هل من مزيد يكتب عن مخاطر وعواقب التطرف الإسلامي، الذي يولد منه الإرهاب الدموي الذي يفترس الضحايا في كل مكان؟ ماذا يمكن أن يضاف للسلسلة التي لا تنتهي من المقالات، والدراسات، والتصريحات، عن الموضوع، وخصوصا بعد 11 سبتمبر منذ ست سنوات؟ لقد نشرت عشرات وعشرات من مقالات ودراسات خيرة الكتاب العرب والعراقيين مع كل جريمة كبرى تقترفها شبكات الإرهاب الإسلامي ndash; سواء بعد جرائم 11 سبتمبر، أو عمليات لندن، أو مدريد، أو بالي، أو مراكش، أو شرم الشيخ، وجرائم القاعدة اليومية في العراق، وحرائق quot;فتح الإسلامquot; في لبنان، ألخ. ألخ. الحقيقة أن الموضوع يفرض نفسه حتما مع كل جريمة جديدة كبرى، ومع كل بروز وتصعيد جديدين لخطر الإرهاب الإسلامي على النطاق الدولي. ولذا لا يمكن الصمت، بل التعليق، والتذكير بالحقائق والدروس المرة واجبان.
إن بعض الكتاب لا يزالون يحاولون، بطريقة أو أخرى، بث وهم عداء الغرب للإسلام، ومنهم من ينسب هذه الأعمال الهمجية إلى مجرد أقلية من المسلمين في الغرب. ويستغربون الحساسية تجاه بعض المساجد. هذا مثلا ما ورد مؤخرا في مقال ضمن quot;جريدة الجرائدquot;. إن الموضوع، كما قلنا، يفرض نفسه عند وقوع أحداث جديدة، وكذلك اليوم في ذكرى 11 سبتمبر.
لقد تمت مؤخرا في الدانمرك، ولندن، وألمانيا سلسلة اعتقالات لإسلاميين متهمين بالإعداد لهجمات إرهابية جديدة، سواء بالتفجيرات، أو باستعمال أسلحة فتاكة كالسلاح الكيماوي أو الجرثومي. أما الجزائر فقد شهدت هجمتين جبانتين دمويتين جديدتين، راح العشرات والعشرات من قتلى وجرحى ضحايا لهما.

نعتقد أنه لا مناص من التذكير المستمر بعدد من الحقائق التي سبق التأكيد عليها مرارا وتكرارا، ومنها:
1 ndash; صحيح أن أقلية من المتطرفين الإسلاميين هم من يقترفون هذه الجرائم، ولكن هذه الأقلية هم الأكثر صخبا وحضورا في الساحات الغربية، وهم يملكون نفوذا كبيرا على الشباب المسلم، ويحظون برفد فكري ودعائي من العشرات من أئمة الجوامع ودعاة التطرف الآخرين، أي من فقهاء الإرهاب. أما أكثرية المسلمين في الغرب، وما عدا أقلية محدودة من المثقفين، فهي إما صامتة سلبية، أو مرتاحة من العمليات ارتياحا لا تستطيع إعلانه، في حين أن الجميع لا يحركون ساكنا للبرهنة عمليا على أن الأكثرية ضد الإرهاب، وأنها تطالب بمعاقبة الجناة، ووقف كل دعاية للعنف والكراهية باسم الإسلام. نسأل أية مظاهرة قام بها المسلمون في العواصم الغربية التي شهدت تكرارا للعمليات الإرهابية باسم الدين؟ كيف يمكن إقناع المواطن الغربي بأن الإسلام لا يقبل بسفح دماء الأبرياء باسم هذه القضية المفتعلة أو تلك؟؟ ماذا يقولون أمام التفجيرات، والضجة المفتعلة الصاخبة، تارة عن الحجاب، وأخرى عن رسوم كاريكاتورية، وثالثة عن دراسة أكاديمية لا تعجب المتطرفين، أو عن تحطيم محلات بيع الخمور في بعض المدن الأمريكية؟1 عندما وقعت جرائم لندن الإرهابية أصدرت الجمعيات الإسلامية البريطانية بيانا باهتا لا يدين الإرهاب بصراحة، وإنما يكتفي بالقول بأن الإسلام هو ضد قتل الأبرياء؛ هذا بينما تسيطر جماعة أصولية واحدة على 600 مسجد في بريطانيا، [ إيلاف في 9 سبتمبر الجاري]، ومن هذه المساجد 170 مسجدا في لندن وحدها، وفي فرنسا شخصت الأجهزة المختصة منذ سنوات عشرات من المساجد التي يديرها متطرفون، ومنها ما جندت، وتواصل تجنيد، متطوعين quot;للجهادquot; في العراق وأفغانستان، وقد تم اعتقال عشرات منهم في فرنسا وفي عواصم أخرى، ومنهم من قتلوا في العراق في المواجهة مع القوات الأمريكية والعراقية.
