يطرح الإنفجار الذي وقع على طريق مطار دمشق وعند مفرق مزار السيدة زينب وغير بعيد عن مركز أمني أسئلة أكثر بكثير مما يوفر أجوبة. الجواب الوحيد الأكيد أن ما حصل يوم السبت الواقع فيه يوم السابع والعشرين من سبتمبر- أيلول الجاري عمل إرهابي بأمتياز أستهدف مدنيين في منطقة حساسة. هذا عن الجواب الوحيد المتوافر. أما بالنسبة إلى الأسئلة الكثيرة، وهي أقرب إلى التساؤلات، فأنها مرتبطة إلى حد كبير بموقع الإنفجار وتوقيته أضافة بالطبع إلى أنه يترافق مع حشد قوات سورية بمحاذاة الحدود مع شمال لبنان تحت ستار التصدي للتهريب.
لعل السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هل النظام السوري وراء الإنفجار؟ في هذه الحال، يبدو الهدف واضحا كل الوضوح وهو أيجاد مبرر للعودة عسكريا إلى لبنان عن طريقة بوابة الشمال ومدينة طرابلس تحديدا فضلا عن توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي فحواها أن سوريا تتعرض لحملة إرهابية وأنه ليس صحيحا أنها مصدر أساسي من مصادر الإرهاب في الشرق الأوسط. أكثر من ذلك، يسعى النظام السوري بعد ساعات من الأجتماع الذي عقده وزرير الخارجية السيّد وليد المعلّم مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى الظهور في مظهر الضحية وأنه في حاجة إلى الدفاع عن نفسه. وأن الدفاع عن النفس يبرر له ملاحقة الإرهابيين حتى لو كانوا داخل الأراضي اللبنانية. ربما نسي النظام أن هذه الحجة لا تنطلي على أحد، حتى على مسؤول أميركي ساذج وأن القاصي والداني يعرفان من الذي يصدّر التطرف ألى الأراضي اللبنانية، أكان ذلك في الشمال أو الجنوب أو بيروت وكيف تدخل الأسلحة إلى هذه الأراضي. تكفي في هذا المجال العودة إلى مسرحية ما يسمّى quot;فتح- الأنتفاضةquot; والظهور المفاجئ للإرهابي شاكر العبسي وأحداث مخيم نهر البارد في الربيع والصيف الماضيين في شمال لبنان والمحاولات التي بُذلت من أجل إقامة quot;أمارة أسلاميةquot; في المنطقة لتبرير العودة العسكرية السورية إليها.
هناك ما يبرر إتهام النظام السوري بالوقوف وراء الإنفجار نظرا إلى أنه يمارس منذ قيامه اللعبة الكلاسيكية ذاتها في لبنان، أي لعبة الأطفائي الذي يشعل الحريق من أجل تبرير اللجوء أليه في عملية الأطفاء. هذه المرة، يمكن للنظام السوري، في ضوء الإنفجار الأخير التذرع بأن لبنان صار مُصدّرا للإرهابيين وأن الدفاع عن الأمن القومي والوطني يوفر حجة للتدخل المباشر لإخماد النار من مصدرها!
يبدو هذا المنطق الذي يستند إلى مصلحة سورية في التفجير متماسكا إلى حد كبير. ما يزيد تماسكه تصريحات لمسؤولين كبار في دمشق، على رأسهم الرئيس بشّار الأسد، عن الخطر quot;السلفيquot; الذي يتجمع في شمال لبنان وضرورة التصدي لهذا الخطر quot;المدعوم من جهات خارجيةquot; لأسباب مرتبطة بالأمن الوطني السوري. في النهاية، يرى السوريون في طرابلس مدينة سورية مثلها مثل حمص أو حماة أو حلب أو دير الزور. ما لا يقوله الرسميون في دمشق تقوله جهات وأبواق ناطقة بأسمهم عن أن السعودية وراء دعم السلفيين في شمال لبنان. وهذا الإتهام للمملكة يدخل في سياق الخلاف العميق بين دمشق والرياض بسبب لبنان وأمور أخرى، خصوصا منذ أعتمدت سوريا سياسة تقوم على فكرة أن المملكة العربية السعودية ليست مهمة وأن في الأمكان الأستغناء عن دعمها وعن وزنها في ضوء المعادلة الأقليمية القائمة حاليا.
لا يمكن حصر الأسئلة أوالتساؤلات بأحتمال أن يكون النظام السوري وراء التفجير وذلك في غياب الأدلة على ذلك في بلد ليس مسموحا فيه للصحافي الحرّ بالتوجه إلى مكان التفجير. ولذلك يمكن الحديث عن أحتمالات أخرى تصب في الإتجاه نفسه ولكنها مرتبطة بمكان حصول العمل الإرهابي. أنه مكان مؤد ألى مزار السيدة زينب حيث يكثر الوجود الأيراني بكل أنواعه وأشكاله. هل صحيح أن هناك توترا على المستوى الأمني بين دمشق وطهران، خصوصا بعد أغتيال المقاوم اللبناني عماد مغنية المرتبط بالنظام الإيراني في فبراير- شباط الماضي ثم اغتيال الضابط السوري الكبير العميد محمد سليمان في أغسطس- آب الماضي؟ هل صارت السلطات السورية في حاجة إلى تكثيف وجودها الأمني في الأماكن التي يكثر فيها الأيرانيون ويتحركون فيها بحرية؟ أنه مجرد سؤال قد لا تكون له علاقة بالحقيقة والواقع ولكن لا بدّ من طرحه في ضوء الغموض الذي أحاط بالجريمتين اللتين وقعتا على الأراضي السورية وذهب ضحيتهما مغنية وسليمان واقتصار الحضور الرسمي في جنازة مغنية على الجانب الإيراني...
في كل الأحوال، وفي حال لم تكن للنظام السوري علاقة بالتفجير، فإن كل ما يمكن قوله عندئذ أن ما حصل في دمشق أخيرا مرتبط إلى حد كبير بالأجواء المذهبية في المنطقة والتي لعب النظام نفسه دورا في أثارتها. على من يدعم حزبا مذهبيا في لبنان بحجة أنه يدعم quot;المقاومةquot; أن يتذكر أن مثل هذه السياسات سترتد عليه عاجلا أم آجلا، خصوصا بعدما وجّه الحزب سلاحه إلى فئة معينة من اللبنانيين وفي بيروت بالذات. على من يشجع المتطرفين السنة في الشمال أو في المخيمات الفلسطينية ويدعمهم لتبرير عودته العسكرية إلى لبنان أن يتوقع الأسوأ. اللعب بالإرهاب ومع الإرهاب أمر في غاية الخطورة مهما أعتبر اللاعب نفسه كبيرا وذكيا وحاذقا وقادرا على اللعب على الحبال!