حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (١٢)
تم quot;فتحquot; مصر (للمرة العاشرة؟؟!) في يناير ١٥١٧ على يد السلطان العثماني سليم الأول المعروف بحبه لسفك الدماء: ففي سبيل الحكم، حارب أباه السلطان بايزيد ثم قتله بالسم، وقتل إخويه أحمد وكركود ومثّل بجثتيهما!
أرسل سليم جيشا بأعداد لا تحصى مثل الجراد، يحملون أعلاما تقول quot;إنا فتحنا لك فتحا مبيناquot; و quot;نصر من الله وفتح قريبquot;. وكان قبل غزوه لمصر قد أرسل إلى طومان باي، آخر سلاطين المماليك، رسالة مليئة بالسباب والتهديد قال فيها laquo;قد أوحى الله إليّ بأن أملك جميع البلاد شرقا وغربا (..) وأن لا تكون كلمةٌ فوق كلمتي ولا يدٌ فوق يدي، وأما أنت فمملوك تباع وتشترى فلا تصح لك ولاية ولا يجوز لك التسلط على الأحرار...raquo; وختم رسالته بآية laquo;وما كنّا مُعذِّبين حتى نَبعَثَ رسولاraquo;.
وبعد معارك طاحنة انتهت بهزيمة جيش المماليك وقتل وذبح آلاف منهم، راح الجنود العثمانيون ينهبون كل ما يلوح لهم في القاهرة لثلاثة أيام متوالية، وأفحشوا في القتل والنهب والإحراق وعاثوا في البيوت والمساجد وفعلوا بالجامع الأزهر ما لا يحسن. وشُبِّه دخول العثمانيين بدخول هولاكو بغداد. ويوم الجمعة التالي خطب أئمة مساجد مصر والقاهرة للسلطان سليم قائلين: laquo;وانصر اللهم السلطان ابن السلطان، ملك البرّين والبحرين، وكاسر الجيشين، وسلطان العراقين، وخادم الحرمين الشريفين، الملك المظفر سليم شاهraquo;.
وبدأت حملة نهب (أشد وأعتى مما حدث مع سابق الحكام بدءا من عمرو بن العاص!) لكل ما هو قيِّم في مصر، ولم يترك سليم في القلعة شيئا لم يأخذه، حتى أعمدة الإيوان، إضافة لأعمدة وأحجار فرعونية من الصعيد. وحُمِلت النهيبة إلى القسطنينية (*) على آلاف الجمال وأعداد لا تحصى من المراكب. كما جلب أعدادا كبيرة من الحاذقين في المهن والصنايع والتجارة والفلاحين والعمال ليُسَخِّرهم في تعمير بلاده، فلم يقابل أهلُ مصر أعظم من هذه الشدة ولا سُمع بها في التواريخ القديمة. ويذكر ابن إياس أسماء هؤلاء التعساء، وهم من جميع أنحاء مصر، ومن المسلمين والقبط واليهود. ولا شك أن هؤلاء هم الذين بنوا للعثمانيين أجمل عمائرهم التي يفخرون بها، سيّما جوامعهم ومنائرهم وبازاراتهم وغيرها.
وبعد استباب السلطة في مصر، قرر سليم عودة أمراء المماليك الجراكسة لحكم مصر تحت سيطرة العثمانيين، ربما لأنه وجد ذلك أيسر للسيطرة على البلاد. أما العربان الذين كانوا أسهموا في احتلال العثمانيين لمصر (نكاية في المماليك) فقد استمر نفوذهم أيضا وكانت تُرسل لهم مراسيم الإقطاعيات والخلع (القفاطين الحرير)، ولكنهم استمروا في بث الاضطرابات والخراب وقطع طرق القوافل.
(هوامش محقق quot;تاريخ البطاركةquot; ج٤ ص ١٠٣ـ١١٥ والكافي ج٢ ص ٦٣٠ وج٣ ص ٣١)
(*) كان السلطان محمد الفاتح قد استولى على القسطنطينية في ١٤٥٣ وأعمل جنودُه في أهلها السيف ودخلوا كنيسة أيا صوفيا، وكان فيها بطرك الروم يصلي وحوله خلق عظيم، فقتلوا كل من فيها بحد السيف ولم يبقوا على أحد. ثم نهبوا وأسروا وأحرقوا في المدينة، وأحرقوا جميع مكتباتها فكان عدد ما أكلته النيران مائة وعشرين ألف مجلد. وبعدها نقل السلطان محمد كرسي مملكته للفسطنطينية، التي أصبح إسمها الرسمي في مارس ١٩٣٠ quot;إسطنبولquot; (تعني باليونانية quot;المدينةquot; أو quot;في المدينةquot;).
ومنذ بداية حكمهم، لجأ العثمانيون إلى التعسف كما تبين هذه النادرة: في ١٥٢١ شدد القاضي العثماني على السير بمقتضى الشريعة، ثم نودي في القاهرة ألا تخرج امرأة إلى الأسواق إلا العجائز، ومن خالفت تُضرب وتُربط بذنب أكديش ويُطاف بها في الشوارع، وكل مكاري أركب امرأة على حماره يُشنق. وبعد شهور سافر هذا القاضي للحج ففرح الناس، وكانت النساء أشد فرحا فغنت بعض المغنيات [قوموا بينا نقحب ونسكر... قد خرج عنا قاضي العسكر]، فكانت عند العامة من أطرب المغاني وأعمها تداولا على ألسنة الكبار والصغار. (الكافي ج٣ ص ٦٤)
***
وكما سبق أن ذكرنا، فإن حوليات مخطوطات تاريخ البطاركة توقفت عن تسجيل الأحداث في الفترة الحرجة (١٤٠٠ـ ١٦٧٥)، دليلا على انهماك القبط التام فيما هو أهم: معركة البقاء على الحياة!! ولذا سنلجأ لمصادر أخرى تساعد على توضيح الصورة..
وكما سبق أن ذكرنا، فإن حوليات مخطوطات تاريخ البطاركة توقفت عن تسجيل الأحداث في الفترة الحرجة (١٤٠٠ـ ١٦٧٥)، دليلا على انهماك القبط التام فيما هو أهم: معركة البقاء على الحياة!! ولذا سنلجأ لمصادر أخرى تساعد على توضيح الصورة..
بصفة عامة، تعرض أهل الذمة المصريون إبان الحكم العثماني لمغارم وأعباء مالية، إضافة للجزية، كانت تفرض لتغطية تكاليف الحروب ـ كما حدث عندما احتاج السلطان سليمان القانوني إلى تغطية نفقات حملة لفتح اليمن، فأصدر أوامره بجمع المال من الأقباط، وفرض على التجار إتاوات. وفي ١٦٣١ استدعى خليل باشا الأنبا متاؤوس الثالث (١٦٣١ـ١٦٤٦) بسبب عدم قيامه بدفع الرسوم المعتادة بعد تنصيبه، فاقترض البطريرك من يهودي والتزم الأراخنة بجمع المبلغ وسداده له. وكان الحاكم يلجأ لشتى السبل بقصد ابتزاز المال، مثلما حدث في ١٦٧٢ عندما ذبح الجند العثمانيون امرأة خليعة وألقوا جثتها عند بركة الأزبكية، فقام والي القاهرة ـ ظلما وعدوانا ـ بغلق كل بيوت القبط المتاخمة لتلك المنطقة وأجبرهم على دفع غرامة مالية قدرها ألفا قرش دية لهذا الدم إذا أرادوا أن يفتحوا بيوتهم ويسعوا إلى معاشهم.
ومن الأمور التي كانت تحرم على أهل الذمة قبول شهادتهم ضد المسلمين عند الفصل في الأمور المدنية أو الجنائية ومع ذلك يمكن لقائد الشرطة أن يستعلم من أي ذمي عن أمور تدخل في نطاق اختصاصه. وكان يجرى كشف دوري كل عام على دور عبادة أهل الذمة ويُعد تقريرٌ شامل ومفصل عن صحتها وعدم استحداث جديد (تطبيقا للعهدة العمرية)، ووجود تصريح قبل ترميمها، وعن جباية الرسوم والعوائد المقررة. ولم يكن يسمح للأقباط بالسير في جنازات ودفن موتاهم إلا بعد الحصول على إذن. (هوامش ج٤ ص ١١٠١ـ ١١١٢).
