(الفاطميون ٢)
نستمر في قراءة تاريخ مصر منذ الغزو فالاحتلال العربي، عبر لمحات وشهادات سجلت خلال quot;عيون قبطيةquot;، بالرجوع إلى مخطوطة quot;تاريخ البطاركةquot; التي توفى كاتبها الأول، ساوري (ساويرس) بن المقفع حوالي سنة ١٠٠٠، وتوالي بعده كُتّاب السيرة.
١٨ـ وفي يام الأنبا شنوده الثاني، البطريرك الخامس والستون (١٠٣٢ـ ١٠٤٦م) يقول كاتب السيرة ميخائيل (أسقف تنيس) أن شعب الاسكندرية اشترط عليه ألا يأخذ شرطونية لكنه [[فسخ ما استقر عليه وأحب المال وجمع منه شيئا كثيرا (..). ومنع أهلُ أسيوط أسقفَهم من الدخول إليهم ثلاث سنين (لأنه دفع مقابل رسامته)]]. ويعطي كاتب السيرة بعض العذر فيوضح: [[كان بطاركة القبط وآباؤهم عاملين بوصية (المسيح حول مجانية الموهبة) إلى زمان الضغط من ولاة أمور المسلمين من أحمد بن طولون إلى أيام الحاكم وغير ذلك مما يطول شرحه، ودعتهم الضرورات إلى ما فعلوه لأجل ما طلب منهم من المال وما كلفوه من الأثقال]].
[[وفي هذه الأيام ملأ الملك الظاهر ووزيره الجرجائي السجون من الناس، رجالا ونساء، حتى أن النساء ولدن في السجن]].
١٩ـ في أيام الأنبا خرستودولوس، البطريرك ٦٦ (١٠٤٦ـ١٠٧٧) يقول كاتب السيرة، الشماس موهوب ابن منصور ابن مفرج الاسكندراني، أنه وضع الكثير من القوانين والقواعد لتنظيم الحياة الكنسية. ويذكر أنه كان في بداية عهده حوالي سبعمائة راهب في برية شيهيت (وادي النطرون).
[[وكان من أولاد النصارى بمصر صبي (عمره ٢٢ سنة) يعرف بفام ابن بقورة قد غيّر دينه (..) ثم عاد (لنصرانيته) ونوى على دخول دير أبو مقار (فأراد أن يعترف أولا بالمسيح الذي سبق وأنكره)، فشد زنّاره (دليلا على نصرانيته) وخرج يمشي في أسواق مصر (الفسطاط). وكان أبوه بقورة الصواف (يعمل لدى) quot;عدة الدولة رفقquot;، وهو زمام الأتراك ومتولي القصر وقريب من الملك (المستنصر بالله). فلما رأى المسلمون زنّاره في وسطه بعد إسلامه، أخذوه واجتمعوا عليه ومضوا به إلى الشرطه فاعتقله الوالي وضيق عليه. فمضى أبوه إلى صاحبه عدة الدولة ووعده بكثير من المال على أن يُخلٍّص (ابنه). فقال له ما أقدر أفعل شيئا في هذا إلا أن يرضى ولدك بأن يظهر أنه مجنون، وأٌرسل أنا الشهود إلى الحبس ينظروه ويسمعوا كلامه وأخلّصه وهو نصراني (..) فلما دخل إليه الشهود كلمهم كلام العقلاء واعترف بأنه نصراني مسيحي (..) فمضى الوالي (بالشهود) إلى الوزير (..) فأمر بقتل فام، فنزل (حاجب) السلطان مع الوالي إلى الشرطه وخاطبوه ولطفوا به وأعلموه أنهم قد أُمروا بقتله فلم يرجع (..) فأخرجوه من سجن الشرطة وتبعه خلق كثير من المصريين والعسكر وغيرهم وبأيديهم العصي وآلات التعذيب (..) إلى رأس الجسر فنزل الوالي هناك عن بغلته، وكان عليها سرجٌ ولجامٌ بحلية ثقيلة، وخلع سيفه الجليّ وجعله على السرج وقال له: خذ هذه البغلة وما عليها، وأنا أثبّت اسمك في ديوان السلطان وأجعل لك (راتبا) تقبضه في كل سنة وارجع عن هذا الرأي. فقال له: لو دفعت لي ملك مصر ما التفت إليه فلطمه (..) (وجرد السياف سيفه) فبرك على الأرض وحوّل وجهَه إلى الشرق وصلّب على جبينه ومد عنقه، فلكزه السياف ليميل وجهه إلى القبلة فلم يفعل، والتمس ماء فلم يسقى. وضربت عنقه (..)]].
