حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم
بدأت الدولة الفاطمية في دخول طور الضعف والاضمحلال. ونتابع ما يقوله كُتّاب السيرة في quot;تاريخ البطاركةquot;، الذين أصبحوا يعطون للأحداث العامة في البلاد اهتماما أكبر من الأحداث الكنسية الداخلية..
٢١ ـ وفي أيام الأنبا ميخائيل ٦٨ (١٠٩٢ـ١١٠٢) يذكر يوحنا ابن صاعد القلزمي، ناسخ السيرة، أن خلافات قد دبت بين البطريرك وبين عدد من الأساقفة والأراخنة.
وفي السنة الثانية من جلوسه توفي الأجلّ أمير الجيوش وتولى ولده الأفضل الوزارة أيام المستنصر بالله.
[[وفي تلك الأيام وصلت عساكر الروم والفرنج من رومية ومن بلاد افرنجية (*) إلى الشام في خلق كثير وملكوا أنطاكية وما يليها وأكثر الشام الفوقاني وكان يومئذ بأيدي الغز الخرسانيين، ولم يبق منه بأيدي الغز إلا دمشق وما يليها. ثم ملكوا القدس الشريف (يونيو ١٠٩٩)، وصرنا معشر النصارى اليعاقبة القبط لا نستطيع الحج إليها ولا نتمكن من الدنو منها لأجل ما هو من بغضهم لنا واعتقادهم فينا وتكفيرهم إيانا. وملكوا بعد ذلك جميع الحصون الشامية ما خلا صور وعسقلان الباقية في أيدي ولاة السيد الأفضل (..) وقد خرج إليهم وجاهد وبالغ وأنفق المال لكن لم تندفع أحكام الله وهو جل اسمه يكفينا ويرحمنا برحمته]].
(*) بداية حروب الفرنجة التي أطلق عليها مؤرخوا الغرب، في نهاية القرن السابع عشر، حروب quot;المتصلبينquot; أو quot;حاملي علامة الصليبquot; (crussade, croisade) وهو ما ترجم بالحروب quot;الصليبيةquot;.
وفي السنة الثانية من جلوسه توفي الأجلّ أمير الجيوش وتولى ولده الأفضل الوزارة أيام المستنصر بالله.
[[وفي تلك الأيام وصلت عساكر الروم والفرنج من رومية ومن بلاد افرنجية (*) إلى الشام في خلق كثير وملكوا أنطاكية وما يليها وأكثر الشام الفوقاني وكان يومئذ بأيدي الغز الخرسانيين، ولم يبق منه بأيدي الغز إلا دمشق وما يليها. ثم ملكوا القدس الشريف (يونيو ١٠٩٩)، وصرنا معشر النصارى اليعاقبة القبط لا نستطيع الحج إليها ولا نتمكن من الدنو منها لأجل ما هو من بغضهم لنا واعتقادهم فينا وتكفيرهم إيانا. وملكوا بعد ذلك جميع الحصون الشامية ما خلا صور وعسقلان الباقية في أيدي ولاة السيد الأفضل (..) وقد خرج إليهم وجاهد وبالغ وأنفق المال لكن لم تندفع أحكام الله وهو جل اسمه يكفينا ويرحمنا برحمته]].
(*) بداية حروب الفرنجة التي أطلق عليها مؤرخوا الغرب، في نهاية القرن السابع عشر، حروب quot;المتصلبينquot; أو quot;حاملي علامة الصليبquot; (crussade, croisade) وهو ما ترجم بالحروب quot;الصليبيةquot;.
٢٢ـ وتولى الأنبا مقار ٦٩ (١١٠٢ـ١١٢٨) في أيام مملكة الآمر بأحكام الله ووزارة الأفضل ثم بعد موته المأمون.
[[(..) ووصل (البطريرك ومرافقوه) دار السيد الأجل الأفضل فلما دخلوا إليه دعا له دعاء كثيرا، فرآه وديعا عفيفا حسن الوجه جيد الكلام ورزقه الله منه حظا وقبولا فأجلسه وأكرمه (..) وأمر أن يكتب له منشور إلى والي الاسكندرية وغيره من الولاة الذين يعبر عليهم في طريقه، وأعفاه من طلب الرسم (المقرر على البطاركة الجدد) وكان تكريزه في كنيسة ماري مرقس (..) بعد أن جرى له مع الاسكندرانيين خطوب كثيرة بسبب الرسم المستقر لهم على من يجلس في البطريركية (..) وقال لهم quot;أنا رجل راهب ليس لدي شيء ولا أكتب (تعهدا) بشيء ومهما قدرت عليه دفعته لكم في كل سنة؛ فإن رضيتم بهذا وإلا اتركوني أرجع إلى (الدير) حيث كنت فهو أصلح لي وأحب إليّ مما دعوتموني إليه (..) ولم يزل الخطاب يتردد بينهم عدة أيام حتى كتب (تعهدا) بمائتي دينار في كل سنة (..)]].
وطبقا لهوامش quot;تاريخ البطاركةquot; بقلم المحقق فإن تاريخ ابن الراهب قد ذكر أن الوزير الأفضل قد أمر في تلك السنة بهدم كنيسة القديس ميخائيل بجزيرة الروضة لأنها كانت وسط بستان اشتراه. كما أن مؤرخ quot;سير البيعة المقدسةquot; ذكر أن المدعو أبو اليمن بن عبد المسيح، متولي ديوان، قد جدد كنيسة quot;أبي قدامةquot; بالفسطاط، وكانت قد آلت للسقوط، بغير توقيع السلطان. فلما عرف الوزير الأفضل، غضب وركب في جيشه ومعه القاضي والشهود إلى الكنيسة وحضر شيوخ مسلمين وشهدوا بذلك فهدم الكنيسة وسواها بالأرض وأقام مكانها مسجدا للمسلمين.
[[وفي أبيب سنة ٨٣٤ للشهداء (١١١٧م) وصل بردويل (بالدوين) مقدم الفرنج في عسكر عظيم إلى الفرما فنهبها وأحرقها ونوى الهجوم على مصر بغتة فمرض (..) ومات في العريش (..) وكان السيد الأجل الأفضل قد جرد إليهم عسكر عظيم. فلما مات بردويل تبعهم العسكر إلى الشام وعاد. وقد كفانا الله أمرهم نسأله جل اسمه دوام رحمته (..)]].
