أثناء وجود السياسي اليمني الكبير عبدالكريم الإرياني في باريس قبل سنوات استشهد على معارضة اليمنيين لمبدأ توريث الحكم في بلادهم بما يقوله أهالي مدينة ذمار اليمنية أن التوريث لا يجوز شرعا بناء على القاعدة القرآنية الورادة في سورة النساء quot;ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم...quot;. هذه القاعدة الشرعيةrlm;، وإن كان الإرياني قد أوردها من قبيل التندر إلا أنها توضح نظرة الشعب اليمني ليس إلى الوريث المحتمل، ولكن أيضا إلى الحاكم الحالي الذي يعتبر حكمه لليمن زواجا كاثوليكيا لا مجال فيه للطلاق أوالإنفصال. وهذه النظرة أيضا يمكن أن تنطبق على المصريين الذين يرون في الرئيس حسني مبارك رئيسا أبديا ليس مفروضا عليهم فحسب بل يرغب أيضا في فرض نجله لاحقا بصورة قد تحبط توقهم للتغيير.
وقبل البدء في المقارنة بين الحالة المصرية والحالة اليمنية فيما يتعلق بتوريث الحكم لابد من الإ شارة إلى أن توريث الحكم في مصر إذا ما تم، فقد يكون فيه نقلة نوعية للحكم من العسكريين إلى المدنيين بحكم إن الوريث المرشح جمال حسني مبارك ينتمي إلى السلك المدني، وهذا التغيير رغم السلبيات الأخرى المحيطة به قد يعتبر خطوة إلى الأمام إذا ما استمر الحكم بأيدي المدنيين وتم الإحتكام في وقت لاحق لآلية ديمقراطية في التبادل السلمي للسلطة. أما في الحالة اليمنية فإن نجل الرئيس اليمني العقيد أحمد علي عبدالله صالح ينتمي للمؤسسة العسكرية بصفته قائدا للحرس الجمهوري، وبالتالي فإن توريث الحكم في اليمن سينجم عنه نظام جديد أقل ما يمكن أن يوصف به أنه نظام عسكري وراثي، وبهذا سيجمع النظام الجديد بين سوءتين في وقت واحد بشكل لن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى استقرار في البلاد.
وبما أن اليمنيين في تاريخهم المعاصر يميلون لتقليد ما يحدث في مصر، ويتأثرون بما يجري فيها فإن السعي الحثيث لتوريث الحكم في اليمن يمضي على قدم وساق ربما بنفس السرعة التي يتجه فيها جمال مبارك نحو خلافة والده. ويقوم الإعلام اليمني بتغطية نشاطات ولي العهد أحمد علي عبدالله صالح بالطريقة نفسها التي يتناول فيها الإعلام المصري الرسمي أنشطة ولي العهد جمال حسني مباركrlm;, كما يجري التخلص من القيادات المدنية والعسكرية المناوئة لتوريث الحكم ربما بحدة أكبر مما يتم في مصر. والشئ المشترك في السعي المصري اليمني نحو توريث الحكم للأبناء هو أنها خطوة محفوفة بالمخاطر لا أتوقع لها أن تتم في أي من البلدين بنفس السلاسة التي تمت بها في سوريا.
أما الفوارق بين مصر واليمن في هذا الشأن فتتلخص في أن المؤسسة العسكرية والأمنية المصرية مازالت تراقب ما يجري بحذر شديد، ويمكن أن تتدخل في أي لحظة لحسم الأمر ومنع نشوب فوضى، ومن غير المستبعد أن تواجه المؤسسة العسكرية المصرية أي صعوبة في حسم الأمور، لأن الشعب المصري شعب غير مسلح، وليس لدى الإسلاميين الراديكاليين من حاملي السلاح القدرة على استلام الحكم، كما أن جماعة الإخوان المسلمين لا يبدو أنها تسعى لحكم البلاد في هذه الآونة، وليس بمقدورها مواجهة العسكر إذا ما قرر العسكر إنقاذ البلاد من فوضى تلوح في الأفق.
