لا بدّ من توجيه الشكر إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على أيضاحه ما كان ليس في حاجة إلى أيضاح، أي السياسة الإيرانية تجاه لبنان التي تنفذ عبر quot;حزب اللهquot; والميليشيا التابعة له وبقية الأدوات التي تسيرها التعليمات الصادرة عن الحزب. ما كشفه أحمدي نجاد، الذي شرح أهمية الأنتخابات اللبنانية بالنسبة إلى إيران مشيرا إلى أن ما تطمح أليه تحويل الوطن الصغير قاعدة للمقاومة على غرار ما هي عليه غزة، يؤكد أمرا واحدا على الأقل. أنه يؤكد أن لا علاقة لما قالهالأمين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله بالواقع. صدر كلام نصرالله الأثنين الماضي في الخامس والعشرين من أيار- مايو الجاري من بيروت في الوقت الذي كان كان الرئيس الإيراني يتحدث من طهران. بعد كلام أحمدي نجاد لم تعد عمليا من حاجة تذكر إلى كلام الأمين العام لquot;حزب اللهquot;.
حاول السيد نصرالله الإعتذار من أهل بيروت من دون أن يعتذر. كل ما في الأمر أن السنّة والدروز والشيعة والمسيحيين يدركون تماما ما فعله مسلحو ميليشيا quot;حزب اللهquot; في بيروت والجبل قبل سنة. كل ما في الأمر أيضا أن عملية السابع من أيار- مايو 2008 كانت عملية تستهدف بيروت- المدينة وتأكيد أنها قاعدة إيرانية على شاطئ المتوسط. اكثر من ذلك، كان مطلوبا أن يستعرض quot;حزب اللهquot; عضلاته وأن يظهر قدرته، بصفة كونه لواء في quot;الحرس الثوري الإيرانيquot; بعناصر لبنانية، على أخضاع بيروت وأهل بيروت.
يستطيع السيد نصرالله أن يضحك على ساذج مثل النائب ميشال عون. لكنه كلامه لا يمر على أهل بيروت من كل الطوائف والمذاهب وأهل الجبل من أبناء الطائفة الدرزية الكريمة، طائفة الموحدين الدروز، التي عرفت كيف تقاوم وكيف تحمي الجبل والساحل في مواجهة مسلحين أرادوا تكريس واقع جديد في الوطن الصغير مبني على فكرة أنه مجرد quot;قاعدةquot; لعمليات إيرانية تشن ضد هذا البلد العربي أو ذاك كما حصل أخيرا مع مصر... أو ضد اللبنانيين أنفسهم، كما يحصل يوميا، بغية نشر البؤس في الوطن الصغير.
في حال كان الأمين العام لquot;حزب اللهquot; يريد تعويم النائب ميشال عون عن طريق أبداء أعجابه بصفاته، على رأسها ما سماه quot;الوفاءquot;، فأن كل ما يمكن قوله أنه ربما نجح في ذلك وربما فشل أيضا. ربما نجح لأنه يعرف تماما نقاط الضعف في شخصية ميشال عون الذي يدل تاريخه على لا يعرف شيئا غير العمل على تدمير المؤسسات اللبنانية بدليل نجاحه في أدخال السوريين إلى قصر بعبدا ووزارة الدفاع في العام 1990. أما لماذا فشل، فأن ذلك عائد إلى سبب في غاية البساطة يتمثل في أن المسيحيين بدأوا يكتشفون حقيقة ميشال عون القادر على تغيير لون جلده بأسرع من لمح البصر. أنه الشخص الحاقد الذي يمتلك القدرة على تبرير وجود سلاح ميليشيوي تابع لحزب مذهبي يتلقى أوامره من طهران... على الأرض اللبنانية. كان الشيء الوحيد الذي لم يتغيّر في ميشال عون هو ذلك الأصرار على تهجير اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا من أرضهم... وهذا في حد ذاته هدف بعيد المدى لـquot;حزب اللهquot; ومن يقفون خلفه في طهران ودمشق... وهذا ما كشفه أحمدي نجاد بالصوت والصورة.
