[1-2]
لقد سخنت قضية كركوك مؤخرا لحد مقلق جدا، مما يهدد بانفجار سيعاني منه كل الشعب العراقي، وشعب كردستان في المقدمة، وقد وقعت مظاهرات هائجة، وصدرت تصريحات مقلقة من ممثلي مختلف مكونات سكان كركوك، وضج البرلمان، وتتالت التعليقات، والمقالات في الموضوع، كان منها ما يصب الزيت على النار، ومنها مقالات موضوعية، تنطلق من معطيات الواقع، ومن حرص شديد على مصير كردستان، والعراق.
من تلك المقالات الموضوعية ما كتبه الصديقان الدكتور عبد الخالق حسين، والدكتور كاظم حبيب، وكل منهما تقدمي معروف، وصديق صدوق للشعب الكردي، كما نشر الصحفي، والسياسي الكردي الأستاذ حسين سنجاري مقالا بنفس النفس، والكاتب الكردي هافال زاخويي، وتعدى الأمر إلى تعليقات في الصحف العالمية، كان من أهمها مقال تحليلي مطول، نشرته مجلة quot;لوموند ديبلوماتيكquot;، اليسارية، الفرنسية، وهي الأخرى متعاطفة مع الشعب الكردي، ونضاله، وحقوقه القومية، ونشرت من جانبي في مواقع أخرى مقالا عن القضية.
لقد كتبت الكثير جدا عن القضية الكردية خلال أكثر من ستة عقود من السنين، ما بين تحليل، وموقف خاطئين، وما هو صحيح، كما برهنت فيما بعد تجارب العراق الحديث.
كنت، ولا أزال، أكتب كوطني عراقي، وككردي عراقي، يعتز بوطنه، بلاد الرافدين، كما يعتز بانتمائه للشعب الكردي، الذي ناضل طويلا، وقدم ضحايا هائلة الأعداد، ثم تحققت له منذ بداية التسعينات مكاسب كبرى.
لقد واجهت عند كتاباتي عن القضية الكردية نمطين من النقد: الأول، يتهمني بضيق الأفق القومي، والثاني، على العكس، يتهمني بquot;الذوبانquot; في quot;الأكثرية العربيةquot;، كما كتب، مثلا، كاتب كردي على صفحات جريدة quot;الحياةquot;، في النصف الثاني من التسعينات الماضية، وفي حينه، رددت عليه في الصحيفة نفسها مقالا عنوانه quot;القضية الكردية، والنظرة العمياويةquot;، أي العمياء، مبينا نقاط ارتكازي الأساسية، حتى عندما أخطئ في تحليل ما، وهي:-
1 ndash; الشعب الكردي في العراق جزء من أمة كردية مجزأة بين العراق، وتركيا، وإيران، ولحد ما سورية، يتجاوز عدد سكانها الثلاثين مليونا. إن لهذه الأمة كل الحق في تقرير المصير بمختلف أشكاله، وإلى حد تكوين دولة قومية مستقلة، إذ، لماذا تحرم الأمة من هذا الحق بينما ثمة شعوب لا يتجاوز عدد أبنائها بضعة ملايين، أو حتى أقل من مليونين، نالت استقلال بلادها وسيادتها؟
2 ndash; لقد عانت هذه الأمة اضطهادا قوميا عنصريا، في هذه الدول، وكان غالبا اضطهادا دمويا، وصولا إلى حلبجة، والأنفال في العراق وحده، ناهيكم عن الاضطهاد القمعي في تركيا، وإيران، وسوريا. وبالنسبة لتركيا، فقد خطت الحكومات المتعاقبة منذ سنوات خطوات محمودة، وإن كانت جزئية، لصالح اللغة، والثقافة، الكرديتين، وهي خطوات يتجاهلها حزب العمال الكردستاني، الذي يواصل عمله المسلح العبثي من العراق، بالرغم من أن قائده السجين، عبد الله أوجلان، دعاهم منذ عقد من السنين للتخلي عن العمل المسلح، واللجوء للكفاح السلمي بمختلف أشكاله، ويجب التذكير هنا بما تحقق للشعب الكردي بعد ثورة 14 تموز، من نجاحات لحد أن العلم العراقي صار يحمل رمز التآخي العربيndash; الكردي، وكان عبد الكريم قاسم أكثر حاكم عرفه العراق الحديث، تحررا من كل العقد العنصرية، والمذهبية، والدينية، ومن المؤسف، وكما سوف نرى، أن القيادات الكردية انزلقت، فيما بعد، لرفع السلاح ضد حكم الثورة، وتحالفت مع أعدائها، بمختف فصائلهم، وجنسياتهم، فدفع الأكراد وكل العراق الثمن الفادح جدا..
