هل أعز لدى الإنسان من الحياة، مهما كان وضعه الاجتماعي؟ هل هناك أروع من أن نحب، نرى الأهل والأصدقاء، أن نسمع أغنية، أن نفرح، أن نتألم، متسلحين بالجلد والأمل، أن نرى الشمس وسقوط المطر، والغيوم وانقشاعها، ولنقول مع عبارة نجيب محفوظ: quot;إنني لأشكر الحظ الذي جعلني أن أراكquot;: أرى كل هذا، وأسمع، وأتنفس؟
إن الحياة غالية، ولكن على أن تكون محفوظة الكرامة. أجل، العيش بكرامة ومهما قست الظروف، وتبدلت الأحوال. هي غالية لدى الطاغية كما لدى من يعانون من قسوته وساديته، لكن الفرق هائل، ولا تمكن المقارنة؛ فالطاغية حريص على حياته ولكنه يسترخص حياة الآخرين، إن اعتبرهم غير موالين ومصفقين. الأنظمة الشمولية من قومية، وإسلامية، وستالينية ndash; ماوية، لا ترحم الضحية وقد تعذبه بسادية مفرطة حتى الموت، كما كان ديدن صدام، الذي لم يتردد عن قتل أقرب رفاقه، كما نعرف، وكما كان نظام طالبان، وكما هو حال نظام الملالي في طهراني، ونظام السودان، وبورما، ومنظمة حماس في عمليات إلقاء الفلسطينيين من السطوح. أما الإرهابيون، فقد فقدوا كل حس بالإنسانية، محتقرين حياة الآخرين، وقد يفجرون أنفسهم وسط الزحام لقتل أكبر عدد الأبرياء، ولكن من أجل حياة خالدة في الآخرة كما يعتقدون، تضمن لهم صحبة الحور والولدان، وكؤوس الإستبرق. ترى أي حس إنساني، وأية شجاعة، في الجرائم التي اقترفها مؤخرا الإرهابيون في مومباي، ولحد العدوان على مستشفى للأطفال والنساء، ومركز ديني، واغتيال ربان سفينة سطوا عليها؟؟!! أية إنسانية وأية شجاعة؟؟!!
إن الجدال الفرنسي ndash; الفرنسي الذي هو موضوعنا هنا لا يخص هذا كله، كما لا يخص ثنائية الحياة والموت، التي كانت محور الفكر الإنساني على مدى العصور، والتي تشغل حيزا كبيرا في الفلسفات الكلاسيكية، وهو أيضا لا يخص تخليص الحيوان المعذب عذابا لا يطاق من معاناته بما يسمى quot;رصاصة الموتquot; بالنسبة للخيل، وإبرة الموت مع الكلاب والقطط. إن هذه الممارسات الطبية مأخوذ بها على مدى العقود، وهي مسموح بها قانونا، وعندما نسمح بموت حيوان منزلي عزيز علينا في ظرف كهذا فليس للتخلص منه، بل من الموقع الرحمة والحب.
إن القضية موضوع المقال تدور حول مرضى بمرض عضال، يعانون منه معاناة لا تطاق، ولا أمل لهم في الشفاء، أو شخص في غيبوبة الموت، يبقى حيا بالأجهزة الطبية، فهو ميت وغير ميت، وحي وغير حي، لا يشعر بشيء، لا يسمع شيئا، ولا يرى أحدا حتى أعز الناس لديه، ولا يدري أصلا أنه عائش.
هل لمثل هؤلاء أن يطلبوا، أو تطلب عائلاتهم، [بالنسبة لمن في غيبوبة الموت] من الأطباء إنهاء معاناة هؤلاء طبيا ليموتوا موتا رحيما، بلا معاناة، وبكرامة؟؟
هذه الإشكالية لا تزال مدار نقاش في المجتمعات الديمقراطية الغربية، ويشارك في النقاش الساسة والقضاة والأطباء والكنيسة والفلاسفة ومنظمات أنصار الحياة وغيرهم. إنها ذات بعد سياسي، قانوني، طبي، فلسفي، أخلاقي، إنساني. الإشكالية هي: كيف يجوز إنهاء حياة إنسان أيا كان، وهذا أيضا ما يثيره خصوم الإجهاض لدى النساء، ولاسيما القوى المحافظة، وبالأخص الكنيسة الكاثوليكية.
إن بعض الدول الغربية عالجت المشكلة بجواز تنفيذ الموت الرحيم في حالات بعينها، ووفق شروط صارمة، وطبعا بموافقة المريض، أو عائلته، ولاسيما بلجيكا، هولندا، سويسرا، وفي بريطانيا لا يزال النقاش حول الموضوع حادا والقاعدة المأخوذ بها هي عدم الاعتراف بالحق المذكور، ولكن بريطانيا سمحت بإعطاء المريض، الذي لا يطيق آلام المرض و العلاج الكيميائي، مسكنات ومهدئات، حتى لو أدى ذلك لتقصير أمد حياة المريض.
أما في فرنسا، فالموضوع انفجر خاصة عام 2005 عندما طلبت أم صبي كان في غيبوبة موت مستديمة أن ينهي الأطباء حالته المأساوية، وقد حصلت من الأطباء على الموافقة، ونفذوا طلبها. إن ذلك الحدث هو الذي فجر الجدال، واضطرت الحكومة والبرلمان لتشكيل فريق لدراسة موضوع quot;الحق في الموت الرحيم Euthanasiaquot;، وبعد دراسة الموضوع شهورا، صدر بذلك، وفي نفس العام، قانون لا يبيح هذه الممارسات، ولكنه يبيح إعطاء المريض مسكنات ولو أدت لتقليص فترة حياته، كما أعطته حق رفض العلاج الكيميائي الصعب والمؤلم. إن القانون يبقى فيه نوع من الالتباس وذلك، مثلا، حين يفرق بين حالة مريض على وشك الموت وحالات غيرها.
أما أنصار الموت الطبي الرحيم، فقد ألفوا منذ سنوات جمعية نشيطة هي quot;جمعية أنصار الموت الرحيمquot;، وظلت تطالب بتعديل القانون ليجيز الموت الرحيم في حالات بعينها، ولكن طلبهم لم يوافق عليه لحد الآن، لا من الدولة، ولا القضاء، ولا من جمهرة الأطباء الذين ينتمي الكثيرون منهم لثقافة طبية قديمة. أما الكنيسة فموقفها الصارم في الرفض معلوم.
الجدال الفرنسي ndash; الفرنسي انفجر ثانية وبدرجة ساخنة منذ مارس 2008 عند وقوع انتحار حالة المريضة شانتال سيبين التي كانت تعاني من سرطان في الثدي متقدم جدا، كانت تعاني منه آلاما لا تطيقها، وزيادة على ذلك أدى المرض إلى تشويه وجهها تشويها مروعا، ومخيفا، حتى أنها لم تكن تطيق النظر لوجهها في المرآة.
هذه المرأة نادت الأطباء في المستشفى مرارا لوقف معاناتها ووضع حد نهائي لها، ولكن القضاء منع تحقيق طلبها، حتى آل بها المصير للانتحار في المستشفى، في مارس 2008، وهو حدث هز فرنسا كلها، وأثار المشاعر، وفجر الجدال الساخن من جديد.
على أثر المأساة تشكل فريق عمل جديد برئاسة برلماني من الحزب الحاكم في مارس نفسه، وقام الفريق باتصالات ومشاورات، وزار بلجيكا وهولندا وسويسرا، وانتهى من تقريره ليقدمه لرئيس الوزراء منذ أيام قليلة. التقرير يكاد يبقي كل شيء على حاله، ولم يقترح أي تعديل مرن لقانون 2005، فانبرى الناطقون باسم الجمعية للاعتراض، وتجديد مطالبتها السابقة.
مشكلة quot;الموت الرحيمquot; ليست طبعا مطروحة خارج الدول الديمقراطية، أي حيث الحياة مهانة في معظم البلدان، والموت مشاع، كما يشاع اليوم قتل النساء في البصرة باسم quot;الشرفquot; على أيدي الأب، أو أي رجل آخر من العائلة أو استئجار مجرم لقتل الضحية والأجرة 100 دولار، بس! فما أرخص، وما أفظع، ومع ذلك فنحن في بلد يدعي حاكموه بأننا في ظل نظام ديمقراطي!
