بين العامين 1985 و1988 من القرن الماضي، كانت ايران، وهي في حال حرب مع العراق، تخطف اجانب في بيروت ومناطق لبنانية اخرى بهدف واضح كل الوضوح يتمثل في الضغط على الولايات المتحدة وفرنسا. كان التركيز على خطف اميركيين وفرنسيين، علما ان اجانب من جنسيات اخرى، وحتى بعض العرب، خطفوا على الاراضي اللبنانية في تلك المرحلة التي شهدت حصول ايران في وقت معين، بفضل سياسة الخطف واحتجاز الرهائن، على اسلحة اميركية من اسرائيل في ما سمّي وقتذاك فضيحة quot;ايران غيتquot;.
بين منتصف الثمانينات من القرن الماضي والسنة 2005، تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في بيروت، زاد حجم النفوذ الايراني في لبنان. زاد هذا النفوذ خصوصا مع اضطرار النظام السوري الى سحب قواته من لبنان تحت ضغط اللبنانيين، خصوصا اهل السنّة، الذين نزلوا الى الشارع بشكل لا مثيل له في تاريخ لبنان الحديث. استطاع النظام الايراني بفضل سلاح quot;حزب اللهquot;، الذي هو في امرته، ملء الفراغ الامني الذي خلفه الانسحاب العسكري السوري من الاراضي اللبنانية في نيسان- ابريل 2005.
بالنسبة الى ايران، لم يتغيّر شيء في لبنان الذي هو بالنسبة اليها مجرّد quot;ساحةquot;. الفارق بين لبنان منتصف الثمانينات ولبنان السنة 2011 انه بات في استطاعة ايران الآن قلب نتيجة الانتخابات النيابية وتحويل الاقلية الى اكثرية والسعي في الوقت ذاته الى فرض شروط معينة على رئيس الوزراء المكلف السيد نجيب ميقاتي الذي يدرك جيدا دقة المرحلة التي يمر بها البلد والحساسيات التي تحيط بموقع الرئاسة الثالثة التي هي من حصة اهل السنّة في لبنان. بات في استطاعة ايران بكل بساطة تزوير ارادة الشعب اللبناني الذي قال في العام 2009 ، في مناسبة الانتخابات النيابية، لا كبيرة لسلاح quot;حزب اللهquot; الموجه الى صدور المواطنين العزل. انه السلاح الذي يهدد مستقبل كل شاب لبناني، بل كل عائلة لبنانية متعلقة بثقافة الحياة والعيش المشترك والشراكة بين المسيحيين والمسلمين وبكل ما هو حضاري في هذا العالم...
بكلام اوضح، انتقل لبنان من موقع quot;الساحةquot; الصغيرة الى موقع quot;الساحةquot; الكبيرة. صار لبنان كله تحت سيطرة ايران. شئنا ام ابينا، حالت ايران دون انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس اميل لحود الذي انتهت ولايته. لم ينتخب الرئيس ميشال سليمان الاّ بعد اغلاق مجلس النواب طوال ستة اشهر لمنع وصول رئيس يمتلك رؤية واضحة لمستقبل لبنان في مستوى نسيب لحود العربي الاصيل الذي يمتلك بالفعل رؤية واضحة لدور لبنان الحرّ السيد المستقلّ في اطار عربي ودولي...
الآن جاء دور السيطرة على الرئاسة الثالثة. المطلوب اذلال اهل السنّة في لبنان وهذا ما لا يمكن ان يقبل به الرئيس نجيب ميقاتي، بغض النظر عن الظروف التي رافقت وصوله الى موقع الرئيس المكلف. في النهاية، يعرف نجيب ميقاتي قبل غيره انه ليس مسموحا لاداة لدى الادوات مثل النائب المسيحي ميشال عون، الحاقد على كل ناجح وكل نجاح، تشكيل الحكومة اللبنانية انتقاما من اهل السنّة ومن كل مسيحي ودرزي وشيعي يمتلك حدا ادنى من الاستقلالية والكرامة والعزة والمعرفة بالسياسة وبما يدور في العالم.
