-1-
كما حذق اللبنانيون بالتجارة، وكانوا أول المهاجرين العرب إلى أقاصي الأرض، منذ أكثر من مائتي سنة، فقد حذقوا كذلك بالسياسة. بل إن حبَّ اللبنانيين للتجارة دفعهم إلى تحويل السياسة إلى تجارة. فكل زعيم له دكانه السياسية المفتوحة على جهة ما تموّله، وتملأ جيوبه بالذهب. وهو زعيم سياسي بفضل هذا الدعم، وبفضل كثرة أتباعه من حوله، بفضل بريق هذا الذهب. ومن هنا، أصبحت السياسة اللبنانية لعبة الجميع، الزعماء، والأتباع، وأتباع أتباعهم. فلا يوجد مواطن لبناني ليس تابعاً لزعيم (المعلم) ما، وإلا فإنه لن يستطيع العمل في أية وظيفة حكومية، ولا يستطيع إدخال أولاده المدرسة والجامعة بعد ذلك، كما لا يستطيع سرقة التيار الكهربائي، كما يفعل باقي الزعماء، بحيث أعلنت شركة كهرباء لبنان قبل أيام، عن خسارة بلغت ملياري ليرة لبنانية وربما دولاراً أمريكياً.
وهذه الصور المبكية المضحكة للسياسة اللبنانية، هي نفسها التي تتكرر في أنحاء مختلفة من العالم العربي، ولكنها تظهر في لبنان بهذا الوضوح وبهذه الصراحة، نتيجة لاتساع هامش الحرية الإعلامية في لبنان، والذي لا تتمتع بمثله أية دولة عربية أخرى.
كما حذق اللبنانيون بالتجارة، وكانوا أول المهاجرين العرب إلى أقاصي الأرض، منذ أكثر من مائتي سنة، فقد حذقوا كذلك بالسياسة. بل إن حبَّ اللبنانيين للتجارة دفعهم إلى تحويل السياسة إلى تجارة. فكل زعيم له دكانه السياسية المفتوحة على جهة ما تموّله، وتملأ جيوبه بالذهب. وهو زعيم سياسي بفضل هذا الدعم، وبفضل كثرة أتباعه من حوله، بفضل بريق هذا الذهب. ومن هنا، أصبحت السياسة اللبنانية لعبة الجميع، الزعماء، والأتباع، وأتباع أتباعهم. فلا يوجد مواطن لبناني ليس تابعاً لزعيم (المعلم) ما، وإلا فإنه لن يستطيع العمل في أية وظيفة حكومية، ولا يستطيع إدخال أولاده المدرسة والجامعة بعد ذلك، كما لا يستطيع سرقة التيار الكهربائي، كما يفعل باقي الزعماء، بحيث أعلنت شركة كهرباء لبنان قبل أيام، عن خسارة بلغت ملياري ليرة لبنانية وربما دولاراً أمريكياً.
وهذه الصور المبكية المضحكة للسياسة اللبنانية، هي نفسها التي تتكرر في أنحاء مختلفة من العالم العربي، ولكنها تظهر في لبنان بهذا الوضوح وبهذه الصراحة، نتيجة لاتساع هامش الحرية الإعلامية في لبنان، والذي لا تتمتع بمثله أية دولة عربية أخرى.
-2-
وهذه الحيوية في السياسة اللبنانية، استطاعت أن تأتي لنا بمصطلحات سياسية مضحكة ومبكية في الوقت نفسه. ومن هذه المصطلحات 'الديمقراطية التوافقية'. فلا يوجد في كافة قواميس السياسة القديمة والجديدة اصطلاح يُدعى 'الديمقراطية التوافقية'. فالديمقراطية هي مبدأ سياسي يقوم على الصراع والتنافس بين جبهتين سياسيتين، ولا يقوم على التوافق بينهما. فالتوافق يُلغي التنافس، ويُلغي التفكير السياسي السليم. فالتفكير السياسي السليم يُمتحن في حرية الاختيار بين فريقين، وليس في تكريس الاختيار في طرف واحد، حيث لا اختيار، ولكن هناك إجبار على شخص واحد، وقرار واحد فقط.
فمنظر انتخاب رئيس الجمهورية، أو رئيس مجلس النواب في لبنان، من المناظر المضحكة والمبكية في الوقت ذاته. فالنواب يذهبون إلى البرلمان، لانتخاب مرشح واحد، متفقين جميعاً على انتخابه مسبقاً، ولا منافس له. كذلك الأمر بالنسبة لرئيس مجلس النواب.
فأين الديمقراطية في ذلك؟
-3-
إن هذا الشكل من الديمقراطية اللبنانية المضحكة والمبكية، قد ساعد كثيراً على تعثُّر المسيرة الديمقراطية الصحيحة في العالم العربي، فانتشرت 'الديمقراطية التوافقية' اللبنانية هذه، في بعض بلدان العالم العربي. فصدام حسين كان يُنتخب على أساس المرشح الوحيد، ضمن 'ديمقراطية توافقية مضحكة'. وبشّار الأسد انتُخب كمرشح وحيد، ضمن ديمقراطية توافقية مزيفة'، وكذلك انتُخب والده الراحل، طيلة أكثر من ثلاثين عاماً، ضمن هذه 'الديمقراطية التوافقية'. كذلك يحكم معمر القذافي ليبيا منذ ما يقارب من أربعين عاماً، ضمن هذه الديمقراطية التوافقية المضحكة. وكان السادات وعبد الناصر من قبله، يُنتخب ضمن هذه' الديمقراطية التوافقية'، وكذلك حسني مبارك من بعدهما، إلى تم أخيراً تعديل المادة 76 من الدستور المصري. والخلاف بين لبنان، وهذه البلاد (الإقطاعيات) هو حرية الإعلام فقط. ففي لبنان هناك حرية إعلامية تكشف هذه العورات، ولكن هذه الحرية مُفتقدة في هذه الإقطاعيات.
