كم مرة كتبنا، وكتب زملاء آخرون، عن موجة مطاردة، واضطهاد المسيحيين، والصابئة المندايين في العراق، التي بدأت منذ خمس سنوات متتالية!
إن ظاهرة اضطهاد المسيحيين، والصابئة المندائيين، وغيرهم، بدأت في بغداد، والبصرة، على أيدي المليشيات الحزبية، وخصوصا الصدرية، وفي الموصل، على أيدي المتشددين الطائفيين من السنة، ثم صار القاعديون، بعد غزوهم للعراق، الجهة الرئيسية في موجة الموصل.
لقد كان آخر مقال لنا في 4 حزيران 2007، وكان عن قتل الأب رغيد عزيز و3 من مساعديه بعد إيقاف سيارتهم في حي بالموصل، واغتيالهم. قبل ذلك في أكتوبر 2006، تم خطف وقتل الأب بولص إسكندر، وبعد شهر اغتيل رئيس الطائفة البروتستانتية في الموصل.
كانت المطاردة تتصاعد، وكنائس المسيحيين تحرق، حتى لم يبق في البصرة غير عدد قليل من المسيحيين، بينما كان عددهم حوالي ربع مليون تقريبا. لقد هاجروا للخارج، تاركين وراءهم كل ما يملكون.
لقد كتبنا، وغيرنا، عشرات المرات، مطالبين الحكومة، وقيادات الحكم، والمراجع الدينية، بإصدار إدانات حاسمة للحملة، واتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية هذه الأقلية، التي كانت من سكان العراق الأصليين، وقبل دخول المسلمين؛ هذه الأقلية التي ساهمت في ازدهار الحضارة العباسية من خلال ترجمة الفكر اليوناني، والتي لعبت دورا هاما في تاريخ العراق الحديث، مثلما لعب المسيحيون في المشرق العربي دور الطلائع للنهضة العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر.
نعيد الكتابة اليوم عن الموضوع تعليقا على خطف كبير أساقفة الكنيسة الكاثوليكية المطران رحو في الموصل، وقد انتقد الكردينال عمانوئيل الثالث عدم اتخاذ السلطات الحكومية أية إجراءات لحماية المسيحيين. ومن جانبنا لم نسمع غير طمأنة من للسيد رئيس الوزراء بالاهتمام بمتابعة الموضوع، وبكونه أصدر أمرا لوزير الداخلية، ومسئولي الأمن في محافظة نينوى، لمتابعة القضية، وبذل الجهود للإفراج السريع عن كبير الأساقفة رحو.
أما الخور أسقف فيليب نجم المعتمد البطريكي الكلداني لدى الفاتيكان، فقد أدلى بتصريح صحفي ذاكرا ' إن آلاف المسيحيين تلقوا تهديدات بالقتل من المليشيات، والجماعات المسلحة [ أي القاعدة]، وجرى إغلاق كنائسهم، ومؤسساتهم الدينية.' لقد كشف الأسقف أنه تم دفع فديات لإطلاق سراح 10 كهنة جرى خطفهم من بغداد، ومدن أخرى، وأضاف أن حوالي 25 بالمائة من المسيحيين، البالغ عددهم مليونا ونصف المليون، قد هاجروا من العراق بسبب تهديدات بالقتل تلقوها من المليشيات، والجماعات المسلحة، وقال إن عمليات الخطف، والقتل، والرعب، يتعرض لها كل العراقيين وليس المسيحيون وحدهم، و أن على الحكومة أن تقدم الحماية للجميع.لقد أضاف أن الكنائس المسيحية تلقت وعودا بالحماية من السيد رئيس الجمهورية، والسيد المالكي، ولكن للأسف لم تنفذ الوعود. من جانبه، فقد دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق السيد مستورا الحكومة العراقية إلى 'مضاعفة الجهود' لحماية الأقليات الدينية.