وبدءا من أيام سلطنة سليمان الأول (١٥٢٠ـ١٥٦٦) الذي جاء بعد سليم، اشتد الولاة على القبط وضيقوا عليهم وعملوا على إبعادهم عن أوطانهم، فأبعدوا منهم خلقا من خيار الناس ثم صادروا من بقى وأفحشوا في تخريب بيوتهم وتبديد أرزاقهم فكانت شدة عظيمة للغاية. وقد ذاقت النصرانية من البلايا والمحن أشكالا. وفي ١٥٨٢ أمر الوالي العثماني حسن باشا الخادم أن يلبس اليهود الطراطير الحمر والنصارى القلنسوة (البرانيط) السود. وفي السنة التالية، سار الوالي الجديد إبراهيم باشا إلى داخل البلاد ليستطلع الأحوال، ووجد في المحلة الكبرى كنيسة عظيمة وهي من أفخر العمائر (الأثرية) وبها جماعة من قسوس المتأصلين أي أهل البلاد (القبط) فلم يشأ أن تكون واستعظمها عليهم، فأمر بهدمها وبنى مكانها مدرسة سماها المستوزرية (الكافي ج٣ ص٧٩ و ٨٧)
ومن الأمور التي كانت تحرم على أهل الذمة قبول شهادتهم ضد المسلمين عند الفصل في الأمور المدنية أو الجنائية ومع ذلك يمكن لقائد الشرطة أن يستعلم من أي ذمي عن أمور تدخل في نطاق اختصاصه. وكان يجرى كشف دوري كل عام على دور عبادة أهل الذمة ويُعد تقريرٌ شامل ومفصل عن صحتها وعدم استحداث جديد (تطبيقا للعهدة العمرية)، ووجود تصريح قبل ترميمها، وعن جباية الرسوم والعوائد المقررة. ولم يكن يسمح للأقباط بالسير في جنازات ودفن موتاهم إلا بعد الحصول على إذن. (هوامش ج٤ ص ١١٠١ـ ١١١٢).
وبدءا من أيام سلطنة سليمان الأول (١٥٢٠ـ١٥٦٦) الذي جاء بعد سليم، اشتد الولاة على القبط وضيقوا عليهم وعملوا على إبعادهم عن أوطانهم، فأبعدوا منهم خلقا من خيار الناس ثم صادروا من بقى وأفحشوا في تخريب بيوتهم وتبديد أرزاقهم فكانت شدة عظيمة للغاية. وقد ذاقت النصرانية من البلايا والمحن أشكالا. وفي ١٥٨٢ أمر الوالي العثماني حسن باشا الخادم أن يلبس اليهود الطراطير الحمر والنصارى القلنسوة (البرانيط) السود. وفي السنة التالية، سار الوالي الجديد إبراهيم باشا إلى داخل البلاد ليستطلع الأحوال، ووجد في المحلة الكبرى كنيسة عظيمة وهي من أفخر العمائر (الأثرية) وبها جماعة من قسوس المتأصلين أي أهل البلاد (القبط) فلم يشأ أن تكون واستعظمها عليهم، فأمر بهدمها وبنى مكانها مدرسة سماها المستوزرية (الكافي ج٣ ص٧٩ و ٨٧)
لما تولى السلطان مراد الثالث (١٥٧٤ـ١٥٩٥) وبمجرد أن تمت له البيعة قتل إخوته ليأمن على ملكه. وبعد وفاته، تولى ابنه محمد الثالث. وعلى سنّة ملوك آل عثمان (!) قام بقتل إخوته ليأمن على ملكه وانعكف على الملذات وترك أمر المملكة لجماعة الوزراء فعاثوا وأفسدوا.
وفي مصر، أمر الوالي محمد باشا الشريف (١٥٩٧) أن تكون طراطير اليهود سوداء وليست حمراء. وكثرت فتنة العسكر وقسموا بينهم بلاد مصر وعاثوا وأفسدوا الحرث والنسل وقطعوا الطرق فجمع الباشا طوائف العربان ومشايخها وجيّش جيشا عـظيما لقتال الخوارج. وكانوا يرمون القتلى في النيل. (الكافي ١٠٢)
وفي ولاية أحمد باشا الدفتردار (١٦١٦) فشا الطاعون في كل مكان وقفلت الأسواق بمصر والقاهرة، إلا أسواق الأكفان، واستمرت الشدة شهرين. وحدث أن الرياح دفعت مركبا من مراكب الإفرنج إلى ثغر دمياط فانكسرت وغرق البعض وأُسر الباقي، وكانوا ثمانين نفسا، فأسلموا خوفا من القتل فزفهم الباشا على الخيل ثم ختنهم.
وفي أيام سلطنة عثمان الثاني (١٦١٨ـ١٦٢٢) مات البطريرك (مرقس) الذي laquo;كانت أيامه كلها شدة وعناء وضيق وفناء ومصائب وإحن ومحن على القبط الذين ذاقوا من جور الولاة وظلمهم وعسفهمraquo;. (الكافي ج٣ ص ١١٢). وبعد أن قُتل السلطان على يد الإنكشارية، جاء مراد الرابع فازداد خلل الدولة وهجم عباس شاه، ملك الفرس، على بغداد فأخذها عنوة وأعمل السيف في أعناق العسكر السلطاني (العثماني) وجميع كبار الدولة.
وفي سلطنة إبراهيم الأول (١٦٤٠ـ١٦٤٨)، مات البطرك (متاؤوس) وكان في أيامه من laquo;حوادث الطاعون والغلاء وتوالي الإحن ومصادرة الناس في أموالهم وتطاول يد العسكر والأجناد وانتشار أصحاب السعاة والوشاة والأخذ بالشبهات وغير ذلك من فرض الأتاوات والمغارم والمكوسraquo;. ثم خُلع السطان وقُتل وتولى ابنه محمد الرابع وكان في السابعة من عمره فكان التصرف للوزراء وكبار الإنكشارية وصارت الأحوال في انحلال واختلال (الكافي ١٣٢)
وفي يناير ١٦٤٩ نودي في مصر أن لا يركب النصارى خيولا ولا يلبسوا شدودا حمراء ولا طواقي جوخ حمراء ولا مراكيب. وعند وفاة البطريرك الأنبا متاؤوس الرابع (١٦٦٠ـ١٦٧٥) اجتمع الكهنة ليطلبوا إذن الباشا العثماني بدفنه، فأذن لهم بعد أخذ أموال كثيرة (هوامش ج٤ ص ١١٠٩).
وفي وثيقة (١٦٧٤) بعنوان quot;حجة الكشف على المساجد والكنائس الكائنة بقصر الشمع وحارة شنودة بمصر القديمةquot; نجد: [بعد إذن سيدنا ومولانا شيخ مشايخ الإسلام ملك العلماء قاضي النقض والإبرام مرجع عامة الفضلا الفخام (..) مؤيد شريعة سيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام (..) بنظر القضية المرفوعة من قبل الشيخ شمس الدين الشعراني، ومضمونها أن بمصر القديمة (..) كنايس مجاورة لمساجد وأن النظار على الكنايس أخربوا المساجد وأخذوا غالب طوبهم وأحجارهم عمروا بها كنايسهم (..). وبالكشف وجد مسجد بين كنيسة بربارة متعلقة بالنصارى وكنيس اليهود ووجدوا حائط الكنيستين شاهقا في العلو على حائط المسجد. (..) ووجد أيضا كنيسة تعرف بالمعلقة بجوارها مسجد خراب متهدم موضوع به بعض طوب وأتربة والكنيسة المذكورة عامرة متقنة البنا بجواره. وكشف على كنيسة أبو سرجة فوجد بجانبها مسجد يعرف بوقف ابراهيم النعماني و(سقفه) آيل للسقوط من الداخل وحائط الكنيسة شاهق عليه. وكشف على كنيسة السيدة فوجد بالقرب منها مسجد (متهدم) وأتربة لم يظهر منه غير المحراب والمنار. ثم كشف على كنيستي مقاريوس والقلاية بحارة شنوده، أبوابها مغلقة، ولم يوجد بجوارها مسجد. وعند ذلك أمر مولانا الحاكم بتسمير الكنايس المذكورين جميعهم، فسمروا جميعا (*). هذا ما تحرر ضبطا مع الواقع. تحريرا في مصر القديمة في تاريخه]. (ملحق هوامش ج٤ ص ١١١٥ و ١١٢٢).
(*) التعسف واضح، فليس معنى وجود كنيسة معمرة بجانب مسجد مهمل أو متهدم أن الكنيسة هي السبب في ذلك أو أن طوب المسجد استُخدم في بناء الكنائس التي ـ على أي حال ـ كان من المحظور استحداثها..
***
وفي ١٦٨٣ سار الصدر الأعظم قره مصطفى باشا في جيش عظيم وحاصر ويانه (فيينا) عاصمة النمسا واستولى على جميع قلاعها الأمامية وهدم بعض أسوارها، لكن ملوك بولونيا وساكس وبافاريا قاموا لنجدة النمسا وظفروا بجيش المسلمين بعد قتال عنيف فتراجع قره باشا، فكبر الأمر على السلطان فسير أحد حاشيته إلى قره باشا فقتله وبعث رأسه إلى القسطنطينية. ثم خُلع السلطان في ١٦٨٧ وتولى أخوه سليمان خان الثاني (الذي لم يكن أخوه قد قتله!!) واستمرت الحروب في أوروبا وآسيا. لكن لم تكن الحروب لتشغل رجال السلطنة عن تولية وعزل الولاة على مصر. (الكافي ١٣٧).
وللعلم، فقد توالى على مصر ١٣٦ وزيرا (واليا) بين ١٥١٧ حتى ١٨٠٥ أي بمعدل والي كل ٢٥ شهرا ndash; أي مجرد الوقت الكافي للنهب وتكوين الثروات.
***
وإلى مخطوطات quot;تاريخ البطاركةquot; بعد عودة تسجيل مختصر للأحداث بدءا من ١٦٧٦ [[..]]:
٣٧ـ تولى الأنبا يوأنس السادس عشر (١٦٧٦ـ١٧١٨) وهو المائة وثلاثة، وكان quot;صرافاquot; ثم ترهبن في جبل القديس انطونيوس [[وقبل بطركيته كان نظار الكنائس بمصر أناس صنايعية. ولما تولى انتقلت نظارة جميع الكنائس إلى المعلمين الأراخنة وجددوا ما يحتاج إلى ترميم وعمارة و(تنافسوا) في الأعمال الصالحة ورحمة المساكين وكساوي الفقراء في كل عيد (..) وحصل غلاء شديد إلى أن أكل الفقراء الميتة من الحمير والخيل والقطط، ونعوذ بالله من تلك الأيام وكان الناس مطروحين في الشوارع والأزقة لأن الله تعالى ضرب المصريين بالغلاء والوباء (..)]].
وفي ١٦٧٨ زادت السلطات العثمانية من التشديد على أهل الذمة بالإلتزام بالقيود ونودي بأن يعلق النصارى في رقبتهم جلجلا واليهود جلجلين عند دخولهم الحمامات، وألا يلبسوا ثيابا من الجوخ أو الصوف ولا تتأزر نساء النصارى بمآزر بيضاء، وتكون ملابس النصارى عموما سوداء (هوامش ج٤ ص ١١٠٩)
وفي يوليو ١٧٠١ حدث أن رُفعت شكوى من بعض المسلمين بأن طائفة النصارى القبط أحدثت بنيانا جديدا في كنائسها فعين الباشا أغا وبعض المعماريين وقضاة الشرع للكشف، فنزلوا وكشفوا وأثبتوا أن (هناك) كنائس تحوي بناء محدثا، لكن جماعة من أمراء المماليك تشفعوا لدى الباشا (حتى لا تُهدم الكنائس) ففرض على الأقباط غرامة مالية كبيرة وصار البطريرك يطوف بحارات النصارى ليجمع ما تيسر لدفع الغرامة. (هامش ج٤ ص ١١١٣).
[[وتولى على مصر (١٧٠٧) واحد اسمه قره محمد باشا، أقام متوليا على مصر خمس سنوات وحصل منه أذية للنصارى بسبب الكنائس ولكن من معونة الله تعالى ورحمته وصلاة هذا الأب لم يحصل ضرر (بفضل) وجود المعلمين والأراخنة المباشرين بخدمة أكابر مصر (..)]]
[[وفي (١٧٠٨) توجه الأب لزيارة كنيسة القيامة المعظمة (بالقدس) مع الأرخن المعلم جرجس الطوخي وكان في صحبتهم جملة من الكهنة والأراخنة والشعب وكان توجههم برا وليس بحرا، وكانت بهجة عظيمة لم يٌرى ولم يٌسمع بمثلها قط (*)]].
(*) هذه أول مرة منذ دخول العرب يرد ذكر في quot;تاريخ البطاركةquot; لزيارة بطريرك الأقباط للقدس. أما حج الشعب، فيبدو أنها أول مرة منذ بدء حروب الفرنجة ـ لكنها ستكون الأخيرة لوقت طويل (انظر أدناه في ١٧٥٣)
وفي مصر، أمر الوالي محمد باشا الشريف (١٥٩٧) أن تكون طراطير اليهود سوداء وليست حمراء. وكثرت فتنة العسكر وقسموا بينهم بلاد مصر وعاثوا وأفسدوا الحرث والنسل وقطعوا الطرق فجمع الباشا طوائف العربان ومشايخها وجيّش جيشا عـظيما لقتال الخوارج. وكانوا يرمون القتلى في النيل. (الكافي ١٠٢)
وفي ولاية أحمد باشا الدفتردار (١٦١٦) فشا الطاعون في كل مكان وقفلت الأسواق بمصر والقاهرة، إلا أسواق الأكفان، واستمرت الشدة شهرين. وحدث أن الرياح دفعت مركبا من مراكب الإفرنج إلى ثغر دمياط فانكسرت وغرق البعض وأُسر الباقي، وكانوا ثمانين نفسا، فأسلموا خوفا من القتل فزفهم الباشا على الخيل ثم ختنهم.
وفي أيام سلطنة عثمان الثاني (١٦١٨ـ١٦٢٢) مات البطريرك (مرقس) الذي laquo;كانت أيامه كلها شدة وعناء وضيق وفناء ومصائب وإحن ومحن على القبط الذين ذاقوا من جور الولاة وظلمهم وعسفهمraquo;. (الكافي ج٣ ص ١١٢). وبعد أن قُتل السلطان على يد الإنكشارية، جاء مراد الرابع فازداد خلل الدولة وهجم عباس شاه، ملك الفرس، على بغداد فأخذها عنوة وأعمل السيف في أعناق العسكر السلطاني (العثماني) وجميع كبار الدولة.
وفي سلطنة إبراهيم الأول (١٦٤٠ـ١٦٤٨)، مات البطرك (متاؤوس) وكان في أيامه من laquo;حوادث الطاعون والغلاء وتوالي الإحن ومصادرة الناس في أموالهم وتطاول يد العسكر والأجناد وانتشار أصحاب السعاة والوشاة والأخذ بالشبهات وغير ذلك من فرض الأتاوات والمغارم والمكوسraquo;. ثم خُلع السطان وقُتل وتولى ابنه محمد الرابع وكان في السابعة من عمره فكان التصرف للوزراء وكبار الإنكشارية وصارت الأحوال في انحلال واختلال (الكافي ١٣٢)
وفي يناير ١٦٤٩ نودي في مصر أن لا يركب النصارى خيولا ولا يلبسوا شدودا حمراء ولا طواقي جوخ حمراء ولا مراكيب. وعند وفاة البطريرك الأنبا متاؤوس الرابع (١٦٦٠ـ١٦٧٥) اجتمع الكهنة ليطلبوا إذن الباشا العثماني بدفنه، فأذن لهم بعد أخذ أموال كثيرة (هوامش ج٤ ص ١١٠٩).
وفي وثيقة (١٦٧٤) بعنوان quot;حجة الكشف على المساجد والكنائس الكائنة بقصر الشمع وحارة شنودة بمصر القديمةquot; نجد: [بعد إذن سيدنا ومولانا شيخ مشايخ الإسلام ملك العلماء قاضي النقض والإبرام مرجع عامة الفضلا الفخام (..) مؤيد شريعة سيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام (..) بنظر القضية المرفوعة من قبل الشيخ شمس الدين الشعراني، ومضمونها أن بمصر القديمة (..) كنايس مجاورة لمساجد وأن النظار على الكنايس أخربوا المساجد وأخذوا غالب طوبهم وأحجارهم عمروا بها كنايسهم (..). وبالكشف وجد مسجد بين كنيسة بربارة متعلقة بالنصارى وكنيس اليهود ووجدوا حائط الكنيستين شاهقا في العلو على حائط المسجد. (..) ووجد أيضا كنيسة تعرف بالمعلقة بجوارها مسجد خراب متهدم موضوع به بعض طوب وأتربة والكنيسة المذكورة عامرة متقنة البنا بجواره. وكشف على كنيسة أبو سرجة فوجد بجانبها مسجد يعرف بوقف ابراهيم النعماني و(سقفه) آيل للسقوط من الداخل وحائط الكنيسة شاهق عليه. وكشف على كنيسة السيدة فوجد بالقرب منها مسجد (متهدم) وأتربة لم يظهر منه غير المحراب والمنار. ثم كشف على كنيستي مقاريوس والقلاية بحارة شنوده، أبوابها مغلقة، ولم يوجد بجوارها مسجد. وعند ذلك أمر مولانا الحاكم بتسمير الكنايس المذكورين جميعهم، فسمروا جميعا (*). هذا ما تحرر ضبطا مع الواقع. تحريرا في مصر القديمة في تاريخه]. (ملحق هوامش ج٤ ص ١١١٥ و ١١٢٢).
