يستحيل الخروج عن الوفاق الوطني في لبنان. المحكمة الدولية التي تنظر في جرائم، سبقت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وفي الجريمة نفسها وما تلاها من جرائم استهدفت اشرف اللبنانيين المؤمنين بالعروبة الحقيقية، جزء لا يتجزأ من الوفاق الوطني. امّا السعي الى التخلص من المحكمة عن طريق افتعال قضية شهود الزور ومذكرات التوقيف المضحكة- المبكية الصادرة عن القضاء السوري، فأنّه يمثل جزءا لا يتجزأ من محاولة انقلابية، لم تستكمل فصولها بعد، تستهدف تحويل لبنان الى رأس حربة للمحور الايراني- السوري لا اكثر، بل التخلص من لبنان نفسه. يمكن وصف مذكرات التوقيف بانّها افضل تعبير عن الازمة العميقة التي يعاني منها النظام السوري الذي لا يدرك ان عليه التعاطي بطريقة مختلفة مع المحكمة الدولية، في حال كان يعتقد فعلا ان لا علاقة له بالجرائم التي تعرض لها لبنان، على راسها جريمة اغتيال رفيق الحريري... وانه على استعداد للتعاطي مع مؤسسات الدولة اللبنانية بدل انتظار اي فرصة للانقضاض عليها. ربما تكمن مشكلة النظام السوري في انه لم يستوعب ان الماضي قد مضى وان عليه الانتهاء من عقدة لبنان والانصراف الى معالجة الوضع الداخلي السوري بدل الهرب منه الى الخارج...
ابعد من مذكرات التوقيف السورية التي لا تقدم ولا تؤخر، يبدو مطلوبا ان يستخدم لبنان في لعبة ايرانية، اكثر مما هي سورية، لا علاقة له بها من قريب او بعيد تقوم على المتاجرة به وبشعبه وبالاستقرار الداخلي من اجل ان يقول النظام الايراني ان لديه اوراقا يلعبها في المواجهة الدائرة بينه وبين المجتمع الدولي. من هذا المنطلق، نجد ذلك الاصرار لدى quot;حزب اللهquot; على التخلص من المحكمة الدولية، نظرا الى ان نجاحه في ذلك يوفر له الهيمنة على لبنان، كما يوفر لكل من شاء، حمل رخصة تسمح له بمتابعة الاغتيالات والتفجيرات من دون حسيب او رقيب من اي نوع كان...
كلما مرّ يوم تزداد اهمية الوجود الايراني في لبنان بالنسبة الى طهران. والمشكلة الحقيقية لـquot;حزب اللهquot; تكمن في انه حتى لو شاء ان يأخذ في الاعتبار التوازنات الداخلية اللبنانية، نظرا الى ان عناصره لبنانية، فانه مضطر الى وضع مصلحة النظام في ايران فوق كل مصلحة اخرى، بما في ذلك مصلحة ابناء الطائفة الشيعية الكريمة في لبنان، وهي طائفة تضم من دون ادنى شك خيرة اللبنانيين الشرفاء الذين يتصدون بصدورهم العارية لسلاح الحزب الايراني وتوابعه ولمحاولات اثارة الغرائز المذهبية التي لا تخدم سوى اسرائيل.
ثمة من سيقول ان لا مصلحة للحزب في اثارة الغرائز المذهبية. الجواب ان ذلك كان يمكن ان يكون صحيحا لو كان quot;حزب اللهquot; يمتلك حرية قراره من جهة ولو كانت ايران تتوقف عند هذا الاعتبار، الذي يصب في مصلحة دولة عنصرية اسمها اسرائيل، من جهة اخرى. لو كانت ايران مهتمة بتفادي اثارة الغرائز، لما فعلت ما فعلته في العراق عبر ميليشيات الاحزاب المذهبية التابعة لها. ما شهدناه في العراق، حيث خاضت ايران الحرب الى جانب الاميركيين من دون اي نوع من العقد، يتكرر للاسف الشديد في لبنان. ما يحصل في لبنان، خصوصا عن طريق السعي الى الغاء المحكمة الدولية، تطور في غاية الخطورة نظرا الى انه يتبين يوميا ان المطلوب في نهاية المطاف وضع اليد على لبنان. مطلوب استخدام الجرائم التي استهدفت اشرف اللبنانيين والعرب، من رفيق الحريري وباسل فليحان الى اللواء فرنسوا الحاج والنقيب سامر حنا مرورا بسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار امين الجميل وانطوان غانم والرائد وسام عيد، والشهداء الاحياء مروان حماده والياس المر ومي شدياق والرائد سمير شحاده، كي يفهم اللبنانيون اخيرا ان بلدههم غير قابل للحياة ولا يمكن الا ان يكون تحت الوصاية. اكثر من ذلك، عليهم ان يستوعبوا، استنادا الى الحسابات الايرانية، ان لبنان انتقل من خلال اغتيال رفيق الحريري والاحداث التي تلته من الوصاية السورية الى الوصاية الايرانية مع بعض المراعاة من طهران لدمشق.
