اثر وفاة ماو تسي تونج، اتبعت الصين سياسة اقتصادية أساسها: (1) تشجيع الاستثمار الأجنبي في الشركات المنتجة بهدف التصدير للأسواق الخارجية، (2) الاعتماد على الغرب للحصول على العلوم والتقنيات الحديثة من خلال البعثات العلمية للطلبة الصينيين إلى الخارج، و(3) مطالبة الشركات الأجنبية التي تعقد صفقات مع الصين الالتزام بتحويل التكنولوجيا إليها (في مجالات الكومبيوتر وصناعات السيارات والقطارات فائقة السرعة والطيران، على سبيل المثال). وكانت النتيجة إن حققت الصين أعلى معدا نسبة نمو اقتصادي في العالم خلال العقود الأربعة الماضية، مما سمح لهذه الدولة بإخراج ما يزيد عن 300 مليون مواطن من دائرة الفقر وتحقيق معدل دخل فرد يفوق بكثير معدل الهند.
كان لهذه الخطة التنموية الصينية الناجحة انعكاسات هامة على النظام المالي العالمي، إذ أدت إلى تراكم احتياطي هام من العملة الأجنبية من المتوقع أن يقارب ألفي مليار دولار بنهاية هذه السنة، يتم استثمار جزء كبير منه في السندات الحكومية الأمريكية. وعلى هذا الأساس أصبحت الصين اكبر دائن للحكومة الأمريكية، قبل اليابان.
الجديد في الأمر أن السلطات الصينية بدأت بإعداد خطة تنموية بديلة لمواجهة الآثار السلبية للازمة المالية العالمية، التي تهدد بإفلاس عدد كبير من المؤسسات الصينية التي كانت تنتج سابقا للأسواق الخارجية، وهو ما اشرنا له في عنوان هذا المقال بــ quot; Plan B quot;.
تقوم هذه الخطة على استثمار 586 مليار دولار في الأنشطة الاقتصادية الموجهة للأسواق الداخلية مثل البناء والصناعات الاستهلاكية والماء الصالح للشراب، بالإضافة إلى خدمات التعليم والصحة والسياحة والنقل. وتأمل السلطات الصينية من ذلك ضرب عصفورين بحجر واحد: الحد من ارتباط الدولة الصينية بالاقتصاد الخارجي وتطوير المناطق الريفية حيث الفقر المدقع وثلث سكان العالم الذين يفتقرون للماء الصالح للشراب.
من انعكاسات هذه الخطة أن محرك الاقتصاد الصيني سوف يصبح الاستهلاك المحلي والطلب الداخلي عوضا عن الطلب الخارجي كما كان الأمر خلال العقود الأربعة الماضية. ولنجاح هذه الخطة آثار هامة على العالم الخارجي أيضا. بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، قد تؤدي الأولويات الجديدة إلى بيع السندات الحكومية الأمريكية التي تمتلكها الصين، مما سوف يؤدي إلى انخفاض أسعارها ويحرم الحكومة الأمريكية من موارد مالية هي الآن في اشد الحاجة إليها. لكن مثل هذه العمليات سوف تكون على الأرجح محدودة لان هذه الاستثمارات كانت بالأساس بدافع المزايا التي توفرها هذه السندات من أمان ودرجة سيولة عالية، وهي مزايا غير متوفرة في الأسواق المالية للعملات الأخرى. كما أن الصين تعلم علم اليقين أن سحب أموال هامة من الأسواق الأمريكية سوف يؤدي إلى انخفاض سعر الدولار ومن ثم انخفاض قيمة الأصول الصينية في الولايات المتحدة ndash; وهذا ليس في صالحها بطبيعة الحال. ويبقى الرادع الرئيسي للصين لعدم اتخاذ أي قرار من شانه الانعكاس سلبا على الاقتصاد الأمريكي هو إدراكها لمدى ترابط المصالح المشتركة بين البلدين بدليل أن عمليات الإغلاق والإفلاس التي تعرضت لها المؤسسات والمصانع الصينية خلال الفترة الأخيرة مردها الركود الاقتصادي الأمريكي.
أما بخصوص الدول النامية، فان اعتماد الخطة الصينية البديلة من شانه انكماش السوق الصينية أمام صادرات الدول النامية ndash;خصوصا من المواد الأولية-، وانكماش الاستثمارات الصينية في هذه الدول، كما ليس مستبعدا أن تنخفض المساعدات الصينية للدول الإفريقية ودول أمريكا الجنوبية مع انخفاض احتياطي العملات الأجنبية لديها.
تعكس الآثار السلبية المتوقعة لاعتماد الخطة الصينية الجديدة مدى تشابك المصالح في عالم اليوم، إذ لم يعد بإمكان أية منطقة أن تنأى بنفسها عما يحصل في الدول الأخرى. لكن هذه السلبيات تبقى اقل بكثير من المزايا الكبرى التي يوفرها الاقتصاد العالمي للدول. والحل الأنسب للتعامل مع هذه الأزمات يكون بمزيد التعاون والتنسيق على المستوى الدولي في مجال التشريعات والرقابة على حركات رؤوس الأموال وتحرير التجارة العالمية.

كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي وخبير سابق بصندوق النقد الدولي
[email protected]