في كلّ يوم يمرّ يتبين كم ان الزميل والاخ الحبيب سمير قصير الذي استشهد قبل ست سنوات كان على حقّ. كان سمير، بحسه السياسي المرهف وروحه الوطنية وعروبته الحضارية وثقافته الواسعة وعشقه لبيروت ودمشق وفلسطين، يدرك اهمية ربيع دمشق. كان يدرك قبل اي شيء آخر ان خلاص لبنان وخلاص سوريا، وحتى خلاص فلسطين يمرّ بربيع دمشق الذي تأخّر اكثر مما يجب. قتلوا سمير قصير لانّه كان يؤمن بذلك. قتلوه لانّه كان يؤمن بمستقبل افضل للشعبين السوري واللبناني ولشعوب المنطقة. كشف سمير قصير كم النظام السوري ضعيف الى درجة يخاف من مقال في صحيفة او من فيلم قصير عنوانه quot;طوفان البعثquot; لرفيقه الدمشقي عمر اميرالاي الذي توفى قبل بضعة اسابيع، عشية انطلاق الانتفاضة الشعبية في سوريا.
انها انتفاضة مستمرة تثبت ان سوريا بشعبها الحيّ لا تزال قادرة على مقاومة الظلم والتجهيل والخوف وكل المحاولات الهادفة الى تغيير هويتها واخذها الى مكان آخر لا علاقة له سوى بالاستعباد والتخلف.
قبل ست سنوات، في الثاني من حزيران- يونيو 2005، اغتيل سمير قصير عن طريق عبوة ناسفة زرعت في اسفل سيارته التي اوقفها قبالة البناية التي يسكن فيها في بيروت. عشية اغتياله، كان سمير الذي اعطى بفضل مقاله الاسبوعي قيمة لصحيفة quot;النهارquot; وصفحتها الاولى، يحتفل باستعادة لبنان حريته. كان على على علم تام بان ما شهده لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005 لم يكن حدثا عابرا. كان متيقنا من ان استشهاد رفيق الحريري كان زلزالا سيغيّر كل المعطيات في المنطقة. يكفي ان الجيش السوري اضطر الى الانسحاب من الاراضي اللبنانية نتيجة اغتيال الحريري. من كان يصدّق ان القوات السورية ستنسحب يوما من لبنان؟ من كان يصدّق ان سمير قصير سيخرج من مطار بيروت وسيدخل عبره الى لبنان من دون مضايقات يلجأ اليها بعض الصغار الصغار من الذين كانوا يسعون الى استرضاء الاجهزة السورية لا اكثر!
كان سمير قصير على حقّ في كل كلمة قالها وكتبها. كان يحلم بمستقبل زاهر لسوريا حرة وديموقراطية. كان يحلم بالحرية للبنان. كان يؤمن بالفلسطينيين كشعب وان فلسطين لا يمكن الا ان تنتصر يوما على الاحتلال. كان يعرف ان ياسر عرفات الذي دفن في رام الله على ابواب القدس لا يزال يطرق، من حيث هو، ابواب المدينة في كل لحظة وان هذه الابواب لا يمكن الا ان تفتح لتكون عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة يوما.
كلاّ، لم يكن سمير قصير يحلم. ليس يعيدا اليوم الذي ستستعيد فيه سوريا موقعها على خريطة الشرق الاوسط. ليس بعيدا اليوم الذي لن تعود فيه اسيرة عقدة لبنان واوهام الدور الاقليمي القائم على سياسة الابتزاز ولا شيء غير الابتزاز. ليس بعيدا اليوم الذي سيتذكر فيه النظام السوري انه كان مفترضا به الاستماع لسمير قصير وامثاله من الذين كانوا يسعون الى خدمة سوريا تفاديا لوقوعها في الحفرة العميقة التي وقعت فيها. كان على قادة النظام الاستماع لسمير قصير وجبران تويني بدل السعي الى التخلص منهما، وذلك كي تحيا سوريا حقّا بدل السقوط في دوامة العنف التي لن يخرجها منها سوى اعلان النظام افلاسه. هل يفعل ذلك قبل فوات الاوان... ام يستمر في المكابرة سائرا على خطى النظام الليبي؟
كلاّ، لم يكن سمير قصير يحلم. لبنان لا يزال يقاوم. ثقافة الحياة في لبنان لا يمكن الا ان تنتصر على ثقافة الموت. لبنان لم يستسلم. يتبين كلّ يوم ان اعداء لبنان مهزومون، مهما لجأوا الى الادوات وادوات الادوات مثل ميشال عون وما شابه ذلك. يتبين يوما بعد يوم ان الشعارات الكبيرة التي يرفعها اعداء لبنان خدمة لتكريسه quot;ساحةquot; للنظام السوري وغيره لم تعد تنطلي على احد.
كان سمير قصير لبنانيا وسوريا وفلسطينيا في آن. لم ينافق. لم يكذب على احد. لم يكن يعرف لا النفاق ولا الكذب ولا التملق والاستجداء على غرار اولئك الذين يعتمدهم النظام السوري quot;حلفاءquot; او مستشارين له. قال كلمته ومشى. لم يؤذ نملة في حياته. لكنه كشف الكثير عن هشاشة الانظمة العربية وغير العربية التي نصبت العداء لكل ما هو حضاري في الشرق الاوسط بالتواطؤ المباشر وغير المباشر مع اسرائيل.
كشف سمير قصير اوّل ما كشف كم ان هذه الانظمة عاجزة عن الرد على كل كلمة قالها او كتبها. كشف ان الغاء الآخر ليس حلا. تستطيع هذه الانظمة ان تقتل كل من تعتبرهم اعداءها. ولكن في النهاية، هناك ساعة الحساب. ليس بعيدا اليوم سيحاسب فيه القتلة. قتلة رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما. قتلة سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار امين الجميل وانطوان غانم وفرنسوا الحاج ووسام عيد. سيحاسب ايضا اولئك الذين حاولوا قتل مروان حماده ومي شدياق والياس المرّ.
كان سمير قصير على حقّ. رحل عنّا، لكننا لم نرحل منه. ان تكريمه في هذه الايام ليس تكريما لعاشق بيروت فحسب، بل هو ايضا تكريم لكل شهيد سقط في هذا الربيع العربي الذي لا يمكن الا ان يعرّي تلك الانظمة العربية وغير العربية التي اعتقدت ان القتل يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية... وان القمع والترهيب يمكن ان يكونا بديلا من الحرية والكرامة!