(*) التعسف واضح، فليس معنى وجود كنيسة معمرة بجانب مسجد مهمل أو متهدم أن الكنيسة هي السبب في ذلك أو أن طوب المسجد استُخدم في بناء الكنائس التي ـ على أي حال ـ كان من المحظور استحداثها..
***
وفي ١٦٨٣ سار الصدر الأعظم قره مصطفى باشا في جيش عظيم وحاصر ويانه (فيينا) عاصمة النمسا واستولى على جميع قلاعها الأمامية وهدم بعض أسوارها، لكن ملوك بولونيا وساكس وبافاريا قاموا لنجدة النمسا وظفروا بجيش المسلمين بعد قتال عنيف فتراجع قره باشا، فكبر الأمر على السلطان فسير أحد حاشيته إلى قره باشا فقتله وبعث رأسه إلى القسطنطينية. ثم خُلع السلطان في ١٦٨٧ وتولى أخوه سليمان خان الثاني (الذي لم يكن أخوه قد قتله!!) واستمرت الحروب في أوروبا وآسيا. لكن لم تكن الحروب لتشغل رجال السلطنة عن تولية وعزل الولاة على مصر. (الكافي ١٣٧).
وللعلم، فقد توالى على مصر ١٣٦ وزيرا (واليا) بين ١٥١٧ حتى ١٨٠٥ أي بمعدل والي كل ٢٥ شهرا ndash; أي مجرد الوقت الكافي للنهب وتكوين الثروات.
***
وإلى مخطوطات quot;تاريخ البطاركةquot; بعد عودة تسجيل مختصر للأحداث بدءا من ١٦٧٦ [[..]]:
٣٧ـ تولى الأنبا يوأنس السادس عشر (١٦٧٦ـ١٧١٨) وهو المائة وثلاثة، وكان quot;صرافاquot; ثم ترهبن في جبل القديس انطونيوس [[وقبل بطركيته كان نظار الكنائس بمصر أناس صنايعية. ولما تولى انتقلت نظارة جميع الكنائس إلى المعلمين الأراخنة وجددوا ما يحتاج إلى ترميم وعمارة و(تنافسوا) في الأعمال الصالحة ورحمة المساكين وكساوي الفقراء في كل عيد (..) وحصل غلاء شديد إلى أن أكل الفقراء الميتة من الحمير والخيل والقطط، ونعوذ بالله من تلك الأيام وكان الناس مطروحين في الشوارع والأزقة لأن الله تعالى ضرب المصريين بالغلاء والوباء (..)]].
وفي ١٦٧٨ زادت السلطات العثمانية من التشديد على أهل الذمة بالإلتزام بالقيود ونودي بأن يعلق النصارى في رقبتهم جلجلا واليهود جلجلين عند دخولهم الحمامات، وألا يلبسوا ثيابا من الجوخ أو الصوف ولا تتأزر نساء النصارى بمآزر بيضاء، وتكون ملابس النصارى عموما سوداء (هوامش ج٤ ص ١١٠٩)
وفي يوليو ١٧٠١ حدث أن رُفعت شكوى من بعض المسلمين بأن طائفة النصارى القبط أحدثت بنيانا جديدا في كنائسها فعين الباشا أغا وبعض المعماريين وقضاة الشرع للكشف، فنزلوا وكشفوا وأثبتوا أن (هناك) كنائس تحوي بناء محدثا، لكن جماعة من أمراء المماليك تشفعوا لدى الباشا (حتى لا تُهدم الكنائس) ففرض على الأقباط غرامة مالية كبيرة وصار البطريرك يطوف بحارات النصارى ليجمع ما تيسر لدفع الغرامة. (هامش ج٤ ص ١١١٣).
[[وتولى على مصر (١٧٠٧) واحد اسمه قره محمد باشا، أقام متوليا على مصر خمس سنوات وحصل منه أذية للنصارى بسبب الكنائس ولكن من معونة الله تعالى ورحمته وصلاة هذا الأب لم يحصل ضرر (بفضل) وجود المعلمين والأراخنة المباشرين بخدمة أكابر مصر (..)]]
[[وفي (١٧٠٨) توجه الأب لزيارة كنيسة القيامة المعظمة (بالقدس) مع الأرخن المعلم جرجس الطوخي وكان في صحبتهم جملة من الكهنة والأراخنة والشعب وكان توجههم برا وليس بحرا، وكانت بهجة عظيمة لم يٌرى ولم يٌسمع بمثلها قط (*)]].
(*) هذه أول مرة منذ دخول العرب يرد ذكر في quot;تاريخ البطاركةquot; لزيارة بطريرك الأقباط للقدس. أما حج الشعب، فيبدو أنها أول مرة منذ بدء حروب الفرنجة ـ لكنها ستكون الأخيرة لوقت طويل (انظر أدناه في ١٧٥٣)
[[وفي (١٧١١) حدثت فتنة عظيمة بين العسكر (من أتباع) صنجق يسمى أيوب بك في باب الإنكشارية وآخر يسمى غيطاس بك في باب العزب. وأقفلت الأسواق وبطل البيع والشراء سبعين يوما والمدافع تضرب (..) وانحرقت بيوت ناس كثيرين وكانت شدة شديدة وضيقة عظيمة على كامل الناس خصوصا الفقراء وكانوا يشربون مياه الآبار لانقطاع الطرق وعدم السقايين لأنهم ما كانوا يقدروا التوجه ليملئوا من بولاق من كثرة العربان والأعداء (..) ثم أفرج الله على العباد بهروب أيوب بك إلى الديار الرومية (..) وفي (١٧١٥) حصلت أيضا فتنة عظيمة بمصر (..) وقتل جماعة كثيرة (..) ثم كانت (١٧١٦) تشويطة (طاعون) بمصر]].
وكانت أكثر أيام هذا الأب laquo;شدائد وخطوبا متراكمة بعضها فوق بعض كادت بسببها تتعطل شعائر الدين لولا لطف اللهraquo;. (الكافي ص ١٩٢)
وكانت أكثر أيام هذا الأب laquo;شدائد وخطوبا متراكمة بعضها فوق بعض كادت بسببها تتعطل شعائر الدين لولا لطف اللهraquo;. (الكافي ص ١٩٢)
٣٨ـ ثم تولى الأنبا بطرس السادس (١٧١٨ـ١٧٢٦) وكان من ناحية سيوط، ثم ترهبن في دير الأنبا بولا وأصبح رئيسه.
[[وأَوسَم أسقفا على كرسي أورشليم (..) ورَسم مطرانا للحبشة توجه بصحبة رسل (الملك) في البحر من بندر السويس على مدينة جده (..). وتوجه هذا الأب إلى الأقاليم البحرية (الدلتا) وطاف بها. وكان يريد زيارة بيعة مار مرقس الإنجيلي بالاسكندرية فحصلت فتنة بمصر (بين صنجقين) فرجع لمصر]].
[[وسعى جماعة (بالشكوى ضد) المعلم لطف الله لدى رجب باشا الوالي، (بتهمة) أنه أعمر كنيستي الملاك ميخائيل القبلي وأبو مينا بمصر (..) فقام جماعةٌ أكابر من محبي المعلم لطف الله وطيبوا خاطر (رجب باشا) بنحو أربعين كيسا (..) ولكن الشيطان أثار علي (لطف الله) من قتله وهو راجع لبيته (..)]].
في ١٧١٩ حدث صراع على السلطة فانتهز الرعاع الفرصة للقيام بأعمال السلب والنهب وإشعال الحرائق وكانت هذه بداية لسلسلة من القلاقل والمنازعات استمرت حتى مجيء الحملة الفرنسية. وكانت الفتن تستهدف الأقباط، وخاصة في الصعيد، حتى اشتد الكرب عليهم وضربت عليهم غرامات فادحة لم يعف منها أحد، وبيعت بسببها الجواهر الكريمة بأبخس الأثمان وألزم بالغرامة القسوس والرهبان والصبيان والفقراء، وألزم البطريرك بدفعها عن خدام الدين. (هوامش ج٤ ص ١١٠٢)
وفي أكتوبر ١٧٢٣ نزل أغا مستحفظان إلى القاهرة وأشهر فيها النداء لجميع طوائف النصارى واليهود أن لا يدخل الحمام أحد إلا وفي عنقه جلجل ليعرف الكافر من المؤمن. وعقد أصحاب الحمامات (وعددها ٧٣) اجتماعا للتشاور في أمر هذا الفرمان الذي يسبب لهم خسائر فادحة خاصة وأن معظم المترددين هم من أهل الذمة، وجمعوا مبلغا من المال قدموه رشوة إلى الأغا. وفي ١٧٢٦ أعطى الباشا فرمان إلى أحمد أغا لهلوبة بأن يلبس اليهود الطراطير والطواقي الزرق، والنصارى القلايق، والإفرنج قلايق وبرانيط، ولا يلبسوا (جميعا) جوخا أحمر ولا بوابج صفر ولا شخاشين. وكل من خالف فللرعايا (المسلمين) أخذه منه. وكل من قعد من المقيمين بعد ثلاثة أيام يُقتل ويكون دمه هدرا. (هوامش ج٤ ص ١١١١).