وفي نهاية رمضان ٥١٥ هلالية قُتل الأجل الأفضل (على يد عبد الله البطايحي، بإيعاز من الخليفة الآمر بأحكام الله، وتولى الوزارة مكافأة له) [[فلما بلغ الخبر مولانا الآمر بأحكام الله نزل من ساعته إلى دار الملك (مسكن الوزير الأفضل) واحتاط على جميع ما فيها من الأموال (..) وفي اليوم الثالث أخرج تابوته والناس يمشون حوله حفاة (حزنا) وخرج مولانا الآمر خلد الله ملكه خلفه بثياب غسيل وعمامة حمدانية حتى وصل إلى تربة والده بظاهر القاهرة خارج باب النصر فصلى عليه ودفنه فيها. وعاد مولانا إلى دار (الأجل) بمصر وأقام فيها سبعة عشر يوما حتى حمل جميع ما فيها من الأموال والجواهر والذهب والفضة والملابس والفرش والأثاث والآلات إلى (قصره). ويقال أن المال الذي وجد عينا في الأكياس أربعة ألف ألف دينار (..)]].
الخليفة يقتل القتيل ثم يمشي في جنازته ويستولي على إرثه؟!..
[[(..) ووصل (البطريرك ومرافقوه) دار السيد الأجل الأفضل فلما دخلوا إليه دعا له دعاء كثيرا، فرآه وديعا عفيفا حسن الوجه جيد الكلام ورزقه الله منه حظا وقبولا فأجلسه وأكرمه (..) وأمر أن يكتب له منشور إلى والي الاسكندرية وغيره من الولاة الذين يعبر عليهم في طريقه، وأعفاه من طلب الرسم (المقرر على البطاركة الجدد) وكان تكريزه في كنيسة ماري مرقس (..) بعد أن جرى له مع الاسكندرانيين خطوب كثيرة بسبب الرسم المستقر لهم على من يجلس في البطريركية (..) وقال لهم quot;أنا رجل راهب ليس لدي شيء ولا أكتب (تعهدا) بشيء ومهما قدرت عليه دفعته لكم في كل سنة؛ فإن رضيتم بهذا وإلا اتركوني أرجع إلى (الدير) حيث كنت فهو أصلح لي وأحب إليّ مما دعوتموني إليه (..) ولم يزل الخطاب يتردد بينهم عدة أيام حتى كتب (تعهدا) بمائتي دينار في كل سنة (..)]].
وطبقا لهوامش quot;تاريخ البطاركةquot; بقلم المحقق فإن تاريخ ابن الراهب قد ذكر أن الوزير الأفضل قد أمر في تلك السنة بهدم كنيسة القديس ميخائيل بجزيرة الروضة لأنها كانت وسط بستان اشتراه. كما أن مؤرخ quot;سير البيعة المقدسةquot; ذكر أن المدعو أبو اليمن بن عبد المسيح، متولي ديوان، قد جدد كنيسة quot;أبي قدامةquot; بالفسطاط، وكانت قد آلت للسقوط، بغير توقيع السلطان. فلما عرف الوزير الأفضل، غضب وركب في جيشه ومعه القاضي والشهود إلى الكنيسة وحضر شيوخ مسلمين وشهدوا بذلك فهدم الكنيسة وسواها بالأرض وأقام مكانها مسجدا للمسلمين.
[[وفي أبيب سنة ٨٣٤ للشهداء (١١١٧م) وصل بردويل (بالدوين) مقدم الفرنج في عسكر عظيم إلى الفرما فنهبها وأحرقها ونوى الهجوم على مصر بغتة فمرض (..) ومات في العريش (..) وكان السيد الأجل الأفضل قد جرد إليهم عسكر عظيم. فلما مات بردويل تبعهم العسكر إلى الشام وعاد. وقد كفانا الله أمرهم نسأله جل اسمه دوام رحمته (..)]].
وفي نهاية رمضان ٥١٥ هلالية قُتل الأجل الأفضل (على يد عبد الله البطايحي، بإيعاز من الخليفة الآمر بأحكام الله، وتولى الوزارة مكافأة له) [[فلما بلغ الخبر مولانا الآمر بأحكام الله نزل من ساعته إلى دار الملك (مسكن الوزير الأفضل) واحتاط على جميع ما فيها من الأموال (..) وفي اليوم الثالث أخرج تابوته والناس يمشون حوله حفاة (حزنا) وخرج مولانا الآمر خلد الله ملكه خلفه بثياب غسيل وعمامة حمدانية حتى وصل إلى تربة والده بظاهر القاهرة خارج باب النصر فصلى عليه ودفنه فيها. وعاد مولانا إلى دار (الأجل) بمصر وأقام فيها سبعة عشر يوما حتى حمل جميع ما فيها من الأموال والجواهر والذهب والفضة والملابس والفرش والأثاث والآلات إلى (قصره). ويقال أن المال الذي وجد عينا في الأكياس أربعة ألف ألف دينار (..)]].
الخليفة يقتل القتيل ثم يمشي في جنازته ويستولي على إرثه؟!..
٢٣ـ وفي أيام الأنبا غبريال ابن تريك ٧٠ (١١٣١ـ١١٤٥) وكان من نسل شريف من أعيان الكتاب وكان مجتهدا في قراءة الكتب وتفسير معانيها وهو ناسخ جيد قبطي وعربي:
[[جرى بين العبيد السودان (السود) وبين الأجناد (المرتزقة من الترك وغيرهم) حرب عظيمة في موضع يسمى كوم الدرب قبلي مصر في بلاد أطفيح وقتل من السودان خلق كثير (..) وقبض الأمير حسن (ابن الخليفة) على الأب البطرك وصادره وسجنه في خزانة إلى أن (جمع) له الكتّاب وساعده التجار (القبط) من أموالهم حتى حمل له ألف دينار وخلصه الله من يديه (..). وثار على (الأمير) جماعةٌ من أجناد دولته فمضوا إلى والي الغربية وكان رجلا نصرانيا أرمنيا يسمى بهرام ويُنعت تاج الدولة ـ وكان أرمنيا من جنس ملوكهم، وصل مع أمير الجيوش بدر الجمالي عند مجيئه من عكا أيام المستنصر واستمر في خدمة الدولة فقدمه وولاه الولايات وهو باق على دينه (..) ـ فمضى إليه الأجناد وسألوه أن يكون وزيرا وسلطانا، ودخل القاهرة (..) وهرب الأمير حسن واختفى، وعاد (الخليفة الحافظ) إلى ما كان عليه (*) واستوزر بهرام وهو نصراني (..)]].
(*) كان الخليفة الآمر قد سجن البطايحي بعد استوزاره بأربع سنوات، ولم يستوزر بعده أحدا، بل تولى بنفسه الحكم quot;التنفيذيquot; مباشرة، حتى تعيين بهرام.
