قرأت في 11 الجاري مقالا للسيد محمد سلماوي عن منظمة اليونسكو، نشر في الأهرام، وأعيد نشره في إيلاف [ جريدة الجرائد].
من يقرأ المقال يخرج بانطباع أن هناك مؤامرة دولية تقودها إسرائيل وتجر معها الولايات المتحدة ضد تسلم أي عربي منصبا دوليا مهما، وخصوصا لو كان المرشح مصريا. إن الكاتب المحترم ينسى أن بطرس بطرس غالي تولى أمانة الأمم المتحدة، التي هي المنظمة الأم، وأهم عشرات المرات من اليونسكو، ولم يكن انتخابه بغير موافقة أمريكية، أما إسرائيل فليس لها مثل هذا الوزن في المنظمات الدولية لتحبط أو تّنجح انتخابا. كذلك وصل الدكتور محمد البرادعي لمنصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية، وقد كان انتخابه مستحيلا بغير موافقة الولايات المتحدة، علما بأن الوكالة أهم من منظمة اليونسكو نظرا لارتباطها المباشر بالأمن الدولي. نعرف أيضا أن واشنطن لم تقف في وجه وصول مصريين وعرب آخرين لمناصب هامة في المنظمة الزراعية الدولية، واليونسكو نفسها وغيرها.
الحقيقة أن هناك تفاوتا في أداء هذا المسئول الدولي أو ذاك، ولاسيما من دول العالم الثالث، وقد أصاب تعقيب السيد عماد خليل على المقال المذكور فيما يخص بعض المرشحين القادمين من quot;العالم الثالثquot;، الذين وقع بعضهم ضحايا لمختلف الإغراءات، ولسياسة المحسوبية.
لقد انتخب الدكتور محمد البرادي ليسهر على أهداف المنظمة ومبادئها، التي تتلخص في عدم انتشار السباق النووي؛ فهل مواقفه في التعامل مع المشروع النووي الإيراني يصب في هذا المنحى؟؟
نعتقد مع الأسف أن لا؟؟
إن موضوع النووي الإيراني مطروح دوليا منذ سنوات، سواء على صعيد الوكالة أو الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وخلال تلك السنوات كان نظام ولاية الفقيه يمارس سياسة وأساليب المناورة، واللف والدوران، لكسب الوقت.
إن القضية خطيرة جدا، ولها علاقة مباشرة بأمن المنطقة والعالم، وإن التسويف لا يخدم غير إيران. من هنا اتخذ مجلس الأمن بعض العقوبات الدولية تجاه النظام المذكور، ويجب عدم نسيان أن وكالة السيد البرادعي تابعة للأمم المتحدة رغم استقلالها الذاتي. لقد استغلت إيران وراهنت على مواقف الصين، وروسيا، رغم أن الأخيرة عدلت بعض الشيء موقفها.
إزاء كل هذا اتبع الدكتور البرادعي مواقف الرخاوة واللين، منزلقا في كل مرة وراء الألاعيب والمناورات الإيرانية، في حين يواصل المسئولون في طهران إعلان إرادتهم في المضي في تخصيب اليورانيوم. إنهم يسوفون، ويلعبون مع الوكالة لعبة الأخذ والرد حول هل يسمحون بالتفتيش أم لا يسمحون. إن هذا الوضع الخطير هو الذي يثير قلق دول كبرى كفرنسا، والولايات المتحدة، وبريطانيا، مما يجعلها تجد أن لا مناص من اتخاذ قرار دولي جديد يقضي بفرض عقوبات أشد لردع النظام الإيراني، وإجباره على وقف التخصيب، وهذا أيضا موقف الأمين العام للأمم المتحدة.
إن الوكالة الدولية توصلت مؤخرا لاتفاق لا يخدم غير إيران، ويدور حول موضوع التفتيش، بينما تعلن إيران أنها ستواصل التخصيب، وتريد حصر المفاوضات بينها وبين البرادعى خارج نطاق مجلس الأمن، حيث أدركت قلة حصانة الوكالة تجاه اللعب الإيرانية المتتالية. إن الموضوع هو التخصيب ووجوب وقفه لكونه طريق إنتاج القنبلة النووية. لقد قال السفير الإيراني لدى الوكالة في الأيام القليلة الماضية: quot; اتركوا الوكالة تقوم بعملهاquot;، وأضاف quot;إن أي تدخل سياسي quot;، أي في مجلس الأمن، سيعرض بالتأكيد للخطر quot;التوجه الجديدquot; الذي يتيح وضع جدول زمني لعملية التفتيش، وهذا فيما يصرح كبير المفاوضين الإيرانيين في الوقت ذاته بأن بلاده لن توقف التخصيب، في تحد لمطالب الاتحاد الأوروبي، والأمين العام للأمم المتحدة، والولايات المتحدة بوقفه.