وفي ١٧٢٩ أصدر السلطان العثماني فرمانا جاء فيه: [أنه في بعض أديرة مصر القديمة (..) أدخلوا من (أرض مقابر) المسلمين وبعضهم بنوا وجددوا بناء عاليا عن رسومها القديمة وأحدثوا فيها بدعا. ومن علو البناء صار يكشف على بيوت أمة محمد وفي (كل ذلك) إهانة]. وقد تبين فيما بعد كذب الادعاءات وتم التغاضي عن نية هدم تلك الأديرة. (هوامش ج٤ ص ١١١٤).
[[وأَوسَم أسقفا على كرسي أورشليم (..) ورَسم مطرانا للحبشة توجه بصحبة رسل (الملك) في البحر من بندر السويس على مدينة جده (..). وتوجه هذا الأب إلى الأقاليم البحرية (الدلتا) وطاف بها. وكان يريد زيارة بيعة مار مرقس الإنجيلي بالاسكندرية فحصلت فتنة بمصر (بين صنجقين) فرجع لمصر]].
[[وسعى جماعة (بالشكوى ضد) المعلم لطف الله لدى رجب باشا الوالي، (بتهمة) أنه أعمر كنيستي الملاك ميخائيل القبلي وأبو مينا بمصر (..) فقام جماعةٌ أكابر من محبي المعلم لطف الله وطيبوا خاطر (رجب باشا) بنحو أربعين كيسا (..) ولكن الشيطان أثار علي (لطف الله) من قتله وهو راجع لبيته (..)]].
في ١٧١٩ حدث صراع على السلطة فانتهز الرعاع الفرصة للقيام بأعمال السلب والنهب وإشعال الحرائق وكانت هذه بداية لسلسلة من القلاقل والمنازعات استمرت حتى مجيء الحملة الفرنسية. وكانت الفتن تستهدف الأقباط، وخاصة في الصعيد، حتى اشتد الكرب عليهم وضربت عليهم غرامات فادحة لم يعف منها أحد، وبيعت بسببها الجواهر الكريمة بأبخس الأثمان وألزم بالغرامة القسوس والرهبان والصبيان والفقراء، وألزم البطريرك بدفعها عن خدام الدين. (هوامش ج٤ ص ١١٠٢)
وفي أكتوبر ١٧٢٣ نزل أغا مستحفظان إلى القاهرة وأشهر فيها النداء لجميع طوائف النصارى واليهود أن لا يدخل الحمام أحد إلا وفي عنقه جلجل ليعرف الكافر من المؤمن. وعقد أصحاب الحمامات (وعددها ٧٣) اجتماعا للتشاور في أمر هذا الفرمان الذي يسبب لهم خسائر فادحة خاصة وأن معظم المترددين هم من أهل الذمة، وجمعوا مبلغا من المال قدموه رشوة إلى الأغا. وفي ١٧٢٦ أعطى الباشا فرمان إلى أحمد أغا لهلوبة بأن يلبس اليهود الطراطير والطواقي الزرق، والنصارى القلايق، والإفرنج قلايق وبرانيط، ولا يلبسوا (جميعا) جوخا أحمر ولا بوابج صفر ولا شخاشين. وكل من خالف فللرعايا (المسلمين) أخذه منه. وكل من قعد من المقيمين بعد ثلاثة أيام يُقتل ويكون دمه هدرا. (هوامش ج٤ ص ١١١١).
وفي ١٧٢٩ أصدر السلطان العثماني فرمانا جاء فيه: [أنه في بعض أديرة مصر القديمة (..) أدخلوا من (أرض مقابر) المسلمين وبعضهم بنوا وجددوا بناء عاليا عن رسومها القديمة وأحدثوا فيها بدعا. ومن علو البناء صار يكشف على بيوت أمة محمد وفي (كل ذلك) إهانة]. وقد تبين فيما بعد كذب الادعاءات وتم التغاضي عن نية هدم تلك الأديرة. (هوامش ج٤ ص ١١١٤).
٤٠ـ ثم تولى الأنبا يوأنس السابع عشر (١٧٢٧ـ١٧٤٥) وهو من ناحية ميلوي.
[[وحصل في أيامه زيادة الجوالي (الجزية) على النصارى واليهود: الأعلى يدفع ٤٦٠ نصف فضة برّاني والأوسط ٢٣٠، (والدون ١١٥)، وقبضوا الجوالي من الآباء الأساقفة والرهبان والقسوس (*) وكان المعنيون (بالأمر) جماعة بشتلية يحضرون كل سنة من طرف السلطنة (العثمانية) الشريفة لقبضها (..) وكانت أيام شدة وحزن على كل الفقراء وأرباب الصناعة. وأيضا في (١٧٤٠) حصل غلاء شديد (..) وقاسى الخلق شدائد صعبة خصوصا النصارى الفقراء: هَمّ الغلاء وهَمّ طلب الجوالي بلا رحمة، وكان بمصر يومئذ أراخنة (..) يشترون الفقراء من حبس الجوالي ويخلصوهم]].
(*) أخذت السلطة العثمانية من البداية بالتفسير الحنفي بشأن الجزية (!!) واعتبرت مصر فتحت عنوة مما يعني اختلاف قيمتها تبعا للحالة المالية، وزيادتها مع الوقت. وكان يوقف أي ذمي في الطريق ويطلب منه أبراز البطاقة الدالة على سداد الجزية (هوامش ص ١٠٨١ ـ١٠٨٧). وفي ١٧٣٤ جاء فرمان سلطاني للوالي عثمان باشا بإحصاء اليهود والنصارى وزيادة الجزية، كما تقرر أن يدفع الرهبان الجزية، laquo;فاهتم الباشا بالأمر وأرسل عمالا فطافوا البلاد كافة وأحصوا أهلها وفعلوا من الجور والعسف ما لا (يحصى) فضج الناس وشكوا فلم يلتفت إليهمraquo;. (الكافي ج٣ ص ١٨١). وفي تقرير أعد عام ١٧٣٧ تبين وجود ١٢٠ ألف ذمي في مصر دفعوا الجزية (أي غير النساء والأطفال والشيوخ) وقيمتها حوالي ٢٠٠ ألف جنيه ذهب شريفي. لكن مسحا شاملا في ١٧٦٨ أسفر عن وجود ٩٠ ألف ذمي ملزمين بدفع الجزية (هوامش ١٠٩٠ ـ١٠٩٥). ومن غير الواضح إن كان التناقص العددي هو نتيجة أخطاء إحصائية أو تسارع في التحول تحت االضغوط الرهيبة التي عانو منها...
ثم فشا بين الناس أن القيامة ستقوم يوم الجمعة (٩ مايو ١٧٣٥) فانتشر أهل الخلاعة في الجناين ليودعوا الدنيا، وخرج آخرون يغتسلون في النيل للتوبة... وتعطلت الأعمال. ولم يحدث شيء يوم الجمعة، فقال الناس أن سيدي أحمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك عند الله.
وفي يونيو ١٧٣٦ حدث أن مر عثمان كتخدا القزدغلي عند رأس الجودرية وإذا ببطرك الملكانيين مقابله، فأمره القواص أن ينزل عن حماره لكن كتخدا أمر بضربه فضربوه بالنبابيت فصار الرهبان الذين بصحبته يتلقون الضرب عنه، ثم أنهم شالوه وهو مرضوض. (الكافي ج ٣ ص ١٨٢)
[[وحصل في أيامه زيادة الجوالي (الجزية) على النصارى واليهود: الأعلى يدفع ٤٦٠ نصف فضة برّاني والأوسط ٢٣٠، (والدون ١١٥)، وقبضوا الجوالي من الآباء الأساقفة والرهبان والقسوس (*) وكان المعنيون (بالأمر) جماعة بشتلية يحضرون كل سنة من طرف السلطنة (العثمانية) الشريفة لقبضها (..) وكانت أيام شدة وحزن على كل الفقراء وأرباب الصناعة. وأيضا في (١٧٤٠) حصل غلاء شديد (..) وقاسى الخلق شدائد صعبة خصوصا النصارى الفقراء: هَمّ الغلاء وهَمّ طلب الجوالي بلا رحمة، وكان بمصر يومئذ أراخنة (..) يشترون الفقراء من حبس الجوالي ويخلصوهم]].
