من أطرف ما حملته الأخبار أخيرا، الحملة التي تشنها مجموعات أردنية وغير أردنية على quot;مهرجان الأردنquot; الذي ينظم هذه السنة بديلا من quot;مهرجان جرشquot;. كل ما في الأمر أن quot;مهرجان الأردنquot; محاولة لتعمّ الثقافة والحضارة، يرافقهما الأزدهار، كل الأردن بعيدا عن أي نوع من التشنج والتزمت والحسابات الضيقة التي تستهدف المتاجرة بالقضية الفلسطينية بطريقة تسيء في الواقع ألى تلك القضية. كان هناك أعتراض في الماضي على أن quot;مهرجان جرشquot; يعمل على أستعادة الثقافة الرومانية من منطلق أن الآثار في جرش رومانية وأن المهرجان محصور بجرش. ماذا يمكن قوله الآن عن مهرجان يشمل الأردن، كلّ الأردن، ويسعى ألى ربط المملكة بكل ما هو حضاري وتحويلها ألى دولة متقدمة على كل الصعد وفي كل المجالات وتحسين صورتها في المنطقة والعالم؟ كان لا بدّ من اختلاق كذبة من نوع أن شركة فرنسية تنظم المهرجان على علاقة بأسرائيل. أنها نكتة بالفعل لا تنطلي سوى على السذج الذين يخدمون في النهاية أسرائيل. في حال كان هناك بالفعل مثل هذه الشركة، لماذا لا يعترض هؤلاء على شركات السيارات والطيران والمشروبات التي لديها من يمثلها في أسرائيل؟
هؤلاء الذين يعترضون لا يريدون الخير للأردن ولأهل الأردن بمقدار ما أنّهم يسعون الى تعميم البؤس بغية التخلص من فكرة أسمها الأردن المملكة العصرية التي يسودها التسامح والتي تقدم فكرة عما يمكن أن يكون عليه العالم العربي في ظل الأستقرار. هؤلاء يلتقون بكل بساطة مع اليمين الأسرائيلي الذي يتحدث عن الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين غير مدركين أن الأردن سعى ولا يزال يسعى من أجل أن تكون أن هناك دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة من منطلق أن ذلك يخدم الأستقرار الأقليمي ويخدم قضية الشعب الفلسطيني في الدرجة الأولى... ويخدم الأردن في نهاية المطاف.
قبل كل شيء، أن ما يجمع بين الذين يهاجمون quot;مهرجان الأردنquot; ويدعون ألى مقاطعته في الوقت ذاته هو التخلف بكل معنى الكلمة. أنه تخلف عربي لا حدود له. كيف يمكن وصف من يعترض على مطربين وموسيقيين عربا وأجانب يأتون ألى ألأردن في الصيف لأحياء مهرجان كبير يشد أليه جمهورا كبيرا من العرب وغير العرب بغير كلمة متخلف. وفي حال كان المطلوب الذهاب ألى أبعد من ذلك، فأن من يعترض على مثل هذا النوع من المهرجانات مستخدما حججا واهية أنما يخدم أسرائيل بطريقة أو بأخرى. من يسعى ألى المس بالتقدم الذي يتحقق في الأردن أنما يقدم خدمة لأسرائيل التي لا تريد أن ترى أستقرارا ودولا متحضرة في المنطقة لا أكثر ولا أقل. ربما كان ألأردن يدفع ثمن التقدم الذي حققه في السنوات الأخيرة. تدل على ذلك أرقام لا يمكن أن يكون جدال في شأنها في أي شكل من الأشكال. أنها أرقام مرتبطة بالنمو وبزيادة الأستثمارات والأستثمار في قطاعات متقدمة في مقدمها التكنولوجيا والتعليم والزراعة والصناعة والأعمار في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها توفر بيئة معادية للطموحات الأردنية. لقد حقق الأردن كل هذا التقدم في ظل أرتفاع لا سابق له لأسعار النفط وفي ظل وضع أقليمي مضطرب يطرد الأستثمار. على الرغم من ذلك، كان هناك تقدم ونمو في الأردن بعيدا عن أي نوع من العقد. في الوقت ذاته، كان هناك أدراك لأهمية الدفع في أتجاه تسوية