في كل المجتمعات، حتى الديمقراطيات الغربية، توجد تناقضات، ومفارقات، وإن حركة التناقضات وتفاعلها من قوانين المجتمعات؛ أما الحالة العراقية فهي خاصة وفريدة من حيث تجمع المفارقات الضخمة والمتناقضات العميقة، ناهيكم عن جسامة الأخطار التي تواجه العراق اليوم، أو ستواجهه غدا.
العراق كأنه اليوم غابة متوحشة كبرى، مليئة بالأخطار، وتشابك الطرق، وتشعب الممرات، وإن القوى الوطنية مدعوة لدراسة حجم الأخطار وتشخيصها، وتمييز المسالك المؤدية للخطر عن مسالك النجاة من الوحوش الكاسرة.
لقد خطا العراق خطوة أمنية وسيادية كبرى بالتوقيع على الاتفاقية الأمنية بعد شهور من المزايدات والمتاجرات والمشاكسات، والمطالب المفتعلة المضخمة، وما دامت القوات الأميركية في العراق، فإن قدرته على مواجهة الإرهاب المتعدد الرؤوس، والمخاطر الداخلية والإقليمية، ستمكنه من التصدي للقوى المعادية، ومخاطر تأجج وتصاعد الصراعات الداخلية لحد الانفجار.
القاعدة قد تلقت ضربات موجعة ولكن خطرها مستمر، والتفجيرات القاتلة متواصلة، وآخرها التفجير المرعب لمطعم في كركوك، الذي لم تعرف بعد الجهة المسئولة عنه، أما خلايا صدام داخل العراق، فهي تتأهب ليوم خروج القوات الأميركية للهجوم بكثافة وقوة على الشعب العراقي. إن الخطرين الإقليميين الأكثر شراسة[إيران وسوريا]، مستمران مع اعتماد مناورات جديدة أحيانا، وهو ما يخص إيران هنا، حيث الملاحظ أن ردود فعلها على توقيع الاتفاقية كان هذه المرة أقل عدوانية من الموقف السوري، وإن لم يتبدل موقفها في الحقيقة، وهناك من يفسرون هذه المناورة بكونها، كما يقول هؤلاء، إشارة لأوباما حسن ظن ماكرة لحثه على التفاوض بلا أية شروط، في حين أن رد الفعل السوري اتصف بلجة العنف الحاد والتنديد والتهديد، مكررا من جديد نغمة السيادة العراقية مع أن سوريا لا تتورع عن وضع مينائها تحت تصرف الأسطول الروسي. إن التقارير والمعلومات المنتشرة تشير إلى محاولات تجنيد المخابرات السورية لعراقيين مهاجرين لتدريبهم على تنفيذ عمليات إرهاب داخل العراق حين تخرج القوات الأميركية، وقد كتب الدكتور عبد الخالق حسن مقالا اليوم بهذا الصدد. نضيف أن النظام السوري، فوق هذا، يسير في طريق إيران في النشاط النووي ذي الغرض العسكري، مما استوجب تحذير وكالة الطاقة النووية، وتحذيرا أميركيا قويا.
إن الأخطار ليست خارجية وحسب، ولا هي فقط أخطار الإرهاب والتخريب، ولكن الأخطر مخاطر الصراعات الحزبية والفئوية، والمناوشات بين أركان الحكم بدل الاحتكام للغة الحوار، كما دعا الأخ عدنان المفتي رئيس برلمان إقليم كردستان.
إن الصراعات الداخلية مؤهلة للتفاقم مع قرب موعد انتخابات المحافظات التي هي، في رأينا، ستكرس الطائفية، وتزيد في النيران الداخلية المشتعلة، ناهيكم عن أن هذه الانتخابات كان يجب تأجيلها اليوم، والانشغال، بدل ذلك، بموضوع الخدمات والأمن، وتحسين أوضاع الناس، ووقف الحملة ضد المسيحيين، وكذلك واجب التحليل المتعمق لعواقب الأزمة المالية الدولية، وانخفاض أسعار النفط، والتوصل لبرنامج عملي وفوري لتقليل مخاطر انعكاسات الأزمة على البلاد ومعيشة الشعب، واتخاذ تدابير ناجعة لتقليص الهدر والنفقات، والكفاح الحازم ضد الفساد.
