-1-
معشر اليهود الذين يعيشون بين ظهرانينا الآن في فلسطين، والمغرب، وتونس، واليمن، والعراق، وربما في مصر، وسوريا، ولبنان، وغيرها من الدول العربية، يُصَفون في مناهج الكتب الدينية بأنهم quot;الخنازيرquot;، وكذلك يُلقَّبون بـ quot;الخنازيرquot; في خُطب رجال الدين السلفيين المتشددين في صلاة الجمعة، وفي الأحاديث الدينية على شاشات التلفزيون، وفي الأشرطة المسجلة، وفي الفتاوى المختلفة. والجدير بالذكر، أن هؤلاء جميعاً، يحاربون اليهود، ويلقبونهم بالخنازير على هذا النحو، ولا يقتربون من الصهيونية والصهاينة، بل هم لا يُفرِّقون بين اليهود وبين الصهاينة.
معشر اليهود الذين يعيشون بين ظهرانينا الآن في فلسطين، والمغرب، وتونس، واليمن، والعراق، وربما في مصر، وسوريا، ولبنان، وغيرها من الدول العربية، يُصَفون في مناهج الكتب الدينية بأنهم quot;الخنازيرquot;، وكذلك يُلقَّبون بـ quot;الخنازيرquot; في خُطب رجال الدين السلفيين المتشددين في صلاة الجمعة، وفي الأحاديث الدينية على شاشات التلفزيون، وفي الأشرطة المسجلة، وفي الفتاوى المختلفة. والجدير بالذكر، أن هؤلاء جميعاً، يحاربون اليهود، ويلقبونهم بالخنازير على هذا النحو، ولا يقتربون من الصهيونية والصهاينة، بل هم لا يُفرِّقون بين اليهود وبين الصهاينة.
-2-
ولكن رغم هذا كله، فأنا مضطر لأن أرفع قبعتي لهؤلاء الصهاينة في إسرائيل، تحيةً واحتراماً، وتقديراً للأمثلة السياسية الديمقراطية، التي يضربونها لنا من حين لآخر، ونحن عنها غافلون، طرشانأ، وعمياناً، لا نسمع، ولا نرى، ولكننا نكرر كالببغوات: خنازير، خنازير، خنازير، فلا هم في العير ولا في النفير، وسيأتي يوم نلقيهم في البير.
سأقول ما قاله الكاتب اليهودي الفذ يوري أفنيري الناشط السياسي، ورئيس حركة السلام الإسرائيلية (غيش شالوم).
قال يوري في مقاله تعليقاً على فوز تسيبي ليفني برئاسة حزب quot;كاديماquot;:
quot;كإسرائيلي أنا أشعر بالعار لأن رئيس الوزراء أولمرت تنحى نتيجة للفساد.. فيا للعار.
وكإسرائيلي أنا أشعر بالفخر لأن رئيس الوزراء أولمرت أُجبر على الاستقالة لفساده الشخصي.. فيا للروعة.
-3-
أما أنا فأقول:
أنا كعربي أشعر بالعار كل العار، لأن لا مسئول عربياً وزيراً كان أم رئيساً، أم أميراً، أم ملكاً، تنحّى نتيجة لفضيحة فساد مالي أو أخلاقي، وما أكثر الفاسدين من حكامنا.. فيا للعار!
وأنا كعربي أشعر بالخيبة.. كل الخيبة، لأن شعوبنا وحكامنا، لم يتعلموا من تجربة quot;الخنازيرquot; السياسية، شيئاً من هذه الديمقراطية، التي أدت إلى منافسة امرأة (تسيبي ليفني) لرجل، وقائد جيش، ووزير دفاع (شاؤول موفاز)، رغم أن إسرائيل وُلدت من رحم الحرب، وتكنُّ للمحاربين الكبار كل تقدير وعرفان، ورغم هذا فازت امرأة على رجل منهم - لأول مرة في تاريخ إسرائيل - برئاسة الحزب، ومن ثم برئاسة الوزراء بعد ذلك، وكانت تلك الواقعة الأولى في تاريخ إسرائيل. أما جولدا مائير فلم تنافس أحداً، وتولت رئاسة الوزراء بعد موت ليفي أشكول الفجائي عام 1969 كتحصيل حاصل.
فمتى يا ترى، نرى فاطمة الموسوي تنافس حسن نصر الله على رئاسة quot;حزب اللهquot; في لبنان، وتنتصر عليه؟
-4-
لقد تعلمت الحمير أن تسير وحدها في الطرقات، التي تعلّمت السير فيها مرة واحدة فقط. أما نحن ومنذ ستين عاماً (1948-2008) فلم نتعلم أن نسير في الطريق الصحيح السياسي خطوة واحدة، رغم أننا نشاهد جيراننا من quot;الخنازيرquot; الصهاينة، في كل فترة كيف ينتخبون، وكيف يختارون، وكيف يحاسبون، وكيف يخلعون حكامهم، ليس بقوة السلاح، وبواسطة انقلابات دبابات الفجر، وبيانات الإذاعة التي تحمل العسكر إلى سدة الحكم، فيلتصقون بكراسيهم كلصقة quot;صمغ الغوريلاquot; (ماركة أقوى صمغ في العالم)، ولكن بواسطة قضاتهم، وحرّاس عدالتهم، والرأي العام.
-5-
بل مصيبتنا أكثر من ذلك. فقبل الإسلام بأكثر من 1000 سنة، وبعد الإسلام بألف وأربعمائة سنة؛ أي منذ 3000 سنة تقريباً، كان اليونانيون الذين جاءونا بكلمة quot;ديمقراطيةquot;، وبمعظم الاصطلاحات السياسية الغربية التي نسمع بها الآن، ولا نعمل بها، ينتخبون حكامهم انتخاباً حراً نزيهاً. وكان سقراط العظيم quot;رسول العقلquot; (الذي يُصلّي عليه الأحرار ويُسلّمون)، يعتبر أن عزل الحكام سلمياً، هو quot;بصمة الديمقراطيةquot; الحقة. وكان بعض حكام اليونان كالعظيم بيركليس (495-429 ق. م) (باني ديمقراطية أثينا، ومبدع كلمة quot;ديمقراطيةquot; كما يقول عنه دونالد كاغان في كتابه quot; بيركليس وولادة الديمقراطيةquot;) يصرُّ على الترشح كل عام، لكي يتمَّ انتخابه كل عام، وليس كل أربعة أعوام، أو ستة أعوام، كما هو الحال في الديمقراطيات المعاصرة.
-6-
ورغم هذا الدرس السياسي التاريخي البليغ، والموغل في التاريخ القديم، والذي تعلمت منه شعوب كثيرة دروساً سياسية مفيدة، وطبّقت معظم ما جاء بهذا الدرس، فإننا لم نتعلم من هذا الدرس، وكنا صُماً بُكماً عُمياً، لا نسمع، ولا نتكلم، ولا نرى. وما زلنا كذلك لا نسمع، ولا نتكلم، ولا نرى. ولذا، كان مصيرنا ما نحن فيه الآن. ولو كنا نسمع ونتكلم ونرى، ما كان حالنا كحالنا الآن.
والسؤال هو:
متى نزيل هذا الوقر من آذننا، وهذه العقدة من لساننا، وهذا العمى من عيوننا، لنصبح أمة تسمع، وتتكلم، وترى؟
لا طريق إلى كل ذلك غير سلوك طريق الحداثة بحلوها ومرها، بسعادتها وتعاستها، بنعيمها وعذابها.
السلام عليكم.
التعليقات