-1-
خرجت سوريا من لبنان ولم تخرج، عام 2005، بعد احتلال عسكري واقتصادي وسياسي، دام ما يقارب ثلاثين عاماً.
وكما قال فاروق الشرع (نائب الرئيس السوري)، بعد الخروج quot;العسكريquot; السوري quot;فقطquot;، في إحدى المناسبات، فإن سوريا في لبنان، أصبحت أقوى مما مضى. وهذا ما أثبتته صحته الأيام، بعد انسحاب 14 ألف جندي سوري من لبنان، كانوا هم قوة الاحتلال العسكري السوري للبنان. فبعد 2005، جنَّدت سوريا المزيد من الحلفاء السياسيين لها في لبنان. وأصبح القرار اللبناني، هو قرار المعارضة الشيعية ndash; السنية- المسيحية- الدرزية- الأرمنية، أو ما يُعرف بـ (مضارب بدو 8 آذار) مقابل الموالاة من الطوائف نفسها - ما عدا الشيعة - أو ما يُعرف بـ (مضارب بدو 14 آذار). وقد أطلقنا على كلا الفريقين quot;بدواًquot;، لأنهم في خصامهم ومحاولات مصالحاتهم الآن، يبدون كالقبائل البدوية التي تختلف على اقتسام الماء والكلأ، ولا على أي شيء آخر. فـ quot;تيار المستقبلquot;، سيتصالح قريباً وعاجلاً مع حزب الله، دون أن يتنازل quot;حزب اللهquot; عن قيد شعره، مما هو فيه وعليه. والحوار الوطني اللبناني القادم، هو عبارة عن (بوس لحى)، في أقصى نتائجه الايجابية، لأن المعارضة المنتصرة بسلاح quot;حزب اللهquot; الهائل، هي المقابِلة للموالاة المجردة من السلاح.
فكيف يتم الحوار بين الصواريخ والعصي؟

-2-
وكل هذا مُجيّرٌ لقوة سوريا السياسية في لبنان. فلبنان لم يستطع انتخاب رئيس جمهورية، إلا بعد الضوء الأخضر السوري، الذي أُعطي للدوحة. وحكومة quot;الوحدة الوطنيةquot;، لم تُشكَّل إلا بعد الضوء الأخضر السوري من دمشق. والحوار الوطني اللبناني، سوف تتم هندسته وبنوده على quot;ذوقquot; سوريا، ومزاجها، ومصالحها. والانتخابات النيابية القادمة في 2009، سوف تُدار على هذا الوجه.. الخ. وقد سبق أن قلنا في مقال سابق بأن لبنان هو quot;المحافظة السورية الخامسة عشرةquot;. وزيادة في التمويه، وإرضاءً لفرنسا، ولساركوزي البهلوان الأحمق، والحاج الدرويش أردوغان، وافقت سوريا على فتح سفارة لها في لبنان، لكي تكون بدلاً عن المفوضية السامية السورية السابقة في quot;عنجرquot;. ولتوفر على حلفائها في لبنان مشقة التخابر والقدوم إلى الشام، وتيسّر لهم سهولة التحرك بسرعة، ما دامت تنام معهم في الفراش نفسه. ويكون السفير السوري في بيروت، بمثابة رستم غزالة (الحاكم العسكري السوري السابق للبنان) في quot;عنجرquot; حيث كانت المفوضية السامية السورية.
و (يا دار ما دخلك شر)!