أجل، العراق هو غابة أخطار، ولكنه أيضا برميل مفارقات، وأعاجيب. إنه quot;ديمقراطيquot; اسما وشكلا بانتخاباته المتكررة، وهو غير ديمقراطي محتوى، وممارسة، ودستورا، سواء بالمعايير الطائفية، الفئوية لانتخاباته، أو بدستوره القائم على أحكام الشريعة. إن الحكومة ترفض لحد اليوم وضع الحصانة للجنود البريطانيين الذين يقاتلون ويضحون لحماية العراقيين، ولكنها نفسها تطلق سراح ضباط فيلق القدس كلما اعتقلت القوات الأميركية أحدهم، وآخر ذلك إطلاق سراح ضابط إيراني اعتقل في مطار بغداد بتهمة تهريب السلاح فعلا تحت غطاء ترميم العتبات المقدسة، وكأن العراقيين عاجزون عن الترميم، وعاجزون أيضا عن طبع الكتب المدرسية العراقية التي تطبع في طهران! المسئولون العراقيون يطالبون الدول العربية بإلغاء ديونها، وفي الوقت نفسه يصمتون عن مطالبة إيران من العراق بمبلغ 600 مليون دولار quot;تعويضاتquot; عن الحرب، التي ليس شعبنا مسئولا عنها، والتي تتحمل إيران نفسها مسئولية استمرارها ست سنوات إضافية بعد تحريرها عام 1982 لأراضيها المحتلة. الأغرب، أن مسئولا عراقيا كالسيد عبدالعزيز الحكيم هو أول من طالب بالتعويضات لإيران خلال ترؤسه لمجلس الحكم.
نتوقف أخيرا لدى مفارقة كبرى تخص أوضاع المرأة العراقية.
لا جدال أن للمرأة حقها في الانتخابات، وحصتها في مقاعد البرلمان، أما عند تفكيك الوضع الحقيقي، فنحن أمام عدد كبير من النائبات اللواتي لا يؤمن بحقوق المرأة وفقا للإعلان الدولي لحقوق الإنسان، ولقانون الأحوال الشخصية لعهد الزعيم عبد الكريم قاسم. كثيرات منهن يعتبرن الرجل قواما على المرأة، والحجاب فرضا وواجبا، ونادرات منهن من يرفعن أصوات الاستنكار للمذابح التي تتعرض لها النساء في أنحاء العراق، ومنه في إقليم كردستان باسم الشرف ورفع العار، والمعلومات الرهيبة التي نشرت عن البصرة وحدها تؤكد مقتل 100 فتاة وامرأة على الأقل في شهر واحد على أيدي الآباء، أو الأشقاء، أو قتلة مستأجرين بمائة دولار، لا غير! امرأة تركت زوجها لأنه قتل ابنته، وبعد أيام عثروا عليها مقتولة؛ كل هذه الجرائم تنفذ بتواطؤ من رجال الشرطة، وبصمت المسئولين. إن أمثال هذه الجرائم ستتواصل وتتصاعد نظرا لهيمنة رجال الدين وشيوخ العشائر على المجتمع العراقي، ما لم تقم الحكومة، وكل القيادات السياسية، بواجبها لحماية النساء. أما في إقليم كردستان، فإن نائبة شجاعة في برلمان الإقليم قدمت مؤخرا مطالعة مخيفة عن مقاتل النساء في الإقليم، وهنا أيضا قتلت 100 امرأة في شهر واحد، وتورد النائبة حالة قتل شقيق لشقيقته لمجرد أن صديقها أهداها هاتفا جوالا، وهي تعدد أوجه العنف والقتل، بما في ذلك الحرق أو إجبار الفتاة على حرق نفسها. إن الجديد هنا، بالمقارنة مع بقية أنحاء العراق، هو أن حكومة الإقليم تتخذ تدابير جادة لمعاقبة المجرمين ووقف حملة الإبادة هذه.
أجل إنها المفارقة: بين حرية انتخابات، وبين معاييرها الطائفية والفئوية، وهي مفارقة: بين وجود عدد مناسب من البرلمانيات في البرلمان العراقي، وبين هدر دم المرأة، وإخضاعها لأحكام الشريعة.
[ الآن وقد انتهى المقال، قرأت خبر ما حدث في المؤتمر الصحفي المشترك بين بوش والمالكي في بغداد، والسلوك السوقي المستهجن لمتطفل على الصحافة، لا يعرف من رسالتها غير لغة الحذاء، وهو ما يدين أخلاقيته الصحفية، ولن ينال قيد شعرة من مكانة رجل عظيم يدين له العراقيون بتحريرهم من الدكتاتورية الأكثر دموية في تاريخ العراق الحديث.
إنها هي المفارقة مرة أخرى: في العراق حرية صحفية، ولكن هناك من يستخدمون نفس الحرية استخداما يشوهها، وهم من كانوا لا يجرؤون على همسة خافتة، حتى في بيوتهم، في نقد صدام. ألا أيتها الحرية: كم من أدعياء الوطنية وحرية الصحافة من يعتدون باسمك عليك، وعلى كرامة الصحافة!