[[واستمر تاج الدولة بهرام في الوزارة (حوالي سنتين) فكثر كلام المسلمين فيه لأجل مذهبه وحسدوه لأجل محبة الخليفة له وكونه قد علت كلمته عليهم، وكان للنصارى في أيام دولته نفاذ الكلمة وعزة النفس وكل تصرف جليل من الدواوين الكبار التي للخليفة والوزرات في أيديهم وكان منهم النظار والمشرفين في جميع أرض مصر (..). فلما ضعفت كلمة المسلمين وعزت كلمة (النصارى) ألجأتهم الحيلة لقطع هذا المرض من أصله و(التخلص) منهم بزوال الوزارة عن تاج الدولة بهرام. فتعصب منهم جماعة أمراء وأجناد وأخلاط الناس واستصرخوا برضوان بن الوخشي والي الغربية وقالوا له: (..) ما للمسلمين من ينقذهم من إهانة الأرمن سواك، فإن قويوا أكثر من ذلك تنصر كثير من المسلمين. واستنهضوه فنهض معهم وحشد العربان ومقطعين البلاد ونادي quot;يا مجاهدين في الكفارquot; وعلق مصاحف القرآن على أسنة الرماح قدام العسكر وسار وقد اجتمع له من المسلمين جيش عرمرم لا يحصى عدده من كثرته، واستعلى بكلمة الإسلام (..) فلما تواصلت أخباره لبهرام أراد حقن دماء الناس وقال لأصحابه: لا (أريد أن) يطالبني الله بدم من قتل منكم ومنهم، ومملكة هذه الديار قد جعلها الله للمسلمين فما يجوز ولا يحل لي من الله أن أقاتل القوم على مملكتهم وأنتزع حقهم منهم. ولو لم يستعن بي الخليفة على ما جرى عليه من ولده ورضي بما فعلته في خدمته وطاعته ما ابتدعت شيئا من نفسي. قوموا خذوا ما قدرتم عليه من أموالكم وأولادكم وامضوا بنا إلى قوص ـ حيث أخوه باساك الوالى ـ ثم نمضي لبلادنا ونترك للقوم مملكتهم فما لنا حاجة بقتالهم (فرفض جنود الأرمن) فلم يوافقهم وسار من وقته إلى قوص (..) فوجد أن خبر ابن الوخشي قد سبقه وأن أهل قوص قد قتلوا أخاه ودفنوه في الزبل في إصطبل دوابه بدار الولاية (..) فمضى إلى الدير الأبيض (غرب سوهاج) وأقام (..)]].
لاحظ: ١) الفرق بين موقف بهرام وموقف ابن الوخشي وأمثاله.... ؛ ٢) كان بهرام أول quot;رئيس وزراءquot; غير مسلم منذ الغزو العربي، وهو أمر يُحسب للخلافة الفاطمية بدون شك؛ ٣) ولكن بهرام كان أرمنيا - إذ لم يتم استوزار قبطي من أهل البلاد الأصليين حين كانوا أغلبية أو بعد أن أصبحوا أقلية، وذلك حتى نهاية ق١٩.
[[وأما ابن الوخشي فدخل القاهرة وأخلع الخليفة عليه الوزارة ونهب كنائس القاهرة والخندق، وحرق المسلمون دير الأرمن المعروف بالزهري وقتلوا بطركهم وكل الرهبان. وأمر ابن الوخشي ألا يستخدم النصارى في الدواوين الكبار ولا نظار ولا مشرفين وأن يشدوا زنانيرهم في أوساطهم ولا يركبوا الخيل وضاعف عليهم وعلى اليهود الجزية وجعلها ثلاث طبقات (..)]].
[[واستمر ابن الوخشي في الوزارة إلى أن قام عليه الأجناد وأمراء الدولة فخرج هاربا (..) ونزل عند (قبائل بدوية في شرق القاهرة) ومضوا به للشام (..). ثم أرسل مولانا الخليفة الحافظ إلى بهرام ليعود لوزارته فلم يقبل (..)]].
[[وأرسل ملك الحبشة للبطرك ولملك مصر يطلب أن يكرز له أساقفة (عددا أكثر مما جرت العادة عليه)، فخرج أمر الخليفة للبطرك بإجابته فاعتذر عن ذلك وقال: يا مولاي إذا صارت الأساقفة عند الحبش أكثر من هذا العدد تجاسروا على قسمة مطران لهم (وخرجوا عن) طاعة بطاركة مصر (..) ويخرجهم ذلك إلى عداوة ومحاربة ما هو متاخم لبلادهم من المسلمين فيختل النظام وتكثر الحروب (..)]].
[[جرى بين العبيد السودان (السود) وبين الأجناد (المرتزقة من الترك وغيرهم) حرب عظيمة في موضع يسمى كوم الدرب قبلي مصر في بلاد أطفيح وقتل من السودان خلق كثير (..) وقبض الأمير حسن (ابن الخليفة) على الأب البطرك وصادره وسجنه في خزانة إلى أن (جمع) له الكتّاب وساعده التجار (القبط) من أموالهم حتى حمل له ألف دينار وخلصه الله من يديه (..). وثار على (الأمير) جماعةٌ من أجناد دولته فمضوا إلى والي الغربية وكان رجلا نصرانيا أرمنيا يسمى بهرام ويُنعت تاج الدولة ـ وكان أرمنيا من جنس ملوكهم، وصل مع أمير الجيوش بدر الجمالي عند مجيئه من عكا أيام المستنصر واستمر في خدمة الدولة فقدمه وولاه الولايات وهو باق على دينه (..) ـ فمضى إليه الأجناد وسألوه أن يكون وزيرا وسلطانا، ودخل القاهرة (..) وهرب الأمير حسن واختفى، وعاد (الخليفة الحافظ) إلى ما كان عليه (*) واستوزر بهرام وهو نصراني (..)]].
(*) كان الخليفة الآمر قد سجن البطايحي بعد استوزاره بأربع سنوات، ولم يستوزر بعده أحدا، بل تولى بنفسه الحكم quot;التنفيذيquot; مباشرة، حتى تعيين بهرام.