وفي ما يدل على استشراء عقلية quot;العنف الرمزيquot;، أي اقتناع الضحية برأي جلادها فيها (كما يقول عالم الاجتماع بورديو)، إضافة إلى فكرة اعتبار النوائب التي تلم بالناس عقابا سمائيا، يلوم كاتب السيرة الأقباط علي ما سيرصده مما حدث لهم قائلا [[ولما صار جميع مقدمي المملكة والنظار في دواوينها وتدبير كل أمورها نصارى وهم النافذ أمرهم، طنخوا وعتوا وبذخوا، هم وجميع النصارى بديار مصر، وتكبّروا وعزّت نفوسهم ووقع بينهم وبين مقدميهم البغضة والحسد، وصار أكثر اهتمامهم بالأمور الدنيوية والتجمل والتفاخر والكبرياء بعضهم على بعض، فنزل الأدب من السماء من عند السيد المسيح على جميع النصارى (مثل) غيرهم من الأمم لينتقم منهم عن جميع ذنوبهم في هذه الدنيا ويخلصهم في الآخرة (..)]]
[[فأول ما جرى على الأب البطرك أن (شخصا) كتب فيه رقعة للوزير اليازوري (يتهمه بأنه) يمنع ملك النوبة من إرسال الهدية (إليه) (..) فأرسل وقبض عليه وسار به إلى القاهرة (..) فمضى ومعه أبو البشر طبيب العظمية (القبطي) إلى الوزير و(أثبتا له) أنه لا صحة لما حكي عنه، فأفرج عنه وعاد إلى دمرو (مقر البطريرك في ذلك الوقت)]].
[[وكان من جملة الشهود العدول بمصر رجل مقدم فيهم يعرف بالقاضي أبو الحسن عبد الوهاب السيرافي، وكان قد عزل من خدمة كان يتولاها بمصر واستُخدم قاضيا بالإسكندية وعُزل منها واسُتخدم في عدة (وظائف) بالريف، وكان يبغض النصارى فمضى إلى دمرو فلم يوفيه البطرك (ما طلبه) فكتب إلى الوزير اليازوري وقال له (..) أن هذه دمرو هي القسطنطينية الثانية وفيها سبع عشرة بيعة أكثرها مستجد (..) وقد عمّر البطرك موضعا لسكناه ونقش على بابه الكفر وأهان الإسلام وأهله (..) فكتب إليه الوزير بأن يكشف عما تضمنه كتابه بالشهود العدول، فركب مع جماعة من الشهود المستخدمين وجاء إلى منزل البطرك فوجد منقوشا على الباب quot;باسم الآب والابن والروح القدسquot; فكشطه، فقال له البطرك: إذا كشطته من على الباب هل تقدر أن تكشطه من قلبي؟ وبعد هذا أمر الوزير اليازوري أن تغلق البيع في جميع كورة مصر، وكان المساعد على هذا عنده رجل يعرف بأبي الفرج البابلي من مقدمي الدولة أصحاب الدواوين، وكان ناصر الدولة ابن حمدان والي مقاطعتي الشرقية والغربية بالريف (الدلتا) فأغلق البيع وأخذ البطرك والأساقفة فطالبهم بالمال وقرر عليهم سبعين ألف دينار (*)، فنال النصارى من ذلك ومن غلق كنائسهم ضيق وصعوبة شديدة]].
(*) أي ما يعادل سبعين مليون جنيه بأموال هذه الأيام...