أخيرا: أتساءل عما إذا لم يكن على السيد المالكي شخصيا التعقيب على الحدث فورا، والاعتذار باسم العراقيين للرئيس الأميركي؟؟؟]
العراق كأنه اليوم غابة متوحشة كبرى، مليئة بالأخطار، وتشابك الطرق، وتشعب الممرات، وإن القوى الوطنية مدعوة لدراسة حجم الأخطار وتشخيصها، وتمييز المسالك المؤدية للخطر عن مسالك النجاة من الوحوش الكاسرة.
لقد خطا العراق خطوة أمنية وسيادية كبرى بالتوقيع على الاتفاقية الأمنية بعد شهور من المزايدات والمتاجرات والمشاكسات، والمطالب المفتعلة المضخمة، وما دامت القوات الأميركية في العراق، فإن قدرته على مواجهة الإرهاب المتعدد الرؤوس، والمخاطر الداخلية والإقليمية، ستمكنه من التصدي للقوى المعادية، ومخاطر تأجج وتصاعد الصراعات الداخلية لحد الانفجار.
القاعدة قد تلقت ضربات موجعة ولكن خطرها مستمر، والتفجيرات القاتلة متواصلة، وآخرها التفجير المرعب لمطعم في كركوك، الذي لم تعرف بعد الجهة المسئولة عنه، أما خلايا صدام داخل العراق، فهي تتأهب ليوم خروج القوات الأميركية للهجوم بكثافة وقوة على الشعب العراقي. إن الخطرين الإقليميين الأكثر شراسة[إيران وسوريا]، مستمران مع اعتماد مناورات جديدة أحيانا، وهو ما يخص إيران هنا، حيث الملاحظ أن ردود فعلها على توقيع الاتفاقية كان هذه المرة أقل عدوانية من الموقف السوري، وإن لم يتبدل موقفها في الحقيقة، وهناك من يفسرون هذه المناورة بكونها، كما يقول هؤلاء، إشارة لأوباما حسن ظن ماكرة لحثه على التفاوض بلا أية شروط، في حين أن رد الفعل السوري اتصف بلجة العنف الحاد والتنديد والتهديد، مكررا من جديد نغمة السيادة العراقية مع أن سوريا لا تتورع عن وضع مينائها تحت تصرف الأسطول الروسي. إن التقارير والمعلومات المنتشرة تشير إلى محاولات تجنيد المخابرات السورية لعراقيين مهاجرين لتدريبهم على تنفيذ عمليات إرهاب داخل العراق حين تخرج القوات الأميركية، وقد كتب الدكتور عبد الخالق حسن مقالا اليوم بهذا الصدد. نضيف أن النظام السوري، فوق هذا، يسير في طريق إيران في النشاط النووي ذي الغرض العسكري، مما استوجب تحذير وكالة الطاقة النووية، وتحذيرا أميركيا قويا.
إن الأخطار ليست خارجية وحسب، ولا هي فقط أخطار الإرهاب والتخريب، ولكن الأخطر مخاطر الصراعات الحزبية والفئوية، والمناوشات بين أركان الحكم بدل الاحتكام للغة الحوار، كما دعا الأخ عدنان المفتي رئيس برلمان إقليم كردستان.
إن الصراعات الداخلية مؤهلة للتفاقم مع قرب موعد انتخابات المحافظات التي هي، في رأينا، ستكرس الطائفية، وتزيد في النيران الداخلية المشتعلة، ناهيكم عن أن هذه الانتخابات كان يجب تأجيلها اليوم، والانشغال، بدل ذلك، بموضوع الخدمات والأمن، وتحسين أوضاع الناس، ووقف الحملة ضد المسيحيين، وكذلك واجب التحليل المتعمق لعواقب الأزمة المالية الدولية، وانخفاض أسعار النفط، والتوصل لبرنامج عملي وفوري لتقليل مخاطر انعكاسات الأزمة على البلاد ومعيشة الشعب، واتخاذ تدابير ناجعة لتقليص الهدر والنفقات، والكفاح الحازم ضد الفساد.
