من تهدد quot;حماسquot; بأعلانها وضع حد لquot;التهدئةquot; في غزة؟ الأكيد أن كارثة أخرى ستحل بالشعب الفلسطيني الذي يعتبر آخر هم من هموم quot;حماسquot;. بغض النظر عما أذا كانت quot;التهدئةquot; التي أعلنت quot;حماسquot; وضع حد لها ستستمر أم لا، فأنّ ما يحدث في غزة حاليا هزيمة للمشروع الوطني الفلسطيني يدفع ثمنها أبناء هذا الشعب الذي عرف كيف يبقى قضيته حية وكيف يدافع عنها في المنتديات الدولية وكيف يحول دون أن يكون وقودا في معارك وصراعات أقليمية لا علاقة له بها. ما تشهده غزة حاليا محاولة لدفن القرار الفلسطيني المستقل الذي أعاد فلسطينيين، بمن فيهم ياسر عرفات رحمة الله عليه، الى أرض فلسطين للمرة الأولى في تاريخ النضال الطويل لهذالشعب. ما يجري حاليا محاولة لتسخيف القضية الفلسطينية تحت شعارات كبيرة فارغة من نوع أنها قضية تشمل كل أرض فلسطين، بالمعنى التاريخي للكلمة، وتحويلها في واقع الحال الى قضية quot;تهدئةquot;. أنها quot;تهدئةquot; بين quot;حماسquot; وإسرائيل بما يسمح لquot;حماسquot; بالسيطرة على قطاع غزة وتغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني في القطاع تمهيدا للأنتقال الى عملية مماثلة تنفّذ في الضفة الغربية في مرحلة لاحقة. تبدو quot;التهدئةquot;، التي ترفضها quot;حماسquot; في الشكل فقط، مطلوبة أكثر من أي وقت لسبب في غاية البساطة. لا تريد quot;حماسquot; التخلص من الأحتلال بمقدار ما أنها تسعى الى تكريسه من منطلق أنها تريد تحرير كل أرض فلسطين وأن فلسطين quot;وقف أسلاميquot; وهذا يستوجب أزالة إسرائيل من الوجود. هل هذا يخدم الأحتلال نعم أو لا؟ هل في أستطاعة السيد خالد مشعل أو السيد أسماعيل هنية أو من لف لفهما الأجابة عن هذا السؤال بكل صراحة... أم أن مهمتهما في هذه الحياة خدمة المشروع الإسرائيلي الهادف الى التهرب من قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحجة أن لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه؟
يتبين كل يوم أن لا همّ آخر لquot;حماسquot; سوى خدمة المشروع الإسرائيلي. هل من جريمة أكبر من أختزال القضية الفلسطينية، التي هي قبل كل شيء قضية شعب يطالب بحقوقه الوطنية quot;غير القابلة للتصرفquot; استنادا الى قرارات الأمم المتحدة، الى قضية فك الحصار عن غزة وأستمرار quot;التهدئةquot; أو عدم أستمرارها؟ صارت quot;التهدئةquot; هدفا في حد ذاته وكأنّ هناك شيئا أسمه quot;التهدئةquot; من أجل quot;التهدئةquot;. بدل أن يكون همّ الشعب الفلسطيني تحقيق أهدافه الوطنية، صار مطلوبا أن تكون هناك quot;تهدئةquot; من أجل الحصول على الغاز والنفط والدواء والغذاء وبعض الكهرباء. هل من نجاح أكبر من هذا النجاح للمشروع الإسرائيلي الذي تعتبر غزة آخر هم من همومه في حين أن هدفه الحقيقي في الضفة وليس في أي مكان آخر من المنطقة؟
معروف جيدا أن إسرائيل نفّذت أنسحابا من جانب واحد من غزة صيف العام 2005 رافضة التنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية. أنسحب الإسرائيليون حتى من المستعمرات التي أقاموها في القطاع، ووجد من ذهب الى تدمير البنية التحتية للمستعمرات بدل الأستفادة منها. ماذا حصل بعد ذلك؟ بدل أن ينصرف الفلسطينيون الى تحويل غزة نموذجا لما يمكن أن تكون عليه أي أرض فلسطينية ينسحب منها الأحتلال، سعت quot;حماسquot; بكل وسيلة ممكنة الى زرع الفوضى في القطاع بدءا بتعميم فوضى السلاح والأنقضاض على الشرعية وصولا الى الأنقلاب الذي نفذته في منتصف حزيران- يونيو من العام 2007 لتكريس وجود كيانين فلسطينيين لا علاقة لأحدهما بالآخر. هل من خدمة أكبر من هذه الخدمة تقدّم الى الأحتلال؟