ويبدو أن والى اسكندرية الأمير المؤيد حصن الدولة أبو تراب الكاني قد تعاطف مع النصارى، إذ كان يوحنا ابن صاعد، المعروف بابن القلزمي، كاتب هذا الجزء من السيرة، شريك تجارة معه، فساعد في التفاوض حول المبلغ المفروض على نصارى الإسكندرية ليصل إلى ألفي دينار [[فشكرناه ودعونا له. ثم شكونا حالنا في غلق البيع فدفع لنا مفتاح كنيسة ماري جرجس التي كانت قديما بيت إنيانوس (الإسكافي) أول البطاركة بعد مرقس الرسول، وقال لنا quot;صلوا فيها سرا وادعوا ليquot; ففعلنا (..) ثم حملنا إليه (الأتاوة، بعد جمعها). وبعدأيام أحضرنا وصديق له (قبطي) كان يخدمه أيضا في بضائع تصله من الشام وسألنا: كم (كان نصيبنا ضمن المبلغ المدفوع) فقلنا مائتي دينار، فدفع لنا مائتي دينار وقال هذه أخذتها لكم من نصارى رشيد وإتكو (إدكو) فخذوها عوضا عما دفعتم، فدعونا له وشكرناه وقلنا له: يا مولاي لا يجوز لنا هذا لأن (الأتاوة قد تم جمعها من) المستور والأرملة فكيف نستعيد نحن ما قمنا به؟ فقال: هذه الدنانير لكم افعوا بها ما تريدون. فشكرناه وابتعنا بها ثيابا وقمح وفرقناه على الضعفاء من النصارى]].
[[وكان غلق الكنائس في زمان الوزير اليازوري في يوم الجمعة الخامس من بؤونة (سنة ٧٧٦ للشهداء١٠٥٨م) وقُبض على الأب (البطريرك) والأساقفة وطولبوا بالمال وعوقب ثلاثة أساقفة منهم (أسقف مصيل، بالبحيرة وسمنود والخندق) وماتوا. وكذلك كان حال إخوتنا السريان بمدينة أنطاكية (..) وكثر تنهدهم وبكاؤهم]].
[[ثم بعد ذلك خرج إنسان يعرف بابن القائد الرحيم (..) له الجباية (الجزية وغيرها) في الريف (الدلتا) وكان رجل سوء كثير الشر جدا مبغضا للنصارى، فأصابهم منه هوان عظيم وصعوبة (..)]]
[[ثم قامت حرب بين بني حمدان والأتراك المتسلطين بمصر ضد ناصر الدولة الحمداني (..) فأظهر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله سخطه على بني حمدان ومن معهم. وكان بالقاهرة ومصر (الفسطاط) منهم طائفة الأكراد وتقديرهم خمسة آلاف رجل (فطاردهم) (..) ووصل ناصر الدولة ومن معه إلى اسكندرية منهزمين، وحالف قيس واللواتيين (*)، وخرجت العسكر من مصر في طلبه (..) فقوي عليهم بنو حمدان والذين معهم وهزموهم وملكوا بلاد الريف (الدلتا) كلها الشرقية والغربية ونهبوها وخربوها وقتلوا أهلها وهتكوا الحرم وذبحوا الأولاد على بطون أمهاتهم ونهبوا البيع وخربرها وكشطوا الأيقونات التي بقيت فيها. وأخذ اللواتيون الأب البطرك من داره ونهبوها (..) وبعد هذا صعبت الأمور وملك اللواتيون البلاد (..)]]
(*) قبائل عربان بدوية انتشرت في الصحراء الغربية المصرية، وهاجموا الأراضي الزراعية والقرى خاصة في غرب الدلتا وأشاعوا الفساد والنهب والسلب والقتل (ج٣ ص ٩٥٨).
[[ثم تزايد الغلاء والخوف وانعدام القمح إلى أن أكل الناس الميتة وفني الناس بالوباء والغلاء والسيف (*) حتى لم يتبقي منهم إلا اليسير (..)]].
(*) هذه هي الشدة quot;المستنصريةquot;، كما أطلق عليها المؤرخون، التي حلت بمصر وقتها.
[[وملك اللواتيون جميع (الدلتا) وساروا في أربعين ألف فارس سوى أتباعهم، وصارت بلاد مصر بحكمهم يزرعون كما يريدون (..) وامتدت يدهم إلى الديارات (الأديرة) بوادي هبيب (النطرون) فنهبوها وخربوها وقتلوا رهبانها، وهرب من بقي. ونال الشعبَ حزنٌ عظيم مما نالهم من الشدة العظيمة في أيام ابن حمدان وأصحابه (..) وتسلط اللواتيون على الريف فملكوه ولم يقدر أحد أن يزرع فيه غيرهم (..) إلى أن عدمت أرض مصر ولم يجد الناس (القمح) وأكلوا البغال والحمير الميتة (..) ولم يزل الناس في هذا البلاء إلى أن أهلك الله ابن حمدان وأصحابه فقتل في منازل الغز (الأتراك) بمصر بيد بلدكور صهره ومن معه من (المماليك) البحرية وذلك في سنة ٤٦٥ هلالية. وبعد قتله بسنة وصل أمير الجيوش وفرّج الله عن الناس (..)]].
