ليس طبيعيا ان يستمرّ قسم من اللبنانيين في الهرب من الواقع عن طريق رفع الشعارات الطنانة مثل quot;الشعب والجيش والمقاومةquot; او افتعال المعارك الوهمية مثل معركة الكهرباء. مرة اخرى. ان اي حكومة لبنانية حتى لو كانت برئاسة شخصية لا علاقة لها بما يدور في العالم قادرة على اعادة التيار الكهربائي الى الوطن الصغير على نحو كامل. المهم توفير حدّ ادنى من الاستقرار في البلد والمساواة بين المواطن العادي الاعزل والمواطن الذي يريد فرض رأيه ورؤيته بواسطة السلاح ولا شيء آخر غير السلاح. ما تحتاجه الكهرباء قبل اي شيء آخر هو لجباة لفواتير الكهرباء لا وجود لمناطق ممنوع عليهم دخولها بحجة انها quot;مربعات امنيةquot;.
معركة لبنان حاليا هي مع السلاح غير الشرعي من جهة ومع المشروع الايراني الذي يستخدم هذا السلاح من جهة اخرى لتنفيذ مشروع سياسي واضح كل الوضوح يصب في تغيير طبيعة التركيبة الديموغرافية والمناطقية للبنان. يأتي هذا المشروع استكمالا لعملية تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في الوطن الصغير وهي عملية بدأت مطلع الثمانينات من القرن الماضي ولا تزال مستمرة. من يريد التأكد من ذلك يستطيع زيارة مدينة بعلبك ومشاهدة ما حلّ بها من دمار وتغيير للمعالم بهدف القضاء على طابعها التاريخي المميّز.
ولذلك كان منطقيا ان يرفع النائب سامي امين الجميل صوته وان يجري المقارنة التي اجراها بين المشروع الصهيوني في فلسطين وبين ما ينفّذ على الارض اللبنانية عن طريق حزب مذهبي مسلح يعمل على تحويل لبنان قاعدة متقدمة لايران على المتوسط مستفيدا بطريقة او بأخرى حتى من الثورة الشعبية التي تشهدها سوريا. هذه الثورة السورية تعني اول ما تعني انتهاء النظام القائم منذ العام 1970 بسبب عدم قدرته على استيعاب عمق الازمة التي يعاني منها. انها ازمة نظام غير قابل للاصلاح في اي شكل، نظام في مواجهة يومية مع الاكثرية الساحقة من شعبه البطل.
ملأ النظام الايراني، الذي يدرك جيّدا بدهائه المعهود عمق ما يعاني منه النظام في دمشق الفراغ الامني الذي خلفه الانسحاب العسكري السوري من الاراضي اللبنانية في نيسان- ابريل من العام 2005. فعل ذلك عن طريق الميليشيا التابعة له والتي تقف حاليا في طليعة المعترضين على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وذلك ليس عن طريق الصدفة طبعا. اصبح السوري منذ ذلك التاريخ تحت رحمته في لبنان.
لم يستطع النظام السوري حتى التكهن بالنتائج التي ستترتب على اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، خصوصا الابعاد الاقليمية لتلك الجريمة التي لا يمكن مقارنتها، وهذا ما ستثبته الايام، الاّ بجريمة اجتياح صدّام حسين للكويت صيف العام 1990.
اصبح النظام السوري ملحقا من ملاحق المشروع الايراني الذي تطور مع الوقت بفضل الدعم الاميركي له والذي يبدأ بوضع اليد على العراق ويمر بسوريا ولبنان كما يمر بابتزاز دول الخليج يوميا عن طريق اثارة الغرائز المذهبية... وصولا الى اليمن. هذا ما يفترض بجميع اللبنانيين استيعابه بدل التلهي بقضية الكهرباء كما يفعل النائب ميشال عون الذي يحتاج، تكرارا، الى جلسات كهرباء اكثر من اي شيء آخر فضلا بالطبع عن بعض الدروس الخصوصية في شأن الف باء ما يدور في المنطقة والعالم...
