كان طبيعيا أن يعتذر سعد الدين رفيق الحريري عن عدم عرض الحكومة التي شكلها على مجلس النواب لنيل ثقته، علما بأن الثقة بالحكومة، بأي حكومة تشكل أستنادا ألى الدستور والتوازنات الطائفية، مضمونة نظرا ألى أمتلاك رئيس الوزراء المكلف أكثرية مريحة في المجلس. ولكن ما العمل عندما تكون الكلمة في لبنان للسلاح غير الشرعي الذي يتلقى أوامره من الخارج؟ لم يكن أمام من حاز ثقة الشعب ونوابه خيار آخر غير الأعتذار بعدما رفض المحور الأيراني ndash; السوري عبر أدواته اللبنانية وأدوات الأدوات المعروفة الحكومة سلفا نظرا ألى أصراره على ضرب النظام في لبنان بهدف تغييره وأحلال المثالثة السنية- الشيعية- المسيحية بدل المناصفة بين المسيحيين والمسلمين كما نص على ذلك أتفاق الطائف.
ما حصل ويحصل في لبنان يحرج من دون شك الرئيس ميشال سليمان الذي لم يتردد في الأسابيع القليلة الماضية عن الأعلان صراحة عن أن هناك حاجة ألى حكومة وأن الفراغ لا يفيد لبنان ولا اللبنانيين. ولكن، مرة أخرى، لا بدّ من التساؤل ما الذي يمكن عمله عندما يكون هناك بين اللبنانيين من يعتبر أن ضرب الأستقرار في البلد هدف بحد ذاته وأن الوطن الصغير ليس سوى quot;ساحةquot; وأن القرار القاضي بتشكيل الحكومة يجب أن يتخذ في طهران ودمشق وليس في بيروت في ضوء التنسيق بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف؟
من أطرف ما شهدته الأيام التي سبقت تقديم رئيس الوزراء المكلف اللائحة ألى رئيس الجمهورية المحاولات السورية والأيرانية لأظهار أن الخلاف في لبنان هو بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف. تولت وسائل أعلامية أنشئت أصلا لضرب الصيغة اللبنانية وكل ما يمكن أن يساعد في أنتشار ثقافة الحياة في الوطن الصغير في الترويج لخلافات داخل تيار المستقبل وحركة الرابع عشر من آذار وبين رئيس الجمهورية والرئيس الحريري. تناست وسائل الأعلام الحاقدة على لبنان، وعلى كل ما هو ناجح فيه وعلى الناجحين في أي حقل من الحقول، أن المشكلة ليست بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف. تكمن المشكلة بكل بساطة في وجود حزب مذهبي مسلح لا يقبل بالصيغة اللبنانية. يستخدم هذا الحزب حاليا سلاحه المذهبي وأداته المسيحية المفضلة، المسماة الجنرال ميشال عون، في فرض واقع جديد في البلد. يقوم هذا الواقع على فكرة أن لا أهمية للأنتخابات النيابية ونتائجها. الكلمة الأخيرة للسلاح ولحامل السلاح وليست للناخب اللبناني.
ما فعله سعد الحريري ممارسة لفعل مقاومة حقيقي من أجل لبنان والمحافظة عليه ومنع نجاح الأنقلاب الذي يستهدف الصيغة اللبنانية والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين التي نص عليها أتفاق الطائف. الأهم من ذلك كله أن الهدف من تقديم لائحة بأسماء أعضاء الحكومة أستنادا ألى الدستور، يتمثل في تأكيد ضرورة الأحتكام ألى القانون بدل الأحتكام ألى السلاح. بأختصار، أن المرجعية التي يفترض أن يعود أليها اللبنانيون كل يوم هي الكتاب، أي الدستور، على حد تعبير الرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي تأسست في عهده الأدارة اللبنانية الحديثة التي صمدت في مواجهة أهوال الحرب الأهلية وحروب الآخرين على أرض لبنان منذ العام 1975 من القرن الماضي...