لقد أعلن صدام أنهم يمتلكون الكيميائي المزدوج، وبعد هروب حسين كامل أدت تصريحاته من عمان لاكتشاف كمية كبيرة من السلاح الجرثومي في مزرعة خارج بغداد؛ ومع أن مجلس الأمن كان يشك في وجود برنامج عراقي للتخصيب النووي فإن النظام المباد لم يعلن رسميا عن ذلك. أما إيران، فإنها تعلن في وضح النهار، وباستمرار، عن عمليات التخصيب، وعزمها على الاستمرار، وأخونا الدكتور البرادعي يطلب اليوم إعطاء فرصة جديدة لإيران حتى نهاية العام الحالي، ومعنى ذلك عمليا هو أن تكسب إيران وقتا ثمينا جديدا للسير قدما في برنامج إنتاج القنبلة النووية.
إن أداء الوكالة ومديرها العام يذكرنا بمواقف كوفي عنان من تنفيذ سلسلة القرارات الدولية التي اتخذت بإجماع الدول الكبرى تجاه النظام الصدامي. كان هو الآخر، مدعوما من فرنسا، وألمانيا، والصين، وروسيا، يطلب كل مرة إعطاء مهل جديدة وجديدة، بدلا من طلب تشديد العقوبات بما يحرج ذلك النظام، ويضعه أمام خيارين: إما الانصياع، أو استعمال القوة الدولية. إن تلك المواقف هي التي دعت بالولايات المتحدة لاتخاذ قرار الحرب، بدلا من أن يكون استعمال القوة جماعيا، ولو تم ذلك، فالأرجح أن وضع العراق بعد السقوط كان سيكون أفضل، وربما جنب العراق معظم الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها واشنطن جراء الانفراد بالحرب.
لما مر نرى أن مواقف الوكالة والدكتور البرادعي لا تخدم هدف منع الانتشار النووي، فيما المطلوب عمل كل ما هو ممكن لوقف الانتشار، والسعي الحازم لجعل بعض مناطق العالم خالية من السلاح النووي، ولاسيما في الشرق الأوسط، حيث يتخذ وجود القنبلة النووية الإسرائيلية ذريعة لزيادة الأوضاع سوءا على سوء.
إن المعضلة النووية الإسرائيلية تتطلب معالجة خاصة، حيث أن هذه الحجة تورد مرارا. أجل لماذا تبقى إسرائيل تمتلك القنبلة دون الدول الأخرى في المنطقة؟؟ موضوع يستحق المعالجة والنقاش، ولكن هذا السؤال الكبير لا يجب أن يطمس دور إيران في تخريب العراق، والقضية الفلسطينية، وأمن لبنان، ولا كونها ذات أطماع توسعية على نطاق الخليج وفي العراق، الذي قد فرضت سيطرتها فعلا على البصرة وأنحاء أخرى من جنوب العراق.
إن الأسئلة الحقيقية التي يجب طرحها حول العلاقة في الموضوع النووي بين إيران وإسرائيل هي:
هل حقا إن إيران تسعى من وراء قنبلتها أن تكون طرفا لصالح العرب والفلسطينيين في الصراع العربي والفلسطيني مع إسرائيل؟؟ لو كان الأمر هكذا لما قام النظام الإيراني بالعمل، من خلال التنظيمات الإسلامية الفلسطينية، ليل نهار لتخريب كل خطوة إيجابية على طريق الحل السلمي العادل، ولما أحرجت هذه الأطراف قيادة منظمة التحرير وأبو مازن بتأجيج الوضع بعد كل اتفاق مع إسرائيل، وبالتالي إعطاء الذرائع لها للرد بعنف وقسوة، وما يعنيه من وقوع ضحايا بين المدنيين.
السؤال التالي المرتبط بالأول هو: هل لو امتلكت إيران القنبلة فسوف تهاجم بها إسرائيل تنفيذا لمزايدات أحمدي نجاد؟؟ إننا يجب ألا ننسى أنه ليست بين الطرفين قضية أراض متنازع عليها، ولا حدود مشتركة، بل إن إسرائيل زودت إيران بكميات كبيرة من السلاح المتطور خلال الحرب العراقية ndash; الإيرانية، وهذا ما صار معروفا باسم quot;إيران غيت.quot; إن التوتر بينهما بدأ مع مشروع التسلح النووي الإيراني، وتهديدات أحمدي نجاد. إن النظام الإيراني ليس إلى هذه الدرجة من الحماقة لمهاجمة إسرائيل رغم مزايداته الموجهة للاستهلاك المحلي. على صعيد آخر، فإن هذه التهديدات المتواصلة عن quot;محو إسرائيلquot; قد تعطي الأخيرة ذريعة لمهاجمة المواقع النووية الإيرانية، كما وقع مع الهجمة الإسرائيلية على الموقع النووي العراقي في أوائل الثمانينات الماضية.
أجل، لماذا تبقى إسرائيل تحتكر السلاح النووي من بين دول المنطقة؟؟ سؤال وجيه ومطلوب طرحه، ولكن كلمة الحق هذه لا ينبغي أن تجعلنا نبرر التسلح النووي الإيراني، والمخاطر الكبرى الناجمة عنه، وأن ننسى أن نظام ولاية الفقيه لا ينضبط، ولا ثقة بنواياه ووعوده كما كان نظام صدام، ونحن نعرف درجة المراوغة والتضليل في وعود إيران عن العراق.
مرة أخرى، وماذا عن قنبلة إسرائيل؟1 موضوع يتطلب معالجة خاصة في مقال قادم.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه
التعليقات