لقد سبق لنا ذكر الكثير من هذه الحقائق في سلسلة مقالات لنا عن quot;مخاطر التطرف والإرهاب الإسلاميينquot;، وعند استعراض الكتاب الفرنسي quot;الإسلاميون هم فعلا هناquot;، وفي مقالات أخرى، منها مقال بعنوان quot; إيديولوجية التطرف الإسلامي: إرهاب بلا حدود.quot;
أن تُقترف العمليات الإرهابية في نيويورك وواشنطن، وفي لندن، ومدريد، وأن يتم اغتيال مثقفين غربيين باسم الإسلام، وتُهاجم حرية التعبير في الدانمرك وفرنسا ودول أخرى، وأن تُقترف جرائم مماثلة في الدول العربية، والإسلامية، والآسيوية، إنما هو التفنيد الأكبر للحجج المتهافتة للإسلاميين، كالقول إن ذلك من أجل فلسطين، أو ردا على quot;احتلال العراقquot;، أو ردا على quot;العداء الغربي للإسلامquot;، وغير ذلك من لافتات بائسة. في العراق مثلا يدعون محاربة quot;الشيطان الأكبرquot; فيما هم يقتلون المواطنات والمواطنين الآمنين.
2 ndash; حقيقة كبيرة أخرى أشار لها العديد من الكتاب، وخصوصا بعد جرائم لندن، وهي دور الغرب نفسه في إفساح المجال لنمو التطرف الإسلامي، سواء بالدعم الأمريكي للإسلاميين في أفغانستان قبل الانسحاب السوفيتي، أو المطالبة بالانتخابات في الدول العربية والإسلامية بأي ثمن حتى إن كان معروفا سلفا أنه في بعض الحالات سوف يصعد الإسلاميون للسلطة. قد يقال إنهم quot;معتدلونquot;، ولكن لم نسمع منهم يوما إدانة حازمة وصادقة للعمليات الإرهابية، هذا إن لم يبرروها بمسؤولية السياسات الغربية، والأمريكية بالذات. نعرف أيضا أن إدارة كارتر وكل الغرب ساعدوا على صعود خميني بخذلانهم للشاه، وذلك باسم حقوق الإنسان، في حين استبيحت هذه الحقوق أضعافا في عهد ولاية الفقيه، ناهيكم عن دعم هذا النظام للتنظيمات الإرهابية في العراق، وأفغانستان، وبصرف النظر عن مذهبها، سواء كانت الطالبان، أو القاعدة، أو جيش المهدي ومليشيات حزبية أخرى. أما اليوم، فتوجد ظاهرة غربية جديدة تشجع من حيث النتيجة الإرهاب ونعني التراجع أمام ابتزاز الإرهابيين بخطف الرهائن، فتقدم بعض الدول الغربية أموالا طائلة لطالبان والقاعدة لتحرير هذا الصحفي أو ذاك أو بعثة دينية أو مختطفين آخرين، علما بأن على هذه الحكومات منع سفر الكثيرين من هؤلاء للمناطق الساخنة جدا.
3 ndash; هناك أيضا خرافة صراع الحضارات بين الإسلام والغرب، وكما قالت صحيفة لوموند في عدد 9 تموز 2005، فإن الصراع الحقيقي هو quot;بين عالمين: عالم قائم على الديمقراطية والحرية وعالم قائم على العنف، والاستبداد، والتعسف.quot;
إننا إذ نتحدث مجددا في ذكرى 11 سبتمبر، وبعد اعتقالات لندن وألمانيا والدنمرك، وتفجيرات الجزائر، عن مخاطر الإرهاب الإسلامي، والتطرف الذي يولده، وإذ ننتقد مواقف المؤسسات الدينية الإسلامية لاتخاذها مواقف مائعة أو تبريرية، فنود تحية رجل دين عراقي كان من أوائل من أدانوا جرائم 11 سبتمبر. إنه الشهيد السيد عبد المجيد الخوئي، الذي اغتاله أنصار مفتدى الصدر بكل خسة وغدر في الحرم الحيدري بالنجف الشريف، وذلك بعد يوم واحد فقط من سقوط صدام. لقد نشر الخوئي في يوم 4 سبتمبر 2001 مقالا في صحيفة quot;الزمانquot; اللندنية تحت عنوان quot; من هو الخاسر الأول: الإسلام أم أمريكا؟ ومن منهما الأحق بالرد؟quot;
يرد في المقال المذكور:
quot; علينا أن نعي بأن ذلك الحدث الإجرامي قد استهدف العرب والمسلمين بالأساس..quot;، quot;إن جميع الخسائر [ الأمريكية ] تصغر أمام ما خسره المسلمون من وجودهم المعنوي، ورصيدهم الأخلاقي، وقيمهم الدينية، وقد تحولوا بين عشية وضحاها أمام الرأي العام إلى قتلة ومجرمين .ّ المقال يرد على الحجج السياسية واللافتات التبريرية للإرهاب، قائلا:
quot; نريد أن نكون موضوعيين، ومنطقيين، وصريحين مع أنفسنا، وأن نبتعد عن الشعارات العاطفية الفضفاضة، والتلاعب بالألفاظ لإرضاء العوام، ممن يفرحون ويصفقون عن جهل، ويحزنون ويبكون عن جهل.quot; quot; إن من قام بهذا العمل الوحشي قد اعتدى على المسلمين أناسا وعلى الإسلام رسالة أخلاقيةquot; ويدعو الخوئي إلى الوقوف في وجه مرتكبيه بكل جرأة ووضوح.quot;
ترى كم عالم ديني، وإمام جامع، ونجم إسلامي تلفزيوني، كشيخ المؤمنين القرضاوي، قد أدان تلك الجريمة الشنعاء بهذا الوضوح والصرامة، ومن غير التلطيف أو تبرير سياسي؟