[[واستمر تاج الدولة بهرام في الوزارة (حوالي سنتين) فكثر كلام المسلمين فيه لأجل مذهبه وحسدوه لأجل محبة الخليفة له وكونه قد علت كلمته عليهم، وكان للنصارى في أيام دولته نفاذ الكلمة وعزة النفس وكل تصرف جليل من الدواوين الكبار التي للخليفة والوزرات في أيديهم وكان منهم النظار والمشرفين في جميع أرض مصر (..). فلما ضعفت كلمة المسلمين وعزت كلمة (النصارى) ألجأتهم الحيلة لقطع هذا المرض من أصله و(التخلص) منهم بزوال الوزارة عن تاج الدولة بهرام. فتعصب منهم جماعة أمراء وأجناد وأخلاط الناس واستصرخوا برضوان بن الوخشي والي الغربية وقالوا له: (..) ما للمسلمين من ينقذهم من إهانة الأرمن سواك، فإن قويوا أكثر من ذلك تنصر كثير من المسلمين. واستنهضوه فنهض معهم وحشد العربان ومقطعين البلاد ونادي quot;يا مجاهدين في الكفارquot; وعلق مصاحف القرآن على أسنة الرماح قدام العسكر وسار وقد اجتمع له من المسلمين جيش عرمرم لا يحصى عدده من كثرته، واستعلى بكلمة الإسلام (..) فلما تواصلت أخباره لبهرام أراد حقن دماء الناس وقال لأصحابه: لا (أريد أن) يطالبني الله بدم من قتل منكم ومنهم، ومملكة هذه الديار قد جعلها الله للمسلمين فما يجوز ولا يحل لي من الله أن أقاتل القوم على مملكتهم وأنتزع حقهم منهم. ولو لم يستعن بي الخليفة على ما جرى عليه من ولده ورضي بما فعلته في خدمته وطاعته ما ابتدعت شيئا من نفسي. قوموا خذوا ما قدرتم عليه من أموالكم وأولادكم وامضوا بنا إلى قوص ـ حيث أخوه باساك الوالى ـ ثم نمضي لبلادنا ونترك للقوم مملكتهم فما لنا حاجة بقتالهم (فرفض جنود الأرمن) فلم يوافقهم وسار من وقته إلى قوص (..) فوجد أن خبر ابن الوخشي قد سبقه وأن أهل قوص قد قتلوا أخاه ودفنوه في الزبل في إصطبل دوابه بدار الولاية (..) فمضى إلى الدير الأبيض (غرب سوهاج) وأقام (..)]].
لاحظ: ١) الفرق بين موقف بهرام وموقف ابن الوخشي وأمثاله.... ؛ ٢) كان بهرام أول quot;رئيس وزراءquot; غير مسلم منذ الغزو العربي، وهو أمر يُحسب للخلافة الفاطمية بدون شك؛ ٣) ولكن بهرام كان أرمنيا - إذ لم يتم استوزار قبطي من أهل البلاد الأصليين حين كانوا أغلبية أو بعد أن أصبحوا أقلية، وذلك حتى نهاية ق١٩.
[[وأما ابن الوخشي فدخل القاهرة وأخلع الخليفة عليه الوزارة ونهب كنائس القاهرة والخندق، وحرق المسلمون دير الأرمن المعروف بالزهري وقتلوا بطركهم وكل الرهبان. وأمر ابن الوخشي ألا يستخدم النصارى في الدواوين الكبار ولا نظار ولا مشرفين وأن يشدوا زنانيرهم في أوساطهم ولا يركبوا الخيل وضاعف عليهم وعلى اليهود الجزية وجعلها ثلاث طبقات (..)]].
[[واستمر ابن الوخشي في الوزارة إلى أن قام عليه الأجناد وأمراء الدولة فخرج هاربا (..) ونزل عند (قبائل بدوية في شرق القاهرة) ومضوا به للشام (..). ثم أرسل مولانا الخليفة الحافظ إلى بهرام ليعود لوزارته فلم يقبل (..)]].
[[وأرسل ملك الحبشة للبطرك ولملك مصر يطلب أن يكرز له أساقفة (عددا أكثر مما جرت العادة عليه)، فخرج أمر الخليفة للبطرك بإجابته فاعتذر عن ذلك وقال: يا مولاي إذا صارت الأساقفة عند الحبش أكثر من هذا العدد تجاسروا على قسمة مطران لهم (وخرجوا عن) طاعة بطاركة مصر (..) ويخرجهم ذلك إلى عداوة ومحاربة ما هو متاخم لبلادهم من المسلمين فيختل النظام وتكثر الحروب (..)]].
٢٣ـ في أيام الأنبا يوحنا ٧٢ (١١٤٧ـ١١٦٦) الذي جلس في مملكة الحافظ (ت ١١٤٩)، كان كاتب السيرة هو مرقس ابن زرعة (الذي صار البطريرك ٧٣):
[[وفي أيام الظافر وزّر له نجم الدين ابن مصال، الذي (ثار) عليه ابن سلار والي ثغر الاسكندرية وغلبه وقتله ومعه خلق كثير من (السود) وأُخذت رأسه وطيف بها القاهرة على رمح، وتولى الوزارة بعده. وأمر النصارى بالقاهرة ومصر (الفسطاط) أن يشدوا الزنار ويقلعوا طيالسهم (..) وكان السبب قوم فقهاء من المبغضين للنصارى (..). واستمر في الوزارة حتى دخل عليه (حاجبه؟) نصر بن عباس فقتله وأخذ رأسه وأشهرها بين القصرين، وكان عباس (أبو نصر) والي الشرقية (..) فحضر وأخلع (الخليفة) عليه الوزارة]].
[[وكان النصارى قد أعمروا بالمطرية خرائب الكنيسة التي بها بئر البلسم الذي يستخرج منه دهن الميرون (..) فهدمها المسلمون وبنوا مكانها مسجدا]].
وبعد بضعة مجازر بين الحكام، اتُهٍم نصر بن عباس بعلاقة (..) مع الخليفة الشاب الظافر فاغتاله (في ١١٥٤) ونُصب مكانه ابنه الطفل خليفة باسم الفائز. [[واستقر طلايع بن رزيك في الوزارة ونعتوه بالصالح وكان محبا لجمع المال وأهلك نفوسا كثيرة (..) وكان يقرب (المنجمين) ويسمع أقوالهم، مبغضا للنصارى وبعض مذاهب المسلمين لأنه كان إماميا (شيعيا). وأمر ألا تكون لعمائم النصارى واليهود ذوائب (التي اقتصرت على الفاطميين) (..) وظهر في أيامه موت البقر (بطاعون الماشية، لأول مرة في مصر]].