3ndash; إن الحق المبدئي حتى في الانفصال، وتكوين الدولة الكردية الكبرى، مرتبط بالظروف، والأوضاع، وموازين القوى المحلية، والإقليمية، والدولية، كما هو مرتبط أساسا بمصلحة الشعب الكردي في كل جزء.
إن لكل جزء من أجزاء الأمة الكردية ظروفه، وأوضاعه المتميزة، عن باقي الأجزاء، حيث إن مصيره مرتبط بالتطور السياسي للدولة المعنية.
لقد برهنت المسيرتان السياسية، والاجتماعية في العراق الحديث على عمق الروابط بين الأطياف، والألوان العراقية، المتعددة، والمتنوعة، لاسيما بين عرب العراق، وكرده، تشهد بذلك النضالات المشتركة، الطويلة، والشاقة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما دخلت الحركة الوطنية العراقية العامة مرحلة جديدة من الوعي، والتجربة، والعمل المشترك على طريق استكمال السيادة الوطنية، ومن أجل الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وضمان الحقوق القومية، للأكراد، ولمختلف الأقليات القومية المتواجدة في العراق منذ قديم الزمان.
لقد كان الوطنيون العراقيون، والجماهير المتحركة، من عرب، وكرد، وتركمان، وكلدو- آشوريين، ومن مسلمين شيعة، وسنة، ومن مسيحيين، ويهود، وصابئة مندائيين، وغيرهم من مكونات العراق منذ القديم؛ نقول كانوا يناضلون معا في سبيل عراق أفضل، وإزالة الاضطهاد العرقي والمذهبي، وإطلاق الحريات، والإصلاح الاجتماعي، والخروج من قيود التبعية لبريطانيا.
كانت الشعارات المرفوعة دوما في المظاهرات العراقية المشتركة quot;على صخرة الاتحاد العربي ndash; الكردي تتحطم المؤامراتquot;، ورفعت الحركة الكردية شعار:quot; الديمقراطية للعراق، والحكم الذاتي لكردستانquot;، وهو شعار يدل على تفهم أن مصير الأكراد العراقيين مرتبط كل الارتباط بما يحدث في بغداد.
إن السياسات العنصرية التي اتبعها عدد من الحكومات العراقية المتعاقبة لم ينزل تأثيرها لقاع المجتمع لتزرع مشاعر الكراهية، والاستعلاء العنصري بين العراقيين، وكان التضامن قويا، حتى زمن نظام صدام، الذي اتبع أكثر أساليب القمع وحشية، ودموية ضد الكرد، ويصدق ذلك أيضا على الصلات بين الشيعة والسنة، برغم سياسة التمييز المذهبي للنظام المنهار. هنا، نود أن نقول بأن الاضطهاد البعثي الصدامي لم يشمل الكرد والشيعة وحدهم، بل شمل أبناء مختلف المكونات، مع اختلافات في الدرجة، والسعة، مما يجعل من الخطأ الفادح أن يشعر الكرد والشيعة، وحدهم بعقدة المظلومية، والغبن.
إذا كانت صلات كهذه تربط بين مختلف المكونات العراقية قبل سقوط النظام، فهذا لا يصدق على الدول المجاورة الأخرى، وسيما تركيا، حيث كانت المشاعر العنصرية تشمل أوساطا واسعة من شرائح المجتمع، وخصوصا في السنوات الأخيرة، مع استمرار عمليات الإرهاب التي يقترفها حزب العمال الكردي، والتي غالبا ما يكون المدنيون ضحاياها.
3 ndash; إن الحركات القومية الكردية واجهت، وتواجه، أخطارا كبيرة، من داخلها، ومن خارجها.
إن أول هذه المخاطر هي السياسات القمعية العنصرية التي اتبعتها حكومات كثيرة في المنطقة تجاه أماني الشعب الكردي، ولا تزال الميول، والعقليات الشوفينية، من عربية، وتركية، وفارسية، وسورية، هي العدو الأول للحقوق المشروعة للكرد. ثمة ملاحظة هامة عن إيران، والأحزاب الإسلامية عموما، فقد ورث نظام خميني ذات العقلية العنصرية للشاه مع تبديل الثوب، من شاهنشاهي، إلى إسلامي، ورغم أن الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران قد أيد حركة خميني، مثلما أيدتها قوى اليسار الإيراني، فإن نظام خميني سرعان ما انقض على حلفائه الوقتيين، بعد استغلال شعبيتهم، فضرب بوحشية قوى اليسار، وانقض على الأكراد بدموية عاتية. إن هذا النظام نفسه قد دبر خطة خبيثة، وجبانة لاغتيال الدكتور عبد الرحمان قاسملو، زعيم الحزب الكردستاني في إيران، وكان من ألمع الساسة الأكراد في المنطقة، فقد أرسل إليه في فينا عام 1987 زمرة باسم التفاوض، فانخدع قاسملو وزملاؤه، ووقعوا في المصيدة الإيرانية، فاغتيلوا بكل خسة وجبن في فينا، ونقلت مصادر نمساوية فيما بعد أن محمود أحمدي نجاد كان ضمن زمرة القتلة. إن هذا الدرس الإيراني اللئيم كان يجب أن تتعظ به قيادات الحركة السياسية الكردستانية في العراق، درس أن الإسلام السياسي لا يؤمن بحقوق الأقليات القومية، وإذا أيدتها أحزابها في العراق، فمن باب التكتيك الوقتي المراوغ، لتنقلب عندما تكون موازين القوى، والأوضاع الدولية لصالحها؛ هذا ما فعله خميني، كما فعل قبله النظام البعثي المنهار بتنكره لالتزاماته والاتفاقات الرسمية.
الخطر الثاني: هو دور الأصابع الخارجية، والخطط المعادية لأماني الشعوب، واستقرار المنطقة، ومن المؤسف أن الحركات، والأحزاب الكردية، قد انخدعت مرارا بهذه الألاعيب الخبيثة. مما كانت له عواقب وخيمة على الشعب الكردي نفسه، وعلى البلد كله. هذا موضوع مهم، وحساس سنعالجه ضمن ما سنعالجه في الحلقة التالية.
إن مكافحة الميول، والتيارات العنصرية ضد الأكراد، وسائر الأقليات القومية، في الدول الأربع هو أولا واجب أساسي أمام الساسة، والمثقفين الموضوعيين وذوي النظر الثاقب، في هذه الدول.
الخطر الثالث يأتي من داخل هذه الحركات، والأحزاب، ونعني نزعات الانفصال دون مراعاة للظروف، وميول التقوقع القومي الضيق، الذي يلحق ضررا بالغا بمصالح الشعب الكردي، والحركة الوطنية العامة في البلاد. إن هذه النزعات، والميول، تكون غالبا بسبب حماس عاطفي قومي في الشارع الكردي، ولكنها أحيانا تجد لدى بعض المثقفين الأكراد تبريرا فكريا، وسياسيا، والأمثلة غير قليلة. لنأخذ مثلا المؤلف، والناشط الكردي، التركي، المعروف quot;عصمت شريف فانليquot;. من بين ما كتبه قوله إن أكراد العراق ليسوا مرغمين على الانضمام لاتحاد عربي يكون العراق طرفا فيه، إذ بإمكانهم، كما يقول، نصا: quot; ولهم الحق في اختيار شعوب أخرى، مثل الفرس، وهم أبناء عمومتنا التاريخيون، أو الأتراك... فالأكراد العراقيون ليسوا أبدا مجبرين على تفضيل الخيار العربي على الخيار الإيراني، أو التركي، لمجرد أن شخصا اسمه اللورد كرزن وضع الشعب الكردي تحت سيطرة بغداد.quot; [من كتاب فانلي بالفرنسية بعنوان quot;كردستان العراقية وحدة قوميةquot;، الصادر في 1970، صفحة 334 ].
إن نقد، وعزل الاتجاهات الانعزالية، وميول التقوقع الضيق، هو واجب جميع محبي الشعب الكردي، وأولا واجب المثقفين والساسة الأكراد بعيدي النظر، والمتفهمين للمصالح الحقيقية للشعب الكردي. إن نقدا كهذا لا يعني أبدا تهجما على الشعب الكردي، ولا انتقاصا من شرعية حقوقه القومية، وكذلك هو واجب انتقاد الأخطاء السياسية لهذا الحزب الكردي أو ذاك، ولهذه الشخصية الكردية، أو تلك، لاسيما ونحن أما قضية كركوك المندلعة.