إن هذا الشكل من الديمقراطية اللبنانية المضحكة والمبكية، قد ساعد كثيراً على تعثُّر المسيرة الديمقراطية الصحيحة في العالم العربي، فانتشرت 'الديمقراطية التوافقية' اللبنانية هذه، في بعض بلدان العالم العربي. فصدام حسين كان يُنتخب على أساس المرشح الوحيد، ضمن 'ديمقراطية توافقية مضحكة'. وبشّار الأسد انتُخب كمرشح وحيد، ضمن ديمقراطية توافقية مزيفة'، وكذلك انتُخب والده الراحل، طيلة أكثر من ثلاثين عاماً، ضمن هذه 'الديمقراطية التوافقية'. كذلك يحكم معمر القذافي ليبيا منذ ما يقارب من أربعين عاماً، ضمن هذه الديمقراطية التوافقية المضحكة. وكان السادات وعبد الناصر من قبله، يُنتخب ضمن هذه' الديمقراطية التوافقية'، وكذلك حسني مبارك من بعدهما، إلى تم أخيراً تعديل المادة 76 من الدستور المصري. والخلاف بين لبنان، وهذه البلاد (الإقطاعيات) هو حرية الإعلام فقط. ففي لبنان هناك حرية إعلامية تكشف هذه العورات، ولكن هذه الحرية مُفتقدة في هذه الإقطاعيات.
-4-
المصطلح السياسي اللبناني المضحك المبكي الثاني، هو 'المصالحة' السياسية.
فما معنى المصالحة في السياسية، وهل هناك مصالحة سياسية؟
نعم لدى القبائل (الأحزاب والطوائف) العربية الحديثة (بشكلها ولباسها وباستعمال أدوات ووسائل المدنية الحديثة فقط، في حين أن عقليتها وطريقة تعاملها مع الآخرين وبكيفية تفكيرها، ما زالت قبيلة، بكل ما تشير إليه هذه الكلمة من معانٍ. فتغيَّر الشكل ndash; الجسم - إلى الحديث، وظل العقل قبلياً) هناك مصالحة، وهي أن يجتمع رئيسا القبليتين، ويبوسا لحية بعضهما بعضاً، ويذبحا الخراف، وتزغرد النساء، وعفا الله عما مضى.
كذلك يفعل الآن زعماء الأحزاب والطوائف اللبنانية.
فتجري المصالحة بين مختلف القبائل السياسية المتصارعة. ويتبدل حال لبنان من قبائل سياسية متصارعة، إلى قبائل سياسية متصالحة. ولكن القبائل تبقى قبائلاً على حالها.
فيتصالح وليد جنبلاط زعيم 'الحزب التقدمي الاشتراكي'، مع طلال ارسلان زعيم 'الحزب الديمقراطي اللبناني'. ويتصالح سعد الحريري مع عمر كرامي. وهناك مساعٍ جادة لمصالحة وليد جنبلاط مع حسن نصر الله، تمهيداً لمصالحة جنبلاط مع سوريا وإيران، ليعودوا 'سمناً على عسل'، كما كانوا في الماضي.
وهؤلاء المتصالحون، كانوا بالأمس متصارعين، صراع الوحوش بالغابات. ولكن ضرورة اقتسام المال العربي الخليجي، والمال الإيراني، والأوروبي، والأمريكي، بين المتصارعين، اقتضى التصالح، وبوس اللحى، وليس التصارع، والبصق في وجوه بعضهما بعضاً كل يوم.
-5-
فأين الشعارات؟
وأين المواقف السياسية المتصلبة؟
وأين الخطابات والهتافات؟
وأين الضحايا البريئة، التي ذهبت ضحية هذا التصارع؟
وأين ثمن الوقت الضائع في هذا الصراع؟
والأنكى من ذلك، أن لا فريق قبلياً من هؤلاء، قد تخلّى عن مبادئه، أو تنازل عن شعار من شعاراته. فالمصالحة في الأحزاب السياسية الغربية، تتم على أساس أن يكتشف حزب خطأه في ناحية معينة، فيعيد حساباته، ويتراجع عن بعض قراراته، نتيجة لذلك، فتتم المصالحة مع نفسه ومع الآخرين. أما في لبنان 'الحضاري' (بحفنة مثقفيه ومبدعيه فقط) فتتم المصالحة ببوس اللحى.
فلا 'حزب الله' تنازل عن سلاحه للجيش اللبناني، ولا سوريا كفَّت عن اغتيال الزعماء السياسيين اللبنانيين منذ ثلاثين سنة حتى الآن، وسوف تستمر في ذلك، ولا طلال ارسلان ترك الاصطفاف إلى جانب 'المعارضة' اللبنانية (مضارب بدو 8 آذار)، واصطف إلى جانب الموالاة (مضارب بدو 14 آذار). فكل شيء بقي على حاله. فالقاتل هو القاتل، والضحايا هم الضحايا. ولكن 'أم العبد' ما زالت تزغرد لمصالحة البيك (وليد جنبلاط) مع المير (طلال أرسلان)، وما زالت الخراف تُنحر على الطرقات ابتهاجاً بهذه المناسبة، والأتباع يأكلون ويشكرون.
فالشعار اللبناني الباقي والخالد هو:
'كُل واشكر'.
السلام عليكم.
التعليقات