[[ثم مات الإمام الفائز (في ١١٦٠م وعمره عشرون سنة) وجلس بعده عمه وانعتوه بالعاضد. (ثم قُتٍل رزيك) وتولى الوزارة ولدُه الذي نُعت بالأجلّ مجد الإسلام (..) وتجبر (واغتنى) ثم (ثار عليه) شاور والي قوص (واستعان بأجناد من المغرب وعربان)، فهرب مجد الإسلام (..) سبحان الله يؤتي الملك لمن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء (..) وتولى شاور الوزارة وأنعتوه بأمير الجيوش (..) ولما كانت ليلة الجمعة (الأخيرة) من شهر رمضان، نافق على شاور أميرٌ اسمه ضرغام ونعتُه سيف المجاهدين (..) وجمع عسكر وفتح (أحد) أبواب القاهرة و(هرب) شاور من باب الفتوح وسار في الظلام حتى وصل إلى بيوت عشيرته بني سعد. وملك ضرغام (..) وتوجه شاور إلى دمشق واجتمع بنور الدين محمود بن زنكي، وأقام عنده مدة فجهز معه عسكر (بقيادة) أسد الدين شيركوه (ليساعده في استرداد الحكم) وعاد لمصر ونزل ببلبيس، وخرج إليه ناصر المسلمين، أخو ضرغام، بعسكر كثير (..) فهزمهم شاور وشيركوه (..) وساروا للقاهرة وحاصروها (..) وقتل ضرغام أثناء هروبه (..)، وفتحت لهم أبواب القاهرة. وما أن استقر شاور حتى بلغه أن شيركوه يريد أن يغدر به فاحترز وأغلق أبواب القاهرة، فقاتله (شيركوه) وحاصره. وامتدت أيدي الغز (الأكراد) في سكان مصر (الفسطاط) من النصارى والسودان والأرمن والأتراك والمصريين، وكانوا يقتلوا منهم ويبيعونهم فإن وجدوا من يشتري شخصا (كان بها، وإلا) قتلوه، ونهبوا أموالهم وأخذوا نساءهم وكانوا ينادون علي النصراني quot;من يشتري كافرquot; (..) وكانوا يبيعونهم بثمن خسيس: بعشرين درهم النصراني وعشرة دراهم التركي وخمسة دراهم الأسود. واستشهد على يدهم راهب من دار أبو مقار مسكوه وعرضوا عليه الإسلام فامتنع فقتلوه (..) وهدموا كنائس كثيرة في ضواحي القاهرة ونهبوها]].
[[ولم يزل شيركوه يحاصر شاور في القاهرة، إلى أن أرسل شاور للملك مري ملك الإفرنج (*) بمال عظيم. (ولما علم) شيركوه بقرب وصوله، رحل والعربان (الذين معه) إلى الصعيد. ولما وصل الملك مري بعسكره إلى بلبيس، حمل إليه من الخليفة والوزير (شاور) من المال والهدايا شيء كثير. واستراح في بلبيس شهرا ثم نزل بعسكره حول القاهرة ثم (ساروا) وعسكر المسلمين في طلب شيركوه (..) فأدركوه (جنوب المنيا) فقتل وأسر (من الجانبين) خلق كثير. ثم ذهب شيركوه إلى اسكندرية وتحصن فيها وتبعه الملك مري وعسكر الفرنج وعسكر المصريين وحاصروه. فلما طال به الحصار خرج منه ليلا وعاد للقاهرة ليأخذها (..) وجرت خطوب تقرر آخرها أن (أعطوه) مالا فعاد لبلاده. (..) ورجع الملك مري (لمملكته) وكان قد عرف أنه أخطأ بالمجيء بعسكره في وسط بلاد الإسلام (..)]].
(*) أحد ملوك دويلات الإفرنج بالشام. لاحظ أن تحالف الحكام المسلمين مع الكفار ضد بعضهم البعض (والعكس، كما حدث أثناء الحروب quot;الصليبيةquot;) كان أمرا عاديا في تلك الأيام...
[[وفي هذه الأيام تنصر رجل من اليهود بمصر من كبار قومه كان خبيرا عالما يسمى أبو الفخر ابن أزهر، وتكلم باللغة القبطية في أسرع وقت وكان يجادل اليهود بالعبرانية وتمهر (صار ماهرا) في مذهب النصرانية حتى صار أعلم من أهله ومات (بعد أربعين سنة) مؤمنا بالمسيح بعد أن قاسى من المسلمين واليهود شدائد]].
[[ووصل كتاب من ملك الحبشة إلى (الوزير) العادل بن السلار وللبطرك يلتمس تعيين مطران (بدلا من الذي عنده، الذي كان قد وبخه لأنه أخذ الملك بدون حق)، فامتنع البطرك (لتعارض ذلك مع قوانين الكنيسة) فضجر عليه الوزير العادل وأمر باعتقاله (..) فقاسى البطرك من ضيق هذا السجن ونتن رائحته واستمر اعتقاله إلى أن قُتل العادل]].
[[وفي أيام الظافر وزّر له نجم الدين ابن مصال، الذي (ثار) عليه ابن سلار والي ثغر الاسكندرية وغلبه وقتله ومعه خلق كثير من (السود) وأُخذت رأسه وطيف بها القاهرة على رمح، وتولى الوزارة بعده. وأمر النصارى بالقاهرة ومصر (الفسطاط) أن يشدوا الزنار ويقلعوا طيالسهم (..) وكان السبب قوم فقهاء من المبغضين للنصارى (..). واستمر في الوزارة حتى دخل عليه (حاجبه؟) نصر بن عباس فقتله وأخذ رأسه وأشهرها بين القصرين، وكان عباس (أبو نصر) والي الشرقية (..) فحضر وأخلع (الخليفة) عليه الوزارة]].
[[وكان النصارى قد أعمروا بالمطرية خرائب الكنيسة التي بها بئر البلسم الذي يستخرج منه دهن الميرون (..) فهدمها المسلمون وبنوا مكانها مسجدا]].
وبعد بضعة مجازر بين الحكام، اتُهٍم نصر بن عباس بعلاقة (..) مع الخليفة الشاب الظافر فاغتاله (في ١١٥٤) ونُصب مكانه ابنه الطفل خليفة باسم الفائز. [[واستقر طلايع بن رزيك في الوزارة ونعتوه بالصالح وكان محبا لجمع المال وأهلك نفوسا كثيرة (..) وكان يقرب (المنجمين) ويسمع أقوالهم، مبغضا للنصارى وبعض مذاهب المسلمين لأنه كان إماميا (شيعيا). وأمر ألا تكون لعمائم النصارى واليهود ذوائب (التي اقتصرت على الفاطميين) (..) وظهر في أيامه موت البقر (بطاعون الماشية، لأول مرة في مصر]].