وفي الحالة اليمنية لا توجد مؤسسة عسكرية يعتد بها لأن المؤسسة العسكرية والأمنية تم خطفها منذ زمن من قبل أسرة واحدة، وإن خرجت بعض المناصب الأمنية و العسكرية الحساسة عن نطاق الأسرة فهي لا تخرج عن نطاق قبيلة الرئيس، وإذا خرجت عن قبيلة الرئيس فالأفراد المعينون بتلك المناصب قليلون ومعروفون بشخصياتهم الضعيفة وإنعدام الطموح السياسي لديهم، وبالتالي فإن حسم الأمور عسكريا في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من داخل الأسرة الحاكمة، في أول لحظة تشعر بها الأسرة أن إيصال نجل الرئيس إلى الحكم قد يؤدي إلى إنفلات الأمور من سيطرتها.
ورغم هذه الفوارق وغيرها بين الحالة المصرية واليمنية إلا أن هناك أوجه شبه كثيرة لعل أهمها احتمال لجوء قوى في البلدين إلى تصفية الخليفة قبل أبيه. فهناك في مصر من يعتبر أن وصول جمال مبارك للحكم يمثل إنقلابا خطيرا على مبادئ ثورة 23 يوليو، وعلى أسس الجمهورية ذاتها، وقد يظهر هناك من هو مستعد للتضحية بحياته في سبيل منع مثل هذا الأمر من الحدوث، وبالتالي فإن الخطورة المحدقة بحياة جمال مبارك تفوق إلى حد كبير خطورة استهداف حياة والده الذي نجا من محاولات اغتيال عديدة. كما أن المؤسسة العسكرية والأمنية في مصر في حال استشعرت خطر الفوضى نتيجة عدم القبول الشعبي لجمال مبارك فإنها ستجد نفسها بين خيارين إما مصر وإما جمال مبارك ولن تختار المؤسسة بديلا عن مصر واستقرار مصر مهما علا شأن الرجل المطلوب الدفاع عنه.
وفي اليمن هناك شبه كبير في الخطورة المحدقة بحياة نجل الرئيس سواء في عهد حكم أبيه أو بعد توليه الحكم إذا ما تسنى له ذلك، والسبب أيضا مشابه، وهو أن قطاعا واسعا من اليمنيين تشبعوا بأفكار ثورة 26 سبتمبر المدعومة من مصر، ويعتبرونها ثورة ضد الحكم الوراثي المتخلف، وربما يوجد في اليمن أيضا من هو على استعداد أن يضحي بحياته في سبيل منع انقلاب ضد الثورة ومنع العودة إلى نظام وراثي من طراز جديد. ومما يزيد من الأخطار المحيطة يحياة نجل الرئيس وجود عناصر قوية داخل الأسرة الحاكمة في اليمن لا ترفض الوريث كشخص فقط، بل ترفض وضع الأسرة في مواجهة خطرة مع الشعب خصوصا مع وجود غليان واحتقان يعم المحافظات اليمنية جنوبا وشمالا، ووجود تململ واضح من استمرار سياسات الفساد والإفساد التي قادت لمزيد من الفقر والتجويعrlm;, وبالتالي فإن الأسرة مستعدة للتضحية بنجل الرئيس وبأبيه إذا ما شعرت أنها ستخسر كل شيئ في وجودهما.