لقد سخنت قضية كركوك مؤخرا لحد مقلق جدا، مما يهدد بانفجار سيعاني منه كل الشعب العراقي، وشعب كردستان في المقدمة، وقد وقعت مظاهرات هائجة، وصدرت تصريحات مقلقة من ممثلي مختلف مكونات سكان كركوك، وضج البرلمان، وتتالت التعليقات، والمقالات في الموضوع، كان منها ما يصب الزيت على النار، ومنها مقالات موضوعية، تنطلق من معطيات الواقع، ومن حرص شديد على مصير كردستان، والعراق.
من تلك المقالات الموضوعية ما كتبه الصديقان الدكتور عبد الخالق حسين، والدكتور كاظم حبيب، وكل منهما تقدمي معروف، وصديق صدوق للشعب الكردي، كما نشر الصحفي، والسياسي الكردي الأستاذ حسين سنجاري مقالا بنفس النفس، والكاتب الكردي هافال زاخويي، وتعدى الأمر إلى تعليقات في الصحف العالمية، كان من أهمها مقال تحليلي مطول، نشرته مجلة quot;لوموند ديبلوماتيكquot;، اليسارية، الفرنسية، وهي الأخرى متعاطفة مع الشعب الكردي، ونضاله، وحقوقه القومية، ونشرت من جانبي في مواقع أخرى مقالا عن القضية.
لقد كتبت الكثير جدا عن القضية الكردية خلال أكثر من ستة عقود من السنين، ما بين تحليل، وموقف خاطئين، وما هو صحيح، كما برهنت فيما بعد تجارب العراق الحديث.
كنت، ولا أزال، أكتب كوطني عراقي، وككردي عراقي، يعتز بوطنه، بلاد الرافدين، كما يعتز بانتمائه للشعب الكردي، الذي ناضل طويلا، وقدم ضحايا هائلة الأعداد، ثم تحققت له منذ بداية التسعينات مكاسب كبرى.
لقد واجهت عند كتاباتي عن القضية الكردية نمطين من النقد: الأول، يتهمني بضيق الأفق القومي، والثاني، على العكس، يتهمني بquot;الذوبانquot; في quot;الأكثرية العربيةquot;، كما كتب، مثلا، كاتب كردي على صفحات جريدة quot;الحياةquot;، في النصف الثاني من التسعينات الماضية، وفي حينه، رددت عليه في الصحيفة نفسها مقالا عنوانه quot;القضية الكردية، والنظرة العمياويةquot;، أي العمياء، مبينا نقاط ارتكازي الأساسية، حتى عندما أخطئ في تحليل ما، وهي:-
1 ndash; الشعب الكردي في العراق جزء من أمة كردية مجزأة بين العراق، وتركيا، وإيران، ولحد ما سورية، يتجاوز عدد سكانها الثلاثين مليونا. إن لهذه الأمة كل الحق في تقرير المصير بمختلف أشكاله، وإلى حد تكوين دولة قومية مستقلة، إذ، لماذا تحرم الأمة من هذا الحق بينما ثمة شعوب لا يتجاوز عدد أبنائها بضعة ملايين، أو حتى أقل من مليونين، نالت استقلال بلادها وسيادتها؟
2 ndash; لقد عانت هذه الأمة اضطهادا قوميا عنصريا، في هذه الدول، وكان غالبا اضطهادا دمويا، وصولا إلى حلبجة، والأنفال في العراق وحده، ناهيكم عن الاضطهاد القمعي في تركيا، وإيران، وسوريا. وبالنسبة لتركيا، فقد خطت الحكومات المتعاقبة منذ سنوات خطوات محمودة، وإن كانت جزئية، لصالح اللغة، والثقافة، الكرديتين، وهي خطوات يتجاهلها حزب العمال الكردستاني، الذي يواصل عمله المسلح العبثي من العراق، بالرغم من أن قائده السجين، عبد الله أوجلان، دعاهم منذ عقد من السنين للتخلي عن العمل المسلح، واللجوء للكفاح السلمي بمختلف أشكاله، ويجب التذكير هنا بما تحقق للشعب الكردي بعد ثورة 14 تموز، من نجاحات لحد أن العلم العراقي صار يحمل رمز التآخي العربيndash; الكردي، وكان عبد الكريم قاسم أكثر حاكم عرفه العراق الحديث، تحررا من كل العقد العنصرية، والمذهبية، والدينية، ومن المؤسف، وكما سوف نرى، أن القيادات الكردية انزلقت، فيما بعد، لرفع السلاح ضد حكم الثورة، وتحالفت مع أعدائها، بمختف فصائلهم، وجنسياتهم، فدفع الأكراد وكل العراق الثمن الفادح جدا..