أجل، العراقيون بمختلف الأديان، والمذاهب، والقوميات، في محنة بسبب إرهاب القاعدة، وفلول صدام، والمليشيات الحزبية، ولكن الأكثر محنة، بل هي محنة مضاعفة، هم النساء والأقليات الدينية، كما كتبنا في 4 حزيران الماضي، في ذلك المقال ورد
'إن الجرائم تمر، دون أن نجد من المسئولين، وغالبية القيادات السياسية، ورجال الدين، إدانة حازمة لتلك الجرائم.... لا الحكومة، ولا القيادات، تعير انتباها جادا لهذه الظاهرة، التي تعني تفريغ العراق من بعض مكوناته الأساسية، التي سكنت العراق من القديم، وساهمت في العراق الحديث في كل المجالات'؛ ' إن كل حزب لا يبالي بغير المصلح الفئوية، من حزبية، ومذهبية، وقومية.'
أين بعض المعتقلين جراء حرق الكنائس في بغداد، والذين هددوا وقتلوا العديد من بائعي الخمور المسيحيين منذ أول يوم من سقوط صدام؟ أين الذين أجبروا، ويجبرون النساء، وحتى المسيحيات، على ارتداء الحجاب؟ كم عدد النساء اللواتي يقتلن كل شهر بتهمة 'غسل العار'، تماما كما كان يقترف عدي وزبانيته باتهام النساء، وضرب أعناقهن بسيوف كبيرة، ثم تعليق الرؤوس على واجهات مساكنهن؟ هل يعقل أن السلطات الأمنية لم تعثر حتى على مجرم واحد من هؤلاء المجرمين المنتمين للمليشيات، ولا نتحدث عن جرائم التكفيريين، الذين تحاربهم الحكومة حقا بمساعدة 'مجالس الصحوة'، وبفضل وجود القوات الأمريكية.
إن الظاهر أن إرهاب جيش المهدي قادر على فعل 'المعجزات'، كما وقع أخيرا من إطلاق سراح المسئولين الصدريين الكبيرين السابقين في وزارة الصحة رغم ثبوت جرائم القتل، والخطف، عليهم، وبشهادات موثقة، وها هم الشاهدون يختفون الواحد بعد الآخر، ووكيل الوزارة الحالي الصفار يختطف لأنه صاحب معلومات دقيقة.
إنه لمن العار أن تستمر جرائم اضطهاد الأقليات الدينية، فمتى تتخذ الحكومة الإجراءات الرادعة الحازمة لوقف الظاهرة؟ ومتى تصدر المرجعيات الدينية فتاوى واضحة، وحاسمة، للتنديد بالعنف تجاه المسيحيين وبقية الأقليات الدينية وتحريمه شرعا؟ متى تكف الأحزاب الدينية ومرجعياتها عن اعتبار المسيحيين 'كفارا ذميين'، وهو ما يفتي به الإسلام السياسي، ورجال الدين المسلمون، من مختلف المذاهب، فهم ليسوا 'كفارا ذميين'، أي مواطنين من الدرجة الثانية، في العراق وحده، بل ننظر أيضا لما يجري لأقباط مصر من تمييز، واعتداء، دون مبالاة السلطات، بل وبقوانينها نفسها كما قرأنا أخيرا للكاتب مجدي خليل، وهو ما يشجع أكثر الإخوان المسلمين، وكل المتشددين الدينين.
إن الصمت عن الانتهاكات جريمة لا تقل هولا عن الجريمة نفسها، فمتى يقوم المسئولون العراقيون بواجبهم المطلوب؟!
أخيرا نعتقد أن على المثقفين الوطنيين، الحريصين على الوحدة الوطنية العراقية، والمؤمنين حقا بالإعلان الدولي لحقوق الإنسان، وعلى منظمات المجتمع المدني، داخلا وخارجا، العمل لتنظيم حملة واسعة دفاعا عن الأقليات الدينية في العراق، وإجراء كل الاتصالات الممكنة بالهيئات الدولية والحكومات، والإعلام الغربي، لتعبئة الرأي العام الدولي أيضا لممارسة الضغوط المستمرة على الحكومة العراقية لتقوم بواجباتها تجاه هذه الأقليات، واحترام الحرية الدينية، والمساواة في الحقوق والمواطنة دون تمييز بسبب الدين، أو المذهب، أو العرق.