أجل، العراق هو غابة أخطار، ولكنه أيضا برميل مفارقات، وأعاجيب. إنه quot;ديمقراطيquot; اسما وشكلا بانتخاباته المتكررة، وهو غير ديمقراطي محتوى، وممارسة، ودستورا، سواء بالمعايير الطائفية، الفئوية لانتخاباته، أو بدستوره القائم على أحكام الشريعة. إن الحكومة ترفض لحد اليوم وضع الحصانة للجنود البريطانيين الذين يقاتلون ويضحون لحماية العراقيين، ولكنها نفسها تطلق سراح ضباط فيلق القدس كلما اعتقلت القوات الأميركية أحدهم، وآخر ذلك إطلاق سراح ضابط إيراني اعتقل في مطار بغداد بتهمة تهريب السلاح فعلا تحت غطاء ترميم العتبات المقدسة، وكأن العراقيين عاجزون عن الترميم، وعاجزون أيضا عن طبع الكتب المدرسية العراقية التي تطبع في طهران! المسئولون العراقيون يطالبون الدول العربية بإلغاء ديونها، وفي الوقت نفسه يصمتون عن مطالبة إيران من العراق بمبلغ 600 مليون دولار quot;تعويضاتquot; عن الحرب، التي ليس شعبنا مسئولا عنها، والتي تتحمل إيران نفسها مسئولية استمرارها ست سنوات إضافية بعد تحريرها عام 1982 لأراضيها المحتلة. الأغرب، أن مسئولا عراقيا كالسيد عبدالعزيز الحكيم هو أول من طالب بالتعويضات لإيران خلال ترؤسه لمجلس الحكم.
نتوقف أخيرا لدى مفارقة كبرى تخص أوضاع المرأة العراقية.
لا جدال أن للمرأة حقها في الانتخابات، وحصتها في مقاعد البرلمان، أما عند تفكيك الوضع الحقيقي، فنحن أمام عدد كبير من النائبات اللواتي لا يؤمن بحقوق المرأة وفقا للإعلان الدولي لحقوق الإنسان، ولقانون الأحوال الشخصية لعهد الزعيم عبد الكريم قاسم. كثيرات منهن يعتبرن الرجل قواما على المرأة، والحجاب فرضا وواجبا، ونادرات منهن من يرفعن أصوات الاستنكار للمذابح التي تتعرض لها النساء في أنحاء العراق، ومنه في إقليم كردستان باسم الشرف ورفع العار، والمعلومات الرهيبة التي نشرت عن البصرة وحدها تؤكد مقتل 100 فتاة وامرأة على الأقل في شهر واحد على أيدي الآباء، أو الأشقاء، أو قتلة مستأجرين بمائة دولار، لا غير! امرأة تركت زوجها لأنه قتل ابنته، وبعد أيام عثروا عليها مقتولة؛ كل هذه الجرائم تنفذ بتواطؤ من رجال الشرطة، وبصمت المسئولين. إن أمثال هذه الجرائم ستتواصل وتتصاعد نظرا لهيمنة رجال الدين وشيوخ العشائر على المجتمع العراقي، ما لم تقم الحكومة، وكل القيادات السياسية، بواجبها لحماية النساء. أما في إقليم كردستان، فإن نائبة شجاعة في برلمان الإقليم قدمت مؤخرا مطالعة مخيفة عن مقاتل النساء في الإقليم، وهنا أيضا قتلت 100 امرأة في شهر واحد، وتورد النائبة حالة قتل شقيق لشقيقته لمجرد أن صديقها أهداها هاتفا جوالا، وهي تعدد أوجه العنف والقتل، بما في ذلك الحرق أو إجبار الفتاة على حرق نفسها. إن الجديد هنا، بالمقارنة مع بقية أنحاء العراق، هو أن حكومة الإقليم تتخذ تدابير جادة لمعاقبة المجرمين ووقف حملة الإبادة هذه.
أجل إنها المفارقة: بين حرية انتخابات، وبين معاييرها الطائفية والفئوية، وهي مفارقة: بين وجود عدد مناسب من البرلمانيات في البرلمان العراقي، وبين هدر دم المرأة، وإخضاعها لأحكام الشريعة.
[ الآن وقد انتهى المقال، قرأت خبر ما حدث في المؤتمر الصحفي المشترك بين بوش والمالكي في بغداد، والسلوك السوقي المستهجن لمتطفل على الصحافة، لا يعرف من رسالتها غير لغة الحذاء، وهو ما يدين أخلاقيته الصحفية، ولن ينال قيد شعرة من مكانة رجل عظيم يدين له العراقيون بتحريرهم من الدكتاتورية الأكثر دموية في تاريخ العراق الحديث.
إنها هي المفارقة مرة أخرى: في العراق حرية صحفية، ولكن هناك من يستخدمون نفس الحرية استخداما يشوهها، وهم من كانوا لا يجرؤون على همسة خافتة، حتى في بيوتهم، في نقد صدام. ألا أيتها الحرية: كم من أدعياء الوطنية وحرية الصحافة من يعتدون باسمك عليك، وعلى كرامة الصحافة!
أخيرا: أتساءل عما إذا لم يكن على السيد المالكي شخصيا التعقيب على الحدث فورا، والاعتذار باسم العراقيين للرئيس الأميركي؟؟؟]
التعليقات