[[وكان أمير الجيوش عند مسيره إلى الصعيد ليفتحه قد سعى إليه رجل اسمه علي القفطي وقال له أن مطران النوبة، من قبل البطرك، واسمه بقطر، قد هدم مسجدا في بلاد النوبة (..) فأنفذ من الصعيد كتابا لولده (بالقاهرة) يأمره فيه بأن يقبض على البطرك فقبض عليه واعتقله إلى أن وصل رسول كان أمير الجيوش قد أرسله إلى ملك النوبة فعرّفه ضد ما حكاه القفطي. فلما عاد للقاهرة أحضر البطرك إلى مجلسه (..) والمذكور القفطي فاعترف بكذبه. فأحضر القضاة والشهود والفقهاء وقال لهم: ماذا يجب أن يفعل بهذا القفطي الكذوب الذي (أحدث فتنة) بين ملكين؟ فأفتوا بقتله. فقال أمير الجيوش للبطرك فما تقول أنت؟ فقال: ما عندنا في مذهبنا قتل ولا مجازاة على الشر بشر وأنت السلطان والأمر لك. فأمر بقتله]].
ثم أرسل البطريرك أحد الأساقفة رسولا منه بخطاب إلى ملك النوبة بصحبة سيف الدولة، وهو رسول من قبل أمير الجيوش، [[في طلب أمير يعرف بكنز الدولة كان قد (أعلن العصيان) في الصعيد الأعلى وأفسد فيه ونهبه وملكه قبل وصول أمير الجيوش لمصر، (ثم) هرب إلى النوبة (..) فسلم ملك النوبة لهم (كنز الدولة) ووصلوا به لمصر فقتله أمير الجيوش وصلبه عند باب الحديد (..) وزاد أمير الجيوش في إكرام البطرك ومراعاته وعاد الرخاء في أيامه واستقامت الطرقات واتصل وصول القوافل إلى مصر من المشرق والمغرب]].
٢٠ـ وفي أيام الأنبا كيرلس ٦٧ (١٠٨٧ـ١٠٩٢) يقول كاتب السيرة، أبو البركات ابن زوين، أن البطريرك ذهب لقصر الخليفة المستنصر لزيارته [[فخرج إليه مأمون الدولة عنبر الحراني، الأستاذ؛ وقال له أمير المؤمنين يرد عليك السلام فركع إلى قرب الأرض ثم دخل به إلى مولانا وعنده أمه وأخته (..) وقالوا بارِك علينا فبارك عليهم ودعا لهم وأمر بطرس أسقف دقميره أن يقرأ الدعاء (..) وخرج إلى دار أمير الجيوش فلقي منه أجمل ملقى فدعا له كثيرا]].
وقد قطع البطريرك الشرطونية تماما، لكن بعض أساقفة بحري وأراخنة (*) مصر (الفسطاط) طلبوا منه عزل بعض من يحيطون به لأنهم [[يفسدون أحوال الشعب ولا يصلح لمثل هؤلاء أن يصحبوك لأنهم يشينوك]] وجرى لهم معه خطوب بهذا الشأن (..) فرفعوا رقاعا (شكاوى) إلى أمير الجيوش عن طريق بنيامين الخولي، بستاني السلطان [[فأرسل يأمره (بالمجيء) ومعه جميع أساقفته. فذهب معه إلى بستانه الكبير بظاهر القاهرة سبعة وأربعون أسقفا منهم ٢٢ من بحري و٢٢ من الصعيد وأساقفة مصر والجيزة والخندق (..) يوم ٢٣ مسرى سنة ٨٠٢ للشهداء (١٠٨٤م) فخاطبهم بكلام شديد أنطقه الله به وأمرهم أن ينظموا له مجموع قوانين (الكنيسة والأديرة) ويعرضوه عليه (..). ثم أمر الأجل أمير الجيوش بإحضار البطرك وجماعة الأساقفة (..) وقال لهم: quot;كونوا كلكم شرعا واحدا ولا تختلفوا وأطيعوا مقدمكم (رئيسكم) وكونوا مثله ولا تكنزوا فضة ولا ذهبا وصدقوا بكل ما يحصل لكم كما أوصاكم المسيح، وهذه القوانين التي عملتوها ما أحتاج إليها وإنما طلبتها منكم ليتجدد عندكم عملهاquot; (..)، وكان يخاطبهم إلهاما من الله تعالى لأن الله كان ينطقه بحكم أنه ملك كما قال سليمان الحكيم (..) فخرجوا من عنده مسرورين (..)]].
