في عام 2007 صدر قرار وزير الدولة للتنمية الإدارية رقم 86 لسنة 2007 بتشكيل لجنة الشفافية والنزاهة بوزارة الدولة للتنمية الإدارية وذلك تفعيلاً للبرنامج الانتخابي للسيد الرئيس فيما يتعلق بقطاع التنمية الإدارية، على أن تختص هذه اللجنة بدراسة سبل واقتراح آليات وتعزيز دعم الشفافية والمحاسبة ومكافحة الفساد بوحدات الجهاز الإداري للدولة والقطاعات الحكومية والعامة، وذلك بالتنسيق والتعاون الكامل مع الأجهزة المعنية بالدولة، ومتابعة التزامات مصر الدولية في هذه المجالات، وهذه الخطوة في حد ذاتها تعتبر خطوة إيجابية تحسب للحكومة في إطار مكافحة الفساد بالبلاد، ولكن يبدو ذلك من الناحية الظاهرية فحسب، فالواقع يشير إلى خلاف ذلك وهذا ما وضح في تقرير اللجنة الصادر في أغسطس الماضي، إذ حمل التقرير quot;المواطنquot; مسئولية انتشار الفساد في مصر، رافعًا عن الحكومة أية مسئولية، الأمر الذي يثير التعجب ويطرح تساؤلاً مفاده: كيف يكون المواطن هو الجاني والمجني عليه في قضايا الفساد؟!!، بل ويشكك في مصداقية اللجنة ذاتها -وهي مازالت في بداياتها-ويجعل من تقاريرها وبياناتها غير ذي جدوى، بل وما يدعو للاستغراب أن أحد اختصاصات اللجنة هو اقتراح نظام فعال لخدمة المواطنين لتلقي شكاواهم وتوفير آلية للمتابعة مع الجهات المعنية، الأمر الذي يتناقض مع مضمون وفحوى التقرير.
في واقع الأمر أن الجميع يعول على هذه اللجنة في مكافحة الفساد المستشري في المجتمع المصري سواء كان سياسي أو إداري أو مالي، ولاسيما في ضوء ارتفاع معدلاته واحتلال مصر المرتبة 105 وفقاً لتقارير منظمة الشفافية الدولية الصادر عام 2007، وقد أرجع التقرير ارتفاع معدلات الفساد إلى عدم قدرة المؤسسات الحزبية والشعبية على رقابة تدفق الأموال داخل الدولة، ومراجعة حسابات المناقصات التي تتم في الأسواق المحلية والمرتبطة بشركات عالمية، وسوء استخدام الأموال العامة، وعجز القوانين المحلية على اختيار المسئولين عن الإفصاح عن دخولهم، وعليه كان الأحرى على هذه اللجنة أن تتصدى لهذه المعدلات المرتفعة محاولة إيجاد حلولاً ناجحة لمعالجتها، وذلك من خلال البحث عن الأسباب الدافعة لانتشار الفساد بهذه الصورة وتغلغله في المجتمع، وتكمن أولى هذه الأسباب في غياب الديمقراطية بمعناها الحقيقي والمحاسبة والشفافية، فضلا عن عدم وجودأليات واضحة لمنع تضارب المصالح لاسيما ان الحكوة الحالية تضم عددا من رجال الاعمال الذين يمكن ان تتضارب مصالحهم مع المصالح العليا للشعب، وتفشي ظاهرة الواسطة والمحسوبية وتأثيرهما السلبي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن،،،وكذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر، فطبقاً للأرقام الرسمية فان عدد العاطلين في مصر زاد من 112 ألفاً و535 عاطلاً عام 1950 ليصل إلى 5 ملايين عاطل في بداية العام الحالي، أي أن عدد العاطلين زاد بنسبة 4000% خلال الـ 54 عاما الأخيرة فيما لو صحت هذه الأرقام والاحصائيات. فلو كانت الحكومات المتعاقبة جادة بالفعل في التصدي للبطالة لما ارتفعت نسبة العاطلين من 1.2% من جملة قوة العمل عام 1950 لتصل إلى 3.4عام 1970 ثم 7.10% عام 1986 و11.1% عام 1990 و13% في بداية العام الحالي، ووصول البطالة في مصر إلى هذه النسبة يعني أنها تخطت الحدود الآمنة، حيث تتفق الدراسات الاقتصادية على أن الحد الآمن لنسبة البطالة في أي مجتمع تتراوح بين 3-4% فقط.وعن الفقر، فيشير تقرير البنك الدولي عام 2003 إلى أن 52%من المصريين يعيشون على أقل من دولارين يومياً وأن نحو 23% يعيشون تحت خطر الفقر.
ومن بين الأسباب لانتشار الفساد في مصر ظهور طبقة غير شرعية للفساد مؤلفة من الطبقة الرأسمالية الطفيلية وعدد من المسئولين بمختلف الوزارات، هذا بخلاف تضخم الإرباح وغيره، وقد ظهر خلال السنوات الأخيرة الفساد المتعلق بقروض رجال الأعمال من المصارف، مما يدفعنا لطرح تساؤل مفاده من المسئول عن هذا الفساد، هل هم رجال البنوك الذين قدموا قروضًا لرجال الأعمال بدون ضمانات كافية في ظروف تفتقر إلى نزاهة الطرف الأول؟ أم أن المسئول هم رجال الأعمال الذين نصبوا على البنوك وقدموا ضمانات وهمية؟ أم أن الحكومة هي المسؤولة عن ذلك؛ لأنها لم تتنبه للمشكلة من بدايتها، وتركتها حتى تفجُّرها في الوقت المناسب لتحقيق بعض المكاسب السياسية؟ أم أن غياب مبدأ المسألة والشفافية هو المسئول.
ونهاية فإنه من أجل أن تؤتي أعمالها لجنة الشفافية والنزاهة ثمارها فإنه ينبغي عليها إعادة النظر في تقاريرها ومراجعتها إذ لا يمكن أن يكون quot;المواطن المصريquot; ضحية عبارة السلام هو المرتكب للفساد هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية ضرورة إعادة النظر في تشكيل اللجنة إذ ينبغي أن تضم جهات حكومية ونشطاء حقوق إنسان ومجتمع مدني وبرلمانيين وإداريين وجميع المعنيين بقضايا الفساد، ووضع الاستراتيجيات والآليات المناسبة لمحاربة الفساد في مصر، ولن يتآتى ذلك الا بعد توسيع هامش الديمقراطية وتفعيل دور مؤسسات الدولة، وتعزيز قيم المحاسبة والرقابة للبرلمان وتعزيز قدرته في محاسبة السلطة التنفيذية، يعنى ذلك ببساطة ان الديمقراطية هى الحل للقضاء على الفساد والاستبداد.
أمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان