تندرج الزيارة التي يقوم بها النائب اللبناني ميشال عون لسوريا في السياق الطبيعي لسيرة الشخص ومسيرته. لم يحد الشخص يوما عن الدور المرسوم له. حاد في الشكل أحيانا وبقي دائما هو هو في الأساس. كرس حياته في خدمة النظام السوري في لبنان وعمل من أجل تفتيت الوطن الصغير وبات الآن رأس الحربة للمحور الأيراني- السوري بعدما صار السوري تحت رحمة الأيراني الذي عرف كيف يملأ الفراغ الناجم عن أضطراره ألى الأنسحاب عسكريا وليس أمنيا من الأراضي اللبنانية.
في البداية، ليس ما يمنع نائبا لبنانيا يظن أنه يدافع عن حقوق المسيحيين في لبنان والمنطقة من زيارة سوريا. هذا في حال كان هذا النائب يريد أن يتعلّم وهو في أواخر السبعينات من عمره. في الواقع، يتعلّم الإنسان في كل عمر، كما يقول المثل الفرنسي المشهور. المهمّ أن يتعلّم. من هذا المنطلق وفي حال كان النائب ميشال عون يريد وهو في هذا العمر المتقدم اكتشاف ما يدور حول لبنان وماذا في هذا العالم العربي الذي ينتمي لبنان اليه، لا مشكلة من أي نوع كان بسبب زيارته لسوريا. لا ضير في ذلك ما دام المهم أن يتعلّم، هو وأولئك الذين هم من فصيلته، شيئا عن سوريا وعن العرب والعروبة والممانعة وكيفية المحافظة على السكون على جبهة الجولان طوال خمسة وثلاثين عاما بالتمام والكمال والأستثمار في جبهة الجنوب في لبنان على حساب لبنان واللبنانيين. ليته يتعلم قبل ذلك شيئا عن لبنان وتركيبة لبنان وما هو لبنان وما يتعرّض له الوطن الصغير.
أن يتعلّم المرء متأخرا أفضل من ألا يتعلّم ابدا. يكمن الخوف، كل الخوف، في أن ميشال عون لا يتعلّم. لا يستطيع أن يتعلّم ولا يمكن ان يتعلّم وليس لديه ما يسمح له بأن يتعلّم. يذهب ميشال عون ألى سوريا وسيعود منها تماما كما كان قبل الزيارة. الدليل على ذلك أنه ذهب ألى أيران وعاد منها من دون أن يفقه شيئا لا عن أيران ولا عن النظام الأيراني ولا عن الشعب الأيراني الذي يعاني بأكثريته العظمى من النظام ومغامراته وطموحاته التي سترتد عليه عاجلا أم آجلا. لم يستوعب ما هي أيران ومن هم الأيرانيون أو طبيعة النظام وماذا تعني نظرية quot;ولاية الفقيهquot; أو ماذا يعني أن يكون هناك برنامج نووي أيراني غير مرض عنه عالميا.
مرة أخرى، من حق أي لبناني زيارة سوريا، بل من واجب أي لبناني أن يكون على علاقة طيبة بالشعب السوري وبسوريا نفسها. النظام في سوريا أمر آخر. العلاقة مع النظام السوري مرتبطة بسلسلة الجرائم المرتكبة في لبنان بدءا بمحاولة أغتيال انائب والوزير السابق مروان حماده وصولا ألى أغتيال الرائد وسام عيد الذي كان يعرف الكثير عن الأتصالات الهاتفية ودورها في سياق التحقيق الهادف ألى كشف ملابسات أغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الأخرى التي تلت ذلك.
يذهب ميشال عون ألى سوريا لأنه مجرد أداة. لا يعرف أن يكون شيئا آخر غير ذلك. أستخدم في الأنقلاب السوري على الطائف في العام 1989. ويستخدم الآن في عملية التغطية على كل الجرائم التي أرتكبت في حق لبنان واللبنانيين. كيف يمكن لقائد سابق للجيش اللبناني تبرير جريمة أغتيال الضابط الطيار سامر حنا الذي لم يفعل سوى التحليق في طائرة هليكوبتر تابعة للجيش اللبناني فوق الأراضي اللبنانية؟ من يفعل ذلك أنما قادر على أن يفعل كل شيء. طقّ شرش الحياء لدى ميشال عون الذي لا يجد من يدافع عنه سوى أولئك الصغار الصغار من النواب والوزراء والأزلام التابعين له الذين يخجل المرء من ذكر أسمائهم. قبل ذلك قبل ميشال عون الأستفادة سياسيا من جريمة أغتيال شيخ شباب شهداء لبنان. أختار الأستفادة من أستشهاد بيار أمين الجميّل والأستيلاء على مقعده النيابي معتمدا على أصوات الأرمن المضطرين ألى أن يكونوا تحت رحمة الأيراني والسوري لأسباب لا تخفى على أحد...
