كان نجاح الأجهزة المختصة في دولة الأمارات العربية المتحدة في كشف المجموعة الأسرائيلية التي اغتالت المسؤول العسكري في حركة quot;حماسquot; محمود المبحوح في احد فنادق دبي انجازا كبيرا، بل استثنائيا. ربما هي المرة الأولى في تاريخ اسرائيل التي يتوصل فيها جهاز امني عربي الى كشف تفاصيل عملية من هذا النوع. بأختصار، استطاعت الأجهزة الأماراتية تعرية quot;الموسادquot; بالصوت والصورة. اكثر من ذلك، ظهرت وجوه عملاء الجهاز الأسرائيلي المشاركين في العملية بوضوح. وهذا يعني ان افراد المجموعة الذين تفذوا عملية اغتيال المبحوح صاروا مكشوفين للعالم ولم يعد هناك مجال لأستخدامهم في مهمات خارج اسرائيل في ضوء استخدامهم جوازات عائدة الى مواطنين اوروبيين ينتمون الى دول عدة ابرزها بريطانيا وايرلندا وفرنسا.
كان هناك نجاح عربي بكل المقاييس في ميدان ظلّ طويلا حكرا على اسرائيل. وهذا يعني في طبيعة الحال ان الجهاز الأسرائيلي لم يعد يمتلك التفوق الذي كان يمتلكه في الماضي ولم يعد قادرا على الأستخفاف بالقدرات العربية في مجال مكافحة الأرهاب، بما في ذلك ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل. اوليس كشف جريمة اغتيال شخص في احد فنادق دبي، بغض النظر عن هوية هذا الشخص، على يد عناصر آتية من خارج كشفا لعمل ارهابي بكل معنى الكلمة تدينه كل القوانين المعمول بها في دولة الأمارات وخارجها؟
المهم الآن البناء على الأنجاز الذي تحقق وليس السعي الى تجاوزه. انها مناسبة لتلعب حركة مثل quot;حماسquot; دورا في حماية الأنجاز العربي بدل العمل على تحوير المواجهة وابعادها عن هدفها الحقيقي. فالمواجهة حاليا هي مع دولة تمارس الأرهاب عن طريق عمل كل شيء من اجل تكريس الأحتلال بهدف منع قيام دولة فلسطينية مستقلة استنادا الى مرجعية دولية واضحة هي خط العام 1967. ان كشف دولة الأمارات الأرهاب الأسرائيلي، في جانب منه، يفرض على quot;حماسquot; التركيز على ممارسات اسرائيل بدل التصويب بأصرار ليس بعده اصرار على السلطة الوطنية الفلسطينية ورموزها وتوجيه اتهامات اليها من نوع انها ساعدت في اغتيال المبحوح. ما هو معروف وواضح في آن، ان مثل هذا التصويب لا يخدم سوى اسرائيل، وهو محاولة من quot;حماسquot; من حيث تدري او لا تدري، والأرجح انها تدري، على منع الفلسطينيين جميع الفلسطينيين من الأستفادة دوليا من الأنجاز الذي حققته السلطات الأماراتية. ما يغيب عن بال quot;حماسquot; ان في الأمكان البناء على ما تحقق في دبي بفضل الأجهزة الأماراتية والمحلية بدل مساعدة اسرائيل في ايجاد مخارج لها من ازمتها مع دول اوروبية عدة. يمكن استغلال ما حصل في اطار حشد مزيد من التأييد العالمي للقضية الفلسطينية وتأكيد ان الفلسطينيين ضحية الأحتلال وضحية الأرهاب الذي يمارس في حقهم. من يعمل على توجيه تهم الى السلطة الوطنية أو الى شخصيات فلسطينية معينة في قضية المبحوح انما يسعى الى تبرئة اسرائيل في جريمة لا مجال لها من التنصل منها في ضوء الأثباتات الدقيقة والموثقة التي وفرتها الأجهزة الأماراتية.
المؤسف انها ليست المرة الأولى التي تتصرف فيها quot;حماسquot; في الأشهر القليلة الماضية بطريقة غير مسؤولة تصب في خدمة اسرائيل والأجهزة الأسرائيلية، كما لو ان هناك حلفا غير مقدس بين الجانبين.
خلال الحرب الأسرائيلية على غزة اواخر العام 2008 وبداية العام 2009، وهي حرب وقف فيها العالم متفرجا في وقت كانت اسرائيل تستخدم كل ما لديها من اسلحة لضرب اهداف مدنية في القطاع بهدف تدمير البنية التحتية فيه، كان همّ quot;حماسquot; محصورا في كيفية التهجم على السلطة الوطنية وعلى quot;ابو مازنquot; شخصيا. انتهت الحرب التي أوجدت لها quot;حماسquot; كل المبررات المطلوبة، عن طريق صواريخها المضحكة ndash; المبكية، بتدمير جزء من البنية التحتية للقطاع ومقتل ما يزيد على الف وأربعمئة مواطن وجرح الآلاف. لم تعتذر quot;حماسquot;. لم تفهم ان تصرفاتها خدمت اسرائيل ولم تستوعب ذلك، ربما لأنها تنفذ اجندة لا علاقة للفلسطينيين او لفلسطين بها. كل ما فعلته quot;حماسquot;، انها صارت فجأة تحارب الصواريخ التي تطلق من القطاع. بين ليلة وضحاها، تحول اطلاق الصواريخ التي كانت كفيلة بتحرير فلسطين من البحر الى النهر، بصفة كونها quot;وقفا اسلامياquot; الى quot;خيانة وطنيةquot;.
لم تتعلم quot;حماسquot; شيئا من تلك التجربة. كان همها المحافظة على حياة قيادييها وسيطرتها على غزة... واستغلال الحرب للنيل من السلطة الوطنية ومن quot;فتحquot; ومن المشروع الوطني الفلسطيني. ما يؤكد ذلك، انها سعت بعد ذلك الى توظيف تقرير غولدستون الذي دان اسرائيل، كما دان quot;حماسquot; لتسجيل نقاط في الحرب على السلطة الوطنية، علما ان الطفل يعرف ان من طلب تأجيل النظر في التقرير امام الجمعية العامة للأمم المتحدة كان مجموعة من الدول الأسلامية. على رأس هذه الدول تأتي باكستان التي طالب مندوبها صراحة ومن دون اي مواربة بالـتأجيل. وهذا مسجل بالصوت والصورة وهو تسجيل يرد على كل من لديه ادنى شك في ان السلطة الوطنية كانت بعيدة كل البعد عن تأجيل النظر في تقرير غولدستون. ولكن من يقنع quot;حماسquot; بأن باكستان طالبت بالتأجيل بأسم الدول الأسلامية؟
يتكرر المشهد الآن. هناك فرصة امام الجانب الفلسطيني ككل، وفرتها له الأجهزة الأماراتية، من اجل شن هجوم ديبلوماسي على اسرائيل، خصوصا في اوروبا. انها مناسبة للقول لquot;حماسquot; ان مشكلتها مع أسرائيل وليس مع السلطة الوطنية الفلسطينية وان حربها على السلطة الوطنية لا تصب سوى في خدمة ألأحتلال. هل هي مع الأحتلال ام ضده؟ هل تريد التخلص من الأحتلال ام عمل كل شيء من اجل خدمته... بما في ذلك توظيف جريمة اغتيال المبحوح ضد من يتصدى فعلا للأحتلال؟