(*) أخذت السلطة العثمانية من البداية بالتفسير الحنفي بشأن الجزية (!!) واعتبرت مصر فتحت عنوة مما يعني اختلاف قيمتها تبعا للحالة المالية، وزيادتها مع الوقت. وكان يوقف أي ذمي في الطريق ويطلب منه أبراز البطاقة الدالة على سداد الجزية (هوامش ص ١٠٨١ ـ١٠٨٧). وفي ١٧٣٤ جاء فرمان سلطاني للوالي عثمان باشا بإحصاء اليهود والنصارى وزيادة الجزية، كما تقرر أن يدفع الرهبان الجزية، laquo;فاهتم الباشا بالأمر وأرسل عمالا فطافوا البلاد كافة وأحصوا أهلها وفعلوا من الجور والعسف ما لا (يحصى) فضج الناس وشكوا فلم يلتفت إليهمraquo;. (الكافي ج٣ ص ١٨١). وفي تقرير أعد عام ١٧٣٧ تبين وجود ١٢٠ ألف ذمي في مصر دفعوا الجزية (أي غير النساء والأطفال والشيوخ) وقيمتها حوالي ٢٠٠ ألف جنيه ذهب شريفي. لكن مسحا شاملا في ١٧٦٨ أسفر عن وجود ٩٠ ألف ذمي ملزمين بدفع الجزية (هوامش ١٠٩٠ ـ١٠٩٥). ومن غير الواضح إن كان التناقص العددي هو نتيجة أخطاء إحصائية أو تسارع في التحول تحت االضغوط الرهيبة التي عانو منها...
ثم فشا بين الناس أن القيامة ستقوم يوم الجمعة (٩ مايو ١٧٣٥) فانتشر أهل الخلاعة في الجناين ليودعوا الدنيا، وخرج آخرون يغتسلون في النيل للتوبة... وتعطلت الأعمال. ولم يحدث شيء يوم الجمعة، فقال الناس أن سيدي أحمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك عند الله.
وفي يونيو ١٧٣٦ حدث أن مر عثمان كتخدا القزدغلي عند رأس الجودرية وإذا ببطرك الملكانيين مقابله، فأمره القواص أن ينزل عن حماره لكن كتخدا أمر بضربه فضربوه بالنبابيت فصار الرهبان الذين بصحبته يتلقون الضرب عنه، ثم أنهم شالوه وهو مرضوض. (الكافي ج ٣ ص ١٨٢)
٤١ـ ثم تولى الأنبا مرقس السابع (١٧٤٥ـ١٧٦٩) وهو من ناحية قلوصنا.
[[وفي (١٧٤٨) حصلت فتنة عظيمة بين العسكر بمصر قتل فيها (عدد من الأمراء) وهرب جماعة من الأمراء الصناجيق إلى الصعيد (..) وبعد ذلك اهتم بهم شيخ العرب همام وجهز لهم وأرسلهم إلى بلاد الحجاز في المراكب من بندر القُصير السامي]].
[[ثم تنيح الأب البطرك بدير العدوية (..) بعد أن قاسى أهوالا لا يُحصى لها عدد، تارة من الخلفاء (الحكام) وتارة من الشعب الملتوي الأعوج، ولو شرحنا لكم ذلك لطال شرحه (..). وحضر (الجنازة) مطران الحبشة والأنبا بطرس مطران الوجه القبلي (*) الذي كان اختاره خوفا على الرعية ليرعى قطيعه الصالح (..)]].
(*) يبدو أن التدهور بالكنيسة وصل لأن الوجه القبلي بأكمله لم يبق به سوى مطران واحد (؟)
وفي أيام (هذا الأب) اشتد علي بك بلاط على النصارى شدة عظيمة وضيّق عليهم جدا وصادر الكثير منهم ثم ضرب عليهم غرامة قدرها مائة ألف ريال، فانبت أعوانه لجمعها وقد عاثوا وأفسدوا وفعلوا ما لا خير فيه. (الكافي ص ٢١٥).
[[وفي (١٧٤٨) حصلت فتنة عظيمة بين العسكر بمصر قتل فيها (عدد من الأمراء) وهرب جماعة من الأمراء الصناجيق إلى الصعيد (..) وبعد ذلك اهتم بهم شيخ العرب همام وجهز لهم وأرسلهم إلى بلاد الحجاز في المراكب من بندر القُصير السامي]].
[[ثم تنيح الأب البطرك بدير العدوية (..) بعد أن قاسى أهوالا لا يُحصى لها عدد، تارة من الخلفاء (الحكام) وتارة من الشعب الملتوي الأعوج، ولو شرحنا لكم ذلك لطال شرحه (..). وحضر (الجنازة) مطران الحبشة والأنبا بطرس مطران الوجه القبلي (*) الذي كان اختاره خوفا على الرعية ليرعى قطيعه الصالح (..)]].
(*) يبدو أن التدهور بالكنيسة وصل لأن الوجه القبلي بأكمله لم يبق به سوى مطران واحد (؟)
وفي أيام (هذا الأب) اشتد علي بك بلاط على النصارى شدة عظيمة وضيّق عليهم جدا وصادر الكثير منهم ثم ضرب عليهم غرامة قدرها مائة ألف ريال، فانبت أعوانه لجمعها وقد عاثوا وأفسدوا وفعلوا ما لا خير فيه. (الكافي ص ٢١٥).
وفي ١٧٥٣ كان قد صدر مرسوم من الباب العالي بمنع النصارى الشوام في مصر من دخول كنائس الكاثوليك الفرنج، فإن دخلوا يدفعون للدولة ألف كيس. وقبض ابراهيم كتخدا على أربعة قسوس من دير الكاثوليك وحبسهم وأخذ منهم مبلغا عظيما من المال. (هوامش ج٤ ص ١١٠٢).
وحدث عندئذ أن طلب القبط بمصر الحج إلى بيت المقدس. وكان عظيمهم المعلم نيروز كاتب رضوان كتخدا فكلم الشيخ الشبراوي في ذلك وقدم له هدية سنية، فكتب فتوى أن أهل الذمة لا يـُمنعون من القيام بشعائرهم الدينية، فخرجوا في تختروانات فيها النساء والأولاد وأحضروا العربان ليسيروا في حراستهم، وبعد خروجهم استعظم المسلمون ذلك وأنكروه وقال الشيخ البكري للشبراوي: laquo;يا شيخ الإسلام كيف ترضى لهم بهذه الفعال؟ وعلى ذلك تصير لهم سُنّة ويخرجون في العام المقبل بأزيد من هذا ويصنعون لهم محملا، ويقال حج النصارى وحج المسلمين ويصير عليك وزرها إلى يوم القيامةraquo;. فاغتاظ الشيخ الشبراوي وأذن للعامة في الخروج على (القبط الحجاج) ونهب ما معهم، وخرج عليهم كذلك طائفة من مجاوري الأزهر فاجتمعوا عليهم ورجموهم وضربوهم بالعصي والمساوق ونهبوا ما معهم ونهبوا أيضا الكنيسة القريبة من دمرداش. (الكافي ج ٣ ص ١٩١).
٤٢ـ ثم تولى الأنبا يوأنس الثامن عشر (١٧٧٠ـ١٧٩٦)
[[ولا تسأل عما أصابه وأصاب شعبه من البلاء الفادح الذي حمله على أن يتوارى ويختفي هربا من ظلم الحكام وجور الولاة الذين أثقلوا كاهل المسيحيين وشددوا الوطأة خصوصا بزيادة الضرائب ونخص بالذكر من تلك المصائب ما هو بالإجمال]].
وحدث عندئذ أن طلب القبط بمصر الحج إلى بيت المقدس. وكان عظيمهم المعلم نيروز كاتب رضوان كتخدا فكلم الشيخ الشبراوي في ذلك وقدم له هدية سنية، فكتب فتوى أن أهل الذمة لا يـُمنعون من القيام بشعائرهم الدينية، فخرجوا في تختروانات فيها النساء والأولاد وأحضروا العربان ليسيروا في حراستهم، وبعد خروجهم استعظم المسلمون ذلك وأنكروه وقال الشيخ البكري للشبراوي: laquo;يا شيخ الإسلام كيف ترضى لهم بهذه الفعال؟ وعلى ذلك تصير لهم سُنّة ويخرجون في العام المقبل بأزيد من هذا ويصنعون لهم محملا، ويقال حج النصارى وحج المسلمين ويصير عليك وزرها إلى يوم القيامةraquo;. فاغتاظ الشيخ الشبراوي وأذن للعامة في الخروج على (القبط الحجاج) ونهب ما معهم، وخرج عليهم كذلك طائفة من مجاوري الأزهر فاجتمعوا عليهم ورجموهم وضربوهم بالعصي والمساوق ونهبوا ما معهم ونهبوا أيضا الكنيسة القريبة من دمرداش. (الكافي ج ٣ ص ١٩١).