[[ثم مات الإمام الفائز (في ١١٦٠م وعمره عشرون سنة) وجلس بعده عمه وانعتوه بالعاضد. (ثم قُتٍل رزيك) وتولى الوزارة ولدُه الذي نُعت بالأجلّ مجد الإسلام (..) وتجبر (واغتنى) ثم (ثار عليه) شاور والي قوص (واستعان بأجناد من المغرب وعربان)، فهرب مجد الإسلام (..) سبحان الله يؤتي الملك لمن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء (..) وتولى شاور الوزارة وأنعتوه بأمير الجيوش (..) ولما كانت ليلة الجمعة (الأخيرة) من شهر رمضان، نافق على شاور أميرٌ اسمه ضرغام ونعتُه سيف المجاهدين (..) وجمع عسكر وفتح (أحد) أبواب القاهرة و(هرب) شاور من باب الفتوح وسار في الظلام حتى وصل إلى بيوت عشيرته بني سعد. وملك ضرغام (..) وتوجه شاور إلى دمشق واجتمع بنور الدين محمود بن زنكي، وأقام عنده مدة فجهز معه عسكر (بقيادة) أسد الدين شيركوه (ليساعده في استرداد الحكم) وعاد لمصر ونزل ببلبيس، وخرج إليه ناصر المسلمين، أخو ضرغام، بعسكر كثير (..) فهزمهم شاور وشيركوه (..) وساروا للقاهرة وحاصروها (..) وقتل ضرغام أثناء هروبه (..)، وفتحت لهم أبواب القاهرة. وما أن استقر شاور حتى بلغه أن شيركوه يريد أن يغدر به فاحترز وأغلق أبواب القاهرة، فقاتله (شيركوه) وحاصره. وامتدت أيدي الغز (الأكراد) في سكان مصر (الفسطاط) من النصارى والسودان والأرمن والأتراك والمصريين، وكانوا يقتلوا منهم ويبيعونهم فإن وجدوا من يشتري شخصا (كان بها، وإلا) قتلوه، ونهبوا أموالهم وأخذوا نساءهم وكانوا ينادون علي النصراني quot;من يشتري كافرquot; (..) وكانوا يبيعونهم بثمن خسيس: بعشرين درهم النصراني وعشرة دراهم التركي وخمسة دراهم الأسود. واستشهد على يدهم راهب من دار أبو مقار مسكوه وعرضوا عليه الإسلام فامتنع فقتلوه (..) وهدموا كنائس كثيرة في ضواحي القاهرة ونهبوها]].
[[ولم يزل شيركوه يحاصر شاور في القاهرة، إلى أن أرسل شاور للملك مري ملك الإفرنج (*) بمال عظيم. (ولما علم) شيركوه بقرب وصوله، رحل والعربان (الذين معه) إلى الصعيد. ولما وصل الملك مري بعسكره إلى بلبيس، حمل إليه من الخليفة والوزير (شاور) من المال والهدايا شيء كثير. واستراح في بلبيس شهرا ثم نزل بعسكره حول القاهرة ثم (ساروا) وعسكر المسلمين في طلب شيركوه (..) فأدركوه (جنوب المنيا) فقتل وأسر (من الجانبين) خلق كثير. ثم ذهب شيركوه إلى اسكندرية وتحصن فيها وتبعه الملك مري وعسكر الفرنج وعسكر المصريين وحاصروه. فلما طال به الحصار خرج منه ليلا وعاد للقاهرة ليأخذها (..) وجرت خطوب تقرر آخرها أن (أعطوه) مالا فعاد لبلاده. (..) ورجع الملك مري (لمملكته) وكان قد عرف أنه أخطأ بالمجيء بعسكره في وسط بلاد الإسلام (..)]].
(*) أحد ملوك دويلات الإفرنج بالشام. لاحظ أن تحالف الحكام المسلمين مع الكفار ضد بعضهم البعض (والعكس، كما حدث أثناء الحروب quot;الصليبيةquot;) كان أمرا عاديا في تلك الأيام...
[[وفي هذه الأيام تنصر رجل من اليهود بمصر من كبار قومه كان خبيرا عالما يسمى أبو الفخر ابن أزهر، وتكلم باللغة القبطية في أسرع وقت وكان يجادل اليهود بالعبرانية وتمهر (صار ماهرا) في مذهب النصرانية حتى صار أعلم من أهله ومات (بعد أربعين سنة) مؤمنا بالمسيح بعد أن قاسى من المسلمين واليهود شدائد]].
[[ووصل كتاب من ملك الحبشة إلى (الوزير) العادل بن السلار وللبطرك يلتمس تعيين مطران (بدلا من الذي عنده، الذي كان قد وبخه لأنه أخذ الملك بدون حق)، فامتنع البطرك (لتعارض ذلك مع قوانين الكنيسة) فضجر عليه الوزير العادل وأمر باعتقاله (..) فقاسى البطرك من ضيق هذا السجن ونتن رائحته واستمر اعتقاله إلى أن قُتل العادل]].
٢٤ـ وفي أيام الأنبا مرقس ابن زرعة ٧٣ (١١٦٦ـ١١٨٩) وكان [[من نسل شريف يسمي قبل بطريركته أبو الفرج ابن أبو أسعد (وأصله) سرياني من أهل الشام، و(قبل رسامته) كان كثير من الناس المسلمين والنصارى يشهدون له بالعفة والديانة (..) وفعل الخير (..)]]:
جرى [[من الأمور الصعبة والشدائد المرهقة والدماء المهرقة وزوال الدولة (الفاطمية) (..) إلى حين انقضائها على أيام العاضد (بعد) ٢٧٥ سنة منها ٢٠١ سنة بمصر (..)]].
وفي (١١٦٠م) هاجم مري ملك الإفرنج بلبيس وعاث فيها (*) (..) فكتب الخليفة العاضد لنور الدين محمود ابن زنكي ملك الغز (الأكراد) بدمشق يعرفه ما جرى على المسلمين بديار مصر ويطلب منه العون فقام بإرسال [[أسد الدين شيركوه ومعه عسكر كثير من الغز (وطارد الإفرنج) ثم نزل إلى اللوق وأحاط بالقاهرة وحمل إليه الخليفة ضيافة وخلع سيفه له ولمن وصل معه من الأمراء (وأعطاه) أموالا كثيرة وخيام ومعدات (..) وفي يوم الجمعة أول ربيع الأول سنة ٥٦٤ هلالية أرسل إليه الخليفة سيف الدم مع مؤتمن الخلافة جوهر الأستاذ وأمره أن يضرب به رقبة شاور وزيره فقتله ذبحا بسكين (..) ودخل القاهرة وأخلع عليه الخليفة خلع الوزارة (..) وكان له يوم مشهور لم يرى في الدنيا مثله. ولما كمل له شهر في الملك (الوزارة) نادى بالقاهرة أن يرفع النصارى عذب عمائمهم ويشدوا زنانيرهم و(يضع) اليهود خرقة صفراء في عمائمهم(**)]].