(*) أراخنة = أعيان أو كبار أو قادة القوم. وهي جمع quot;أرخنquot; من quot;أرشيquot; باليونانية التي تعني رأس.
[[ومن بعد هذا كتب راهب يسمى فرج (خطابا) إلى أمير الجيوش (يتهم) الأساقفة أن ما منهم إلا ومن عنده وديعة لواحد من المنافقين (*) فأمر بالشد منه وعلى يده لإحضار الأساقفة (..) واستقر عليهم (غرامة) أربعة آلاف دينار (مناصفة بين الدلتا والصعيد) (..). (ودفعوا أجمعين الأتاوة) بعد أن نالتهم صعوبة عظيمة (..) وكتب أمير الجيوش منشورا لفرج الراهب وجعل له على كل واحد من أساقفة بحري في كل سنة خمسة دنانير (..)]].
(*) يبدو من هذه الحادثة أن quot;المعارضينquot; للحكام كانوا أحيانا يودعون لدى الأساقفة بعض ثرواتهم كأمانة لتخبئتها إلى حين...
[[وكان الأنبا كيرلس قد كتب القوانين وأرسلها إلى الصعيد وقرئت في الكنائس بمصر وسائر الأعمال، فلم يقبلها أهل الصعيد فقال له (مساعدوه): أنت قد أنذرتهم (فدعهم لحالهم)]].
[[وفي (١٠٨٦م) كُتِب سجلٌ وقُرئ في الإيوان الكبير بالقصر بأن تشد جميع النصارى زنانير سود، وكذلك اليهود وتكون أطرافُها صفراء ليتميزوا عن النصارى (*) وأن تكمل (تزاد) الجزية على الجميع دينارا وثلث وربع دينار (أي حولي دينار و ستة أعشار)]].
(*) عاد التضييق على القبط لسبب غير معلوم. لاحظ أنه كان على المرأة القبطية لبس خفين مختلفي اللون (عادة أحدهما أبيض والآخر أسود) للتمييز عن المسلمة. لاحظ أيضا أن العلامة الصفراء التي أجبر اليهود على ارتدائها تشبه ما فعله هتلر معهم فيما بعد...
[[وكان أمير الجيوش في حرب (لصد هجوم الأتراك) الغز الذين ملكوا الشرقية وذهب بعضهم إلى المحلة (الكبرى) ونهبوها وقتلوا أكثر أهلها وملكوا الغربية حتى (قرب طنطا) (..). وعاد أمير الجيوش إلى القاهرة منتصرا وكان معظم عسكره أرمن]].
وفي العام التالي [[وصل من القسطنطينية إلى اسكندرية بطرك الأرمن (*) ونزل في كنيسة مرتامريم التي للملكية (أتباع مذهب بيزنطة) بجانب كنيسة أبو قزمان التي لليعاقبة (..) بين القاهرة ومصر (..) ثم اجتمع بالأنبا كيرلس واعترف له بالإيمان الأرثوذكسي الصحيح الذي هو إيماننا معشر اليعاقبة (..) واشتهر عند جميع الناس صحة اجتماع القبط والأرمن والسريان والحبشة والنوبة على الإيمان الصحيح الذي اتفق عليه الآباء القديسون الفضلاء وخالفها نسطور ولاون ومجمع خلقدونية]].
(*) بسبب أعداد الأرمن الكبيرة في جيش أمير الجيوش بدر الجمالي (الأرمني الأصل).