إن الحياة غالية، ولكن على أن تكون محفوظة الكرامة. أجل، العيش بكرامة ومهما قست الظروف، وتبدلت الأحوال. هي غالية لدى الطاغية كما لدى من يعانون من قسوته وساديته، لكن الفرق هائل، ولا تمكن المقارنة؛ فالطاغية حريص على حياته ولكنه يسترخص حياة الآخرين، إن اعتبرهم غير موالين ومصفقين. الأنظمة الشمولية من قومية، وإسلامية، وستالينية ndash; ماوية، لا ترحم الضحية وقد تعذبه بسادية مفرطة حتى الموت، كما كان ديدن صدام، الذي لم يتردد عن قتل أقرب رفاقه، كما نعرف، وكما كان نظام طالبان، وكما هو حال نظام الملالي في طهراني، ونظام السودان، وبورما، ومنظمة حماس في عمليات إلقاء الفلسطينيين من السطوح. أما الإرهابيون، فقد فقدوا كل حس بالإنسانية، محتقرين حياة الآخرين، وقد يفجرون أنفسهم وسط الزحام لقتل أكبر عدد الأبرياء، ولكن من أجل حياة خالدة في الآخرة كما يعتقدون، تضمن لهم صحبة الحور والولدان، وكؤوس الإستبرق. ترى أي حس إنساني، وأية شجاعة، في الجرائم التي اقترفها مؤخرا الإرهابيون في مومباي، ولحد العدوان على مستشفى للأطفال والنساء، ومركز ديني، واغتيال ربان سفينة سطوا عليها؟؟!! أية إنسانية وأية شجاعة؟؟!!
إن الجدال الفرنسي ndash; الفرنسي الذي هو موضوعنا هنا لا يخص هذا كله، كما لا يخص ثنائية الحياة والموت، التي كانت محور الفكر الإنساني على مدى العصور، والتي تشغل حيزا كبيرا في الفلسفات الكلاسيكية، وهو أيضا لا يخص تخليص الحيوان المعذب عذابا لا يطاق من معاناته بما يسمى quot;رصاصة الموتquot; بالنسبة للخيل، وإبرة الموت مع الكلاب والقطط. إن هذه الممارسات الطبية مأخوذ بها على مدى العقود، وهي مسموح بها قانونا، وعندما نسمح بموت حيوان منزلي عزيز علينا في ظرف كهذا فليس للتخلص منه، بل من الموقع الرحمة والحب.
إن القضية موضوع المقال تدور حول مرضى بمرض عضال، يعانون منه معاناة لا تطاق، ولا أمل لهم في الشفاء، أو شخص في غيبوبة الموت، يبقى حيا بالأجهزة الطبية، فهو ميت وغير ميت، وحي وغير حي، لا يشعر بشيء، لا يسمع شيئا، ولا يرى أحدا حتى أعز الناس لديه، ولا يدري أصلا أنه عائش.
هل لمثل هؤلاء أن يطلبوا، أو تطلب عائلاتهم، [بالنسبة لمن في غيبوبة الموت] من الأطباء إنهاء معاناة هؤلاء طبيا ليموتوا موتا رحيما، بلا معاناة، وبكرامة؟؟
هذه الإشكالية لا تزال مدار نقاش في المجتمعات الديمقراطية الغربية، ويشارك في النقاش الساسة والقضاة والأطباء والكنيسة والفلاسفة ومنظمات أنصار الحياة وغيرهم. إنها ذات بعد سياسي، قانوني، طبي، فلسفي، أخلاقي، إنساني. الإشكالية هي: كيف يجوز إنهاء حياة إنسان أيا كان، وهذا أيضا ما يثيره خصوم الإجهاض لدى النساء، ولاسيما القوى المحافظة، وبالأخص الكنيسة الكاثوليكية.