-3-
عشرة آلاف جندي تحشد سوريا على الحدود اللبنانية. هذا هو خبر الأسبوع، بحجة القضاء على التهريب، وليس الإرهاب.
والصهيوني المتأمرك، والمتأمل الحاقد، والشرير، ومثير الضغائن بين الأخوة والأشقاء، يقرأ هذا الخبر الخطير، (وهو بمثابة انقلاب عسكري سوري على الشرعية اللبنانية، حيث فوجئت الأوساط اللبنانية بهذا التحرك، وحيث لم تُنسِق دمشق مع بيروت لهذه التحركات العسكرية، وذلك أضعف الإيمان، رغم قول قيادة الجيش اللبناني بأن لديها علم وخبر، وكان هذا الإعلان بعد دخول الجيش السوري، وليس قبله) على الوجه التالي:
- سوريا تعود إلى لبنان عسكرياً مظفَّرة، بعد أن أثبتت خلال السنوات الثلاث الماضية (2005-2008) بأنها خرجت بـ 14 ألف جندي، وعادت الآن بعشرة آلاف جندي. وهو عدد أكبر من عدد الجنود في الحشد العسكري السوري على حدود الجولان، مقابل الاحتلال الإسرائيلي.
- تقول سوريا، ويقول معها اللبنانيون من المعارضة quot;حلفاءquot; سوريا والموالاة quot;عملاءquot; أمريكا والغرب والخائفة من سوريا، إن هذه القوات السورية تقف على الحدود السورية ndash; اللبنانية.
فأين هي الحدود السورية ndash; اللبنانية؟
وهل تمَّ ترسيمها؟
ولماذا لم تُرسِّم سوريا الحدود مع لبنان، قبل أن تضع على هذه الحدود quot;الوهميةquot; الآن، عشرة آلاف جندي، لكي يعرف كل فريق أين حدوده؟
فالأرض السورية - اللبنانية (سداح مداح)، ولا حدود ثابتة واعتراف بها بين البلدين.
- تقول سوريا، ويبصم على ذلك حلفاؤها في لبنان، بأن هذه القوات جاءت لمنع التهريب إلى لبنان.
فما هو التهريب الذي يتم من سوريا إلى لبنان، غير سلاح quot;حزب اللهquot; وعتاده؟
وما هو التهريب الذي يتمُّ من لبنان إلى سوريا، غير (ربطات) الحشيش الذي يزرع في البقاع، بإشراف سوريا؟
ومن هو القادر على التهريب من سوريا إلى لبنان، إلا من كان من quot;الأجهزةquot; السورية؟
فالطيور السورية التي تريد التحليق في الفضاء اللبناني، يجب أن تمرَّ على quot;الأجهزةquot; السورية لطلب الإذن والسماح.
إذن، ما هو التهريب الخطير، الذي يحتاج إلى جيش جرار قوامه عشرة آلاف جندي لمنعه؟
- كانت سوريا ترغب في أن ُيستبدل قرار مجلس الأمن 1559، بانسحابها الكامل من لبنان، بقرار الانتشار العسكري في لبنان؛ أي الانتشار على الحدود السورية ndash; اللبنانية التي تقررها سوريا. وها قد قامت سوريا الآن بهذا الانتشار المرغوب فيه، بغمزة من ساركوزي، وابتسامة من أردوغان، وربما بغمضة عين من أمريكا (الغارقة في مشاكلها الاقتصادية الداخلية والسياسية والعسكرية الخارجية). و(تيتي تيتي زي ما رحتي زي ما جيتي). وهو ما ينطبق تماماً على الحالة السورية ndash; اللبنانية، ولكن في المعنى الجديد لهذا القول الشعبي (المعنى الأصلي يشير إلى العبثية)؛ أي بمعنى، كما خرجت سوريا عسكرياً من لبنان، عادت إليه الآن. وكما تم نقل مكتب رستم غزالة من quot;عنجرquot;، فقد عاد رستم سفيراً إلى بيروت مُكرَّماً ومُعززاً، وفي زي سفير، يلبس السموكنج.
- وهذا كله، سوف يُعزز من قوى المعارضة اللبنانية (الموالاة السورية)، وسوف يُعمّق من جذور quot;حزب اللهquot;، ويزيد تسليحه وبأسه. وسوف يدفع بالخازوق السوري، في المؤخرة الأمريكية في لبنان أكثر فأكثر.
- والجيوش النظامية لا تستطيع منع التهريب ndash; كما تدعي سوريا - فغداً سوف يحفر المهربون الأنفاق بين سوريا ولبنان على غرار أنفاق غزة بين غزة ومصر. وسيظل الجيش السوري متفرجاً.

-4-
ففي القصر الجمهوري بالشام، جلس معاوية بن أبي سفيان (بشار الأسد) يلعب الشطرنج السياسي مع أحمد سامبي، رئيس جزر القمر (جورج بوش). وقد انتهوا لتوهم من هذه اللعبة، وأعلنت النتيجة النهائية، وعادت سوريا عسكرياً إلى لبنان مظفَّرة.
ويقال، أنه بعد مرابطة الجيش السوري على الحدود اللبنانية، زار بشار الأسد قبر والده في quot;القرداحةquot;. وبعد أن قرأ على قبره الفاتحة، خاطبه قائلاً:
- ها قد عدنا يا أبتاه إلى لبنان، كما أوصيتنا، فلا تغضب.
السلام عليكم.