3ndash; إن الحق المبدئي حتى في الانفصال، وتكوين الدولة الكردية الكبرى، مرتبط بالظروف، والأوضاع، وموازين القوى المحلية، والإقليمية، والدولية، كما هو مرتبط أساسا بمصلحة الشعب الكردي في كل جزء.
إن لكل جزء من أجزاء الأمة الكردية ظروفه، وأوضاعه المتميزة، عن باقي الأجزاء، حيث إن مصيره مرتبط بالتطور السياسي للدولة المعنية.
لقد برهنت المسيرتان السياسية، والاجتماعية في العراق الحديث على عمق الروابط بين الأطياف، والألوان العراقية، المتعددة، والمتنوعة، لاسيما بين عرب العراق، وكرده، تشهد بذلك النضالات المشتركة، الطويلة، والشاقة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما دخلت الحركة الوطنية العراقية العامة مرحلة جديدة من الوعي، والتجربة، والعمل المشترك على طريق استكمال السيادة الوطنية، ومن أجل الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وضمان الحقوق القومية، للأكراد، ولمختلف الأقليات القومية المتواجدة في العراق منذ قديم الزمان.
لقد كان الوطنيون العراقيون، والجماهير المتحركة، من عرب، وكرد، وتركمان، وكلدو- آشوريين، ومن مسلمين شيعة، وسنة، ومن مسيحيين، ويهود، وصابئة مندائيين، وغيرهم من مكونات العراق منذ القديم؛ نقول كانوا يناضلون معا في سبيل عراق أفضل، وإزالة الاضطهاد العرقي والمذهبي، وإطلاق الحريات، والإصلاح الاجتماعي، والخروج من قيود التبعية لبريطانيا.
كانت الشعارات المرفوعة دوما في المظاهرات العراقية المشتركة quot;على صخرة الاتحاد العربي ndash; الكردي تتحطم المؤامراتquot;، ورفعت الحركة الكردية شعار:quot; الديمقراطية للعراق، والحكم الذاتي لكردستانquot;، وهو شعار يدل على تفهم أن مصير الأكراد العراقيين مرتبط كل الارتباط بما يحدث في بغداد.
إن السياسات العنصرية التي اتبعها عدد من الحكومات العراقية المتعاقبة لم ينزل تأثيرها لقاع المجتمع لتزرع مشاعر الكراهية، والاستعلاء العنصري بين العراقيين، وكان التضامن قويا، حتى زمن نظام صدام، الذي اتبع أكثر أساليب القمع وحشية، ودموية ضد الكرد، ويصدق ذلك أيضا على الصلات بين الشيعة والسنة، برغم سياسة التمييز المذهبي للنظام المنهار. هنا، نود أن نقول بأن الاضطهاد البعثي الصدامي لم يشمل الكرد والشيعة وحدهم، بل شمل أبناء مختلف المكونات، مع اختلافات في الدرجة، والسعة، مما يجعل من الخطأ الفادح أن يشعر الكرد والشيعة، وحدهم بعقدة المظلومية، والغبن.
إذا كانت صلات كهذه تربط بين مختلف المكونات العراقية قبل سقوط النظام، فهذا لا يصدق على الدول المجاورة الأخرى، وسيما تركيا، حيث كانت المشاعر العنصرية تشمل أوساطا واسعة من شرائح المجتمع، وخصوصا في السنوات الأخيرة، مع استمرار عمليات الإرهاب التي يقترفها حزب العمال الكردي، والتي غالبا ما يكون المدنيون ضحاياها.
3 ndash; إن الحركات القومية الكردية واجهت، وتواجه، أخطارا كبيرة، من داخلها، ومن خارجها.