إن بعض الدول الغربية عالجت المشكلة بجواز تنفيذ الموت الرحيم في حالات بعينها، ووفق شروط صارمة، وطبعا بموافقة المريض، أو عائلته، ولاسيما بلجيكا، هولندا، سويسرا، وفي بريطانيا لا يزال النقاش حول الموضوع حادا والقاعدة المأخوذ بها هي عدم الاعتراف بالحق المذكور، ولكن بريطانيا سمحت بإعطاء المريض، الذي لا يطيق آلام المرض و العلاج الكيميائي، مسكنات ومهدئات، حتى لو أدى ذلك لتقصير أمد حياة المريض.
أما في فرنسا، فالموضوع انفجر خاصة عام 2005 عندما طلبت أم صبي كان في غيبوبة موت مستديمة أن ينهي الأطباء حالته المأساوية، وقد حصلت من الأطباء على الموافقة، ونفذوا طلبها. إن ذلك الحدث هو الذي فجر الجدال، واضطرت الحكومة والبرلمان لتشكيل فريق لدراسة موضوع quot;الحق في الموت الرحيم Euthanasiaquot;، وبعد دراسة الموضوع شهورا، صدر بذلك، وفي نفس العام، قانون لا يبيح هذه الممارسات، ولكنه يبيح إعطاء المريض مسكنات ولو أدت لتقليص فترة حياته، كما أعطته حق رفض العلاج الكيميائي الصعب والمؤلم. إن القانون يبقى فيه نوع من الالتباس وذلك، مثلا، حين يفرق بين حالة مريض على وشك الموت وحالات غيرها.
أما أنصار الموت الطبي الرحيم، فقد ألفوا منذ سنوات جمعية نشيطة هي quot;جمعية أنصار الموت الرحيمquot;، وظلت تطالب بتعديل القانون ليجيز الموت الرحيم في حالات بعينها، ولكن طلبهم لم يوافق عليه لحد الآن، لا من الدولة، ولا القضاء، ولا من جمهرة الأطباء الذين ينتمي الكثيرون منهم لثقافة طبية قديمة. أما الكنيسة فموقفها الصارم في الرفض معلوم.
الجدال الفرنسي ndash; الفرنسي انفجر ثانية وبدرجة ساخنة منذ مارس 2008 عند وقوع انتحار حالة المريضة شانتال سيبين التي كانت تعاني من سرطان في الثدي متقدم جدا، كانت تعاني منه آلاما لا تطيقها، وزيادة على ذلك أدى المرض إلى تشويه وجهها تشويها مروعا، ومخيفا، حتى أنها لم تكن تطيق النظر لوجهها في المرآة.
هذه المرأة نادت الأطباء في المستشفى مرارا لوقف معاناتها ووضع حد نهائي لها، ولكن القضاء منع تحقيق طلبها، حتى آل بها المصير للانتحار في المستشفى، في مارس 2008، وهو حدث هز فرنسا كلها، وأثار المشاعر، وفجر الجدال الساخن من جديد.
على أثر المأساة تشكل فريق عمل جديد برئاسة برلماني من الحزب الحاكم في مارس نفسه، وقام الفريق باتصالات ومشاورات، وزار بلجيكا وهولندا وسويسرا، وانتهى من تقريره ليقدمه لرئيس الوزراء منذ أيام قليلة. التقرير يكاد يبقي كل شيء على حاله، ولم يقترح أي تعديل مرن لقانون 2005، فانبرى الناطقون باسم الجمعية للاعتراض، وتجديد مطالبتها السابقة.
مشكلة quot;الموت الرحيمquot; ليست طبعا مطروحة خارج الدول الديمقراطية، أي حيث الحياة مهانة في معظم البلدان، والموت مشاع، كما يشاع اليوم قتل النساء في البصرة باسم quot;الشرفquot; على أيدي الأب، أو أي رجل آخر من العائلة أو استئجار مجرم لقتل الضحية والأجرة 100 دولار، بس! فما أرخص، وما أفظع، ومع ذلك فنحن في بلد يدعي حاكموه بأننا في ظل نظام ديمقراطي!
التعليقات