في فلسطين تؤدي ألى قيام دولة فلسطينية مستقلة مع المحافظة على الديموقراطية في الأردن نفسه. لا داعي في الوقت الحاضر ألى التذكير بالجهود التي بذلها الملك عبدالله الثاني في العامين الماضيين خصوصا، من أجل أقناع الأدارة الأميركية بأن فلسطين تمثل المدخل ألى الأستقرار في الشرق الأوسط. ذهب العاهل الأردني ألى الكونغرس قبل عامين للدفع في هذا الأتجاه وألقى أمام مجلسي الكونغرس خطابا تاريخيا يضع فيه الأدارة الأميركية أمام مسؤولياتها. نجح في حمل الرئيس بوش الأبن على التحدث عن تسوية تؤدي ألى قيام دولة فلسطينية قبل نهاية العام 2008 في وقت يبدو واضحا ان أالحكومة الأسرائيلية تراهن على الوقت بغية تكريس أحتلالها لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. تستفيد اسرائيل، أول ما تستفيد، من غياب الوحدة الفلسطينية ومن أصرار quot;حماسquot; على تكريس وجود كيانين فلسطينيين لا علاقة لأحدهما بالآخر الأول في الضفة الغربية والآخر في قطاع غزة. وتستفيد أيضا من تصرف مجموعات عربية مرتبطة بهذه القوة الأقليمية أو تلك تنادي بالتصدي لكل ما هو حضاري في المنطقة بما في ذلك quot;مهرجان الأردنquot;!
من يعترض على quot;مهرجان الأردنquot; يخدم اسرائيل، بل يضع نفسه في خدمة أسرائيل. من يعترض على مثل هذا النوع من المهرجانات مستخدما المزايدات الرخيصة، أنما ينفّذ الرغبات ألأسرائلية لا أكثر. هل من خدمة تقدم لأسرائيل أكبر من خدمة تصويرها بأنها الديموقراطية الوحيدة في المنطقة وبأنها المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي يتسع لمهرجانات ذات طابع حضاري تقدم فيه أرقى أنواع الغناء والموسيقى؟ هؤلاء الذين يعترضون حاليا على quot;مهرجان ألأردنquot; هم من المدرسة نفسها التي تغاضت في العام 1970 عن الممارسات الفلسطينية في المملكة. لو نجحت المنظمات الفلسطينية وقتذاك في السيطرة على الأردن، لكانت نظرية الوطن البديل التي نادى بها أرييل شارون ومن على شاكلته تحققت. من يؤمن بتلك المدرسة يعترض الآن على quot;مهرجان الأردنquot;. من يفعل ذلك يسعى ألى نشر البؤس في المملكة وألى تجاهل ما قدمته من خدمات للشعب الفلسطيني في أحلك الظروف التي مرّ بها. ألى أين كان سيذهب الفلسطينيون بعد الجريمة التي أرتكبها صدّام حسين عندما أحتل الكويت في العام 1990؟ هل من مكان آخر يؤوي الفلسطينيين الذين أضطروا ألى ترك الكويت غير الأردن. لا مجال للتذكير بما فعله الأردن للفلسطينيين حفاظا على قضيتهم وتعزيزا للقرار الوطني المستقل. تكفي الأشارة ألى أن الملك حسين، رحمه الله، وضع اللبنة الأولى للدولة الفلسطينية المستقلة عندما أتخذ صيف العام 1988 قرار فك الأرتباط بين الضفتين الغربية والشرقية مؤكدا أن ألأردن يدعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. آن أوان تسمية الأشياء بأسمائها. لا مجال للمزايدة على الأردن، لا يحتاج الأردن ألى شهادات في الوطنية من أي جهة كانت. من يعترض على quot;مهرجان الأردنquot; بحجة أنه خطوة على طريق التطبيع مع أسرائيل، أنما يضع نفسه في خدمة أسرائيل ويشارك في حملة أسرائيلية على الأردن وعلى المهرجان. من يسعى ألى أردن يسوده البؤس لا يخدم سوى أسرائيل من حيث يدري أو لا يدري والأرجح أنه يدري للأسف الشديد. هل يبر الحقد كل هذا الكره للأردن؟ هل يبرر الحقد كل هذا الكره للنجاح؟