ينعقد اليوم، الخامس والعشرين من حزيران، في باريس مؤتمر دولي عن مأساة دارفور، التي هي في الوقت نفسه فضيحة عربية كبرى. منذ سنوات تدور في غرب السودان حملة إبادة جماعية لسكان المنطقة لمجرد اختلاف العرق. إنها حرب إبادة حقيقية ذهب ضحاياها حوالي ربع مليون، وآلاف النساء المغتصبات، وأكثر من مليونين ونصف المليون مهجر هارب من جحيم الدولة الإسلامية. إن فرق quot;الجنجويدquot;، التي تسلحها وتمولها حكومة السودان، تمارس منذ ثلاث سنوات حملة إبادة عرقية شاملة هي بحد ذاتها تكشف مدى انخراط الإسلام السياسي في عدائه للعروق والأديان الأخرى، ومدى زيف ادعاءات الإسلاميين عن الأخذ بالتسامح الديني والعرقي. حرب يشنها عضو في الجامعة وسط صمت عربي مذهل. إن المجتمع الدولي يبذل منذ أكثر من عام جهودا مع الحكومة الإسلامية لوقف هذه الحرب العرقية، ولكن بلا جدوى. والسودان في هذا التعنت والإصرار يعتمد على الدعم الصيني القوي بسبب ما للصين في السودان من مصالح نفطية وتجارية كبيرة. كما يستغل النظام السوداني عدم اكتراث الجامعة وسي موسى، الذي ازداد أداء الجامعة في عهده تدهورا وسوءا،، باستثناء الموقف الأخير بدعم محمود عباس، وهو الموقف الذي لا يمكن تقييمه بموضوعية إلا على صعيد التنفيذ.
إن الجامعة لم تتفضل حتى بحضور تحضر مؤتمر باريس،ولو كمراقب، باستثناء مصر، أما السودان فقد رفض المشاركة رغم مساعي وزير الخارجية الفرنسي.
لقد وافق السودان من قبل على قوات سلام أفريقية، ولكنه حاصرها واستخدم كل طريقة لمنعها من أداء دور ما ومؤخرا وافق على نشر قوات سلام دولية ولكن المعلقين يعتقدون أنها موافقة كلامية، وسوف تستخدم حكومة السودان كل الوسائل للتضييق عليها في حالة نشر تلك القوات.
إنه صمت جامعة السيد عمرو موسى يذكرنا بصمتها عن المجازر وحملات الإبادة زمن صدام، وسلبيتها من العراق بعد سقوط نظامه، ولا عجب إذا من تساؤل المنظمات الدولية ودول الغرب عن أسباب الصمت العربي، حكومات ومنظمات حقوق الإنسان العربية ومعظم المثقفين، عن استباحة السيد معمر القذافي لحقوق الإنسان في مأساة الممرضات البلغاريات، اللواتي اتهمن زورا بقتل أطفال ليبيا وأصدر بحقهم أحكام الإعدام، بينما العالم قام ويقوم بنشاط واسع لإنقاذهن الإعدام بحجة، لتهمة أكد كل الخبراء الدوليين على بطلانها. هنا كما في السودان يستعرضون العضلات مع الضعفاء، ويتخاذلون مع الكبار، كما حدث في حادث التفجير الليبي لطائرة لوكربي.
إن الصين تتحمل مسؤولية كبرى عن مأساة دارفور، وقد كثرت في الغرب الأصوات التي تطالب بمقاطعة الألعاب الأولمبية في بكين ما لم تضغط الصين ضغوطا قوية على حليفها السوداني لوقف حرب الإبادة التي تشكل جرائم حرب.
إن مقولة quot;عدم التدخل الدولي في شؤون تخص السيادة الوطنية لكل دولةquot; لا يجب أن تكون قانونا مطلقا ولا يجب تطبيقها على حالات دول تنتهك على أوسع نطاق حقوق الإنسان على أراضيها وتمارس سياسات التمييز العرقي والديني أو الطائفي، كما كان حال النظام البعثي الزائل.
إن مجرد وجود الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة يفند مقولة ترك حكومة أي بلد تفعل ما تشاء. إن النووي الإيراني لا يعني إيران وحدها، بل يهدد أمن المنطقة والعالم، ومن هنا محاولات المجتمع الدولي لوقف تخصيب اليورانيوم في إيران وبعض العقوبات الدولية التي فرضت على دولة ولاية الفقيه. كما أن حالات البوسنة وكوسوفو تؤكد لنا أن الحكومات الاستبدادية والعنصرية يجب وقفها عند حدها بالقوة من الخارج، وتقديم المسؤولين عن جرائم الحرب للمحاكم. كذلك حالة صدام، حين فرض مجلس الأمن أكثر من عشرة قرارات دولية عليه بشأن قضية التسلح المحرم، ولكن مجلس الأمن قصر وتخاذل في اتخاذ قرارات أكثر حسما، ليس فقط عن الأسلحة التي استخدمت فعلا ضد الشعب الكردي، ولكن أيضا لأن النظام المنهار كان يمارس أوسع حملات التمييز العنصري والطائفي، وينتهك بأكثر الطرق وحشية حقوق الإنسان العراقي. هنا لعبت المصالح النفطية والتجارية لدول كبرى في مجلس الأمن دورا حاسما في منع مجلس الأمن من المضي قدما في معاقبة ذلك النظام، وتهديده باستخدام العمل المسلح ما لم يوقف ممارساته، وفي حالة عدم الرضوخ التدخل الدولي عسكريا.
إننا لو قرأنا ميثاق الأمم المتحدة بإمعان، لوجدنا، في الديباجة خاصة، ما يبرر التدخل الدولي العسكري في حالات الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان، وليس فقط لحالات عدوان دولة على أخرى. ولا شك أن هذا الميثاق في حاجة إلى إعادة النظر ليكون ملبيا لمستلزمات ومتطلبات الوضع الدولي الجديد باتجاه اتباع سياسات أقوى وأشد العقوبات تجاه كل حكومة تنتهك حقوق الإنسان والقوميات والأديان الأخرى على نطاق يومي ومستمر.
إن من حسن الحظ أن المجتمع الدولي اليوم، وباستثناء الصين، يتخذ جهودا حقيقية مستمرة ومكثفة لنجدة شعب دارفور، فيما العرب صامتون!
إننا نتمنى لمؤتمر باريس أن يكون خطوة عملية كبرى نحو نجدة شعب دارفور.