كان الرئيس الفرنسي قد قدم برنامجا انتخابيا يتضمن وعودا وتعهدات كثيرة.
أولا: في السياسة الداخلية
لقد تعهد سركوزي :
1- باتباع سياسة الانفتاح السياسي على الشخصيات ذات الكفاءات من خارج حزبه، ممن يتفقون مع الخطوط العريضة لبرنامجه. بعد فوزه ضم عددا من الوزراء من بين الشخصيات الاشتراكية وأهمهم كوشنر وزير الخارجية. إن سياسة الانفتاح هذه تشمل أيضا الانتخابات التشريعية والبلدية. إن الحزب الاشتراكي هاجم بعض تلك الشخصيات مركزا الحملة ضد سركوزي باتهامه بالنهج المكيافيلي. أما الرئيس الفرنسي ومساعدوه فيعتبرون سياسة الانفتاح منسجمة مع إيمان عميق بوجوب حشد كل الكفاءات في خدمة فرنسا.
2- إخراج سوق العمل من قوقعة ال 35 ساعة أسبوعيا التي فرضها الحكم الاشتراكي السابق. إن هذه قضية ساخنة اصطدمت كل محاولة لحلحتها بمقاومة ضارية من اليسار ونقابات العمال. إن اليسار الفرنسي وقيادات معظم نقابات العمال لم يخرجوا بعد من التشرنق الأيديولوجي المتصلب، خلافا لنظرائهم في دول غربية أخرى، بما فيها ألمانيا عند حكم الاشتراكي شرويدر الحليف القوي لشيراك وحيث تم وضع حد 39 ساعة عمل. إن نقابات العمال الفرنسية لا تمثل غير نسبة ضعيفة من مجموع العمال بالعكس من النقابات الإسكندنافية والبريطانية مثلا. إنها متمسكة بكل امتيازاتها الضخمة وتخاف كل تجديد وإصلاح بحجة أنهما يهددان مصالح العمال، وهي ستطيع جر بقية العمال، بالتواطؤ مع التلفزيون، وراءهم للشارع ضد الحكومة وضد قرارات البرلمان أحيانا، بل وحتى ضد قرارات يعتمدها المجلس الدستوري الأعلى كما حدث عام . كما تستخدم مع منظمات الطلبة أساليب الضغط والعنف لفرض الإضرابات كما حدث للطلبة عام 2006، إذ وضعوا المتاريس أمام السوربون لمنع الطلبة الراغبين في الدوام، بل احتلوا الجامعة وأحرقوا الكثير من الملفات الهامة، وفي خارج المبنى هاجموا بعض المكتبات ومحلات بيع الهمبرغر. لقد أدى تحديد ساعات العمل الأسبوعي ب35 ساعة إلى حرمان الراغبين في العمل أكثر للحصول على الأكثر مع ما يعنيه ذلك من زيادة الثروة الوطنية.
3- خدمات الحد الأدنى للمواطنين أيام إضرابات وسائل النقل العامة، كالقطارات والمترو والباص. هنا أيضا كانت النقابات والاشتراكيون يعارضون دوما وبقوة أية درجة من الخدمات العامة بحجة تجاوزها على حق الإضراب. وللعلم، فإن هذه قاعدة موجودة في الدول الغربية الأخرى، حيث لا يجب ترك الأكثرية العظمى من المواطنين حيارى وعاجزين عن العمل أو المدرسة أو المستشفى، ألخ. أكثر من ذلك اعتادت النقابات الفرنسية إعلان إضرابات مفاجئة دون سابق إشعار للسلطات وللمواطنين، وهي المسماة بالإضرابات الوحشية. إن خدمات الحد الأدنى لا تعني المس بحق الإضراب ولكنها تعني الانسجام بين الحق في الإضراب وبين المصالح العامة للمواطنين والبلد.
4- لقد وفى الرئيس الفرنسي بتعهده وقدمت الحكومة هذه الأيام مشروع قرار يتضمن، فيما يتضمن، وجوب تقديم النقابات إشعارا بكل إضراب قبل 48 ساعة. لقد نوقش المشروع في البرلمان وسط مشادات ومناقشات حادة واعتمد أخيرا بالأكثرية وعارضه الاشتراكيون كعادتهم! ويبدو أنه من المؤكد أن يتم في المستقبل العمل لتحقيق نفس القاعدة في الجامعات والمدارس، وهو ما تعارضه بشدة منظمات الطلبة والأساتذة، رغم أن آباء الطلبة يطالبون بذلك حرصا على عدم انقطاع بناتهم وأولادهم عن التعليم.
5- إصلاح النظام الجامعي بمنح الجامعات صلاحيات ذاتية. لقد قدمت الحكومة مشروع قرار بهذا الشأن ولكن منظمات الأساتذة والطلبة عارضته، وبعد مشاورات معهم جرت تعديلات كثيرة على المشروع واعتمد، ولكن القرار جاء أضعف بكثير من الأصل.
6- تخفيف عبء الضرائب التي هي أثقل في فرنسا من أية دولة غربية أخرى، مما أدى إلى نزوح آلاف الأثرياء وأرباب العمل لدول غربية أخرى، واستثمار الثروة هناك. لقد وجهت الحكومة لهم بالعودة، ولكن من المشكوك فيه استجابتهم ما لم يتم إصلاح حقيقي على نظام الضرائب.هذا وسوف نعالج في المقال التالي السياسة الخارجية الفرنسية، وهي التي تهمنا أكثر.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية
التعليقات