إن ظاهرة اضطهاد المسيحيين، والصابئة المندائيين، وغيرهم، بدأت في بغداد، والبصرة، على أيدي المليشيات الحزبية، وخصوصا الصدرية، وفي الموصل، على أيدي المتشددين الطائفيين من السنة، ثم صار القاعديون، بعد غزوهم للعراق، الجهة الرئيسية في موجة الموصل.
لقد كان آخر مقال لنا في 4 حزيران 2007، وكان عن قتل الأب رغيد عزيز و3 من مساعديه بعد إيقاف سيارتهم في حي بالموصل، واغتيالهم. قبل ذلك في أكتوبر 2006، تم خطف وقتل الأب بولص إسكندر، وبعد شهر اغتيل رئيس الطائفة البروتستانتية في الموصل.
كانت المطاردة تتصاعد، وكنائس المسيحيين تحرق، حتى لم يبق في البصرة غير عدد قليل من المسيحيين، بينما كان عددهم حوالي ربع مليون تقريبا. لقد هاجروا للخارج، تاركين وراءهم كل ما يملكون.
لقد كتبنا، وغيرنا، عشرات المرات، مطالبين الحكومة، وقيادات الحكم، والمراجع الدينية، بإصدار إدانات حاسمة للحملة، واتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية هذه الأقلية، التي كانت من سكان العراق الأصليين، وقبل دخول المسلمين؛ هذه الأقلية التي ساهمت في ازدهار الحضارة العباسية من خلال ترجمة الفكر اليوناني، والتي لعبت دورا هاما في تاريخ العراق الحديث، مثلما لعب المسيحيون في المشرق العربي دور الطلائع للنهضة العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر.
نعيد الكتابة اليوم عن الموضوع تعليقا على خطف كبير أساقفة الكنيسة الكاثوليكية المطران رحو في الموصل، وقد انتقد الكردينال عمانوئيل الثالث عدم اتخاذ السلطات الحكومية أية إجراءات لحماية المسيحيين. ومن جانبنا لم نسمع غير طمأنة من للسيد رئيس الوزراء بالاهتمام بمتابعة الموضوع، وبكونه أصدر أمرا لوزير الداخلية، ومسئولي الأمن في محافظة نينوى، لمتابعة القضية، وبذل الجهود للإفراج السريع عن كبير الأساقفة رحو.
أما الخور أسقف فيليب نجم المعتمد البطريكي الكلداني لدى الفاتيكان، فقد أدلى بتصريح صحفي ذاكرا ' إن آلاف المسيحيين تلقوا تهديدات بالقتل من المليشيات، والجماعات المسلحة [ أي القاعدة]، وجرى إغلاق كنائسهم، ومؤسساتهم الدينية.' لقد كشف الأسقف أنه تم دفع فديات لإطلاق سراح 10 كهنة جرى خطفهم من بغداد، ومدن أخرى، وأضاف أن حوالي 25 بالمائة من المسيحيين، البالغ عددهم مليونا ونصف المليون، قد هاجروا من العراق بسبب تهديدات بالقتل تلقوها من المليشيات، والجماعات المسلحة، وقال إن عمليات الخطف، والقتل، والرعب، يتعرض لها كل العراقيين وليس المسيحيون وحدهم، و أن على الحكومة أن تقدم الحماية للجميع.لقد أضاف أن الكنائس المسيحية تلقت وعودا بالحماية من السيد رئيس الجمهورية، والسيد المالكي، ولكن للأسف لم تنفذ الوعود. من جانبه، فقد دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق السيد مستورا الحكومة العراقية إلى 'مضاعفة الجهود' لحماية الأقليات الدينية.
