في الأساس، لا جديد يذكر في لبنان على الصعيد الداخلي. اللعبة لا تزال نفسها. كل ما هناك ان المحاولات مستمرة لوضع اليد على الوطن الصغير عن طريق السلاح غير الشرعي الذي تمتلكه ميليشيا مذهبية تابعة لأيران لا هم لها سوى تكريسه quot;ساحةquot; للمحور الأيراني- السوري يستخدمها لأبتزاز العرب وغير العرب بهدف الوصول الى صفقات مع اميركا واسرائيل على حساب لبنان واللبنانيين. هذا كل ما في الأمر.الوطن الصغير ليس سوى ورقة في لعبة كبيرة يدرك اللبنانيون ابعادها منذ فترة لا بأس بها. ولذلك نراهم يقاومون السلاح غير الشرعي الذي لا هدف له سوى تحويلهم رهينة في مساومات لا علاقة لهم بها من قريب او بعيد.
ربما كان جديد الأسابيع القليلة الماضية في التفاصيل. يتمثل ذلك في انتقال السيد وليد جنبلاط الزعيم الدرزي، الذي كان الى ما قبل فترة قليلة زعيما وطنيا، الى مهاجمة الدكتور سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية لحزب quot;القوات اللبنانيةquot;. حل جنبلاط مكان النائب ميشال عون، الذي ليس في نهاية المطاف سوى اداة لدى الأدوات، كرأس حربة في الحملة على جعجع الذي يمكن من دون شك الأعتراض على ممارسات له في الماضي. لكن ذلك لا يمنع من الأعتراف بأنه من السياسيين القلائل الذين لديهم خطاب وطني لا تشوبه شائبة في الوقت الحاضر، اقله من ناحية استيعاب ما هو على المحك في لبنان وحول لبنان. في المرحلة الراهنة لم تعد لعون فائدة تذكر في الحملة على حركة الرابع عشر من آذار عموما وعلى الدكتور جعجع شخصيا. اصبح القائد السابق للجيش اللبناني، الذي بات يرفض اي دور للجيش في مجال الدفاع عن لبنان ويبرر اغتيال ميليشيا لضابط طيار ذنبه الوحيد التحليق بطائرة لبنانية في الأجواء اللبنانية، اداة مستهلكة. ربما ستعود لهذه الأداة فائدة ما في المستقبل، في حال دعت الضرورة الى ذلك. لكن الملفت الآن ان عون لم يعد يتحدث، في مناسبة الأنتخابات البلدية، سوى عن quot;الزبالةquot;. غريب كلام الجنرال عن الزبالة. لا يمكن فهم كلامه الا في ضوء دخوله مزبلة التاريخ باكرا، اي عشية بلوغه الثمانين من العمر!
كان الأمل كبيرا في ان يكون اقتراب ميشال عون من الثمانين فرصة كي يتجاوز سن المراهقة السياسية ويبدأ في فهم المعادلات الأقليمية واهمية التحديات التي تواجه لبنان واللبنانيين وخطورتها على مستقبل البلد، والمسيحيين تحديدا، هو الذي يدعي الدفاع عنهم. لم يحصل ذلك للأسف الشديد. الرجل عاجز عن ان يكون شيئا آخر غير اداة. انه الدور الذي نذر له حياته منذ ما قبل ان يعينه الرئيس امين الجميل رئيسا لحكومة موقتة في العام 1988 ، فعمل كل ما يستطيع من اجل شن حملات مبتذلة ورخيصة لا طائل منها على النظام السوري، في حين كان دوره الحقيقي محصورا في افراغ اتفاق الطائف من مضمونه وتحويله الى اتفاق في خدمة وضع لبنان كله، بما في ذلك قصر بعبدا، تحت الوصاية السورية ليس الاّ.