[[ثم وصل أخو مطران الحبشة بهدية لم يحسن موقعها عند أمير الجيوش ولا أعجبته (..) فاستدعى البطرك فحضر ومعه عشرة أساقفة (..) فقال لهم: أنت جعلتم أخا هذا مطرانا للحبشة ولنا عنده مال، وكان قد (تعهد) أن يبني مساجد في بلاد الحبشة وأن يحمل الهدايا، وأشياء كثيرة، فما فعل (..) وقال: يجب أن ترسلوا أسقفين حتى تبنى المساجد في بلاد الحبشة وتقام الدعوة (..) وقد صار (الأحباش) يقطعون على المسلمين التجار وغيرهم الطريق، (فيجب أن) يمنعهم البطرك من ذلك وإلا فأنا أعرف ما أفعله. فقال الأب البطرك: يا مولاي إيش لي أنا في قطع الطريق، أنا لست خفيرا. فأمر أن يطرد هو والأساقفة من مجلسه وأن يُحبس أخو المطران (..) وكتب على الأساقفة دينارين كل يوم (على كل واحد، حتي ينفذوا أوامره) (..) فكتبوا الكتب وقرروا إرسال أسقفي الجيزة وسنجار بها (..). وكان قد نال بني المعمودية (القبط) خوف عظيم لشدة هيبة أمير الجيوش وما جرى منه إلى أن لطف الله سبحانه بوصول هدية حسنة من عند باسيل ملك النوبة (..) فاستدعى أمير الجيوش البطرك والعشرة أساقفة فأمرهم بالجلوس وأكرمهم (..) وقال لأخي مطران الحبشة: كان أخوك قد شرط لنا على نفسه أن يبني في بلاد الحبشة أربعة مساجد وما فعل. فقال له: يا مولاي، قد بنى (المطران) في المواضع التي استطاع البناء فيها سبعة مساجد، وأمرُها مشهورٌ (لكن) الأحباش هدموها وأرادوا أن يقتلوه، والملك لما بلغه هذا قبض على المطران واعتقله (..). ثم قال (أمير الجيوش) للبطرك والأساقفة: إيش فعلتم؟ فقالوا: قد كتبنا (الرسائل) بالقبطي والعربي، فاأمر من شئت يقرأها ويفسرها (يترجمها) بين يديك (..). وخرج الأساقفة من بين يديه مسرورين شاكرين لله تعالى (..). وكتب أمير الجيوش إلى ملك الحبشة يقول له quot;إن لم تفعل كذا وكذا وإلا هدمت البيع (الكنائس) التي بأرض مصرquot;. فرد عليه (الملك) يقول: quot;إذا هدمت من البيع حجرا واحدا حملتُ إليك طوب مكة وحجارتها جميعها وأوصلته إليك كله، وإذا ضاع منه طوبة واحدة أرسلت إليك وزنها ذهباquot;]].
لاحظ درجة ابتزاز الكنيسة القبطية وكيف أصبح من مهامها نشر دعوة الإسلام وبناء المساجد في الحبشة والنوبة.. عموما يبدو أن رد ملك الحبشة قد جمد الوضع إلى حين..
[[(..) وأمر أمير الجيوش بألا يسكن في الحسينية التي بظاهر القاهرة إلا الأرمن فقط (..) ومضى جماعة من الأرمن برقعة قالوا فيها ليس لنا بيعة نصلي فيها وفي دير الخندق عدة كنائس لأصحابنا اليعاقبة (القبط) وهي مغلقة لا يحتاجون لها (..) فأرسل أمير الجيوش ووجده حقا كما قالوا فأمر الأسقف أن يدفعها هم ليعمروها ويصلوا فيها فأخذوها (..)]].
يوحي ما سبق بتناقص عدد الأقباط نتيجة للتحول الخ. لكنهم ظلوا الأغلبية، فمثلا يقول العلامة الأندلسي أبو السلط، الذي زار مصر أيام وزارة الأفضل، ابن بدر الجمالي، في خلافة الآمر بأحكام الله (انظر الفقرات التالية): quot;سكان مصر أخلاط من الناس، مختلفو الأصناف والأجناس من قبط وروم وعرب وأكراد وديلم وحبشان وغير ذلك، إلا أن جمهورهم (غالبيتهم) قبطquot; (المقريزي ـ الخطط ص ٤٧)
***
وإلى مقال آخر...