من اجمل الأشياء التي منحها الله للمصريين هي البساطة والتواضع وعدم المغالاة في تحقيق أحلام وأهداف غير مستحيلة، الناس يؤمنون إيمانا مطلقا بعدالة السماء في توزيع الأرزاق،وهم متواضعون قانعون، لهذا لم تحمل شعارات ثورتهم المجيدة معاني اكثر تعبيرا من معاني الحرية، العدالة، الكرامة الإنسانية. وهي ولا شك ابسط المطالب الإنسانية التي تستقيم مع فطرة الإنسان التي خلقه الله عليها،لكنها في الحقيقة هي أغلاها ثمنا، وأهمها قيمة،ومعها يشعر الناس بالآمان، وبدونها يتحقق ظلم كبير، لهذا تزداد أعداد الناس أمام القصر الجمهوري حاملين في جعبتهم مشاكل شخصية بسيطة كان يمكن لها أن تتحقق لو أن هناك عدالة وإنصاف في البلاد،لكن للآسف لم يكن هناك أي عدالة في ظل نظام الحكم السابق، اكثر مشاكل هؤلاء الناس لا تحمل ضغطا علي رئيس البلاد فهي ادني المطالب الإنسانية التي وقف الظلم عثرة في طريق تحقيقها،ولم يعد أمام هؤلاء البسطاء أي ملجأ إلا بوابة القصر الجمهوري للشكوي امامه.

كثيرون يعتقدون إن مهمة الرئيس المنتخب هي مهمة مستحيلة،لكن الحقيقة والواقع تقولان عكس ذلك،الناس لا تطالب الرجل بالصعود بمصر إلى مستوي الدول الأوروبية ولا أمريكا ولا أي مستوي، لكنهم فقط يريدون قطع دابر الفساد والعيش الآمن واحترام حقوق المواطنة والحق في العلاج والتعليم، انهم يطالبون الرئيس بالنهوض بهم من تحت مستوي خط الصفر الي مستوي الصفر الآدمي نفسه!! وهذا ما يطرح إشكالية التحديات أمام الرئيس الجديد فهل سيعجز الرئيس مرسي عن النهوض بالشعب من ذلك المستوي اللا آدمي الي المستوي الآدمي؟

لا يشك المراقبون للأحداث في مصر في أن ثمة تناغم قد حدث بين مطالب الشعب وأول خطاب توجه به الرئيس المنتخب الي الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير، فهو خاطب أهل مصر كلهم ولم يتجاهل أصحاب المهن الصغيرة كأصحاب الأكشاك وأصحاب التوكتوك والباعة الجائلين وكل المكافحين والبسطاء من اجل لقمة العيش،بأنهم أهلة وعشيرته ثم تلي ذلك بقوله: ان أبواب قصره غير موصدة في وجه الشعب!.. وتلبية لذلك النداء الذي شعر فيه الناس بأنه ليس هناك حائل يقف بينهم وبين الوصول للرئيس المنتخب توافدوا علي بوابة القصر الجمهوري، وكان ذلك إشعاراً بأن التحول الكبير في السياسة المصرية بدأ يؤتي ثماره، وأن حقيقة التغير قد حدثت بالفعل،رغم كل المعوقات وكل التحديات التي سبقت نجاح مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية.

لقد رافق هذا التغير السياسي الكبير تغير كذلك في مزاج المصريين العام، ليصبح اكثر إيجابية بعد تولي رئيس من عامة الشعب مقاليد الحكم، خاصة وانه لم يكن ذلك الرجل الشغوف بالسعي لدخول القصر الجمهوري!

عند ذلك قد تبدو الأمور وهي تسير بهذا الشكل الذي تتغير فيه وجوه السياسيين المصريين نزولاً علي أرادة الشعب بأن القرار اصبح في يد الشعب،وان الشعب نفسه اصبح مصدر التغير في الجمهورية الثانية، خاصة وان مخزونه الحضاري الهائل قد ظهر في عمليات الاقتراع المتواصلة منذ سقوط مبارك،بل اكثر من ذلك وهو الأهم انه قد ثار من اجل الحصول علي حقوقه المنهوبة وقد ظنته الشعوب انه لا يثور،كذلك أكد علي ذكائه ومعرفته بحقائق الأمور رغم براثن الجهل التي أحاطه بها النظام السابق، لهذا اصبح للشعب احترامه وتقديره عند الساسة، وهذا ما اعترف به مرسي عندما قال للشعب انتم الأصل، وأنا وكيل عنكم، وكان ذلك بداية تأسيس علاقة جديدة تظهر لأول مرة في التاريخ المصري تربط بين الحاكم والمحكومين،سقطت فيها أسطورة الفرعون الإله التي ظلت طيلة 7 آلاف عام تحكم مصر مع سقوط نظام مبارك آخر الفراعنة في لحظة فارقة سجلها التاريخ المصري الجديد بخلع الشعب لرئيسه الذي لم يكن يحترمه.

إن ثمة أمور وقرارات حاسمة علي الرئيس الجديد أن يهم باتخاذها حتي يأخذ التغير دورته وتتحقق الإرادة المصرية واحد الأمور الهامة في التغير هو الإعلام فإعلام المرحلة الجديدة لم يبدأ بعد واكثر الوجوه الإعلامية التي قادت عملية تضليل المصرين في العهد البائد لا زالت تسيطر علي مقاليد الأمور ولا زالت تلعب نفس الدور المنحاز الي أصحاب المصالح من رجال الأعمال الذين يمتلكون الكثير من تلك الوسائل،ففي معركة الإعادة بين شفيق ومرسي انحازت هذه الوسائل كلها إلى جانب شفيق بشكل فاضح وللآسف ما زالت تعمل علي بلبلة رأى المصريين حتي الآن.