كما أن هناك خطورة واضحة على حياة نجل الرئيس اليمني من قبل الجماعات الإرهابية، لأن والده طوال السنوات الماضية يحاول تقديم نجله للأميركان بأنه رجلهم في اليمن وبأنه الساعي الأول لمكافحة الإرهاب، سعيا منه للحصول على مباركة أميركا للحاكم المقبلrlm;، دون أن يدرك أن السياسيين الأميركيين يحبون من يشتمهم نهارا ويحفظ مصالحهم ليلا وليس العكس. وإذا كان الأب قد استطاع احتواء قادة الجماعات الإرهابية وعقد معهم حوارات واستقطب الكثير منهم إلى صفه في قتال quot; العلمانيين الكفرةquot; فإن الوريث لم يعرف أنه على علاقة طيبة بأي من الجماعات الإرهابية، على الأقل وفقا للمعلومات العلنية المتوفرة، وهذه الجماعات ربما أنها تسكت عن الإبن حاليا إرضاء للأب ولكنها سرعان ما ستبدل أهدافها في حال انتهاء الهدنة غير المعلنة بين النظام وهذه الجماعات وما أكثرها في اليمن.
ويمتاز النظام المصري عن النظام اليمني في هذه النقطة أنه لا يهادن الجماعات الإرهابية، ولا يتعامل معها كورقة سياسية بل يعتبرها عدوا استراتيجيا لا يمكن الحوار معه أو إعطائه مكاسب سياسية لأن ذلك خطأ يشجع على الإرهاب، ويختلف المصريون مع الأميركيين على كل شئ إلا في التعامل مع الإرهاب إذ أن النظام المصري الحالي يقاوم الإرهاب لأن الإرهاب يهدد وجوده ويهدد استقرر مصر نفسها، وعانت منه مصر قبل أن تعاني منه الولايات المتحدة، وكثيرا ما حذرت مصر الأميركيين من الإرهابيين من قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، في حين أن النظام اليمني يحارب الإرهاب بالتقسيط، وعلى مراحل استجابة للضغوط الأميركية، ولا يعتبر النظام الجماعات الإرهابية عدوا يهدد وجوده بل قوى سياسية يمكن الإستفادة منها لمواجهة قوى أخرى، و لهذا كثيرا ما نجد جماعات وعناصر إرهابية مصرية لا تجد مأوى لها إلا في اليمن، ويحاول النظام السياسي في اليمن مقايضة هذه العناصر بلاجئين سياسيين يمنيين يقيمون في مصر ولم يحمل أحد منهم سلاحا في حياته، حيث أن معظمهم ينتمون للقوى العلمانية ولا علاقة لهم بالجماعات الإسلامية لا السياسية ولا الإرهابية.
وعندما يتلقى النظام اليمني ضغطا من مصر لتسليم عناصر إرهابية، فإن اليمنيين يردون من باب المماطلة للمطالبة بالسياسي علي مهدي المدير السابق لمكتب السياسي عبدالرحمن الجفري المقيم حاليا في اليمن، أو زميله زنون المقيم أصلا في السعودية وليس في مصرrlm;, أو عبدالله سلام الحكيمي المرشح الدائم للرئاسة.
إن خلط التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والقضاء على العناصر الإرهابية بالمماحكات السياسية خطأ كبير، لا نتوقع أن تقبل به مصر، ولا نتوقع أن يفيد اليمن، ,والوسيلة المثلى لمكافحة الإرهاب هي البدء بمكافحة الفساد، ووقف كل الخطوات الحثيثة نحو توريث الأنظمة الجمهورية، لأن التوريث قد يحول الشعب عن بكرة أبيه في مصر أو اليمن إلى شعب من الإرهابيين، وقد يتغاضى الشعبين المصري واليمني عن الأموال الحرام التي اكتسبها أقارب الرئيسين، ولكن الشعبين لن يقبلا مطلقا تحويلهما إلى مجرد ممتلكات من العبيد والإماء يتوراثها الأبناء عن الآباء. وإذا كان الآباء قد تمكنوا من سرقة ماضي وحاضر البلدين فإنه من غير المنطقي السماح لهم أيضا بسرقة مستقبل الأجيال التي تتوق للتغير ولحياة أفضل بعيدا عن سياسات الفساد والترويع.

كاتب ومحلل سياسي يمني مقيم في واشنطن
[email protected]