بعد الحادث الفريد الذي شهدته بغداد أثناء زيارة الرئيس الأميركي إليها والمتمثل بإقدام احد الصحفيين العراقيين ب رمي الرئيس الأميركي بفردتي حذائه توالت ردود الأفعال الرسمية والشعبية حول هذا الحادث حيث سخر بعضهم من مدى نجاح الديمقراطية في بلد مازال الناس فيه يتعاملون بهذا الشكل البدائي فيما عبر البعض الأخر عن شماتته بالرئيس الأميركي الذي أراد أن يلعب دور المحرر لشعب اعتاد الخضوع والعبودية وكان أفضل ما كان يحصده من حكامه الضرب بالأحذية.

آخرون عبروا عن فرحتهم بهذا العمل الذي وصفوه بالشجاع لأنه مثل أعلى درجات الولاء للوطن والثار للعرض والأرض أما البعض الأخر فقد عد الأمر عدم وفاء و نكران للجميل اعتاد العراقيون عليه بعد أن غامر هذا الرئيس بسمعته وتاريخه من اجل إعطاء الحرية لهم بعد أن كانت حلما من الأحلام وقريب من هؤلاء انبرى البعض ليدينوا هذا العمل البعيد عن اللياقة والمهنية والمهين لسمعة العراق ولتاريخه.

وهؤلاء جميعا بنظري مصيبون بقدر ماهم مخطئون لأنهم ينظرون للمسالة من زاوية واحدة هي زاوية رؤيتهم لها ولذلك لابد لهم أن ينظروا للمسالة من خلال وضع العراق بشكل عام وان يمتدوا بنظرهم إلى الجانب البعيد ليكملوا به الصورة لان بدائية العراقيين كما يفترض البعض لابد أن تكون حافزا لنشر الديمقراطية والمدنية لا العكس.

أما الشامتون فيتناسون أن حفلة الأحذية تمثل خير شهادة على أن الأمور تسير نحو الإيجاب لان العراقيين الذين كانوا يحلمون بنقد الحاكم أو حتى عتابه أصبحوا قادرين على التعامل بجرأة غير مسبوقة وكل ذلك بفضل الديمقراطية أما الذين اعتبروا العمل انتصارا لكرامة العراق المسفوحة بيد المحتل فقد تجاهلوا أن المحتل وبالذات بوش هو الذي انضج الظروف لحصول هذا الأمر الذي لم يكن بالإمكان حصوله مع أدنى مسئول وليس مع رئيس أعظم دولة في العالم.

أما فرضية عدم الوفاء فليس من الملائم تعميمها لان الذي قام بالعمل شخص واحد وهو يمثل نفسه وحسب وماقام به لايجب أن يعمم كأنه فعل الجميع و هذا الأمر ينطبق أيضا على تأثير هذا التصرف على سمعة العراق وعلى أخلاق سكانه التي حاول البعض الإشارة إلى تضررهما من هذا العمل إذن لابد أن نرى في هذا العمل جانبا أخر غير مرئي جانب تؤكده كل الآراء التي اشرنا إليها آنفا بما في ذلك النظر إليه على انه تأكيد لتوق العراقيين إلى ما يدعم النزوع الذاتي للفرد العراقي وبما ينضج ممارسته لحريته التي كان يفتقدها.

وإذا توخينا الدقة ونظرنا إلى المسالة من أعلى مضامينها لوجدنا أن ما حصل مع بوش هو تعبير عن مقدار الكبت الذي كان يعيشه العراقيون في السابق ومقدار الاهانه التي كانوا يتلقونها من حكامهم عبر العصور فما حصل ربما يؤكد قيمة النتيجة التي حققها التغيير وأهمية أن يوصل العراقيين إلى درجة من الحرية تجعلهم قادرين على أن يفعلوا مع حكامهم المسيئين ما يفعله الآخرون في الدول الراقية معهم وربما تمثل الحادثة أعلاه البشارة لذلك ورغم أن هذه الحادثة قد أثارت كل هذا الهياج وحركت كل هذه المواقف المتباينة إلا إنني أرى أن بوش قد استفاد منها كثيرا وربما دعمت موقفه أكثر لأنها ستعد شهادة نجاح مبكرة لعمل أميركا في العراق شهادة لم يكن بالإمكان تحصيلها قبل سنوات عدة.

باسم محمد حبيب