ترددت الأيام القليلة الماضية وكالعادة من مصادر إسرائيلية معلومات عن فكرة (نشر قوات أردنية في الضفة الغربية لمساعدة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على مكافحة العناصر المتطرفة) حسب ما كشفت صحيفة جروزاليم بوست عن تأييد رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت لهذه الفكرة وأنه ناقش هذه الفكرة مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. ولولا أن مصدر الخبر صحيفة إسرائيلية لما اهتمت به وسائل الإعلام العربية، رغم نفي مصادر الديوان الملكي الأردني لبحث الموضوع مع الجانب الإسرائيلي، إلا أن خلفية الموضوع كانت ترددت قبل أيام على لسان أكثر من مسؤول في السلطة الفلسطينية ومنهم رئيسها محمود عباس الذي طالب ب (قوات دولية إلى قطاع غزة لحماية الفلسطينيين هناك والمساعدة على إجراء انتخابات عامة)، وهي الدعوة التي رفضتها حركة حماس بشكل قطعي ضمن رفضها دعوة عباس لإجراء انتخابات عامة، وهي الانتخابات التي تستطيع السلطة الفلسطينية إجراءها في الضفة رغم مقاطعة حماس لها، إلا أنها لا تستطيع إجراءها في القطاع الواقع تحت سيطرة حماس دون أي وجود لحركة فتح أو السلطة الفلسطينية بعد أن تم (تحريره) منها. ومن الواضح أن غالبية الفصائل والفعاليات الفلسطينية ترفض فكرة نشر القوات الدولية في القطاع، ويؤيدها فقط فريق السلطة الفلسطينية والقلة المتحالفين معها، على أمل أن يكون وجود هذه القوات إنهاء لانقلاب حماس ونتائجه الميدانية، لأنه لا تستطيع السلطة الفلسطينية مهما عززت من قواتها الأمنية أن تعيد السيطرة على القطاع بسبب عدم وجود امتداد جغرافي إلا من خلال المعابر والمناطق تحت السيطرة الإسرائيلية، وهذا ما لن توافق عليه إسرائيل فالوضع الفلسطيني القائم بعد سيطرة حماس على القطاع هو أكثر مما كانت تتمناه إسرائيل،فحماس تستجدي من إسرائيل الغذاء والماء والدواء كي تستطيع الاستمرار في سيطرتها على القطاع، وفتح والسلطة مشغولتان في الضفة بتصحيح أوضاع ما بعد الانقلاب و التدخلات والاعتقالات الإسرائيلية شبه اليومية في الضفة، فهي تفرج عن دفعة من الأسرى وتعتقل دفعة جديدة، و كنتيجة فإن الوضع الفلسطيني الحالي هو أكثر الأوضاع راحة لدولة إسرائيل، فالفلسطينيون في القطاع والضفة مشغولون ببعض عبر اتهامات وتهديدات لا تعود إلا بالراحة على الأمن الإسرائيلي.

قوات أردنية: مرفوضة أردنيا أولا
ووسط انشغالات الفلسطينيين بموضوع القوات الدولية بين رافض وراغب، ولمزيد من خلط الأوراق وتشتيت الأفكار طرحت الصحافة الإسرائيلية فكرة استقدام قوات أردنية للضفة الغربية بحجة دعم السلطة الفلسطينية في مواجهة حركة حماس (العناصر المتطرفة حسب تعبير الصحيفة الإسرائيلية)، ومن هم وراء هذا الخبر يعرفون حساسيته لكون الضفة الغربية كانت حتى عام 1967 جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، وتمّ فصلها بسبب الاحتلال وقانونيا بعد القرار الأردني بفك الارتباط مع الضفة عام 1988 تلبية لطلب منظمة التحرير وتأكيدا للدولة الفلسطينية المعلن عنها في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العام نفسه، ونفس المصادر الإسرائيلية طرحت في أوقات سابقة فكرة عودة قطاع غزة للإدارة المصرية كما كان قبل عام 1967 أيضا وهو ما رفضته كذلك السلطات المصرية. وأعتقد أن استقدام قوات أردنية للضفة الغربية أمنية إسرائيلية ملحّة لأنها ستخلط الأوراق من جديد وتشعل حساسيات من شأنها لفت الأنظار بعيدا عن الاحتلال الإسرائيلي ومماطلته في تنفيذ الالتزامات الدولية التي نصت في اتفاقية أوسلو على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في نهاية عام 2005، ورغم ذلك يزداد الاحتلال تعنتا وحربا للفلسطينيين في كافة نواحي حياتهم. والدليل على الرغبة الإسرائيلية في خلط الأوراق وتشتيت الانتباه عن احتلالها رفضها المتواصل منذ سنوات ومن قبل الخلافات الحماسية الفتحاوية لعودة قوات بدر التابعة لجيش التحرير الفلسطيني والمتواجدة في الأردن منذ سنوات طويلة، وخلال السنوات الأربعة الماضية كانت المماطلات الإسرائيلية تراوح بين هل تسمح لعودة ألف أو ألف وخمسمائة من هذه القوات في حين أنها كلها لا تزيد عن ألفين، ثم هل يعودون وحدهم أم مع عائلاتهم وحتى اليوم لم يعد ولن يعد أحد منهم، من هنا كانت الملهاة الجديدة حول قوات أردنية في الضفة الغربية، والسلطات الإسرائيلية تعرف مسبقا الرفض الأردني الرسمي والشعبي لهذا المطلب الذي يهدف إلى خلط الأوراق وإشعال حساسيات لا يستفيد منها إلا الاحتلال، لذلك يستمر التأكيد الرسمي الأردني على أعلى المستويات أنه لا عودة عن قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية، ولا حديث عن العلاقة بين الفلسطينيين والمملكة الأردنية الهاشمية إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة المعترف بحدودها دوليا، ثم يقرر الشعبان نوع العلاقة التي يريدانها كأية علاقة بين شعبين عربيين تتقرر من خلال الإرادة الشعبية، وضمن نفس المسار يعلن الأردن رفضه لدخول قوات أردنية للضفة الغربية مهما كان الهدف المعلن لأن المخفي هو الأهم ومرفوض أردنيا وفلسطينيا.
إن أكبر إخلال بالأمن الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة هو الاحتلال ذاته، ومنذ عام 2002 يستمر الاحتلال في تدمير مؤسسات السلطة وبنيتها الاقتصادية والأمنية، لذلك ينبغي عدم الانسياق وراء أطروحات الإعلام الإسرائيلي ونشر أخباره المضللة فهو دائما ليس بريئا.

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية