبارك وبن على والقذافى والأسد وصالح بأنظمة أشد قسوة وديكتاتورية لايستطيع أحد معارضتها أو الثورة عليها، فهم يعدون لدساتير موادها منزلة من السماء ويعدون لزعماء معصومين من الخطأ لايأتيهم الباطل من أى اتجاه وعليه لايجب انتقادهم،ملالى بثوب جديد يحكمون بقوانين تؤصل للعنصرية والفرز العرقى وتقنين التمييز وتصنيف البشر من الأعلى والأهم إلى الدون عديم الأهمية،هذه هى الجوارح التى كان يجب أن تكون فى القفص تدفع ثمن جرائم ارتكبوها ضد الإنسانية، فإن كان مبارك قد أفسد نظام حكم فهؤلاء دمروا حياة شعب.