الشعب اللبناني يقاوم. الشعب اللبناني مقاوم. الدليل على ذلك الانتصار الذي حققه اللبنانيون في الانتخابات الفرعية التي كان قضاء الكورة الشمالي مسرحا لها على عملاء النظامين السوري والايراني وادوات الادوات المسيحية، من نوعية النائب ميشال عون، الملتحقة بمشروع حلف الاقليات العنصري.
لم يكن انتصار مرشح quot;القوات اللبنانيةquot; في انتخابات الكورة انتصارا عاديا. كان انتصارا للبنان وللصيغة اللبنانية على اولئك الساعين الى تدمير البلد وتفتيته. انه تتمة لسلسلة المعارك التي يخوضها اللبنانيون منذ ما يزيد على اربعة عقود من اجل تأكيد تمسكهم بثقافة الحياة بديلا من ثقافة الموت التي في اساسها تدفق الاسلحة من الاراضي السورية الى الاراضي اللبنانية. لم يفعل النظام السوري منذ كان حافظ الاسد وزيرا للدفاع سوى ارسال الاسلحة الى لبنان من اجل خلق حروب صغيرة وكبيرة في الوطن الصغير واذكاء نار الفتنة بين الطوائف والمذاهب ومع الفلسطينيين. لم يتخل النظام السوري يوما عن شعاره المفضل المتمثّل في ان الانتصار على لبنان بديل من الانتصار على اسرائيل.
يدفع النظام السوري حاليا اليوم ثمن هذه السياسة الجوفاء التي اتبعها منذ ما بعد خسارته الجولان في العام 1967، وحتّى قبل ذلك، عندما كان الاسد الاب لا يزال وزيرا للدفاع.
قامت هذه السياسة على افقار سوريا والسوريين والتدخل يوميا في شؤون لبنان وصولا الى مرحلة الافلاس، اي المرحلة التي تحوّل فيها النظام السوري في العام 2005 الى اسير لدى حزب مذهبي تابع للنظام الايراني يسعى الى السيطرة على لبنان واللبنانيين بكل الوسائل المتاحة. تشمل هذه الوسائل الاستحواذ على اكبر مساحة ممكنة من اراضي المسيحيين والدروز حيث في استطاعته ذلك.
اليس من سخرية القدر ان يكون رهان نظام يدعي العروبة والعلمانية في سوريا على حزب مذهبي في لبنان؟ اكثر من ذلك، كيف يمكن لنظام سوري يتحدث عن العروبة الرهان على هذا الحزب المذهبي الذي يتحدث عن انتصار وهمي تحقق في حرب صيف العام 2006؟ كيف يمكن الرهان على حزب يسعى الى تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان عن طريق الحاقه بما هو غريب كل الغرابة عنه، اي ثقافة الموت التي ينتمي اليها هذا الحزب؟
اكّد انتصار الكورة، بما لا يدع مجالا للشكّ، ان اللبنانيين يفرّقون بين ثقافة الموت وثقافة الحياة. لم يصوّتوا لمرشح quot;القواتquot; فحسب، بل صوّتوا ايضا ضدّ كل ما يمثله quot;الحزب السوري القوميquot; الذي لم يعد يمتلك، في ضوء الازمات البنيوية والايدولوجية التي مرّ بها عبر تاريخه الطويل، سوى مشروع وحيد يتمثّل في ان يكون اداة من ادوات الاجهزة الامنية السورية في لبنان. وقد جاءت الازمة التي تمرّ بها سوريا حاليا، وهي ازمة كيان ونظام في الوقت ذاته، لتكرّس هذا الواقع المؤلم.
ابعد من معركة الكورة، اثبت لبنان انه صامد وان الصيغة اللبنانية اقوى بكثير مما يعتقد وان الصيغة quot;الهشةquot; هي الصيغة السورية التي تقوم على ممارسة عملية هروب مستمرّة الى امام. انّها في الواقع هروب دائم من ازمة الكيان السوري التي لم تجد ولن تجد حلا الاّ بالديموقراطية والمساواة بين المواطنين والطوائف والمناطق...في حال كان مطلوبا تفادي حرب اهلية طويلة ذات طابع مذهبي تؤدي الى تفتيت البلد.
المؤسف ان سوريا تبدو مقبلة على ذلك في غياب قرار جريء بالتنحي يتّخذه الرئيس بشار الاسد اليوم قبل الغد. يفترض بالاسد الابن امتلاك ما يكفي من الشجاعة لاتخاذ مثل هذا القرار وان لا يصدّق اي كلمة تصدر عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يبدو واضحا انه شريك في مشروع يصبّ في عملية تفتيت سوريا، وهو مشروع قد لا تكون اسرائيل بعيدة عنه!
ما حصل في الكورة كان فعل مقاومة. انها المقاومة الحقيقية التي تؤكد لـquot;حزب اللهquot; الايراني الذي اخذ على عاتقه اذلال لبنان واللبنانيين، خصوصا اهل السنّة والمسيحيين والدروز، مستخدما كلّ الوسائل المتاحة بما في ذلك حكومته، اي حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ان الوطن الصغير ليس لقمة سائغة.
اذا كان من شكر لا بدّ من توجيهه الى الذين هزموا النظامين الايراني والسوري في الكورة، فانّ هذا الشكر لا يوجه الى quot;القواتquot; وسمير جعجع فقط. انه يوجّه ايضا الى كلّ الشرفاء الذين يقاومون المسلسل الانقلابي الذي يتعرّض له لبنان. بدأ المسلسل بالتمديد لاميل لحود في خريف العام 2004 وتوّج باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه في شباط- فبراير 2005 واستمرّ مع سلسلة الاغتيالات التي استهدفت مجوعة من كبار رجالات لبنان وصولا الى حرب صيف العام 2006 التي افتعلها quot;حزب اللهquot; ثم الاعتصام في بيروت وغزو المدينة والجبل الدرزي في ايار- مايو 2008...وتشكيل الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي.
هذا ما يعرفه اللبنانيون جيّدا. ولذلك يقاومون ويوجهون الشكر في الوقت ذاته الى الرئيس سعد الحريري، والرئيس امين الجميّل، والرئيس فؤاد السنيورة، والى رمز الوفاء فريد مكاري نائب رئيس مجلس النواب، والى الزعيم الدرزي المغلوب على امره وليد جنبلاط، والى كلّ من ساهم في توعية اللبنانيين الى طبيعة الخطر الذي يواجهونه، خصوصا نوّاب بيروت وطرابلس وعكّار. انّه خطر اسمه quot;حزب اللهquot; الايراني الذي ورث، حسب اعتقاده، الوصاية السورية على لبنان ويحاول هذه الايّام تكريسها بطريقته الخاصة مستخدما بعض اولئك الذين لا يصلحون لانّ يكونوا اكثر من توابع له او لغيره...من ميشال عون الى الحزب السوري القومي وما شابه ذلك!