أجل، العراقيون بمختلف الأديان، والمذاهب، والقوميات، في محنة بسبب إرهاب القاعدة، وفلول صدام، والمليشيات الحزبية، ولكن الأكثر محنة، بل هي محنة مضاعفة، هم النساء والأقليات الدينية، كما كتبنا في 4 حزيران الماضي، في ذلك المقال ورد
'إن الجرائم تمر، دون أن نجد من المسئولين، وغالبية القيادات السياسية، ورجال الدين، إدانة حازمة لتلك الجرائم.... لا الحكومة، ولا القيادات، تعير انتباها جادا لهذه الظاهرة، التي تعني تفريغ العراق من بعض مكوناته الأساسية، التي سكنت العراق من القديم، وساهمت في العراق الحديث في كل المجالات'؛ ' إن كل حزب لا يبالي بغير المصلح الفئوية، من حزبية، ومذهبية، وقومية.'
أين بعض المعتقلين جراء حرق الكنائس في بغداد، والذين هددوا وقتلوا العديد من بائعي الخمور المسيحيين منذ أول يوم من سقوط صدام؟ أين الذين أجبروا، ويجبرون النساء، وحتى المسيحيات، على ارتداء الحجاب؟ كم عدد النساء اللواتي يقتلن كل شهر بتهمة 'غسل العار'، تماما كما كان يقترف عدي وزبانيته باتهام النساء، وضرب أعناقهن بسيوف كبيرة، ثم تعليق الرؤوس على واجهات مساكنهن؟ هل يعقل أن السلطات الأمنية لم تعثر حتى على مجرم واحد من هؤلاء المجرمين المنتمين للمليشيات، ولا نتحدث عن جرائم التكفيريين، الذين تحاربهم الحكومة حقا بمساعدة 'مجالس الصحوة'، وبفضل وجود القوات الأمريكية.
إن الظاهر أن إرهاب جيش المهدي قادر على فعل 'المعجزات'، كما وقع أخيرا من إطلاق سراح المسئولين الصدريين الكبيرين السابقين في وزارة الصحة رغم ثبوت جرائم القتل، والخطف، عليهم، وبشهادات موثقة، وها هم الشاهدون يختفون الواحد بعد الآخر، ووكيل الوزارة الحالي الصفار يختطف لأنه صاحب معلومات دقيقة.
إنه لمن العار أن تستمر جرائم اضطهاد الأقليات الدينية، فمتى تتخذ الحكومة الإجراءات الرادعة الحازمة لوقف الظاهرة؟ ومتى تصدر المرجعيات الدينية فتاوى واضحة، وحاسمة، للتنديد بالعنف تجاه المسيحيين وبقية الأقليات الدينية وتحريمه شرعا؟ متى تكف الأحزاب الدينية ومرجعياتها عن اعتبار المسيحيين 'كفارا ذميين'، وهو ما يفتي به الإسلام السياسي، ورجال الدين المسلمون، من مختلف المذاهب، فهم ليسوا 'كفارا ذميين'، أي مواطنين من الدرجة الثانية، في العراق وحده، بل ننظر أيضا لما يجري لأقباط مصر من تمييز، واعتداء، دون مبالاة السلطات، بل وبقوانينها نفسها كما قرأنا أخيرا للكاتب مجدي خليل، وهو ما يشجع أكثر الإخوان المسلمين، وكل المتشددين الدينين.
إن الصمت عن الانتهاكات جريمة لا تقل هولا عن الجريمة نفسها، فمتى يقوم المسئولون العراقيون بواجبهم المطلوب؟!
أخيرا نعتقد أن على المثقفين الوطنيين، الحريصين على الوحدة الوطنية العراقية، والمؤمنين حقا بالإعلان الدولي لحقوق الإنسان، وعلى منظمات المجتمع المدني، داخلا وخارجا، العمل لتنظيم حملة واسعة دفاعا عن الأقليات الدينية في العراق، وإجراء كل الاتصالات الممكنة بالهيئات الدولية والحكومات، والإعلام الغربي، لتعبئة الرأي العام الدولي أيضا لممارسة الضغوط المستمرة على الحكومة العراقية لتقوم بواجباتها تجاه هذه الأقليات، واحترام الحرية الدينية، والمساواة في الحقوق والمواطنة دون تمييز بسبب الدين، أو المذهب، أو العرق.
التعليقات