هل كان حادث الطائرة التركية الشرك الذي وقع فيه النظام السوري، ام ان خطاب السيد اردوغان كان للاستهلاك المحلي؟ سؤالان يترددان في ذهن السامع لخطاب رئيس الوزراء التركي السيد طيب اردوغان والذي القاه امام كتلته البرلمانية. صحيح ان الخطاب تضمن تلميحات داخلية وتهديدات مبطة وخصوصا للصحافة الداخلية، بما يشير الى ضيق صدر السيد اردوغان بحرية الصحافة ونقدها للمواقف الاردوغانية، لحد اتهامها بشكل مباشر بالعمالة وباستلام اموال من اطراف معينة.

الا ان نبرة الخطاب الخارجية وخاصة حول مسألة اسقاط الطائرة التركية والتهديدات التي تضمنها كانت عالية، لا بل يمكن القول ان الخطاب كان لهذه الغاية بالذات، ولعل من اهم دلالاته الاحتفاء الذي قوبل به من قبل قنوات فضائية عربية، وكانه خطاب شخصية مؤثرة على مصير العالم وليس خطاب لا يمكن ان يقال عنه الا انه زعيم اقليمي لا غير. وبالرغم من ان السيد اردوغان قد استعار العبارة المشهورة للنظام السوري في كل ضربة تلقاها من قبل اسرائيل (سنرد في الوقت والمكان المناسب) في خطابه، الا ان التلميحات الكثيرة لانتظار خطاء اخر او الوقوع في شرك اخر ليتلقى النظام السوري الضربة التركية، تدعونا لانتظار حرب اقليمية قريبا، في حالة لم يستسلم النظام للارادة الدولية ويرحل.

والخطاب كان مؤشرا واضحا لتوجه السياسية التركية والادعاء بحقها في التدخل في اوضاع العراق وسوريا وفلسطين باعتبار الاتراك اخوة لشعوب هذه البلدان وللعلاقة التاريخية الطويلة معها. ومن المفارقات الكبيرة ان اردوغان استعار التاريخ العثماني وما قبله السلجوقي لاثبات ذلك، حيث اوضح ان هم هذه البلدان كان هما تركيا منذ زمن السلاجقة ومنذ الحروب الصليبية. الظاهر ان الحكام المختارين لكي يكونوا مؤثرين في هذه المنطقة من جمال عبد الناصر ولحد الان، اختاروا الاخوة (عربية او اسلامية) لكي يتحكموا فيها.

باعتقادي ان تركيا قامت بكتابة سيناريو جيد ومحكم لما ستفعله في المنطقة ابتداء بسوريا. فحال ورود الانباء عن اسقاط الطائرة، انقسم القادة الترك بين مشكك في الادعاء السوري الى متفهم لهذا الادعاء وخصوصا ما صرح به الرئيس التركي غول من اعتقاده بان الطائرة قد اخترقت الاجواء السورية، وهو قول يلمح الى تفهم انقرا للفعل السوري في توزيع ادوار منظم لتحقيق لاظفاء المصداقية على ما ستخرج به تركيا، وهكذا خرجت تركيا من خلال كلمة اردوغان بتاكيدات ان الفعل السوري كان عمدا ولم يكن هناك من داعي لاسقاط الطائرة، لانها دخلت الاجواء السورية لفترة زمنية قصيرة جدا، وانها عندما ضربت كانت خارج الاجواء السورية. وهنا خرجت تركيا بما يؤكد مصداقيتها من خلال انها عندما لم تكن متاكدة من الفعل السوري منحت لسورية الحق، ولكن بعد التقصي والتحقيق، ظهرت الحقيقية وعليها تم بناء الموقف الجديد. وقد شدد السيد اردوغان على ان عمليات دخول اجواء البلدان تحدث مرار واستشهد بخرقات سورية عديدة لاجواء تركيا ولكن كان هناك تفهم تركي لمثل هذه الخروقات التي تفرضها الظروف قبل النيات السيئة. وتركيا لم تكتفي ببيان اردوغان كما صرح هو نفسه، بل فاتحت الحلف الاطلسي والامم المتحدة والجامعة العربية ودول الخليج، وستكون على اتصال بكل الدول لتزويدها بالخطوات اللاحقة، والعبارة الاخيرة تنبئ بانه حتما ستكون هنالك خطوات لاحقة.