(*) هذا الهجوم غير المبرر أثار سلسلة من التداعيات التاريخية التي أدت (كما سنرى) إلى انهيار الدولة الفاطمية، ثم القضاء على معظم دويلات الفرنجة في الشام..
(**) يبدو أنها أحد تسليات الحكام هي التحكم في ملابس quot;أهل الذمةquot; ...
[[ (وبعد ستين يوما من استوزاره) مات شيركوه، ووزر الخليفة بعده يوسف، ابن نجم الدين أيوب (وابن أخي شيركوه الذي جاء معه كمساعد أو قائمقام) وأُنعت quot;بالملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين جامع الإيمان قامع عبدة الصلبان محيي دولة أمير المؤمنينquot; (..) ووقّع يوم جلوسه توقيعا باسم القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني وكان هذا عالما فاضلا (..) محبوبا من كل أحد (..) لكنه من طبع الآدمي ألا يكون كاملا لكون الكمال لله وحده لأنه لم يوجد فيه شيء يشوبه سوى أنه أشار ألا يستخدم النصارى نظارا على أموال الدولة ولا مشرفين (*) (..) فلم يعد أحد من النصارى يستخدم في نظر ولا مشارفة في أيام دولة صلاح الدين ولا من ملك بعده من ذريته]]
(*) لا نعلم إن كان كاتب السيرة يحب الدعابة السوداء أو أن هذا يمثل نموذجا لاقتناع الضحية برؤية جلادها...
[[وفي جمادى الآخر سنة ٥٥٦ (١١٧٠م) بلغ الناصر صلاح الدين أن جوهر، استاذ (= كاتم سر) العاضد قد خرج من القاهرة (في طريقه) إلى الفرنج يستنجد بهم ويحضرهم للقاهرة لمحاربة (صلاح الدين)، لأنه لما تمكن في المملكة خاف منه الخليفة والأستاذان (..). فندب الناصرُ الطواشيَ قراقوش ومعه مائة فارس فأدرك جوهر واستدعاه (فرفض) فحاصره قراقوش وقتله وأخذ رأسه وعاد للقاهرة. فلما سمع السودان اجتموا وزحفوا لقتال السلطان (الناصر)، فنصره الله عليهم وظفر بهم، (لكنه) لم يقتل أحدا منهم بل قال: لا لوم عليهم لأنهم قاتلوا عن سيدهم وخليفتهم (واستمالهم فعرض عليهم) أن يقيموا حيثما أرادوا فخرجوا من القاهرة إلى الأرياف والصعيد وتفرقوا في جميع ديار مصر]].
[[ثم أن ابن شمس الدولة، أخو صلاح الدين، دخل إلى القصر ليلا وطلب الخليفة فلما أعلموا الخليفة مصّ الخاتم المسموم |(..) ومات (..) وقد أخبر رجل من أهل القصر أنه كان قبل (موته) قد شرب الخمر مع صلاح الدين وشمس الدولة وسمع الغناء بحضرتهم عنده في مجلسه، فلما انقضى المجلس خلى بسريته (..) فطلبت أن يهبها ديبق ذهب مكلل بالجواهر كان في سرواله (ففعل) فأحضرته لصلاح الدين تفتخر به، فأخذه وأحضر القاضي والشهود والفقهاء (..) وطلب الفتوى: هل يجوز للخليفة أن يشرب الخمر ويفسق؟ فأفتى الفقهاء أنه إذا ثبت ذلك يخلع من الخلافة، فطلب من أخيه شمس الدولة الركوب إلى القصر والتلطف في قتل الخليفة (ففعل كما تقدم)]].
[[وكانت وفاة العاضد لدين الله وهو الخليفة الرابع عشر لبيت الفاطميين في ٥٦٧ هلالية (١١٧٢م). وتسلم الملك الناصر القصرَ وما فيه وأمر أن يُحمل من التركة والأثاث إلى داره ما يصلح له ولنسائه من الملابس والجواهر والمصاغ ونحو ذلك وأن يباع ما لا حاجة له به من الكتب والأواني وغيرها، وأقام أمينا على البيع القاضي ابن بنان. وأما النفوس، فإنه (حبس) محظيات الخليفة وأولاده في دار المظفر بحارة برجوان وأقام عليهم حراسة وأرسل لهم القوت (..) وأما الأهل والأقارب (..) فإنه جمع منهم مائتي رجل وأكثر ووضعهم في سجن المنافقين في الإيوان بالقصر وفي أرجلهم قيود حديد (..) ولما صار القاهريون والمصريون من شيعتهم يدخلون عليهم بالصدقات قطع عنهم القوت. ومات منهم كثير في قيوده ودفنوا بها، فسبحان الحي الذي لا يموت يضع من يشاء ويرفع من يشاء. أما جواري وعبيد الخدمة فباعهم مع بقية التركة]].
وهكذا، وبساطة شديدة، انتهت الدولة الفاطمية [[وصار الأمر للخطيب في يوم الجمعة بالدعاء (..) للإمام أبو محمد بنور الله (الخليفة العباسي في بغداد)]]...
والخلاصة أن تعامل الفاطميين مع الأقباط كانت فيه تقلبات كبيرة، تراوحت بين الاضطهاد الوحشي والتسامح ـ الذي كان أحيانا (والحق يقال) أفضل كثيرا مما فعله من سبقهم أو لحقهم (بما في ذلك أن تصبح بعض الأعياد مثل أحد الزعف ورأس السنة القبطية (=المصرية) أعيادا quot;قوميةquot;). لكن الأقباط، بصفة عامة، دخلوا المرحلة التالية من تاريخهم وقد تدهورت وتضاءلت مكانتهم في البلاد..
جرى [[من الأمور الصعبة والشدائد المرهقة والدماء المهرقة وزوال الدولة (الفاطمية) (..) إلى حين انقضائها على أيام العاضد (بعد) ٢٧٥ سنة منها ٢٠١ سنة بمصر (..)]].