نجح عون في تدمير المؤسسات اللبنانية وأضعاف المسيحيين ودفعهم إلى الهجرة نجاحا منقطع النظير عندما أراد الوقوف في وجه الوجود العسكري السوري في لبنان بين العامين 1988 و1990 وأستكمل المهمة، التي ولد من أجلها، عندما شارك في كل ما من شأنه تعطيل الحياة السياسية والأقتصادية في البلد بمجرد عودته إلى لبنان في العام 2005؟ ألم يشارك في أحراق الدواليب وقطع الطرقات، بناء على تعليمات من quot;حزب اللهquot;؟ ألم يشارك في تغطية جريمة مخيم نهر البارد التي أستهدفت الجيش اللبناني؟ ألم يشارك في الأعتداء على الأملاك الخاصة والعامة في وسط بيروت بهدف تهجير أكبر عدد ممكن من اللبنانيين من لبنان؟ ألم يسكت عن أغلاق مجلس النواب لمنع أنتخاب رئيس جديد للجمهورية أرضاء لدمشق وطهران؟
كان يمكن لنصرالله أن ينجح في عملية تعويم ميشال عون لو لم يتبين أن المسألة في نهاية المطاف مسألة خيار بين خط سياسي ينادي بثقافة الحياة وآخر لا يؤمن ألا بثقافة الموت. كان الأمين العام لquot;حزب اللهquot; يتحدث في ذكرى الأنسحاب الأسرائيلي من جنوب لبنان، كان يمكن أن يكون للتغيير الذي طرأ على لهجة خطابه بالنسبة إلى أهل بيروت والجبل أهمية ما. لكن أحمدي نجاد سارع إلى وضع الأمور في نصابها. قال بالحرف الواحد: quot;في حال فوز المعارضة (في الأنتخابات اللبنانية)، ستتغير الأوضاع في المنطقة وستتشكل جبهات جديدة تقوم بتقوية المقاومة في المنطقةquot;. أختصر أحمدي نجاد وظيفة لبنان من وجهة النظر الإيرانية. هذا ما على العرب أدراكه في مواجهة المشروع الإيراني على الصعيد الأقليمي. حدّد الرئيس الإيراني مهمة quot;حزب اللهquot; في حال فوزه في الأنتخابات مع توابعه المعروفة على رأسها ميشال عون.
بعد صدور هذا الكلام عن الرئيس الإيراني، ليس ما يدعو إلى الخوض في تفسير ما ورد في الخطاب الأخير للأمين العام لquot;حزب اللهquot;. لا حاجة إلى تفسيرات أو شروحات أو حتى تلميحات. لبنان مقبل على أنتخابات مصيرية. أما يفوز الأستقلاليون ويحافظون على الأكثرية ويمارسون بالتالي فعل مقاومة حقيقية تخدم لبنان وتقف فعلا ضد أسرائيل، وأما يسقط لبنان في أسر المحور الإيراني- السوري ويتحول بالتالي إلى رأس حربة له، على غرار ما هو حاصل في قطاع غزة.
وفّر الرئيس الإيراني الكثير على اللبنانيين. شرح لهم ما المطلوب من quot;حزب اللهquot; في حال فوزه في الأنتخابات كما فسّر الدور المطلوب من لبنان أن يلعبه في حال حصول ذلك. أوضح لماذا أفتعل quot;حزب اللهquot; حرب صيف العام 2006 التي أستخدمتها أسرائيل لتدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية وتحويل سلاح quot;حزب اللهquot; إلى سلاح موجه إلى صدور اللبنانيين، خصوصا بعد صدور القرار 1701 الذي أغلق جبهة الجنوب وأوقف المتاجرة به وبأهل الجنوب. حدّد أحمدي نجاد الدور المطلوب من لبنان ومن quot;حزب اللهquot; وأدواته ومن أدوات الأدوات وما الهدف الحقيقي من غزوة بيروت ومحاولة أخضاع الجبل. كشف، من دون تسمية ميشال عون، لماذا أمتدح حسن نصرالله القائد السابق للجيش (ميشال عون) الذي يستطيع تبرير قتل ميليشيا لضابط طيار لبناني ذنبه أنه حلق فوق الأراضي اللبنانية... كما يستطيع قبول أن يكون قرار الحرب والسلم في لبنان بيد إيران وتسمية الهزيمة الساحقة الماحقة التي لحقت بلبنان واللبنانيين أنتصارا!
بعد كلام أحمدي نجاد لم تكن هناك حاجة إلى خطاب للأمين العام لquot;حزب اللهquot;. الحاجة الوحيدة الآن أن يستوعب اللبنانيون معنى كلام الرئيس الإيراني وما هي نظرة إيران إلى بلدهم وما الذي عليهم توقعه بعد الأنتخابات، في حال حصول المحور الإيراني- السوري على الأكثرية... أفهمهم بكل بساطة ما هي وظيفة لبنان لدى إيران في حال خسر الاستقلاليون الانتخابات!