ان خطاب اردوغان سيربك النظام السوري، ما يحعله يقدم على خطوات متسرعة توقعه في اخطاء اكبر مما يجعل العالم كله يغض النظر عن ما سيلحقه. ان ما يشجع الاتراك للاقدام على خطوة مهاجمة سوريا هو الترحيب الشعبي في سوريا وفي المنطقة بخطوة التدخل الاجنبي لتخليص الشعوب من حكامها، فما كان محرما وقوبل بالرفض والتخوين والتجريم في التجربة العراقية، صار مرحب به بعد مواقف القذافي وبشار الاسد. لثد صار واشحا ان الانظمة الدكتاتورية القائمة في المنطقة هي من شيمة واحدة وان كانت متعادية، انها لم تترك لنفسها مع شعبها خطوات للتراجع، فما فعلته والضيم الذي اذاقته للشعوب التي تحكمت بها لم يترك ذرة للتعاطف الانساني وقدرة للتسامح ونسيان الماضي. ان هذه الانظمة تتعامل مع متطلبات شعبها بمنطق واحد اما قاتل او مقتول. ولهذا نجد هذا الهجمات البشعة والتي لا تمييز بين الاطفال والنساءئ والرجال، بين المدني والعسكري، فكل من في الجانب الاخر هو عدو وان كان طفلا، انه من الاخر.

ولكن الخوف من سيناريو التدخل التركي المقبل هو ان تتفاقم الامور وتتوسع، لتسمح بالتدخل الايراني من خلال حزب الله غربا ومن خلال العراق شرقا بالدفع من ايران، وبالتالي اشتعال حرب اقليمية تضم اكثر من دولة، وتحمل شعار حرب شيعية سنية، ان ادعاء السيد اردوغان بحق تركيا في حماية العراق، تنبئ بالطموح العثماني وما تتبعه من طموح صفوي منافس. في عملية خلط الامور بعضها بالبعض، واحضار الاحقاد الطائفية والظلم التاريخ الذي لحق بعض الاطراف لاذكاء نار الحرب الاقليمية ومنحها شرعية الدفاع عن حق ضائع او الانتقام من ظلم لحق بهذا الطرف او الاخر، والتاريخ لا يخلوا من اسباب كثيرة لشحذ الاحقاد النائمة في مكنون الانسان في هذه المنطقة.

اذا نحن سائرون الى الحرب، او هذا ما اراده النظام السوري المتعنت والذي خلا من اي قدرة لوضع حلول جذرية تنقذ سوريا وشعبها، رغم ان زعيمها كان شابا وكان ينظر اليه في دوائر واسعة على انه يمكن ان يفتح افاق جديدة في السياسية ويعمل من اجل بحث جدي بمشاركة قطاعات مثقفة لايجاد حلول لمشاكل السورية التنموية والسياسية والاجتماعية. ومن الواضح ان اللعبة التي لعبها حكام المنطقة والتي قالت بتخويف الغرب من المد الاسلامي والحكم الاسلامي لم تعد ترعب الغرب او تخوفه، فهو بات يدرك ان الاسلاميين المعتدلين والسائرين على نهج اردوغان اقدر على اتخاذ مواقف نحو الاصلاح والانفتاح وباسم الاسلام، من الانزمة التي كانت تجعي ان الثقافة الاسلامية لا تبيح او لا تسمح باتخاذ مواقف سياسية او اجتماعية معينة لكي تدخل هذه الدول الى مصاف دول العالم وتسير وفق القوانين الدولية التي وافقت عليها.