يقوم المشروع الايراني على السلاح اوّلا. اي على وجود ميليشيا مسلحة تابعة له على الاراضي اللبنانية. بات في استطاعة هذه الميليشيا تشكيل الحكومة اللبنانية التي تريدها فيما رئيس الجمهورية يعيش في عالم آخر ويتحدث عن حوار من اجل الحوار وفيما البطريرك الماروني يتلبس شخصية quot;ابو ملحمquot;، اللبناني الطيب الذي يسعى الى التوفيق بين الناس. quot;ابو ملحمquot; مسلسل تلفزيوني من الستينات. الاكيد انه اثّر في البطريرك الجديد الذي يبدو انه لا ينوي اخذ العلم بحقيقة ما يتعرض له لبنان بمسيحييه ومسلميه. كان هذا المسلسل العائلي مسليا قبل دخول السلاح غير الشرعي الى البلد عن طريق الاراضي السورية تمهيدا لفرض اتفاق القاهرة المشؤوم على اللبنانيين في العام 1969. كان هذا المسلسل مسليا قبل ان تسيطر المنظمات الفلسطينية المسلحة بضوء اخضر سوري اوّلا ثم عربي واسرائيلي على جزء من الاراضي اللبنانية.
انتهى لبنان من السلاح الفلسطيني، جزئيا، ولكن بقي السلاح الايراني. خطورة السلاح الايراني ان لبنانيين يستخدمونه. الاخطر من ذلك ان هناك مشروعا ايرانيا مكشوفا بدأ تنفيذه منتصف الثمانينات من القرن الماضي، اي قبل ما يزيد على ربع قرن يستهدف ربط quot;المربعات الامنيةquot; الايرانية ببعضها البعض. من يتذكّر عملية التغلغل في العاصمة عبر تهجير الارمن من مناطق معينة من بيروت الغربية (زقاق البلاط ورأس بيروت تحديدا) عن طريق الترهيب في منتصف الثمانينات من القرن الماضي. من يتذكر كيف هُجّر المسيحيون من المصيطبة والمزرعة ومعظم رأس بيروت؟ من يتذكّر العائلات الفلسطينية المسيحية التي خطفت في رأس بيروت ولم يعد لها أثر؟ من يتذكّر الوجود المسيحي في حارة حريك مسقط رأس ميشال عون؟
الموضوع لا علاقة له بتمدد شيعي او غير شيعي. الطائفة الشيعية الكريمة فوق الشبهات. يحق لكل لبناني الاقامة حيث يشاء في لبنان وشراء اي ارض في المنطقة التي يختارها. هذا شيء وتطويق بيروت واختراقها عن طريق ميليشيا مسلحة شيء آخر. هذا شيء وتهجير المسيحيين من جنوب لبنان شيء آخر. هذا شيء والاعتداء على املاك الكنيسة المارونية في لاسا، اعالي جبيل، شيء آخر. هذا شيء والتوسع في الشويفات الدرزية شيء آخر، حتى لا نتحدث عن مناطق اخرى تصب كلها في اخضاع لبنان عسكريا، بما في ذلك بيروت.
لم يكن تشكيل الحكومة الحالية بالطريقة التي تشكلت بها سوى جزء من المخطط الايراني الذي لا يزال النظام السوري يعتقد انه جزء منه. انه يتوهّم ان الحكومة التي صنعها quot;حزب اللهquot; ستخرجه من ازمته العميقة غير مدرك ان مشكلته في مكان آخر. انها مع الشعب السوري اوّلا ومع عجزه عن ايجاد مخرج لاركانه عن طريق التأسيس لمرحلة انتقالية تمهد لنقل السلطة الى حكومة وحدة وطنية ثانيا واخيرا.
يقف لبنان في مواجهة المشروع الايراني الذي يستهدف كل طوائفه ومناطقه. لن يكون هناك مستفيد من هذا المشروع غير العدو الاسرائيلي الساعي الى تفتيت المنطقة. لذلك، من واجب كل سياسي لبناني كشف ما يُعدّ للبنان، خصوصا ان اصحاب المشروعالايراني سيزدادون شراسة وشرها كلما زاد وضع النظام السوري سوءا...
- آخر تحديث :
التعليقات