٤٢ـ ثم تولى الأنبا يوأنس الثامن عشر (١٧٧٠ـ١٧٩٦)
[[ولا تسأل عما أصابه وأصاب شعبه من البلاء الفادح الذي حمله على أن يتوارى ويختفي هربا من ظلم الحكام وجور الولاة الذين أثقلوا كاهل المسيحيين وشددوا الوطأة خصوصا بزيادة الضرائب ونخص بالذكر من تلك المصائب ما هو بالإجمال]].
تم في ١٧٧٤ تعيين قوم للكشف على أديرة النصارى، ومن جملتها دير أبي رويس، بناء على شكوى من بعض المسلمين من أن كنيسة الدير القائمة بالقرب من مقام الشيخ الدمرداش قد تعدت حدود ترميمها باستحداث رسم جديد لها، ولكن أسفر الكشف عن أن الكنيسة على ما هي عليه من قديم الزمن...
[[ولما عزم ابراهيم بك ومراد بك شيخا مصر من المماليك أن يستقلا بالحكومة بغير أن يبقى للباب العالي، أعني الدولة العثمانية، يدٌ فيها، وطردوا وزير السلطنة، وعلما أن الدولة لن تسكت بل تشهر سيف الحرب عليهما، شرعا يفرضان على المصريين الضرائب الفادحة بصفة تشبه النهب والسلب، فتضايقوا واستغاثوا؛ ولا ساعة لمغيث. لكن خطوة الظلم التي خطاها المماليك لم تكن تعد شيئا (مقارنة بـ) ما صنعه حسن باشا (وزير السلطنة العثمانية) لما حاربهم وانتصر عليهم ودخل القاهرة، فصنع عسكرُه ما تأبى النفس ذكره وينكره العقل. فإنهم وطأوا بيوت المسيحيين وفضلا عن انتهاكهم حرمة الأدب ونقضهم ناموس الإنسانية في إساءة تصرفهم مع النصارى، فإنهم (أخذوا) أمتعتهم على اختلاف أنواعها وباعوها بأمر الباشا على مشهد الناس، فكم أقفرت بيوتٌ وكم نعت منازلٌ أهلَها لهجرهم لها. ومن ذلك أن العسكر قبضوا على امرأة المعلم الفاضل ابراهيم الجوهري أمين احتساب مصر وأجبروها أن تخبرهم عن مخابيء زوجها من النقود وغيرها ففعلت ذلك كرها، فنهبوا بيته (..)]].
[[وزاد الطين بلة الوباء (الطاعون) الذي دهم مصر (١٧٩١) فكان يموت من القاهرة في اليوم الواحد نحو الألف (..) وأصاب اسماعيل بك الذي ولاه الصدر الأعظم فمات به، وأقيم آخر بدله فمات أيضا في ذلك اليوم عينه (..) فاغتنم ابراهيم بك ومراد بك (*) الفرصة وعادا إلى الحكم ومسكا زمام الحكم فدارت رحاهما على محورها الأول إذ شرعا يعتسفان طرق الظلم مع المسيحيين]].
(*) بعد وفاة على بك الكبير استمر الصراع على السلطة بين البيوتات المملوكية وأمرائها. وكان الأمراء المماليك يطوفون بالبلاد يسلبون وينهبون ويفرضون الأتاوات على الأقباط مما دفع ببعضهم إلى الهرب. وقد ذكر الجبرتي في حوادث (يناير ١٧٨٦) أن مراد بك ـ الذي كان على رأس السلطة ـ طاف مع جماعة من كشافه ومماليكه ببعض مدن وقرى الدلتا مطالبا بالأموال المقررة مضافا إليها quot;حق الطريقquot; فإن تأخرت بلدة في أداء ما تقرر، كان مصيرها الخراب والنهب والدمار، وأمر أحد كشافه على الإسكندرية بهدم الكنائس في حالة عدم دفع ما قرره، فهدم منها عدة كنائس (الكافي٢٤١). وذكر الجبرتي في حوادث (سبتمبر ١٧٨٦) laquo;أن القبطان (حسن باشا) قبض على المعلم واصف وحبسه وضربه وطالبه بأموال. وواصف هذا أحد الكتاب المباشرين المشهورين ويعرف الإيراد والمصاريف وعنده نسخة من دفتر الروزنامةraquo;. (هوامش ١١٠٤).
ونزل حسن باشا من باب زويلة وذهب للمشهد الحسيني وأمر فنودي على النصارى ألا يركبوا الدواب المطهمة وأن لا يستخدموا المسلمين وأن يلزموا زيهم الأصلي من شد الزنانير والزنوط، فتسلط العامة عليهم وتتبعوهم بالإيذاء ومن وجدوه بغير زنار رجموه بالحجارة. ولم يقف حسن باشا عن (هذا) الحد من الجور والعسف (..) حتى ضج الناس وعم الخوف (..) وعمت الشدة جميع النصارى فضربت عليهم المغارم وطولبوا بخمسة وسبعين ألف ريال نقرة وأمر بإحصاء جميع دورهم وملكهم فأحصيت فقرر عليها أجرة تدفع إلى خزينة السلطان ثم ضرب عليهم غرامة أخرى قدرها خمسة آلاف كيس فضاقت الدنيا عليهم برحبها وباع الكثير منهم جميع ما عنده حتى ملابسه وملابس عياله. وقرر على كل شخص منهم جزية جديدة قدرها دينار بلا فرق (بين غني وفقير) وذلك خلاف الجزية الديوانية المقررة على كل واحد منهم، وتتبع الديارات وأخذ كل ما وجده فيها من ودائع. (الكافي ج٣ ص ٢٤٩ ـ ٢٥٢)
وترك القبطان حسن باشا الجزائرلي البلاد (١٧٨٧) في يد اسماعيل بك وعابدي باشا قائد الجيش العثماني في مصر. ويقول الجبرتي: laquo;حضر عابدي باشا واسماعيل بك إلى بيت الشيخ البكري بمناسبة المولد النبوي، فلما استقرا التفت الباشا إلى جهة حارة النصارى وسأل عنها فقيل له أنها بيوت النصارى، فأمر بهدمها والمناداة عليها.. فسعوا (القبط؟) في المصالحة وتمت على خمسة وثلاثين ألف ريال، منها سبعة عشر ألفا على الشوام والباقي على الكتبة القبطraquo;. (هوامش ج٤ ص ١١٠٤ـ ١١٠٥).
[[ولما عزم ابراهيم بك ومراد بك شيخا مصر من المماليك أن يستقلا بالحكومة بغير أن يبقى للباب العالي، أعني الدولة العثمانية، يدٌ فيها، وطردوا وزير السلطنة، وعلما أن الدولة لن تسكت بل تشهر سيف الحرب عليهما، شرعا يفرضان على المصريين الضرائب الفادحة بصفة تشبه النهب والسلب، فتضايقوا واستغاثوا؛ ولا ساعة لمغيث. لكن خطوة الظلم التي خطاها المماليك لم تكن تعد شيئا (مقارنة بـ) ما صنعه حسن باشا (وزير السلطنة العثمانية) لما حاربهم وانتصر عليهم ودخل القاهرة، فصنع عسكرُه ما تأبى النفس ذكره وينكره العقل. فإنهم وطأوا بيوت المسيحيين وفضلا عن انتهاكهم حرمة الأدب ونقضهم ناموس الإنسانية في إساءة تصرفهم مع النصارى، فإنهم (أخذوا) أمتعتهم على اختلاف أنواعها وباعوها بأمر الباشا على مشهد الناس، فكم أقفرت بيوتٌ وكم نعت منازلٌ أهلَها لهجرهم لها. ومن ذلك أن العسكر قبضوا على امرأة المعلم الفاضل ابراهيم الجوهري أمين احتساب مصر وأجبروها أن تخبرهم عن مخابيء زوجها من النقود وغيرها ففعلت ذلك كرها، فنهبوا بيته (..)]].
