يستحق الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الشكر من كل لبناني وسوري وعربي على الكلام الذي صدر عنه في بيروت. امتلك الامين العام ما يكفي من الجرأة لتسمية الاشياء باسمائها وقول ما يجب ان يقال ان بالنسبة الى خطورة سلاح quot;حزب اللهquot; على لبنان واللبنانيين وان لجهة تاكيده ان الرئيس بشّار الاسد لم يعد رئيسا شرعيا وان عليه quot;التوقف عن قتل شعبهquot;. ذهب الى ابعد من ذلك عندما طالب اسرائيل بالانسحاب من الاراضي المحتلة والتوقف عن اقامة المستوطنات التي هي في واقع الحال مستعمرات تقام على ارض الغير. كان خطاب الامين العام للامم المتحدة عميقا. استشهد بابن خلدون الفيلسوف الذي عرف منذ قرون عدة ان القهر الذي يخضع له الشعب، اي شعب، لا يمكن ان يضمن لايّ حاكم البقاء في السلطة الى ما لا نهاية. هناك نهاية لكلّ شيء بدليل ما جرى في تونس وما شهدته مصر والنهاية التي آل اليها معمّر القذّافي الذي ظن ان الشعب الليبي يعشقه...
تكمن اهميّة كلام بان في انه صدر من بيروت. بيروت عاصمة الربيع العربي. من بيروت انطلق الربيع العربي الذي يصنعه حاليا الشعب السوري الباسل. كلّ ما فعله الرجل انه اكّد ان لبنان لا يمكن الا ان يعود لاعبا على صعيد المنطقة، ضمن حدود معيّنة طبعا، وانه على خريطتها شاء من شاء وابى من ابى. من اعاد لبنان الى خريطة الشرق الاوسط ومن مكنه من استعادة دوره هو رفيق الحريري وشهداء quot;ثورة الارزquot;. لولا رفيق الحريري، لكانت بيروت مزبلة بكل معنى الكلمة. لولاه لما كان ممكنا ان تعود المدينة لؤلؤة البحر المتوسط والمكان الذي يتطلع كل عربي او اجنبي الى زيارته وحتّى الاقامة فيه.
شكرا بان كي مون. لم تكتف بقول كلمة حق في لبنان واللبنانيين. قلت ما يعجز معظم الجبناء عن قوله. على راس هؤلاء المشاركون في حكومة quot;حزب اللهquot; الذين لا يمتلكون ما يكفي من الشجاعة للاعلان بالفم الملآن ان السلاح غير الشرعي في لبنان هو سلاح في يد ميليشيا مذهبية تنفذ اوامر ايرانية لا اكثر ولا اقلّ. يدرك كلّ من يمتلك ذرة من المنطق ان الوظيفة الوحيدة لهذا السلاح اثارة الغرائز المذهبية وتمكين ايران من المتاجرة باللبنانيين وابتزاز العرب. ويدرك ايضا ان هذا السلاح موجّه الى صدور اللبنانيين العزل وان لا حاجة الى اي حوار من اي نوع كان ما دام هناك من يحاور الآخرين بسلاحه بدل اعتماد المنطق. المنطق الذي يقول ان وظيفة المقاومة التي يتحدّث عنها quot;حزب اللهquot; في الوقت الراهن هي مقاومة ثقافة الحياة في لبنان في غياب القدرة على الدخول في اي مواجهة مع اسرائيل، خصوصا ان الدولة اللبنانية تعتبر ان من مهمتها الاساسية احترام نص القرار 1701 الصادر عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة.
انّ السلاح غير الشرعي، سلاح quot;حزب اللهquot;، في اساس كلّ علّة في لبنان. انه امتداد للسلاح الذي خرّب لبنان وهجّر اللبنانيين ابتداء من العام 1969 ، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم. كاد هذا السلاح غير الشرعي ان يحول دون اعادة بناء بيروت لولا رجل اسمه رفيق الحريري. اعاد رفيق الحريري الحياة الى بيروت. دفع ثمنا كبيرا. دفع حياته فداء للبنان واللبنانيين. لكنّ عزاءه، حيث هو، في ان دمّه اطلق الربيع العربي من بيروت. دمّه ودم باسل فليحان ورفاقهما ودمّ سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار امين الجميّل وانطوان غانم والشهداء الاحياء مروان حماده والياس المرّ ومي شدياق اخرج العسكر السوري من الاراضي اللبنانية وكشف في الوقت ذاته مدى تعلّق اللبنانيين بثقافة الحياة والحرّية والكرامة والسيادة والاستقلال.
ليس سرّا ان بان كي مون ومعه وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو ما كانا ليتحدثا بالطريقة التي تحدثا بها في بيروت وفي هذا الوقت بالذات لولا علمهما ان اللبنانيين يقاومون كل الوصايات. انهم يقاومون حاليا الوصاية الايرانية التي يحاول quot;حزب اللهquot; فرضها عليهم بديلا من الوصاية السورية. هذه هي المقاومة الحقيقية التي يقوم بها اللبنانيون الذين ليست لديهم عقدة الاميركي او الغربي. انهم يعرفون ان صدّام حسين كان سيظلّ جاثما على صدور العراقيين لولا الاميركي، كذلك معمّر القذّافي. ويعرفون ان ايران التي تهاجم حاليا الولايات المتحدة كانت شريكا كاملا في الحرب الاميركية على العراق وفي كلّ ما ارتكبه الاميركيون في العراق خلال الحرب وبعدها...
يعرف بان كي مون وداود اوغلو ان المستقبل للشعوب وليس للغوغاء وان لبنان الذي قاوم وصاية النظام السوري واكّد ارتباطه بالثورة التي يقوم بها الشعب السوري، يمارس جزءا من الدور المفروض ان يمارسه على الرغم من كل التقصير الرسمي ومن حال العجز التي تعاني منها حكومته التابعة لـquot;حزب اللهquot; في كلّ المجالات.
اكثر من ذلك، انهما يعرفان انّ المقاومة الحقيقية هي مقاومة الشعب اللبناني التي لا يمكن الا ان تنتهي بترسيم الحدود بين سوريا ولبنان بدل ان تظل تلك الحدود ممرّا للسلاح غير الشرعي الموجّه الى مؤسسات الدولة اللبنانية مثلما هو موجّه الى اللبنانيين كشعب حيّ.
جاء بان كي مون لمساعدة لبنان في الخروج نهائيا من الوصاية. جاء لتاكيد ان لبنان بلد يستحق الحياة. شكرا بان كي مون. كنت بالفعل رجلا شريفا صادقا. ان رهانك على المقاومة اللبنانية المتمسكة بالمحكمة الدولية رهان في محله. لا لشيء لانّ هذه المقاومة تصب في مصلحة كل ما هو حضاري في الشرق الاوسط بدءا بدعم الشعب السوري في وجه الظلم والقمع وانتهاء بتوجيه رسالة الى العالم فحواها ان العيش المشترك ممكن في الشرق الاوسط، بل هو مستقبل الشرق الاوسط، مهما بذلت الاحزاب المذهبية والانظمة القمعية من جهود لاثارة الغرائز ونشر ثقافة الموت تحت شعار المقاومة!