ليس صحيحا أن ميشال عون تحول حديثا ألى أداة لدى quot;حزب اللهquot; الأيراني، حليف النظام السوري وأداته اللبنانية. المنطق يقول أنه لا يمكن أن ينتهي ألاّ حيث أنتهى فعلا. كان منذ البداية مجرد أداة سورية وعندما ترقى صار أداة لدى الأداة. أستُخدم لأضعاف الرئيس أمين الجميّل في مرحلة معينة عندما رفض تنفيذ الأوامر التي صدرت أليه من رئيس الجمهورية وهرب ألى مكان ما تفاديا تفاديا لذلك. وأستُخدم لتسهيل عملية أغتيال الرئيس الشهيد رينيه معوّض عن طريق منعه من الوصول ألى قصر بعبدا في مثل هذه الأيام قبل تسعة عشر عاما. واستُخدم في كل ما له علاقة بأضعاف المسيحيين وتهجيرهم وأيجاد شرخ بينهم وبين المسلمين خدمة لأغراض سورية. ألم يقبل ترؤس حكومة ليس فيها سوى مسيحيين. ألم يترافق ذلك مع قصف مدفعي لمناطق أسلامية في بيروت بغية أيقاع أكبر عدد مكن من الضحايا الأبرياء بهدف توسيع الهوة بين اللبنانيين؟
من ينظر ألى تاريخ ميشال عون لا يستغرب ما يفعله الآن. هدفه الوحيد أضعاف رئيس الجمهورية والأساءة ألى المؤسسات اللبنانية. أنه الدور الوحيد الذي يتقنه، بل الدور الذي ولد من أجله. كل ما يمكن قوله أن ميشال عون يعكس أزمة عميقة لدى مسيحيي لبنان. نعم يجب الأعتراف بذلك. يجب الأعتراف بأن هناك مسيحيين ما زالوا للأسف الشديد مع ميشال عون، وهذا أمر مخجل ومعيب في آن. يجب الأعتراف بأن الرجل قادر على تهييج الغرائز وأستثارتها ويجب الأعتراف بأن هناك تقصيرا في كشف حقيقة الحال المرضية المسماة ميشال عون. هناك بالفعل تقصير على الصعيد الوطني في تشخيص الحال المرضية لشخص يعتبر نفسه quot;زعيما مسيحياquot; يقبل بأحتلال وسط بيروت مع ما يعنيه ذلك من أعتداء على الأملاك الخاصة والعامة. أنه يقبل بألحاق الضرر بمئات العائلات المسيحية والمسلمة وتغطية عملية الأنتقام من كل ما هو حضاري في لبنان. من يقدم على تصرفات من هذا النوع، لا يعود مستغربا منه زيارة سوريا بهدف واحد وحيد محصورفي أضعاف المؤسسات اللبنانية على رأسها رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والجيش اللبناني. من يقدم على تصرفات من هذا النوع يتصالح قبل كل شيء مع تاريخه. أنه تاريخ لقائد للجيش يقبل شن حرب على مسيحيين آخرين، بغض النظر عن الرأي بهم وبتصرفاتهم وقتذاك، مدعوما من كل عملاء سوريا في لبنان ونقل خطوط التماس ألى القليعات في قلب كسروان وألى الضبية والكرنتينا. حدث ذلك في العامين 1989 و1990. كل ما يفعله عون حاليا هو أستكمال المشوار. يريد التخلص من آخر مسيحي في لبنان. يريد الأنتقام من المسيحيين أولا لأنه لم يصل ألى الرئاسة. هل يصلح شبه أمّي رئيسا للبنان، علما بأن شبه الأمي أخطر بكثير من الأمّي. الأمّي يعرف أنه أمّي في حين أن شبه الأمّي يعتقد أنه يعرف كل شيء في العالم. الواقع أنه يظنّ أنه يعرف سوريا وأيران في حين أنه لا يعرف شيئا عنهما... كل ما في الأمر أن ميشال عون سيستخدم مرّة أخرى من النظام السوري لا أكثر ولا أقلّ تماما مثلما أستخدم في الأعوام 1988 و1989 و1990 لأخضاع المسيحيين وتهجير أكبر عدد منهم من لبنان. من قال أن لا فائدة تذكر من الجنرال الذي يريد ألتعرف ألى سوريا وأقامة علاقة صداقة معها في هذه السن المتقدّمة من حياته. أنه يجهل أن النظام السوري قادر على أعادة أستهلاكه المرة تلو الأخرى حتى اليوم الأخير من حياته التي كرسها لألحاق الهزائم بلبنان واللبنانيين، خصوصا بالمسيحيين منهم!