[[وزاد الطين بلة الوباء (الطاعون) الذي دهم مصر (١٧٩١) فكان يموت من القاهرة في اليوم الواحد نحو الألف (..) وأصاب اسماعيل بك الذي ولاه الصدر الأعظم فمات به، وأقيم آخر بدله فمات أيضا في ذلك اليوم عينه (..) فاغتنم ابراهيم بك ومراد بك (*) الفرصة وعادا إلى الحكم ومسكا زمام الحكم فدارت رحاهما على محورها الأول إذ شرعا يعتسفان طرق الظلم مع المسيحيين]].
(*) بعد وفاة على بك الكبير استمر الصراع على السلطة بين البيوتات المملوكية وأمرائها. وكان الأمراء المماليك يطوفون بالبلاد يسلبون وينهبون ويفرضون الأتاوات على الأقباط مما دفع ببعضهم إلى الهرب. وقد ذكر الجبرتي في حوادث (يناير ١٧٨٦) أن مراد بك ـ الذي كان على رأس السلطة ـ طاف مع جماعة من كشافه ومماليكه ببعض مدن وقرى الدلتا مطالبا بالأموال المقررة مضافا إليها quot;حق الطريقquot; فإن تأخرت بلدة في أداء ما تقرر، كان مصيرها الخراب والنهب والدمار، وأمر أحد كشافه على الإسكندرية بهدم الكنائس في حالة عدم دفع ما قرره، فهدم منها عدة كنائس (الكافي٢٤١). وذكر الجبرتي في حوادث (سبتمبر ١٧٨٦) laquo;أن القبطان (حسن باشا) قبض على المعلم واصف وحبسه وضربه وطالبه بأموال. وواصف هذا أحد الكتاب المباشرين المشهورين ويعرف الإيراد والمصاريف وعنده نسخة من دفتر الروزنامةraquo;. (هوامش ١١٠٤).
ونزل حسن باشا من باب زويلة وذهب للمشهد الحسيني وأمر فنودي على النصارى ألا يركبوا الدواب المطهمة وأن لا يستخدموا المسلمين وأن يلزموا زيهم الأصلي من شد الزنانير والزنوط، فتسلط العامة عليهم وتتبعوهم بالإيذاء ومن وجدوه بغير زنار رجموه بالحجارة. ولم يقف حسن باشا عن (هذا) الحد من الجور والعسف (..) حتى ضج الناس وعم الخوف (..) وعمت الشدة جميع النصارى فضربت عليهم المغارم وطولبوا بخمسة وسبعين ألف ريال نقرة وأمر بإحصاء جميع دورهم وملكهم فأحصيت فقرر عليها أجرة تدفع إلى خزينة السلطان ثم ضرب عليهم غرامة أخرى قدرها خمسة آلاف كيس فضاقت الدنيا عليهم برحبها وباع الكثير منهم جميع ما عنده حتى ملابسه وملابس عياله. وقرر على كل شخص منهم جزية جديدة قدرها دينار بلا فرق (بين غني وفقير) وذلك خلاف الجزية الديوانية المقررة على كل واحد منهم، وتتبع الديارات وأخذ كل ما وجده فيها من ودائع. (الكافي ج٣ ص ٢٤٩ ـ ٢٥٢)
وترك القبطان حسن باشا الجزائرلي البلاد (١٧٨٧) في يد اسماعيل بك وعابدي باشا قائد الجيش العثماني في مصر. ويقول الجبرتي: laquo;حضر عابدي باشا واسماعيل بك إلى بيت الشيخ البكري بمناسبة المولد النبوي، فلما استقرا التفت الباشا إلى جهة حارة النصارى وسأل عنها فقيل له أنها بيوت النصارى، فأمر بهدمها والمناداة عليها.. فسعوا (القبط؟) في المصالحة وتمت على خمسة وثلاثين ألف ريال، منها سبعة عشر ألفا على الشوام والباقي على الكتبة القبطraquo;. (هوامش ج٤ ص ١١٠٤ـ ١١٠٥).
***
وهكذا كان الحكم في مصر لدولة الخلافة العثمانية الفاسدة المتعسفة، التي كانت في نفس الوقت غارقة في حروبها (مع الفرس والروس والنمساويين والصرب والبلغار واليونانيين الخ الخ) وفي محاولات كشف الدسائس وإخماد الثورات داخل تخومها. ومن ناحية أخرى، صار كثرة من أمراء المماليك من أمثال إبراهيم ومراد وغيرهم ذوي نفوذ متزايد في مصر؛ وهؤلاء ما كانت تعنيهم شئونها إلا بقدر ما يبتزونه من أموال شعبها بشتى الأساليب والطرق، ولم يهتموا إلا ببناء قصورهم وشراء مماليكهم وجواريهم. [يقول الرحالة الإسكتلندي جيمس بروس (الذي زار مصر في ١٧٦٨ و ١٧٧٣) laquo;أنه لا يمكن أن توجد على ظهر الأرض حكومة أشد قسوة وظلما وعدوانا وطغيانا من حكومة أولئك الأشرار..raquo;]. أضف لكل ذلك، العربان الذين نافسوا الجميع بمحارباتهم وإفسادهم.
ويلاحظ تشابه تاريخ كل من دولة المماليك والدولة العثمانية في وجوه كثيرة: فكلتاهما في الأصل دولة إقطاع و laquo;ثيوقراطية عسكريةraquo; عملت تحت راية الإسلام السني. (هوامش ج٤ ص ١١٨) وهو ما يفسر حالة التنافس والتحالف بين العثمانيين والمماليك خلال فترة الحكم المشترك لمصر.
وإن كان الشعب المصري بإجماله قد عاني من كل هذا ودفع الثمن، إلا أن القبط دفعوه أضعافا مضاعفة إذ تحالف ضدهم رباعي الحكم العثماني والمماليك والعربان والرعاع، وكانوا بغير قدرة علي مقاومة القهر الوحشي.
ومن ناحية أخرى، كانت جماهير المصريين سعيدة بكون السلطان العثماني laquo;خليفة المسلمين وحامي حمى الإسلام من الفرنج الكفرة في الغرب ومن الفرس الشيعة في الشرقraquo; (!) (هوامش ج٤ ص ١١٣٣ـ ٣٧).
وهكذا كان الحكم في مصر لدولة الخلافة العثمانية الفاسدة المتعسفة، التي كانت في نفس الوقت غارقة في حروبها (مع الفرس والروس والنمساويين والصرب والبلغار واليونانيين الخ الخ) وفي محاولات كشف الدسائس وإخماد الثورات داخل تخومها. ومن ناحية أخرى، صار كثرة من أمراء المماليك من أمثال إبراهيم ومراد وغيرهم ذوي نفوذ متزايد في مصر؛ وهؤلاء ما كانت تعنيهم شئونها إلا بقدر ما يبتزونه من أموال شعبها بشتى الأساليب والطرق، ولم يهتموا إلا ببناء قصورهم وشراء مماليكهم وجواريهم. [يقول الرحالة الإسكتلندي جيمس بروس (الذي زار مصر في ١٧٦٨ و ١٧٧٣) laquo;أنه لا يمكن أن توجد على ظهر الأرض حكومة أشد قسوة وظلما وعدوانا وطغيانا من حكومة أولئك الأشرار..raquo;]. أضف لكل ذلك، العربان الذين نافسوا الجميع بمحارباتهم وإفسادهم.
ويلاحظ تشابه تاريخ كل من دولة المماليك والدولة العثمانية في وجوه كثيرة: فكلتاهما في الأصل دولة إقطاع و laquo;ثيوقراطية عسكريةraquo; عملت تحت راية الإسلام السني. (هوامش ج٤ ص ١١٨) وهو ما يفسر حالة التنافس والتحالف بين العثمانيين والمماليك خلال فترة الحكم المشترك لمصر.
وإن كان الشعب المصري بإجماله قد عاني من كل هذا ودفع الثمن، إلا أن القبط دفعوه أضعافا مضاعفة إذ تحالف ضدهم رباعي الحكم العثماني والمماليك والعربان والرعاع، وكانوا بغير قدرة علي مقاومة القهر الوحشي.
ومن ناحية أخرى، كانت جماهير المصريين سعيدة بكون السلطان العثماني laquo;خليفة المسلمين وحامي حمى الإسلام من الفرنج الكفرة في الغرب ومن الفرس الشيعة في الشرقraquo; (!) (هوامش ج٤ ص ١١٣٣ـ ٣٧).
***
وأخيرا، ومع نهاية القرن الثامن عشر، دخلت مصر والدولة العثمانية مرحلة جديدة: فقد جاء نابليون يطرق الأبواب.
[email protected]
وأخيرا، ومع نهاية القرن الثامن عشر، دخلت مصر والدولة العثمانية مرحلة جديدة: فقد جاء نابليون يطرق الأبواب.
[email protected]
التعليقات