من يرصد تصرفات quot;حماسquot; في هذه المرحلة، لا يتأكد من أنها نجحت في تحويل القضية الفلسطينية الى قضية quot;تهدئةquot; تختصر بوقف أطلاق الصواريخ المضحكة- المبكية من أجل الحصول على التيار الكهربائي وبعض الغذاء والدواء فحسب، بل نجحت أيضا في جعل مأساة الشعب الفلسطيني في غزة، وهي مأساة تتحمل مسؤوليتها quot;حماسquot; أولا وأخيرا بتواطئ مباشر أو غير مباشر مع إسرائيل، تصبّ في خدمة عملية تصفية حسابات مع مصر. هل هذا ثمن الجهود التي بذلتها القيادة المصرية، وقبلها القيادة اليمنية، من أجل تحقيق مصالحة فلسطينية- فلسطينية؟
ما كشفته الأحداث الأخيرة في غزة أن quot;حماسquot; لا تمتلك قرارها. تبين بكل بساطة أن القرار في مكان آخر. كل ما في الأمر أن هناك أسماعيل هنية يحاول أكتساب شرعية عن طريق الصراخ. منذ متى يصلح الصراخ لأضفاء شرعية على شخص ما كل ما أستطاع تحقيقه أنه وصل الى المجلس التشريعي الفلسطيني ثم الى موقع رئيس الوزراء بفضل إتفاق أوسلو وليس بفضل أي وسيلة أخرى. هل كانت أنتخابات فلسطينية لولا إتفاق أوسلو المرفوض من quot;حماسquot; أصلا؟
لا يمكن لأي مسؤول الأحتفاظ بشرعيته عندما ينقلب عليها. حصل الأنقلاب على الشرعية في منتصف يونيو- حزيران 2007. من يقف مع الشرعية لا ينقلب عليها. من يقف فعلا مع الشرعية لا يشكل ميليشيا خاصة به لأقامة سلطة داخل السلطة. من يقف مع الشرعية لا يستخدم شعبه في معارك لا تصب في خدمة هذا الشعب وقضيته الوطنية. حسنا فعل أسماعيل هنية عندما هاجم الرئيس محمود عبّاس في الذكرى الواحدة والعشرين لتأسيس quot;حماسquot;. أثبت أخيرا أنه في خدمة الأحتلال وأن لا هدف لquot;حماسquot; سوى تعميق الهوة بين الضفة وغزة والسماح لإسرائيل بأستخدام الوقت لتكريس أمر واقع جديد في الضفة الغربية يتمثل في أستكمال quot;الجدار الأمنيquot; الذي لم يعدهناك من يتحدث عنه للأسف الشديد.
باتت أهداف quot;حماسquot; واضحة كل الوضوح. لم يعد خافيا على أحد لمصلحة من تعمل الحركة. المشكلة صارت في مكان آخر. يفترض في الفلسطينيين، وفي الرئيس عبّاس شخصيا التصرف بطريقة مختلفة ترتكز على أن غزة لم تعد عبئا. غزة عبء على quot;حماسquot; التي تستطيع التلذذ بأبتلاع سمها بهدوء والتلذذ به الى حين يقضي عليها. من واجب السلطة الوطنية التي مرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية التصرف من منطلق أن تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني لا يمكن أن تبقى أسيرة غزة أو quot;حماسquot; التي هي بدورها أسيرة الجندي الأسرائلي الذي تحتجزه. متى تحققت الأهداف، وثمة فرصة لتحقيق بعض منها في المستقبل المنظور، لا يمكن لغزة بشعبها الأبي والوفي ألا أن تكون جزءا من المشروع الوطني الفلسطيني. ولذلك المصالحة الفلسطينية لا أهمية لها في غياب أتفاق على المشروع الوطني الفلسطيني الذي يحظى بغطاء عربي أو دولي. كل ما عدا ذلك نكات سمجة لا تستهدف سوى التغطية على جريمة أستخدام الشعب الفلسطيني وقودا في معارك المحور الأيراني- السوري مع مصر أو مع جهات أخرى عربية أو دولية. من النكات السمجة لقاء خالد مشعل مع الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر في دمشق. هل نسي رئيس المكتب السياسي لquot;حماسquot; الراغب بالمتاجرة بquot;التهدئةquot; أن ياسر عرفات ألتقى كارتر في قصر الأليزيه في باريس في حضور الرئيس فرنسوا ميتران في أبريل- نيسان من العام 1990. كان ذلك في سياق مسيرة طويلة ذات معالم واضحة قادت ياسر عرفات الى البيت الأبيض الذي يزوره حاليا محمود عبّاس... وليس الى هدنة طويلة مع إسرائيل تسمح لها بتكريس أحتلالها للقدس ولجزء من الضفة الغربية. كانت تلك رحلة البداية على الصعيد السياسي من أجل أسترجاع أرض فلسطينية وليس من أجل التفريط بالأرض وسوء استخدامها، متى تحررت، كما يحصل هذه الأيام في غزة...