الاكيد ان الهجمة الايرانية اشتدت على لبنان وان النظام السوري لا يمكنه الا الانضمام اليها نظرا الى بعض النفوذ المستعاد في لبنان يعتمد في الدرجة الاولى على السلاح الايراني المكدس في الوطن الصغير، خصوصا في بيروت التي تحولت الى ميناء ايراني مطل على المتوسط وفي مدن ومناطق اخرى!
شيئا فشيئا، تمكنت ايران من وضع يدها على لبنان مستفيدة من السياسة الاميركية الفاشلة التي سمحت لها ببسط نفوذها على العراق. كانت حرب صيف العام 2006 التي عادت بالويلات على لبنان دليلا على انها صاحبة قرار الحرب والسلم في الوطن الصغير. وضعت يدها على وسط بيروت عن طريق الاعتصام الذي استهدف تقطيع اوصال المدينة ثم اجتاحت العاصمة والجبل الدرزي في ايار- مايو من العام 2008. وتوجت سلسلة انتصاراتها على لبنان واللبنانيين بمنع سعد الحريري من ان يكون رئيسا للوزراء بسبب تمسكه بالعدالة وبالنتائج التي اسفرت عنها الانتخابات...
الى اين يمكن ان تصل السيطرة الايرانية على لبنان؟ بغض النظر عن ضعف الموقف العربي عموما، حتى انه يمكن الحديث عن فراغ عربي بكل معنى الكلمة في ضوء ما تشهده مصر وغير مصر من دول عربية مؤثرة وكبيرة وغنية، فأنّ لبنان لا يزال يقاوم رافضا ان يكون مجرد مستعمرة ايرانية بتواطؤ من بعض العرب. اللبنانيون يقاومون بصدورهم العارية. كانت نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة في حزيران- يونيو من العام 2009 فعل مقاومة. كان تعلقهم بالمحكمة الدولية فعل مقاومة نظرا الى الرغبة في كشف المجرمين الذين اغتالوا رفيق الحريري ورفاقه ومنفذي الجرائم الاخرى التي استهدفت اشرف اللبنانيين والعرب. يري اللبنانيون الشرفاء حقا، اللبنانيون الرافضون للوصاية الخارجية فعلا، ان عليهم وضع وضع حدّ لسياسة قائمة على اخضاعهم عن طريق الاغتيالات والتفجيرات. العالم يريد مساعدة لبنان. هل يرفض اهل البلد تلك المساعدة؟ هل رفض المحكمة الدولية الخاصة بلبنان خيار؟
ليس امام اللبنانيين سوى متابعة المقاومة، اي مقاومة رافضي المحكمة الدولية اولا. كيف يمكن للبنان ان يقف في وجه الشرعية الدولية، خصوصا ان المحكمة الدولية قامت بموجب قرار لمجلس الامن التابع للامم المتحدة بموجب الفصل السابع؟ كيف يمكن للبنان رفض المحكمة الدولية وقطع علاقته بها من جهة والتمسك بالقرار الرقم 1701 الذي اوقف العدوان الاسرائيلي الذي تسببت به ايران في آب- اغسطس من العام 2006 من جهة اخرى؟
صحيح ان لبنان كله تحول الى رهينة لدى ايران في العام 2011. لكن الصحيح ايضا ان اللبنانيين لم يقولوا بعد كلمتهم الاخيرة. انهم جزء لا يتجزأ من الثورات التي تشهدها المنطقة حاليا. عندما ثاروا في العام 2005، لم يكن هناك من يصدّق انهم سيقلبون الوضع راسا على عقب في الوطن الصغير وان ربيع بيروت سيظل حيا يرزق مهما ارتكبت بعض القيادات من اخطاء ومهما بلغت درجة التخلي العربي عن الوطن الصغير. يدرك اللبنانيون ان احتجاز الرهائن ليس سياسة... حتى لو كان وطنهم تحوّل رهينة!