لن يأتي الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى لبنان قريبا سوى من اجل تثبيت المعادلة الجديدة القائمة على فكرة ان الوطن الصغير بات جزءا من الامبراطورية الفارسية وان وضعه لا يختلف في شيء عن وضع مناطق عراقية معينة، وان الفشل الايراني في غزة، بسبب الوضع الجغرافي المختلف للقطاع، عوضه نجاح quot;حزب اللهquot; في ترويض اللبنانيين مستخدما سلاحه غير الشرعي الموجه الى اشرف الناس من كل الطوائف والمذاهب، وقدرته على التوسع على كل الجبهات بفضل الامكانات المالية الكبيرة التي يمتلكها، فضلا عن شراء ادوات من كل الطوائف والمذاهب والمشارب. تسمح له تلك الامكانات المالية بربط البقع الامنية التي يسيطر عليها ببعضها البعض عبر شراء الاراضي في مناطق معينة على حساب المسيحيين والدروز تحديدا...
هل ينجح المشروع الايراني في لبنان بفضل quot;حزب اللهquot; وادواته المعروفة من مستوى النائب ميشال عون الذي يتباكى على لبنان في حين انه يفعل كل شيء من اجل تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية وتهجير اكبر عدد ممكن من المسيحيين من ارضهم؟ الجواب بكل بساطة ان ليس امام اللبنانيين سوى الصمود. المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي اقرها مجلس الامن، بموجب قرار اتخذ تحت الفصل السابع، رمز من رموز المقاومة اللبنانية.
ما قد يساعد لبنان على الصمود، خصوصا في وجه الفتنة الطائفية والمذهبية التي تشجع عليها التصرفات الايرانية في لبنان، ان الوطن الصغير عرف دائما وفي احلك الظروف المحافظة على توازن ما. ربما كان افضل من لخص ذلك رئيس مجلس الوزراء السابق نجيب ميقاتي الذي قال في خطاب القاه قبل ايام :quot;من الخطأ الجسيم الاعتقاد ان فريقا لبنانيا واحدا قادر على امتلاك القرار في لبنان، لانّ الاحداث اثبتت انه عندما سعى فريق الى الاستئثار او الهيمنة او التسلط، كانت النتيجة صدامات ومواجهات وحروب اهلية هزم فيها المسلمون والمسيحيون على حد سواء... وكان الخاسر الاكبر لبنانquot;. ولكن هل لدى quot;حزب اللهquot; ومن هم خلفه مشكلة في ان يكون الخاسر لبنان؟
من المفيد تذكير quot;حزب اللهquot; وعبره ايران ان لبنان ليس لقمة سائغة وان هناك توازنات داخلية لا يمكن الاستخفاف بها وان التهويل على اللبنانيين والتهديد بزعزعة السلم الاهلي لن يؤثرا على ارادة المقاومة مهما بلغ عدد الصواريخ الموجهة الى القرى والمدن اللبنانية ومهما زاد عدد عناصر ميليشيا الحزب الايراني في بيروت وحتى في طرابلس ومهما بلغت بذاءة ميشال عون ومن على شاكلته وبعض نواب quot;حزب اللهquot;. تظل ارادة الصمود والمقاومة اقوى. فلبنان، عن طريق تمسكه بالمحكمة الدولية، لا يدافع عن نفسه فحسب، بل يدافع ايضا عن فلسطين والبحرين واليمن وكل الشرفاء من العرب وكل دول المنطقة، خصوصا في منطقة الخليج المهددة بالفتنة المذهبية ذات المصدر المعروف جدا وجيّدا...