ما فعله سعد الدين رفيق الحريري يندرج في سياق تمكين اللبنانيين من البقاء في لبنان والعيش فيه في ظل دولة القانون وليس دولة من يحمل السلاح المذهبي ويقيم جزرا أمنية ودورة أقتصادية خاصة به عادت على طائفته خصوصا واللبنانيين عموما بالويلات. من يملأ الفراغ الحكومي يجعل أرض لبنان جاذبة للبنانيين بدل أن تكون طاردة لأهلها نظرا ألى أن ملء الفراغ الحكومي يصب في خدمة حماية لبنان من الأخطار المحدقة به. على رأس الأخطار أثارة الغرائز المذهبية. فما لا يمكن الأستهانة به أن الأستمرار في منع الرئيس المكلف من تشكيل حكومة تحت تهديد السلاح يؤدي ألى أحتقان مذهبي من النوع الذي لا يخدم أي طائفة من الطوائف. على العكس من ذلك أنه يكشف أن بين اللبنانيين من لا يقبل بالصيغة القائمة وأنه يسعى ألى أستكمال الأنقلاب الذي بدأ بجريمة التمديد للرئيس أميل لحود وأستكمل بأغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وبسلسلة الجرائم والتفجيرات اللاحقة وصولا ألى أفتعال حرب صيف 2006 وأحتلال الوسط التجاري لبيروت وحرب مخيم نهر البارد... وغزوة بيروت والجبل في أيار - مايو من العام الماضي.
ليس أمام لبنان سوى المقاومة. المقاومة لا تكون بالتمسك بالسلاح المذهبي وأطلاق الشعارات الطنانة والتذرع بأسرائيل لتوجيه السلاح ألى صدور اللبنانيين. المقاومة تكون بالتمسك بالمؤسسات ودورها وتأكيد قدرة اللبنانيين على أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم وأنهم ليسوا في حاجة ألى وصاية. في النهاية أن تشكيل حكومة لبنانية متوازنة دليل على رفض اللبنانيين للفراغ من جهة وتصميمهم على أستعادة عاصمتهم من جهة أخرى. أستعادة العاصمة هو أستعادة للقرار اللبناني المستقل الذي لا يقبل أن تكون بيروت مدينة أيرانية على المتوسط، نتيجة غزوة السابع من أيار- مايو 2008، وأن تشكل الحكومة اللبنانية في طهران. الحكومة اللبنانية تصنع في لبنان. بعد ذلك، يمكن لرئيس مجلس الوزراء أن يزور دمشق وحتى طهران وغير طهران.
كلمة أخيرة. من يخشى المحكمة الدولية لن تنقذه منها حكومة لبنانية تشكل في طهران أو دمشق... أو في العاصمتين معا. كذلك، لن ينقذه منها الفراغ الحكومي في لبنان. ما ينقذ من المحكمة التوقف عن ممارسة لعبة الهروب ألى أمام عن طريق خلق أزمة نظام في لبنان. أزمة النظام الحقيقية والعميقة في سوريا وأيران. لماذا لا تشكل حكومة وحدة وطنية في دمشق؟ ولماذا سقط هذا العدد الكبير من القتلى في صفوف المواطنين نتيجة الأنتخابات الرئاسية quot;الديموقراطيةquot; التي شهدتها أيران؟
عاجلا أم آجلا، سيشكل سعد الحريري حكومة. في أنتظار عودته ألى مشاوراته الهدفة ألى تأكيد أن لبنان يحكم بالقانون وليس بالسلاح، فأن أكثر ما يخيف في الوضع اللبناني ألطريقة التي يتصرف بها quot;حزب اللهquot;. الطفل اللبناني يعرف أن الحزب الأيراني يدير ميشال عون بالريموت كونترول. مثل هذا التصرف هو بمثابة الطريق الأقصر ألى أثارة الغرائز المذهبية وألى مزيد من التمسك لدى أهل السنة بسعد الدين رفيق الحريري وليس بغيره!