يمكن فهم اسباب الأستغناء، ولو موقتا، عن ميشال عون ووضع وليد جنبلاط في الواجهة. ثمة حاجة الى وسائل ضغط جديدة غير مستنفدة. هل في استطاعة وليد جنبلاط تأدية هذا الدور؟ الجواب بكل بساطة ان المهمة ستكون صعبة، بل مستحيلة، على الرجل نظرا الى ان على وليد جنبلاط اقناع وليد جنبلاط اوّلا بسلاح quot;المقاومةquot; الموجه الى صدور اللبنانيين. بكلام اوضح، ان كل لبناني يعرف ان كلام الزعيم الدرزي اتى نتيجة عوامل عدة. كان العامل الأول والأهم احداث السابع والثامن والتاسع من ايار- مايو 2008 حين حاول quot;حزب اللهquot; اجتياح الجبل الدرزي بعد سيطرته على قسم من بيروت. كانت النتيجة شعور وليد جنبلاط بأن طائفته القليلة العدد التي تقع قراها وبلداتها في مناطق استراتيجية في الجبل اللبناني والمناطق المحيطة به والمطلة عليه، باتت مهددة بالتهجير وان لا جيش وطنيا يستطيع حمايتها. انطلاقا من هذا الواقع، ان كل كلمة تصدر عن الزعيم الدرزي في المرحلة الراهنة انما تصدر لأن الدروز مهددون. المصير الدرزي على المحك. هناك خوف كبير من انتصار الديموغرافيا على الجغرافيا في الرقعة اللبنانية الصغيرة...
لا شك انه كان في استطاعة جنبلاط التعاطي مع الأحداث والتطورات بشكل مختلف، هو الذي يعرف قبل غيره اهمية العلاقة مع سوريا وطبيعة النظام فيها وكيفية التعاطي معه. الأنبطاح الى هذا الحد ليس ضروريا، مثلما انه لم تكن هناك يوما ضرورة للكلام النابي الخارج عن آداب السياسة.
عودة الى بدء، اي الى ان لا شيء تغير في الأساس على الصعيد اللبناني. ما يبدو مطروحا اكثر من اي وقت الأعتراف بأن الضغوط على لبنان لا تفيد في شيئ. لا تفيد لبنان ولا تفيد سوريا. فالحملة على الدكتور سمير جعجع وquot;القوات اللبنانيةquot; بهدف عزلهما تكشف ان هناك عقما في السياسة السورية ورفضا للأعتراف بان لبنان تغيّر وان ما يخدم البلدين يتمثل في حصر التعاطي بينهما بالمؤسسات الرسمية فيهما. اكثر من ذلك، هناك استخدام مثير للقرف ليتامى الأجهزة السورية لمهاجمة الرئيس فؤاد السنيورة. اذا كانت الحملة على السنيورة تثبت شيئا، فأنها تثبت ان الرجل كان على حق في كل كلمة قالها وفي كل موقف اتخذه وانه لا يمثل سوى العروبة الحقيقية والصادقة التي يفترض في النظام السوري الأنتماء اليها... بدل الحديث عن مقاومة وممانعة تصبان في خدمة اسرائيل وسياسات بنيامين نتانياهو وحكومته المتطرفة.
في النهاية، ما يمكن ان يشكل تغييرا اساسيا في لبنان هو ذلك التغيير الذي يطرأ على السياسة السورية تجاهه. لعلّ الخطوة الأولى في هذا الأتجاه، وهي خطوة تصب في مصلحة اللبنانيين والسوريين في آن، التوقف عن رهانات خاسرة سلفا من نوع ان الحملة على الرابع عشر من آذار تفيد النظام السوري في شيء. لا يفيد النظام السوري اي اضعاف لأي طرف ينتمي الى الرابع عشر من آذار عن طريق تهديده بواسطة طرف آخر معروف تماما انه يتصرف تحت ضغط السلاح... ما يفيد النظام السوري امتلاك ما يكفي من الشجاعة لطرح اسئلة حقيقية من نوع هل في استطاعته التعاطي بندية مع لبنان عبر مؤسسات الدولة اللبنانية ام لا؟ هل في استطاعته استيعاب ان سلاح quot;حزب اللهquot; واي سلاح آخر غير شرعي لا يخدم في آخر المطاف لا سوريا ولا لبنان؟ وما قد يكون اهمّ من ذلك ان وقوف دمشق على مسافة واحدة من كل الأطراف اللبنانية سيساعدها من دون ادنى شك على اظهار انها ليست الطرف الضعيف في المحور الأيراني- السوري وان علاقتها باللبنانيين اسيرة هذا المحور والسلاح غير الشرعي فيه. كانت حفلة الأستقبال التي اقامتها السفارة السورية في بيروت حديثا خطوة في الأتجاه الصحيح. ولكن من ينظر الى المشهد العام يخشى ان تكون هذه الخطوة يتيمة لا تؤسس لجديد...