منذ سنوات عديدة مضت، تغنت أم كلثوم كوكب الشرق العربي قائلة:
أصبح عندي الآن بندقية.
بعدها سرعان ما اتضح أن بندقيتنا لم تفلح إلا في أن نقتل بها بعضنا بعضاً. . هذا ما فعله مجاهدو فلسطين ومناضلوها ببنادقهم، وما فعله صدام وأشاوس بعثه بأبناء الشعب العراقي بمختلف مكوناته، وعلى رأسها الشيعة والأكراد، وأفلحت الرصاصة المنطلقة من مسدس المهيب الركن في اغتيال أحد وزرائه، على مائدة الاجتماع الوزاري، لمناقشة جدوى الاستمرار في الاقتتال العراقي الإيراني، بعد آلاف القتلى والأسرى العراقيين، بعدما أفصح ذلك الوزير عن تخاذله وانهزاميته، أمام الفرس المجوس، في معركة قادسية صدام، التي هي فرع من شجرة القادسية الأولى.
أفلحت أيضاً رصاصة من مسدس شبل الذئب العراقي عدي، في اغتيال أحد أفراد حرسه، في لحظة تعكر فيها مزاجه السامي، كما أفلحت بنادق البعث السوري ومتفجراته في اغتيال المئات والآلاف، منهم رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. . لن يتسع المجال بالطبع لاستعراض كافة فعاليات وإنجازات البندقية العربية التي تغنت بها أم كلثوم، من دارفور السودان إلى جبال اليمن السعيد والجزائر، وسائر بقاع أمتنا العربية الواحدة، ذات الرسالة الخالدة، لكن الأمر البارز في أداء بندقيتنا، أنها كانت سلاحاً فعالاً ومهلكاً، إذا ما وجهت إلى صدورنا وبأيدينا، أما في مواجهة العدو، فهي ذليلة صماء بكماء، محنية الرأس مهدورة الكرامة.
وكما خذلتنا بندقيتنا وأهدرت دماءنا، خذلتنا أيضاً رؤوسنا، وما من المفترض أن تحتوي من عقول، فلم تفلح عقولنا في ابتكار احتراع مفيد لنا وللبشرية، أو في اسشراف طرق جديدة نسير فيها، عوضاً عما نسير فيه من طرق مسدودة، إن انفرجت لا تنتهي إلا بهاوية أو مستنقع، فقد أنجبت لنا أفكار وأيديولوجيات وعقائد الإرهاب والموت والكراهية، تلك التي شربت شعوبنا والعالم منها حتى الثمالة.
من هنا تأتي أهمية موقعة الجزمة التي سيخلدها التاريخ، والتي قذف فيها أحد مجاهدينا بجزمته رئيس أقوى وأعظم دولة في العالم وفي التاريخ. . إنجاز عربي رائع، يحق لكل عربي أن يفخر به، ولو بتعليق أداة القتال كوسام على صدره. . ما حدث ليس فقط شهادة عز وفخر للشعب العراقي البطل صاحب هذا الانتصار، بعد بحار الدماء التي سالت في الأسواق والمساجد والحسينيات والكنائس العراقية، على أيدي المجاهدين الذين يبتغون مرضاة الله، آملين أن ينالوا لقاء ذلك نصيبهم من حور العين في جنة الخلد، إنما أيضاً فخر لتلك الإرهاصات الأولى لاستخدام سلاح الأحذية في الجهاد والنضال الوطني، فقد اكتشف الفلسطينيون مبكراً جدوى استخدام هذا السلاح، وجربوه على رأس وزير الخارجية المصرية السيد أحمد ماهر، أثناء زيارته للمسجد الأقصى، عبر جولاته المكوكية لإحلال السلام مع إسرائيل، ذلك السلام الذي نرفضه جميعاً بإباء وشمم، حتى يعود كليب حياً، كما كان يصر المهلهل بن أبي ربيعة!!
لابد أن يكون النصرالعربي الرائع في موقعة الجزمة، عبرة لمن يعتبر من أعداء العرب والمسلمين، ليعرفوا أن الجزمة العربية مشهرة على رؤوس الأشهاد، وجاهزة لتطال كل من تسول له نفسه الاعتداء علينا، والتدخل في شئوننا، تحت مسميات نشرالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وما شابه من بدع الكفار والصليبيين والصهاينة، الذين لا هم لهم إلا تدبير المؤامرات والكيد لنا ولديننا وعروبتنا.
فردتي الحذاء اللتين قذف بهما أخونا المجاهد رأس الطاغوت الأمريكي، هي الرد البليغ على بذله الدماء والأموال الأمريكية، من أجل تخليص شعب عربي بطل، من حاكم ملهم ومهيب ركن مثل صدام حسين، خاصة وأن المنطقة تعج بهذه الشاكلة من الحكام العرب، الذين كانوا يتحسبون وينتظرون دورهم، لتأتي بهم القوات الأمريكية من جحور الفئران العربية، ليعلقوا على أعواد مشانق شعوبهم، وتنزاح أحذيتهم الثقيلة من على أعناق الملايين الصاغرين الساجدين، وتكف خناجرهم عن بقر بطون الرجال والنساء والأطفال، أو عن إبادتهم بالأسلحة الكيماوية.
لقد آن الأوان ليعرف القاصي والداني، أن العرب قد عرفوا طريقهم أخيراً، نحو المجد والنصر المؤزر على أعدائهم، وأن ستمائة مليون فردة حذاء، لثلاثمائة مليون عربي، جاهزة لترد الصاع صاعين، لكل من تسول له نفسه محاولة إخراج شعوبنا من النعيم والرخاء الذي ترزح فيه، إلى جحيم الفسق والفجور والمجون الذي تعيشه الشعوب الغربية المنحلة والكافرة.
يحق لنا لآن أن نتماشى مع هذا النصر المجيد، وأن نكلف مطربة عربية مناضلة، بأن تنشد لنا نشيداً معدلاً، لذاك الذي تغنت به كوكب الشرق، والذي احتفى بامتلاكنا لبندقية، ليقول النشيد الجديد للعالم، أنه قد quot;أصبح لدينا الآن جزمةquot;، وأننا أصبحنا في قائمة المجاهدين بالأحذية، كأول سلاح عربي، قابل للتصدير للمناضلين والمجاهدين في كافة أركان الكرة الأرضية.
جدير بنا أيضاً أن نرفع أحذيتنا عالياً، إلى الموقع السامي الجدير بها، حتى لو اقتضى الأمر أن نسير على أيدينا ورؤوسنا، لتكون أحذيتنا عالية مرفوعة كما يليق بها، ولما لا نفعل ذلك، وقد عجزت أيدينا ورؤوسنا عن تحقيق أي نجاح أو إنجاز في أي مجال من مجالات الحياة، فيما أحذيتنا وحدها حققت لنا النصر، الذي طال بشعوبنا انتظاره؟
التعليقات