إن أول هذه المخاطر هي السياسات القمعية العنصرية التي اتبعتها حكومات كثيرة في المنطقة تجاه أماني الشعب الكردي، ولا تزال الميول، والعقليات الشوفينية، من عربية، وتركية، وفارسية، وسورية، هي العدو الأول للحقوق المشروعة للكرد. ثمة ملاحظة هامة عن إيران، والأحزاب الإسلامية عموما، فقد ورث نظام خميني ذات العقلية العنصرية للشاه مع تبديل الثوب، من شاهنشاهي، إلى إسلامي، ورغم أن الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران قد أيد حركة خميني، مثلما أيدتها قوى اليسار الإيراني، فإن نظام خميني سرعان ما انقض على حلفائه الوقتيين، بعد استغلال شعبيتهم، فضرب بوحشية قوى اليسار، وانقض على الأكراد بدموية عاتية. إن هذا النظام نفسه قد دبر خطة خبيثة، وجبانة لاغتيال الدكتور عبد الرحمان قاسملو، زعيم الحزب الكردستاني في إيران، وكان من ألمع الساسة الأكراد في المنطقة، فقد أرسل إليه في فينا عام 1987 زمرة باسم التفاوض، فانخدع قاسملو وزملاؤه، ووقعوا في المصيدة الإيرانية، فاغتيلوا بكل خسة وجبن في فينا، ونقلت مصادر نمساوية فيما بعد أن محمود أحمدي نجاد كان ضمن زمرة القتلة. إن هذا الدرس الإيراني اللئيم كان يجب أن تتعظ به قيادات الحركة السياسية الكردستانية في العراق، درس أن الإسلام السياسي لا يؤمن بحقوق الأقليات القومية، وإذا أيدتها أحزابها في العراق، فمن باب التكتيك الوقتي المراوغ، لتنقلب عندما تكون موازين القوى، والأوضاع الدولية لصالحها؛ هذا ما فعله خميني، كما فعل قبله النظام البعثي المنهار بتنكره لالتزاماته والاتفاقات الرسمية.
الخطر الثاني: هو دور الأصابع الخارجية، والخطط المعادية لأماني الشعوب، واستقرار المنطقة، ومن المؤسف أن الحركات، والأحزاب الكردية، قد انخدعت مرارا بهذه الألاعيب الخبيثة. مما كانت له عواقب وخيمة على الشعب الكردي نفسه، وعلى البلد كله. هذا موضوع مهم، وحساس سنعالجه ضمن ما سنعالجه في الحلقة التالية.
إن مكافحة الميول، والتيارات العنصرية ضد الأكراد، وسائر الأقليات القومية، في الدول الأربع هو أولا واجب أساسي أمام الساسة، والمثقفين الموضوعيين وذوي النظر الثاقب، في هذه الدول.
الخطر الثالث يأتي من داخل هذه الحركات، والأحزاب، ونعني نزعات الانفصال دون مراعاة للظروف، وميول التقوقع القومي الضيق، الذي يلحق ضررا بالغا بمصالح الشعب الكردي، والحركة الوطنية العامة في البلاد. إن هذه النزعات، والميول، تكون غالبا بسبب حماس عاطفي قومي في الشارع الكردي، ولكنها أحيانا تجد لدى بعض المثقفين الأكراد تبريرا فكريا، وسياسيا، والأمثلة غير قليلة. لنأخذ مثلا المؤلف، والناشط الكردي، التركي، المعروف quot;عصمت شريف فانليquot;. من بين ما كتبه قوله إن أكراد العراق ليسوا مرغمين على الانضمام لاتحاد عربي يكون العراق طرفا فيه، إذ بإمكانهم، كما يقول، نصا: quot; ولهم الحق في اختيار شعوب أخرى، مثل الفرس، وهم أبناء عمومتنا التاريخيون، أو الأتراك... فالأكراد العراقيون ليسوا أبدا مجبرين على تفضيل الخيار العربي على الخيار الإيراني، أو التركي، لمجرد أن شخصا اسمه اللورد كرزن وضع الشعب الكردي تحت سيطرة بغداد.quot; [من كتاب فانلي بالفرنسية بعنوان quot;كردستان العراقية وحدة قوميةquot;، الصادر في 1970، صفحة 334 ].
إن نقد، وعزل الاتجاهات الانعزالية، وميول التقوقع الضيق، هو واجب جميع محبي الشعب الكردي، وأولا واجب المثقفين والساسة الأكراد بعيدي النظر، والمتفهمين للمصالح الحقيقية للشعب الكردي. إن نقدا كهذا لا يعني أبدا تهجما على الشعب الكردي، ولا انتقاصا من شرعية حقوقه القومية، وكذلك هو واجب انتقاد الأخطاء السياسية لهذا الحزب الكردي أو ذاك، ولهذه الشخصية الكردية، أو تلك، لاسيما ونحن أما قضية كركوك المندلعة.
التعليقات