وفي (١١٦٠م) هاجم مري ملك الإفرنج بلبيس وعاث فيها (*) (..) فكتب الخليفة العاضد لنور الدين محمود ابن زنكي ملك الغز (الأكراد) بدمشق يعرفه ما جرى على المسلمين بديار مصر ويطلب منه العون فقام بإرسال [[أسد الدين شيركوه ومعه عسكر كثير من الغز (وطارد الإفرنج) ثم نزل إلى اللوق وأحاط بالقاهرة وحمل إليه الخليفة ضيافة وخلع سيفه له ولمن وصل معه من الأمراء (وأعطاه) أموالا كثيرة وخيام ومعدات (..) وفي يوم الجمعة أول ربيع الأول سنة ٥٦٤ هلالية أرسل إليه الخليفة سيف الدم مع مؤتمن الخلافة جوهر الأستاذ وأمره أن يضرب به رقبة شاور وزيره فقتله ذبحا بسكين (..) ودخل القاهرة وأخلع عليه الخليفة خلع الوزارة (..) وكان له يوم مشهور لم يرى في الدنيا مثله. ولما كمل له شهر في الملك (الوزارة) نادى بالقاهرة أن يرفع النصارى عذب عمائمهم ويشدوا زنانيرهم و(يضع) اليهود خرقة صفراء في عمائمهم(**)]].
(*) هذا الهجوم غير المبرر أثار سلسلة من التداعيات التاريخية التي أدت (كما سنرى) إلى انهيار الدولة الفاطمية، ثم القضاء على معظم دويلات الفرنجة في الشام..
(**) يبدو أنها أحد تسليات الحكام هي التحكم في ملابس quot;أهل الذمةquot; ...
[[ (وبعد ستين يوما من استوزاره) مات شيركوه، ووزر الخليفة بعده يوسف، ابن نجم الدين أيوب (وابن أخي شيركوه الذي جاء معه كمساعد أو قائمقام) وأُنعت quot;بالملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين جامع الإيمان قامع عبدة الصلبان محيي دولة أمير المؤمنينquot; (..) ووقّع يوم جلوسه توقيعا باسم القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني وكان هذا عالما فاضلا (..) محبوبا من كل أحد (..) لكنه من طبع الآدمي ألا يكون كاملا لكون الكمال لله وحده لأنه لم يوجد فيه شيء يشوبه سوى أنه أشار ألا يستخدم النصارى نظارا على أموال الدولة ولا مشرفين (*) (..) فلم يعد أحد من النصارى يستخدم في نظر ولا مشارفة في أيام دولة صلاح الدين ولا من ملك بعده من ذريته]]
(*) لا نعلم إن كان كاتب السيرة يحب الدعابة السوداء أو أن هذا يمثل نموذجا لاقتناع الضحية برؤية جلادها...
[[وفي جمادى الآخر سنة ٥٥٦ (١١٧٠م) بلغ الناصر صلاح الدين أن جوهر، استاذ (= كاتم سر) العاضد قد خرج من القاهرة (في طريقه) إلى الفرنج يستنجد بهم ويحضرهم للقاهرة لمحاربة (صلاح الدين)، لأنه لما تمكن في المملكة خاف منه الخليفة والأستاذان (..). فندب الناصرُ الطواشيَ قراقوش ومعه مائة فارس فأدرك جوهر واستدعاه (فرفض) فحاصره قراقوش وقتله وأخذ رأسه وعاد للقاهرة. فلما سمع السودان اجتموا وزحفوا لقتال السلطان (الناصر)، فنصره الله عليهم وظفر بهم، (لكنه) لم يقتل أحدا منهم بل قال: لا لوم عليهم لأنهم قاتلوا عن سيدهم وخليفتهم (واستمالهم فعرض عليهم) أن يقيموا حيثما أرادوا فخرجوا من القاهرة إلى الأرياف والصعيد وتفرقوا في جميع ديار مصر]].
[[ثم أن ابن شمس الدولة، أخو صلاح الدين، دخل إلى القصر ليلا وطلب الخليفة فلما أعلموا الخليفة مصّ الخاتم المسموم |(..) ومات (..) وقد أخبر رجل من أهل القصر أنه كان قبل (موته) قد شرب الخمر مع صلاح الدين وشمس الدولة وسمع الغناء بحضرتهم عنده في مجلسه، فلما انقضى المجلس خلى بسريته (..) فطلبت أن يهبها ديبق ذهب مكلل بالجواهر كان في سرواله (ففعل) فأحضرته لصلاح الدين تفتخر به، فأخذه وأحضر القاضي والشهود والفقهاء (..) وطلب الفتوى: هل يجوز للخليفة أن يشرب الخمر ويفسق؟ فأفتى الفقهاء أنه إذا ثبت ذلك يخلع من الخلافة، فطلب من أخيه شمس الدولة الركوب إلى القصر والتلطف في قتل الخليفة (ففعل كما تقدم)]].
[[وكانت وفاة العاضد لدين الله وهو الخليفة الرابع عشر لبيت الفاطميين في ٥٦٧ هلالية (١١٧٢م). وتسلم الملك الناصر القصرَ وما فيه وأمر أن يُحمل من التركة والأثاث إلى داره ما يصلح له ولنسائه من الملابس والجواهر والمصاغ ونحو ذلك وأن يباع ما لا حاجة له به من الكتب والأواني وغيرها، وأقام أمينا على البيع القاضي ابن بنان. وأما النفوس، فإنه (حبس) محظيات الخليفة وأولاده في دار المظفر بحارة برجوان وأقام عليهم حراسة وأرسل لهم القوت (..) وأما الأهل والأقارب (..) فإنه جمع منهم مائتي رجل وأكثر ووضعهم في سجن المنافقين في الإيوان بالقصر وفي أرجلهم قيود حديد (..) ولما صار القاهريون والمصريون من شيعتهم يدخلون عليهم بالصدقات قطع عنهم القوت. ومات منهم كثير في قيوده ودفنوا بها، فسبحان الحي الذي لا يموت يضع من يشاء ويرفع من يشاء. أما جواري وعبيد الخدمة فباعهم مع بقية التركة]].
وهكذا، وبساطة شديدة، انتهت الدولة الفاطمية [[وصار الأمر للخطيب في يوم الجمعة بالدعاء (..) للإمام أبو محمد بنور الله (الخليفة العباسي في بغداد)]]...
والخلاصة أن تعامل الفاطميين مع الأقباط كانت فيه تقلبات كبيرة، تراوحت بين الاضطهاد الوحشي والتسامح ـ الذي كان أحيانا (والحق يقال) أفضل كثيرا مما فعله من سبقهم أو لحقهم (بما في ذلك أن تصبح بعض الأعياد مثل أحد الزعف ورأس السنة القبطية (=المصرية) أعيادا quot;قوميةquot;). لكن الأقباط، بصفة عامة، دخلوا المرحلة التالية من تاريخهم وقد تدهورت وتضاءلت مكانتهم في البلاد..
التعليقات